عزل الرئيس يدفع كوريا الجنوبية لفترة انتقالية مليئة بالمطبات

تستعد كوريا الجنوبية لانتخابات رئاسية في 3 يونيو، بعدما أيدت المحكمة الدستورية، الجمعة، قرار عزل الرئيس يون سوك يول من منصبه بسبب إعلانه الأحكام العرفية في ديسمبر.
وتشير التوقعات داخل الأوساط السياسية واستطلاعات الرأي في كوريا الجنوبية إلى أن القيادة في سول تتجه نحو تغيير كبير بشأن السياسة الخارجية، في ظل مؤشرات ترجح فوز زعيم الحزب الديمقراطي المُعارض، لي جاي ميونج، والمعروف بميله إلى الصين والمصالحة مع كوريا الشمالية، بخلاف الرئيس المعزول.
ومن الآن وحتى فتح صناديق الاقتراع، ستكون كوريا الجنوبية مقيدة على الساحة الخارجية، بما يمنعها على سبيل المثال من الرد على التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالإضافة إلى توقع المزيد من الاضطرابات، وسط احتمالات تشير إلى إجراء استفتاء على الإصلاح الدستوري، وبدء محاكمة سوك يول الجنائية بتهم تتعلق بالعصيان، وقد يُمنع المرشح لي جاي ميونج من الترشح، ما قد يخلط الأوراق مجدداً.
“تصريف أعمال”.. لا سياسة خارجية
وخلال هذه الفترة الانتقالية، التي سيقودها الرئيس المؤقت هان دوك سو، الذي يُشبَه بأنه أقرب إلى “رجل إطفاء”، لن يمتلك سلطة اتخاذ قرارات حاسمة، إلى حين انتخاب رئيس جديد.
وكان هان دوك عُزل من قبل البرلمان في ديسمبر، قبل أن يُلغى عزله في مارس، فيما تستمر مناصب رئيسية بالحكومة، مثل وزير الدفاع، شاغرة حالياً.
ويصف جيفري روبرتسون، الأستاذ المشارك في الدبلوماسية بجامعة يونسي، في حديث مع “الشرق”، حكومة هان دوك بأنها “مجرد حكومة تصريف أعمال بالأساس”، و”ليس لديها القدرة على تنفيذ أي استراتيجية”.
ويأتي ذلك، في وقت تعرّض اقتصاد كوريا الجنوبية، الذي يعتمد على التصدير، لضربة قوية في سوق رئيسية لصادراته، وهي الولايات المتحدة، بعد فرض ترمب تعريفات جمركية بنسبة 25% على سلع كوريا الجنوبية.
وبينما يبدو أن الحزبين الرئيسيين، حزب سلطة الشعب (مُحافظ)، الذي كان حاكماً وينتمي إليه الرئيس المعزول، والحزب الديمقراطي المُعارض (الأقرب إلى اليسار)، يُفضلان عدم مواجهة هذا القرار الأميركي برفع التعريفات، إلا أن هان غير قادر على اتخاذ أي خطوات جريئة، حيث يقول روبرتسون إن “من المستبعد جدًا” أن تُقدم كوريا الجنوبية على فرض أي تعريفات انتقامية، تشبه ما فرضته الصين على الولايات المتحدة.
وبدلًا من التعامل مع هان، “سيسعى الكثير من الدبلوماسيين هنا إلى قضاء بعض الوقت مع حزب (الديمقراطي) لي جاي ميونج وكبار مستشاريه”، في ظل استشعار احتمال عودته إلى السلطة، بعد إزاحة الزعيم المعزول لحزب سلطة الشعب.
متغيرات الانتخابات الرئاسية
ويُعتبر رئيس الحزب الديمقراطي، لي جاي ميونج، المرشح الأوفر حظاً في السباق الرئاسي. فعلى الرغم من أنه خسر بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية السابقة أمام يون سوك يول، لكن حزبه فاز بغالبية برلمانية واسعة في الانتخابات العامة، ما يعني أنه في حال فوز لي، سيكون لديه تفويض قوي للغاية لمواصلة سياساته المختارة.
في المقابل، لا يوجد لدى حزب قوة الشعب مُرشّح واضح للرئاسة؛ ويُعاني من تبعات عزل يون سوك يول، مع العلم بأن المرشحين سيكونوا أمام مهلة حتى 11 مايو للتسجيل.
وهناك مرشحان محتملان للحزب، هما هونج جون بيو، عمدة مدينة دايجو السابق، الذي خسر في الانتخابات التمهيدية السابقة أمام يون، والزعيم السابق لحزب قوة الشعب، هان دونج هون، والذي صوّت لصالح عزل يون، لذا سيواجه الأخير صعوبة في كسب دعم الشرائح المؤيدة ليون داخل الحزب.
