الصوم وأثره في تربية النفس .. موضع خطبة الجمعة اليوم | أخبار وتقارير | بوابة الكلمة
أعلنت وزارة الأوقاف أن موضوع خطبة الجمعة اليوم 31 مارس 2023 هو “الصومُ وأثرُهُ في تربيةِ النفسِ”.
وتؤكد الوزارة على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، ومراعاة للظروف الراهنة، مع ثقتها في سعة أفق الأئمة العلمي والفكري، وفهمهم المستنير للدين، وتفهمهم لما تقتضيه طبيعة المرحلة.
وتشير خطبة الجمعة إلى أن الصومَ مدرسةُ تربيةِ النفسِ، وتزكيةِ القلوب، وضبطِ السلوكِ.
موضوع الخطبة
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ، وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ، أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
فإنَّ الصومَ مدرسةُ تربيةِ النفسِ، وتزكيةِ القلوب، وضبطِ السلوكِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فالصومُ يُربِّي النفسَ على إخلاصِ العملِ للهِ (عزَّ وجلَّ)، ومراقبتهِ سبحانَهُ في السرِّ والعلنِ؛ خوفًا مِن اللهِ (جلَّ وعلا)، وحُبَّا لهُ سبحانَهُ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ في الحديثِ القدسِي: (كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ إنَّمَا يتْرُكُ طعامَهَ وشَرَابَهُ مِن أجْلِي)، فالصيامُ سرٌّ لا يطلعُ عليهِ إلّا الله (جلَّ وعلا)؛ ولذلك كان الجزاءُ عليهِ مِن اللهِ تعالَى بلا واسطةٍ.
والصائمُ الحقُّ يعلمُ يقينًا أنّ اللهَ سبحانَهُ مُطلعٌ عليهِ في كلِّ زمانٍ وفي أي مكانٍ، يسمعُ أقوالَهُ، ويرى أفعالَهُ، ويعلمُ أحوالَهُ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}، ويقولُ سبحانَهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ
مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، ويقولُ (جلّ وعلا): {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، ويقولُ تعالَى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}، ويقولُ سبحانَهُ: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}؛ لذلك فهو يخلصُ العملَ للهِ تعالَى وحدَهُ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
فالصائِمُ الحقُّ الذي يُراقبُ ربَّهُ في صيامهِ وصلاتهِ وسائرِ عباداتهِ، يُراقبُ ربَّهُ أيضًا تمامَ المراقبةِ في إتقانِ عملهِ، وتجويدِ إنتاجهِ، وسائرِ تصرفاتهِ؛ مُستحضرًا قولَ ربِّهِ (جلَّ وعلا): {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ، كِرَامًا كَاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }، وقولَهُ سبحانَهُ: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا }، وقولَ نبيِّنَا ﷺ: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)، وقد قالَ رجلٌ لوُهَيبِ بنِ الوردِ (رحمَهُ اللهُ): عظنِي، فقالَ لهُ: اتّقِ أنْ يكونَ اللهُ أهونَ الناظرينَ إليكَ!
لذلك فإنَّ مراقبتَهُ للهِ (جلَّ وعلا) وحدَهُ تحجزُهُ عن الغشِّ بجميعِ صورهِ وأنواعهِ، كما تحجزُهُ عن تطفيفِ الكيلِ والميزانِ، والاحتكارِ، والمتاجرةِ بالأزماتِ، وسائرِ الموبقاتِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا)، ويقولُ (عزَّ وجلَّ): { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }، ويقولُ سبحانَهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (والمُحْتَكِرُ ملعونٌ).
كمَا أنَّ في الصومِ إمساكًا لزمامِ النفسِ، وكبحًا لجماحِهَا؛ حتى تصلَ إلى ما فيهِ خيرُهَا وسعادتُهَا، فيصومُ السمعُ والبصرُ واللسانُ، وسائرُ الجوارحِ عن كلِّ ما حرَّمَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، ويصومُ القلبُ عن الالتفاتِ لغيرِ النافعِ للنفسِ والوطنِ والمجتمعِ في الدنيا والآخرةِ.حسب ما نشر موقع الدعاة.