كيف يمكن لترامب أن يترشح لولاية رئاسية ثالثة؟

أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة، والتي تعد في الإطار النظري “مستحيلة”، وفق الدستور الأميركي، التساؤلات بشأن إمكانية أن يظل ترمب رئيساً للولايات المتحدة بعد نهاية ولايته الثانية، ورغم أن الفكرة السائدة هي أن الدستور يمنع ذلك، إلا أنه وكما قالت ترمب نفسه لشبكة NBC، يبدو أن هناك “طرقاً” تسمح بذلك.
تصريحات ترمب المتكررة وتأكيده بأنه “لا يمزح” في هذا الشأن، قرأ البعض فيها محاولة “الهروب للأمام”، وتحويل الأنظار عن قضايا أخرى مثيرة للجدل، مثل “تسريبات سيجنال”.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، ترى أن ترمب قطع الطريق على المرشحين الجمهوريين المحتملين للرئاسة في انتخابات 2028، وأدخل الموضوع في حالة من الجمود لمنعهم من سرقة الأضواء خلال ما تبقى من ولايته، وهو ما يخشاه كل الرؤساء، وأشارت إلى أن الرؤساء الأميركيين عادة ما يفقدون أهميتهم السياسية في ولايتهم الأخيرة وبشكل تدريجي مع قرب انتهائها.
وفي ما لم يحدد ترمب “الطرق” التي قد تساعده على تجاوز العراقيل القانونية، ومع عدم أي مؤشرات واضحة على أنه يمهد الطريق فعلياً لولاية ثالثة، إلا أن مجرد حديثه عن هذه الفرضية فتح نقاشاً محتدماً بشأن المدى الذي قد يذهب إليه ترمب لتحقيق طموحاته الجامحة.
وتتمثل العقبة الأساسية أمام ترمب في حال قرر المضي في مسعاه لتولي الرئاسة لولاية ثالثة، في التعديل الثاني والعشرين من الدستور الأميركي الذي تم إقراره عام 1951، والطريقة المباشرة لتجاوز هذه العقبة هي عبر تعديلها، إلا أنه أمام صعوبة هذه الفرضية، وربما استحالتها، فإن ترمب قد يكون مضطراً لنهج طرق أكثر ابتكاراً.
التعديل 22
ينص التعديل الثاني والعشرون في الدستور الأميركي على أنه “لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين”، كما يمنع أي شخص تولى منصب الرئيس أو عمل كرئيس لأكثر من عامين خلال فترة انتُخب فيها شخص آخر رئيساً، من الترشح أكثر من مرة واحدة.
وتمت المصادقة على هذا التعديل في عام 1951، وكان رداً مباشراً على انتخاب فرانكلين روزفلت 4 مرات، في ظل تشبث الناخبين الأميركيين بروزفلت خلال فترة الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، التي تزامنت مع الولايتين الثالثة والرابعة.
ويعتبر روزفلت الرئيس الوحيد الذي فعل ذلك منذ أن أرسى جورج واشنطن شرط الولايتين الرئاسيتين.
ويجادل بعض النقاد، بأن واضعي التعديل الثاني والعشرين، رفضوا الصيغة التي تمنع بشكل قاطع أن يكون أي شخص شغل منصب الرئيس لولايتين أو أجزاء منهما رئيساً في ولاية ثالثة، وأنهم استقروا عن قصد على صيغة تمنع أي مرشح من “الانتخاب” أكثر مرتين فقط، وتركوا الباب مفتوحاً أمام الولاية الثالثة بطرق أخرى.
وفي ورقة بحثية نُشرت في عام 1999 في مجلة “مينيسوتا” للقانون، خلّص خبراء إلى أن فكرة انتخاب رئيس مرتين دستورياً تمنعه من تولي المنصب مرة أخرى، هي فكرة “خاطئة تماماً”.
وفي الورقة البحثية ذاتها التي تحمل عنوان “الرئيس المستقبلي المنتخب مرتين” The Twice and Future President. وشارك في تأليفها البروفيسور بروس بيبودي، ظهر ما يعرف بـ”ثغرة التعديل الثاني والعشرين”.
ثغرة دستورية
“الرئيس المستقبلي المنتخب مرتين” ، هكذا كان عنوان مقالة نُشرت عام 1999 في مجلة “مينيسوتا” للقانون، شارك في تأليفها البروفيسور بروس بيبودي، وشرح خلالها كيف تعرّض التعديل لـ”سوء فهم واسع النطاق”، وتخلُص إلى أن فكرة “منع” أي رئيس مُنتخب مرتين دستورياً من تولي منصبه مرة أخرى “خاطئة تماماً”.
ووفقاً للورقة البحثية، فإن “التعديل الثاني والعشرين يحظر فقط إعادة انتخاب الرئيس المُنتخب مرتين”. إذ أن العبارة الرئيسية في التعديل هي: “لا يُنتخب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين…”.
وبناء على ذلك، فإن الرئيس المُنتخب مرتين لن يُمنع من تولي المنصب لاحقاً، بسبب استقالة أو وفاة رئيس آخر. لذلك، يمكن لترمب الترشح لمنصب نائب الرئيس، ويعتبر نائب الرئيس جي دي فانس على رأس قائمة المرشحين.