مع ذلك، سيتعين على الحزب أن يقرر ما إذا كان سيتنصل من يون ويسعى إلى جذب المزيد من الناخبين، أو سيعزز دعمه. وفي هذا السياق، يقول روبرتسون إنه سيكون من الصعب جداً على مرشح حزب قوة الشعب الفوز من خلال الترويج تصرفات يون، أو حتى تبريرها.
وتبدأ محاكمة يون سوك يول الجنائية في وقت لاحق من أبريل، ما سيبقي قراره بفرض الأحكام العرفية، حاضراً في ذاكرة الكوريين، ما سيؤثر على حظوظ حزب سلطة الشعب.
المحكمة العُليا قد تُحدد الرئيس
في المقابل، برّأت المحكمة العليا للعاصمة سول زعيم الحزب الديمقراطي، لي جيه ميونج، قبل أيام من صدور حكم عزل يون، من تهمة انتهاك قوانين الانتخابات.
وينقض هذا الحُكم، ما أصدرته محكمة ابتدائية قبل أشهر بالحكم على لي بالسجن مدة عام مع وقف التنفيذ لمدة عامين، بتهمة الإدلاء بتصريحات كاذبة في انتهاك لقانون انتخابات المسؤولين العموميين.
ولو لم تنقضْ المحكمة العليا قرار المحكمة الابتدائية، لجُرِّد زعيم الحزب الديمقراطي من مقعده البرلماني، ومُنِع من الترشح في الانتخابات لمدة 10 سنوات.
لكن القضية لم تنتهِ فصولها بعد، إذ ستحال إلى المحكمة العليا في البلاد، في غضون 90 يوماً، ما يعني احتمال النظر فيها قبل يوم الانتخابات المقبلة. وإذا ألغت المحكمة العليا للدولة حكم المحكمة العليا للعاصمة، فسيصبح لي غير مؤهل للترشُّح، لكن حتى حينها، سيبقى مرشحاً رئيسياً وقريباً من الفوز.
ويُشبه روبرتسون المشكلة بتعبير “الفيل في الغرفة”، ما قد يعني أساساً أن المحكمة هي من ستقرر هوية الرئيس القادم لكوريا الجنوبية.
التأثير على السياسة الخارجية
وفي حال فوز الحزب الديمقراطي ولي جيه ميونج في الانتخابات، سيكون لذلك تأثير أكبر على السياسة الخارجية مقارنةً بفوز مرشح حزب قوة الشعب.
إذ يميل الحزب الديمقراطي إلى اليسار، ويميل عموماً إلى الصين والمصالحة مع كوريا الشمالية، بينما يميل حزب “سلطة الشعب”، ذو الميول الشعبوية، إلى اليمين، ويميل أكثر إلى الولايات المتحدة، وتحت قيادة يون، إلى اليابان.
ويعكس البروفيسور ستيفن ناجي، من الجامعة المسيحية الدولية في طوكيو، في حديث لـ”الشرق”، ما وصفه بـ”القلق الكبير” لدى اليابان بشأن عدم الاستقرار الداخلي في كوريا الجنوبية.
ولفت إلى عدم استساغة اليابان للإدارة السابقة للحزب الديمقراطي، عندما كان يقودها مون جيه إن، وكانت تعتبرها “استفزازية وغير متعاونة بشكل غير ضروري”، كما أن زعيمه الحالي، لي جيه ميونج، لديه سجل حافل بالتعليقات العدائية تجاه اليابان بشأن قضايا تاريخية مثل العمل القسري أو الاستعباد الجنسي، الذي تُتهم اليابان بممارسته خلال الحرب العالمية الثانية.
ويضيف ناجي أن الحزب الديمقراطي يبدو أقل اهتماماً بالتعاون الثلاثي مع اليابان أو الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الرسوم الجمركية الأميركية على اليابان وكوريا الجنوبية والصين قد تعني وجود المزيد من التعاون بين دول شرق آسيا الثلاث، في المستقبل. وهو ما ظهرت بوادره من خلال اللقاء الثلاثي، لوزراء التجارة في هذه البلدان، وأجروا خلاله أول حوار اقتصادي بينهم منذ 5 سنوات، سعياً لتسهيل التجارة الإقليمية في الوقت الذي تستعد فيه البلدان الثلاثة للرد على الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس الأميركي.
