واشنطن تدرس منع DeepSeek من شراء تكنولوجيا أميركية

تدرس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض عقوبات من شأنها منع شركة DeepSeek الصينية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي من شراء تكنولوجيا أميركية، كما تناقش حظر الأميركيين من الوصول إلى خدماتها، حسبما أفادت به صحيفة “نيويورك تايمز”.
وتسبب إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي DeepSeek منخفض الكلفة في هزة للقطاع ودفع الحكومة الأميركية منذ ذلك الحين لاتخاذ خطوات لمواجهة الشركة الصينية الناشئة ومنع وصول منتجات شركة صناعة الرقائق Nvidia إليها.
وفتحت لجنة مجلس النواب الأميركي المختارة المعنية بالحزب الشيوعي الصيني، والتي تُركز على التهديدات الأمنية الوطنية من الصين، تحقيقاً في بيع Nvidia للرقائق في جميع أنحاء آسيا، إذ تحاول اللجنة تقييم ما إذا كانت شركة صناعة الرقائق الأميركية قد زودت DeepSeek عن علمٍ بتكنولوجيا حيوية لتطوير الذكاء الاصطناعي، ما قد يُشكل انتهاكاً للقواعد.
وقالت اللجنة، إن Nvidia وشركات ذكاء اصطناعي صينية أخرى، ربما تكون قد تحايلت على القيود الأميركية المفروضة على شراء شرائح Nvidia من خلال شرائها عبر وسطاء في سنغافورة.
وفي الرسالة التي افتتحت بها تحقيقها مع شركة Nvidia ، طلبت اللجنة من الشركة تقديم تفاصيل عن كل عميل من 11 دولة آسيوية، بما في ذلك ماليزيا وسنغافورة، ممن اشتروا 500 رقاقة ذكاء اصطناعي أو أكثر منذ عام 2020، كما طلبت تفاصيل عن الشركات التي كان من المتوقع أن تستخدم تلك الرقاقات.
واستشهدت بتقرير لـ “رويترز” نشر فبراير الماضي، يفيد بأن السلطات السنغافورية ألقت القبض على 3 أشخاص بتهمة تصدير شرائح Nvidia المتقدمة بشكل غير قانوني إلى DeepSeek في الصين.
من جانبه، قال مسؤول في اللجنة التي تتمتع بسلطة استدعاء قضائي، إنه يتوقع من Nvidia تقديم ردود في غضون أسبوعين. وعادةً ما تستغرق اللجنة أكثر من أربعة أشهر في التحقيق قبل إصدار تقرير بشأن أي مشكلة والدعوة إلى جلسة استماع.
وجاءت الحملة ضد شركة Nvidia، بعد أن تلقى مسؤولو البيت الأبيض ووزارة التجارة إحاطات في الأسابيع الأخيرة بشأن خطر الأمن القومي الذي تُشكله شركة DeepSeek.
وتضمنت الإحاطات تفاصيل بشأن علاقات بعض باحثيها بالجيش الصيني ومؤسسات أخرى في الصين خاضعة لعقوبات لمساعدتها الجيش الصيني.
ارتباطات مع DeepSeek
وقالت “نيويورك تايمز”، إن النتائج، التي جمعتها شركة “إكسيجر” Exiger لتحليل البيانات، أشارت إلى أن “العشرات من باحثي DeepSeek لديهم أو كان لديهم سابقاً ارتباطات بمختبرات جيش التحرير الشعبي الصيني أو معاهد أبحاث دفاعية في الصين”.
وعمل هؤلاء مع مجموعات شملت معهداً يُطور ويختبر الأسلحة النووية الصينية، وجامعات تُعرف باسم “أبناء الدفاع الوطني السبعة”، ومنظمات مُنعت من شراء التكنولوجيا الأميركية من قِبل الحكومة في واشنطن.
وتحركت إدارة ترمب هذا الأسبوع لتقييد بيع Nvidia لرقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، فيما حذرت الشركة الثلاثاء، من خسارة قدرها 5.5 مليار دولار، بعد أن فرضت واشنطن قيوداً على صادرات رقاقة الذكاء الاصطناعي (إتش-20) إلى الصين.
ويُعد هذا أول تحقيقٍ يُجريه الكونجرس في أعمال Nvidia، إذ يأتي في وقت تُكافح فيه إدارة ترمب لتطبيق قاعدةٍ وضعتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، والتي تُقيّد عدد شرائح الذكاء الاصطناعي التي يُمكن للشركات إرسالها إلى دولٍ مختلفة.
وركزت ضوابط التصدير الأميركية على رقائق الذكاء الاصطناعي من Nvidia، إذ يهدف المسؤولون الأميركيون إلى منع بيع أكثر الرقائق تقدماً إلى الصين في محاولة للحفاظ على صدارة الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي.
