المتاجر تستغل ثقافة الاستهلاك لتحقيق أرباح مضاعفة في رمضان
الاستهلاك يتضاعف في رمضان رغم ارتفاع الأسعار والبعض يلجأ للاقتراض
توقعات بانخفاض القوة الشرائية 30% ونصائح اقتصادية وشرعية لخفض الاستهلاك
ثقافة الاستهلاك في رمضان
أيمن شكل
يأتي شهر رمضان بثقافة مجتمعية دخيلة على الإسلام وأهداف الصيام، وهي ثقافة الاستهلاك ومضاعفة المشتريات في الشهر الفضيل، ورغم ارتفاع الأسعار الذي يعاني منه العالم أجمع إلا أنها لم تستطع أن توقف هدير ماكينات الكاشير في المتاجر خلال الأيام السابقة لشهر الكرم والجود، ورغم المقاصد الشرعية من الصوم إلا أن المسلمين اليوم عكسوا اتجاه تلك المقاصد وهو ما فتح شهية أصحاب المتاجر لاستغلال الشهر بجعله شهراً للأرباح المادية وليس المعنوية، إلا أن الخبراء توقعوا انخفاض الاستهلاك والقوة الشرائية بنسبة 30%.
وتوقع الخبير الاقتصادي عارف خليفة تأثر المواطنين والمقيمين بارتفاع الأسعار والذي سيخفض القوة الشرائية لديهم بما نسبته 30% عن المعدل الطبيعي لكل عام، لكنه لفت إلى الارتفاع الذي حدث في الأسعار لم يتواصل بل شهد استقرارا بعد تدخل الحكومة بوضع إجراءات للحد من أثر التضخم المفرط للسلع الرئيسية على المواطنين.
وقدم خليفة روشتة لمواجهة مشكلة ثقافة الاستهلاك الرمضاني، بالتسوق الأسبوعي بدلاً من التخزين الذي يبدأ قبل شهر رمضان والذي يساهم في شراء أغراض غير مستغلة، وقال: إذا تم توزيع مشتريات شهر رمضان على الأسابيع فسيكون هناك نسبة غير بسيطة من المشتريات الاستهلاكية لن يتم شراؤها، كما دعا لتخفيض سفرة الإفطار وعدم كثرة الأنواع المطبوخة. والتفنن في الحلويات، وأشار إلى أن الهدر عادة يكون في الوجبات الجانبية.
كيف يرى العاملون في التوزيع شهر رمضان؟
أوضح عادل سعد مدير المبيعات في شركة توريد سلع غذائية للهايبرماركت أن كثافة العمل لديهم تتضاعف قبل شهر رمضان بأكثر من شهر ونصف، حيث تبدأ محلات السوبرماركت والهايبرماركت بطلب كميات مضاعفة من السلع استعداداً لزيادة الطلب عليها في الشهر الفضيل.
وأكد سعد أن المعدل الخاص بطلب السلع الرمضانية لم يختلف عن العام السابق حيث يستوعب السوق هذه الكميات دون أية مشكلة، وهو ما يؤكد على أن الاستهلاك لم يتغير رغم ارتفاع الأسعار، حيث لفت سعد إلى أن سلعا استهلاكية كثيرة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار خلال الفترة الماضية.
شويطر: لدي أغراض لم أستعملها من رمضان الماضي
واعترفت المواطنة نجاة شويطر أن لديها أغراضاً من شهر رمضان الماضي كانت قد اشترتها ولم تستخدمها، إلا أن حظها كان أوفر في تاريخ الصلاحية والذي سينتهي بعد رمضان بثلاثة أشهر، وحاولت تبرير ذلك بكرم العرب الذين يرفعون معدلات الإنفاق لاستقبال ضيوف الشهر الكريم، لافتة إلى أن بعض العوائل قد تلجأ للاقتراض لمواجهة ارتفاع الأسعار للسلع الرمضانية، وحتى لا تتجه إلى تخفيض ما يبتاعونه من المحلات التجارية، وقالت إن هذه القروض تضاعف مشكلاتهم أكثر، حيث يدخلون في أزمات مستقبلية أخرى وهي إشكالية سداد أقساط الديون الجديدة، خاصة وأن العيدين بعد شهر رمضان يمثلان ضغوطاً أخرى على ميزانية هؤلاء المقترضين.
كما أشارت شويطر إلى أن بعض النساء يقمن بتغيير كافة أدوات المطبخ في كل سنة سواء من الصحون والأكواب وأواني الطبخ، ويشترين أشياء قد لا يحتاجونها، لافتة إلى أن التجار يعرفون هذه العادة السيئة ويستغلونها بتقديم عروض مغرية لشراء تلك الأغراض كل سنة ودون داع ويعلمون أن شهر رمضان هو شهر الأرباح بالنسبة لهم، ونصحت شويطر بتخفيض المشتريات وحساب الكميات قبل التوجه للسوبرماركت ومعرفة ما يحتاجه البيت من مستلزمات، وما يتم شراؤه ويبقى مخزوناً غير مستغل، وقالت إن كثيراً من العوائل تكتشف بعد انتهاء شهر رمضان أنها قامت بشراء أغراض لم تستهلكها وربما تفسد قبل أن يلاحظوا بقاءها في الأدراج والبرادات.
