الفيلسوف الذي علّم نفسه بنفسه: تأملات في قصة حي بن يقظان

اخبار تركيا (إبراهيم قالن كريتيك باكيش)
ابن طُفَيل (11161185م)، أحد أبرز عظماء الحضارة الإسلامية الأندلسية، اشتهر بقصته الفلسفية “حي بن يقظان” التي تعني حرفياً “الحيّ ابن اليَقظ”. تُعد هذه التحفة من أكثر كتب التراث الفكري الإسلامي انتشاراً، حيث تُرجمت إلى اللاتينية عام 1617 بواسطة إدوارد بوكوك، نجل الدكتور بوكوك العالم البارز في أكسفورد. حملت الترجمة اللاتينية عنوان “Philosophus Autodidactus” (الفيلسوف الذي علم نفسه بنفسه)، وأسرت مخيلة أجيال من الفلاسفة وعلماء اللاهوت. تقدم لنا طريقة تأثير هذه القصة على مسار الفكر الأوروبي في القرن السابع عشر وعصر التنوير مثالاً رائعاً لرحلات الأفكار عبر الحدود الدينية والثقافية واللغوية. وبصرف النظر عن قضايا التأثير، يحتفظ هذا الكتاب بأهميته الفلسفية حتى يومنا هذا.
تحكي القصة أن حي بن يقظان وُجد رضيعاً على جزيرة وربّته الظباء. ومع نموه، أدرك أنه يرتبط بالحيوانات الأخرى لكنه يختلف عنها. من خلال مراقبته للبيئة الطبيعية، بدأ يكتشف المبادئ التي تحكم بقاء الكائنات. وعندما أدرك أن الله هو مصدر كل الوجود والمعرفة، تعمّق فهمه للعالم الذي يعيش فيه والمبادئ الطبيعية والأخلاقية التي تحكمه. لقد ميزته رحلته في اكتشاف ذاته عن الكائنات الحية الأخرى من حوله.
في يوم من الأيام، يصل إلى الجزيرة رجل يدعى “أبسال” من جزيرة مجاورة، فيبدأ الاثنان في مناقشة الطبيعة والأخلاق والإله. وبدهشة بالغة، يدرك أبسال أن حياً قد اكتشف بنفسه كل الحقائق التي يعلّمها الدين المنزَل. لكن فهم حي يمتاز بوضوحه الصارخ وشكله المفاهيمي الدقيق، مما يجعله يبدو أرقى من المعتقدات المعقدة والمشوشة لأهل أبسال. يحاول حي نقل فهمه العقلاني للأشياء إلى سكان جزيرة أبسال، لكن هذه المحاولة الخيّرة تنتهي بالفشل. يدرك حي أن معظم الناس تحركهم الأنانية والجشع والعواطف، ولا يستجيبون للنداء السامي للعقل والإيمان. فالبشر العاديون، بعيوبهم ونزعاتهم التدميرية، لا يمكن تركهم دون توجيه. إنهم بحاجة إلى الدين ليقدم لهم مجموعة من القواعد والضوابط التي تمكنهم من إدارة شؤونهم بشكل هادف وسلمي. بعد هذا الدرس المُذكّر بوضع الإنسان، يعود حي إلى جزيرته برفقة أبسال الذي أصبح تلميذاً له.
تتعدّد الطرق لتفسير قصة حي. والمثير للاهتمام أن عملًا فلسفيًا إسلاميًا كهذا لقي كل هذا الاهتمام في فترة تشهد غليانًا فكريًا كبيرًا في أوروبا. لماذا إذن تهتم الأوساط الفكرية والأكاديمية في أوروبا إبان القرن السابع عشر بعمل لفيلسوف مسلم أندلسي من القرن الثاني عشر؟
يمكن قراءة المقال كاملا عبر رابط مجلة كريتيك باكيش التركية..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!