وقالت “نيويورك تايمز”، إنه “من الشائع أن تربط الشركات الخاصة في الصين علاقات وثيقة بالصناعات المدعومة من الدولة، وأن تُنتج تقنيات لمشاريع تمولها الدولة، لكن البحث يشير إلى أن DeepSeek التي تقول إنها شركة خاصة غير مرتبطة بالدولة، تربطها علاقات أوثق بالجيش والحكومة الصينيين مما كان يُعتقد سابقاً”، على حد قول الصحيفة.
مخاوف من تفوق صيني
وتُمثّل الهجمات على شركتيْ DeepSeek وNvidia نتاجاً لمخاوف واشنطن من تفوّق الصين على الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي ستكون له تداعياتٌ واسعة النطاق على الأمن القومي والجيوسياسي.
وحذرت “نيويورك تايمز”، من أنه “إذا تفوقت الصين وتولّت زمام المبادرة، يُمكنها استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أسرع لتصميم أسلحة الجيل التالي، مثل الصواريخ والطائرات المُسيّرة ذاتية التشغيل، كما يُمكنها إقناع دولٍ أخرى باستخدام تقنيتها في شبكات أنظمة الذكاء الاصطناعي وبنيتها التحتية، ما يُضعف نفوذ الولايات المتحدة حول العالم”.
وفي الإطار، قال كلون كيتشن، الزميل البارز في معهد “أميركان إنتربرايز”، والمتخصص في الأمن القومي والتكنولوجيا، إن استراتيجية الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي كانت تتمثل في استغلال ريادتها الحالية في تصنيع رقائق وأنظمة الذكاء الاصطناعي لإقناع الدول بالتحالف معها.
وأضاف: “لقد أثارت ادعاءات ديب سيك دهشة الجميع، لأنها أظهرت أننا على بُعد لحظة واحدة من تقويض جوهر السياسة الأميركية”.
وأدت المنافسة بين واشنطن وبكين على التفوق التكنولوجي إلى اضطراب قطاع أشباه الموصلات، ففي أعقاب حملة إدارة ترمب على مبيعات الرقائق للصين هذا الأسبوع، أعلنت شركة “إنفيديا”، وشركة أخرى لتصنيع الرقائق، وهي شركة “أدفانسد مايكرو ديفايسز”، عن خسائر بمليارات الدولارات في المبيعات.
وأعلنت شركة ASML الهولندية القابضة، التي تُعدّ أجهزتها أساسية في تصنيع أشباه الموصلات الأكثر تطوراً، الأربعاء، أن طلبات شراء معداتها لم تكن على مستوى التوقعات.
Nvidia: ملتزمون توجيهات الحكومة
بدوره، قال جون ريزو، الناطق باسم Nvidia، إن الشركة التزمت بتوجيهات الحكومة الأميركية بشأن المنتجات التي يمكنها بيعها وأماكن بيعها “بالحرف الواحد”.
وأضاف ريزو: “تحمي إنفيديا الأمن القومي وتعززه من خلال خلق فرص عمل وبنية تحتية أميركية، وتعزيز الريادة التكنولوجية الأميركية، وجلب مليارات الدولارات من عائدات الضرائب إلى الخزانة، وتخفيف العجز التجاري الأميركي الهائل”.
وفي يناير الماضي، أحدثت شركة DeepSeek صدمةً في قطاع التكنولوجيا، بعد إطلاق نظام ذكاء اصطناعي جديد، “ديب سيك-“V3، والذي زعمت الشركة أنها درّبته بكلفة 6 ملايين دولار، أي ما يُقارب عُشر ما تنفقه الشركات الأميركية.
وشكّل هذا النظام منخفض الكلفة تحدياً لإجماع القطاع على أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكبر والأفضل ستُبنى من قِبل الشركات التي تُنفق أكثر على الرقائق ومراكز البيانات.
وفي فبراير الماضي، بدأت لجنة الكونجرس المعنية بالصين العمل على تقرير منفصل يهدف إلى شرح كيفية تحقيق DeepSeek لقفزتها التكنولوجية.
واستشهد التقرير بتقديرات شركة SemiAnalysis للأبحاث في مجال أشباه الموصلات، تفيد بأن “ديب سيك” تمكنت من الوصول إلى 60 ألف شريحة من “إنفيديا”، بما في ذلك 20 ألف شريحة محظورة من الصين.
كما وجد تقرير الكونجرس أن شركة DeepSeek استخدمت بيانات من OpenAI لتسريع تطوير نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بالشركة الصينية.
وفي مذكرة من OpenAI إلى اللجنة، قالت الشركة إن موظفي “ديب سيك” تجاوزوا الحواجز الأمنية المخصصة لمنع هذا النوع من جمع البيانات، إذ يُعدّ استخدام البيانات من نظام ذكاء اصطناعي لبناء نظام آخر، أمراً شائعاً، ولكن إذا أخذت شركة بيانات من تقنية خاصة، فقد تكون هذه الممارسة غير قانونية.