جمارك ترامب الشاملة تدخل حيز التنفيذ وتربك الأسواق

دخلت الرسوم الجمركية الشاملة “المضادة” التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على عشرات الدول حيز التنفيذ، الأربعاء، فيما يدرس نواب جمهوريون مشروع قانون ربما يشكل “تحدياً” لترمب بشأن التعريفات جمركية.
ويقول ترمب إن خططه لإعادة تنظيم الاقتصاد العالمي ستُنعش الاقتصاد الأميركي وتُرسي نظاماً عالمياً أكثر إنصافاً، فيما يقول خبراء اقتصاديون ومديرون تنفيذيون إنها ستُفكك التحالفات العالمية، وتُؤدي إلى ركود اقتصادي مؤلم.
وفي تمام الساعة 12:01 صباح الأربعاء بتوقيت شرق الولايات المتحدة (04:01 بتوقيت جرينتش)، بدأت الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية متبادلة على نحو 60 دولة، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية الأساسية البالغة 10% التي بدأت تحصيلها السبت.
ويقدر “مختبر الميزانية في جامعة ييل” (The Yale Budget Lab)، أن الرسوم الجمركية ستخفض الدخل المتاح للأسرة الأميركية المتوسطة بنحو 3800 دولار سنوياً، مع أن هذا يمثل المتوسط، وفي الواقع ستكون الرسوم الجمركية بمثابة ضريبة تراجعية على أفقر الأسر.
وقبل بدء تطبيق الرسوم الجمركية، تدافع الناس على تخزين لوازم السيارات وهواتف آيفون، وحتى المواد الغذائية الأساسية.
ارتباك التجارة العالمية
وتسببت جمارك ترمب في هزة للنظام التجاري العالمي القائم منذ عقود، وأثارت مخاوف من الركود وأدت لخسارة تريليونات الدولارات من القيمة السوقية لشركات كبرى، وتفاقم حرب تجارية عالمية وتحفيز عمليات بيع واسعة النطاق في أسواق المال.
ويتحمل حلفاء الولايات المتحدة القدامى، مثل الاتحاد الأوروبي، رسوماً جمركية بنسبة 20%، بينما تُفرض على مناطق التصنيع الحيوية، مثل فيتنام وكمبوديا، رسوم جمركية تصل إلى 40%.
ودعا وزير الصناعة الفرنسي مارك فيراتشي، الأربعاء، الشركات الفرنسية إلى تعليق استثماراتها في الولايات المتحدة في ظل الخلافات القائمة بين فرنسا وأوروبا وبين إدارة الرئيس ترمب بشأن الرسوم الجمركية.
وقال فيراتشي لإذاعة فرانس إنفو: “نقول: علقوا استثماراتكم، في هذه المرحلة المعقدة للغاية. نحن الآن في حالة من الارتباك الشديد.. فالاستثمارات التي كانت متوقعة أصبحت الآن غير مؤكدة”.
وقال وزير المالية الألماني يورج كوكيس، الأربعاء، إن أكبر اقتصاد في أوروبا معرض لخطر ركود جديد نتيجة للتوتر التجاري. ويقدر بنك “جيه.بي مورجان” أن احتمال دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود بنهاية العام يصل إلى 60%.
وهناك الصين، التي فُرضت عليها بالفعل رسوم جمركية بنسبة 20% بسبب تجارة مخدر “الفنتانيل”، ثم فُرضت عليها رسوم جمركية متبادلة بنسبة 34%، ثم رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% بعد ردها على الرسوم الأميركية، ليصبح الإجمالي 104%.
وتعهدت شركات وساطة صينية كبرى بالمشاركة في جهود تبذلها شركات حكومية من أجل استقرار أسعار الأسهم المحلية بسبب الاضطرابات التي تسببت فيها تلك الرسوم.
وهذه الجمارك تكاد تكون شبه عالمية، لكن من المتوقع أن تتأثر بعض المنتجات أكثر من غيرها، لا سيما ألعاب الفيديو، وقطع غيار أجهزة الحاسوب، والهواتف الذكية، والملابس، وقطع غيار الطائرات.
“شتاء نووي اقتصادي”
ومنذ أن كشف ترمب عن تلك الرسوم، الأربعاء، تكبد مؤشر ستاندرد اند بورز 500 أكبر خسارة منذ إطلاقه في خمسينيات القرن الماضي. ويقترب المؤشر الآن من أن يصبح من الأسواق التي تسودها الرهانات على الهبوط والتي تتحدد بتراجع بنسبة 20% عن أعلى مستوى بلغته في الآونة الأخيرة.