وبمجرد أداء دي فانس اليمين الدستورية، يمكن أن يستقيل، مما يسمح لنائبه – ترمب – بتولي المنصب. ويمكن استخدام الإجراء نفسه في انتخابات متعددة.
وللفوز بولاية رابعة، على ترمب ببساطة الاستقالة من الرئاسة قبل انتخابات عام 2032، وأن يصبح نائباً لمرشح رئاسي “وهمي”، سواءً كان فانس أو غيره.
لكن هذا المسار أمامه يصطدم بعائق دستوري آخر، هو التعديل الثاني عشر، الذي ينص على أنه “لا يجوز لأي شخص غير مؤهل دستورياً لمنصب الرئيس أن يكون مؤهلاً لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة”.
ويرى الخبراء أن التعديل الثاني عشر يمنع أي شخص من الترشح لمنصب فقط لفشله في استيفاء المعايير المنصوص عليها في الدستور، وهي أن يكون الرئيس قد بلغ سن 35 عاماً، وأن يكون مواطناً مولوداً في الولايات المتحدة، وأن يكون قد أقام في الولايات المتحدة لمدة 14 عاماً، وهي المتطلبات التي يستوفيها ترمب كلها.
السيناريو الأبعد
قد يطرح التعديلان الثاني والعشرون، والثاني عشر، تحديات دستورية كبيرة قد لا يكون ترمب مستعداً لها، لكن يمكنه دخول البيت الأبيض من خلال مسار آخر، أطول وأقل احتمالاً.
ينص الدستور الأميركي، على أنه بعد نائب الرئيس، يكون التالي في ترتيب خلافة الرئاسة هو رئيس مجلس النواب. يتم انتخاب رئيس مجلس النواب من قبل أعضاء مجلس النواب، ولا يلزم أن يكون هو نفسه عضواً في الكونجرس.
في هذه الحالة، إذا سيطر الجمهوريون على مجلس النواب، فيمكنهم انتخاب ترمب رئيساً، وبعد ذلك، إذا وافق الرئيس ونائب الرئيس على التنحي، يمكن أن يصبح ترمب رئيساً. وبهذه الطريقة، ستكون العملية متوافقة تماماً مع الدستور.
موقف الطبقة السياسية من تعديل الدستور
كشف رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، وهو جمهوري، أنه بحث مع ترمب مسألة “الولاية الثالثة”، وأشار إلى ضرورة “تعديل الدستور لإقرار ذلك”، لكنه وصف الأمر بـ”الصعب”.
ولفت جونسون إلى وجود “قيود دستورية”، وقال “لست متأكداً من وجود تحرك لتعديل الدستور”.
تصريحات جونسون، وإن كانت لم تحمل موقفاً حاسماً، إلا أنها تعكس رفضاً واسعاً من الطبقة السياسية في واشنطن للفكرة، سواء من جانب الجمهوريين أو الديمقراطيين.
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان يعتقد أن ترمب صاحب الـ78 عاماً يستطيع الترشح لولاية ثالثة، أجاب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الجمهوري جون ثون: “ليس من دون تعديل الدستور”، لافتاً إلى أن “ترمب لا يبدو جاداً في هذا”.
وتابع: “أعتقد أنكم ستستمرون في طرح هذا السؤال، وأتوقع أنه يمزح معكم”، فيما دعا رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الجمهوري تشاك جراسلي، إلى “قراءة الدستور”.
أما عضو مجلس الشيوخ الجمهوري تيد كروز الذي ترشح للرئاسة ضد ترمب في انتخابات 2016، اعتبر أن “التعديل 22 في الدستور، واضح بشكل لا لبس فيه”.
وذكر عضو مجلس الشيوخ الجمهوري ماركوين مولين والمقرب من ترمب، أن الرئيس الأميركي “يمكن أن يقول إنه لا يمزح، لكن هذه سخرية منه”، وأردف: “أعرفه منذ زمن طويل، واعتبره صديقاً”.
وقالت النائبة الديمقراطية جاسمين كروكيت على منصة “إكس”، إن “الدستور ليس اختيارياً يا سيدي (ترمب). هذا ليس برنامجاً تلفزيونياً، بل هو واقع”، مشددةً: “ولايتان فقط”.
وحتى مع دعم كامل من الجمهوريين، فبناء على الخارطة السياسية الحالية، من المستبعد أن يتم تمرير هذا التعديل في الكونجرس، لأنه يحتاج إلى تصويت ثلثي أعضاء المجلسين، والتصديق عليه من قبل 38 ولاية لإضافته إلى الدستور.
هل يُقْدِم ترمب على هذه الخطوة حقاً؟
حتى إذا سمح الدستور لترمب بالترشح لولاية ثالثة عبر مسارات مختلفة، فإن رفض الأميركيين قد ينهي طموحات ترمب بطريقة لن يجد معها أي مخرج، مهما كان المسار الذي اتبعه، لأن أي تحدٍ لهذه الإرادة سيكون محفوفاً بمخاطر تهدد استقرار الدولة.
وعموماً، فبحلول عام 2028، سيكون ترمب بعمر 82 عاماً، وقد يقرر من تلقاء نفسه عدم الترشح لولاية ثالثة، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً، وهذا إن كانت الطموحات التي أعلن عنها جادة في الأصل.