وفسر جاسم بوطبنية أحد أسباب ارتفاع الاستهلاك في شهر رمضان بأن هذا الشهر تنشط فيه المجالس ويتم استقبال ضيوف كثر على مدار أيام الشهر، ولهذا تتضاعف قائمة الطلبات والمشتريات بالمقارنة مع أشهر السنة، لكنه أكد أن تلك الزيادة تكون في نطاق الميزانية الموضوعة لهذا الشهر الكريم وقبل سنوات، إلا أنه لفت إلى زيادة الأسعار وأثرها على استهلاك المجالس والضيافة في مجلسه مشيراً إلى أن هذه الزيادة لا يمكن إنكارها أو التغاضي عن تأثيرها لأنها ترتفع عاما بعد آخر.
وجهة النظر الشرعية
ومن وجهة النظر الشرعية، أوضح الأستاذ الدكتور عبدالستار الهيتي أستاذ الفقه المقارن والقضايا الفقهية المعاصرة أن من أهم المقاصد الشرعية لفريضة الصيام أنه شرع ليكون مدرسة روحية تتجلى فيه المشاركة التامة بين الغني والفقير، وليكون فرصة لتربية نفسية الصائم وتعويده على ملكة النظام والالتزام، وتتمثل المعاني السامية للصيام في الإمساك عن شهوة النفس الإنسانية في الطعام وتهذيب رغباتها، وبالمعنى الاقتصادي الدقيق: تخفيض الإنفاق وترشيده وتنظيمه.
واستدرك الدكتور الهيتي قائلاً: “لكن الواقع المشاهد أننا نرى في حياتنا المعاصرة علاقة طردية بين شهر الصوم وشره الاستهلاك المفرط، حتى إن الإنسان ليدهش من هذا النهم الاستهلاكي الذي يستشري لدى الناس في هذا الشهر دون مبرر منطقي، فتراهم يركضون نحو دائرة الاستهلاك المفرط والشره والنهم في الإنفاق، غالباً ما يكون ذلك مصحوباً بآلة رهيبة من الدعاية والإعلانات والمهرجانات التسويقية التي تحاصر الأسرة في كل مكان وزمان ومن خلال أكثر من وسيلة، وتضغط الزوجة باتجاه شراء المزيد بينما الأولاد يُلِّحون في مطالبهم الاستهلاكية في حالة من الشراهة لشراء أي شيء قابل للاستهلاك وبكميات أكثر من اللازم، مما يؤدي إلى تفريغ فكرة الصوم من معانيها الحقيقية المتمثلة في ضرورة تخفيض الإنفاق وترشيد الاستهلاك”.
وأكد أستاذ الفقه المقارن أن مضاعفة الاستهلاك غير العادي يتنافى مع مقاصد الصيام الشرعية والتربوية حيث تقتصر وجبات الطعام اليومية إلى وجبتين بدلا من ثلاث، مشددا على أن البذخ والشره يعتبران هدراً لإمكانات الأسر المادية والمجتمع وهدرا لقيم سامية متمثلة في سلوك القناعة والنظام.
ووضع الدكتور الهيتي قائمة للحد من ثقافة الاستهلاك المفرط في رمضان وهي:
1 ــ الشراء وِفقاً للحاجة من خلال التخطيط للوجبات وما سيتم تناوله على الفطور والسحور.
2 ــ صنع كمية معقولة من الطعام بعيداً عن الإسراف والتبذير.
3 ــ الحرص على تناول الطعام في المنزل، لأن تناول الطعام خارج المنزل يُعد من مظاهر التبذير التي يجب التخلص منها خلال شهر رمضان.
وبناء على هذه القواعد الشرعية ينبغي للمسلم أن يجعل رمضان برنامجاً لصياغة نمط استهلاكي رشيد بعيداً عن النهم والشره في الاستهلاك، وأن يتخلص من القيم الاستهلاكية السيئة الضارة حتى لا يتسبب الاستهلاك الترفي في الفقر والحاجة من خلال تضييع موارد الأسرة والإسراف والتبذير فيها، وأن يتم كبح الانفعالات العاطفية المتعلقة بالكميات المطلوب شراؤها واستهلاكها على مستوى الأسرة، وبذلك نجعل من رمضان عملية تأهيل لقاعدة استهلاكية رشيدة تحقق البعد التعبدي، وتحافظ على الثروة باعتبارها نعمة تستحق شكر الله تعالى والمحافظة عليها وعدم التفريط فيها.