وفي هذا السياق، توقع الباحث والأستاذ في جامعة كوريا، لي جونج هو، في حديث لـ”الشرق”، أن يظل إطار التعاون الأمني الثلاثي بين سول وطوكيو وواشنطن قوياً بغض النظر عمن يتولى المنصب، في سول، إلا أن نهج الحزب الديمقراطي سيكون أكثر دقة مما كان عليه في عهد إدارة يون.
وأشار إلى أنه في حين دعمت إدارة يون بنشاط مسعى اليابان لإدراج منجم سادو في قائمة اليونسكو على الرغم من صلته بقضية العمل القسري التاريخية (من حيث إجبار آلاف الكوريين على العمل بشكل قسري خلال الاستعمار الياباني لكوريا بين العامين 1910 و1945)، سيحاول الحزب الديمقراطي مواصلة التعاون الأمني مع الحفاظ على موقف حازم بشأن القضايا التاريخية العالقة.
ولكن عندما تبنت إدارة مون جاي إن موقفاً مماثلاً، تصاعد الأمر بسرعة إلى حد قيام اليابان بتقييد صادراتها من المنتجات الرئيسية إلى كوريا الجنوبية ومقاطعة الكوريين للسلع اليابانية.
العلاقات مع الصين وروسيا
فيما يتعلق بالصين، يقول ناجي إن بكين لديها مرشحٌ مفضلٌ بوضوح في السباق الرئاسي، وهو لي جيه ميونج، الذي تراه أكثر ميلاً إلى سوقها، وربما يُعطي تايوان أولويةً أقل، من دون أن يَستبعد إتاحة بكين لكوريا الجنوبية وصولاً أكبر إلى أسواقها كمكافأةٍ لإدارة لي على ابتعادها عن تايوان، أو حتى الدفع باتجاه تقليص الوجود الأميركي في كوريا الجنوبية.
بدوره، يُرجح البروفيسور لي أن يتواصل الحزب الديمقراطي “مع الصين بهدف تحقيق التوازن بين المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، وتجنب المواجهات المباشرة، والسعي إلى تعاونٍ عمليٍّ في التجارة”.
ويُذكِّر البروفيسور لي بأن العلاقات مع الصين وروسيا توترت بشكل كبير في عهد يون، وتوقع أن يسعى الحزب الديمقراطي “إلى تعزيز قنوات الاتصال مع روسيا على مختلف المستويات”. ورأى أن انخراط روسيا المتزايد مع كوريا الشمالية ربما يعني أنها قد تتولى دور الوسيط في المحادثات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، لذا فإن تحسين العلاقات بين سول وموسكو ضروريٌ لتجنب العزلة الدبلوماسية.
في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، توقع ديلان موتين، أستاذ العلوم السياسية في مركز آسيا بجامعة سول الوطنية، في حديثه مع “الشرق”، ألا تكون الانتخابات الكورية الجنوبية سهلة، فالحزب “الديمقراطي” موالٍ للصين وحزب “سلطة الشعب” موالٍ للولايات المتحدة.
ووصف موتين موقف لي في السياسة الخارجية بأنه يتسم بالوسطية، مشيراً إلى أنه سعى في الأشهر الأخيرة إلى إظهار “مكانته الرئاسية” وطمأنة الناس بأنه سيحظى بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، حتى أنه دفع حزبه (الحزب الديمقراطي) إلى ترشيح دونالد ترمب لجائزة نوبل للسلام.
في هذه الأثناء، نأت كوريا الشمالية، بنفسها عن جارتها الجنوبية خلال إدارة يون، لكن روبرتسون يرى أن ذلك مجرد إشارة من بيونج يانج إلى استيائها من سياسة الأولى، وأنه في حال فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات، سيكون التفاوض مع كوريا الشمالية وارداً.
ويؤيده موتين في ذلك، قائلاً إن فوز الديمقراطيين سيشكل المحطة التي “ستحدث فيها أكثر الأمور إثارة للإعجاب”، وذهب إلى توقع أن يرغب لي في مواكبة ترمب، في حال أراد الرئيس الأميركي التعامل مع كوريا الشمالية.
ولفت كذلك إلى أن كوريا الشمالية التزمت بالهدوء النسبي خلال الأشهر الأخيرة، مما يشير إلى أنها تتبنى نهج الانتظار والترقب تجاه الاضطرابات السياسية في كوريا الجنوبية.
ومع ذلك، يقول روبرتسون إن من غير المرجح أن تحصل أي تغييرات في السياسة الخارجية بشكل فوري، وخلص إلى أن “أي حكومة، عندما تصل إلى السلطة، ترغب في الحفاظ على السياسات الإيجابية أو السياسات الناجحة التي اتبعتها الحكومة السابقة”.