وشهدت الأسواق المالية العالمية 4 أيام تداول قاسية تاريخياً منذ إعلان ترمب عن في 2 أبريل، وخسر المستثمرون تريليونات الدولارات في موجة خسائر فادحة لا تُضاهي إلا انهيار الأسواق عام 1987، والأزمة المالية العالمية عام 2008، وبداية جائحة كورونا عام 2020.
وتشهد السوق حالة من الشك وعدم الاستقرار واسعة النطاق، تفاقمت بسبب تزايد الآراء التي تُشير إلى أن صيغة الرسوم الجمركية بأكملها قد حُسبت بشكل خاطئ، وربما تكون قد حددت المعدلات بمستويات مرتفعة للغاية.
كما تأثرت السندات العالمية القياسية، وهي أصول تعتبر آمنة نسبياً، بالاضطرابات التي شهدتها الأسواق مع تحول مثير للقلق نحو عمليات بيع اضطرارية طلباً لملاذ.
وشهدت السندات السيادية الدولية لعدد من الأسواق الواعدة عمليات بيع مكثفة مرة أخرى، الأربعاء، مع دخول جمارك ترمب حيز التنفيذ، وأجج دخول الرسوم، التي تتضمن 104% على الصين، موجة اضطرابات في الأسواق العالمية.
وأظهرت بيانات تريدويب أن السندات طويلة الأجل المقومة بالدولار لباكستان انخفضت أكثر من 5 سنتات لتتراجع لما دون 70 سنتاً، وهو الحد الفاصل الذي يتم بعده اعتبار الدين متعثراً.
كما تراجعت سندات سريلانكا ونيجيريا ومصر بين 3.5 و4.5 سنت.
وتراجع اليوان الصيني إلى أدنى مستوى في 19 شهراً مقابل الدولار، الأربعاء، بعد أن هبطت العملة الأميركية في الخارج الليلة الماضية وسط قلق المستثمرين بشأن تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
ونزل اليوان 0.2% إلى 7.3498 مقابل الدولار في تعاملات ما بعد الظهيرة بعد أن وصل لمستوى 7.3505 مقابل الدولار في وقت سابق من الجلسة، والذي كان أدنى مستوى منذ سبتمبر 2023.
وحذّر المستثمر الملياردير بيل أكمان، وهو من أشد مؤيدي ترمب، في منشور على منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي؛ مما وصفه بـ”شتاء اقتصادي نووي” في حال دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ.
وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، الثلاثاء، أن 70 دولة تواصلت مع البيت الأبيض سعياً لإبرام صفقات تجارية.
ولم يتضح على الفور متى ستجري هذه المحادثات، أو النتيجة التي سيسعى البيت الأبيض إلى تحقيقها، أو ما إذا كانت الدول الأخرى ستكون راضية عما يمكن أن تحصل عليه.
جمهوريون يتحدون ترمب
مع ذلك، يفكر ما لا يقل عن 10 جمهوريين في مجلس النواب في التوقيع على مشروع قدمه قانون النائب جمهوري من ولاية نبراسكا دون بيكون، لتقييد قدرة البيت الأبيض على فرض تعريفات جمركية من جانب واحد، بحسب موقع “أكسيوس”.
واعتبر الموقع الأميركي أن الخطوة تشكل “اختلافاً كبيراً” في صفوف الحزب الجمهوري مع ترمب، الذي هدد باستخدام حق النقض (فيتو) ضد مشروع القانون في حال تمريره من قبل الكونجرس.
وكان النائب بيكون قال لموقع “أكسيوس” إن اثنين من النواب الجمهوريين، هما النائبين جيف هيرد (من كولورادو) ودان نيوهاوس (من واشنطن)، واثنين من الديمقراطيين وقعوا على مشروع القانون كرعاة مشاركين، مشيراً إلى وجود 10 آخرين يريدون التوقيع أيضاً.
وسيؤدي مشروع القانون، في حالة إقراره، إلى انتهاء صلاحية أي تعريفات يفرضها الرئيس بعد 60 يوماً، ما لم يصوّت الكونجرس لتمرير قرار بالموافقة عليها.
كما أنه سيمنح الكونجرس القدرة على تمرير قرار رفض من أجل إلغاء التعريفات الجمركية في أي وقت.
ووفقاً لـ”أكسيوس”، شارك أكثر من 6 جمهوريين بمجلس الشيوخ في رعاية مشروع قانون مماثل قدمه السيناتور الجمهوري من ولاية آيوا تشاك جراسلي، والسناتور الديمقراطية من ولاية واشنطن ماريا كانتويل.