“مهمة مستحيلة”.. ميلوني تلتقي ترمب للتفاوض على الرسوم

وصلت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني إلى واشنطن، الأربعاء، للاجتماع بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، في البيت الأبيض، وسط تقديرات أنها ستسعى إلى محاولة التوصل إلى اتفاق لتخفيف أو إلغاء الرسوم الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة وبلادها، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الجبهة الأوروبية الموّحدة في مواجهة حرب الرسوم الجمركية التي يشنها الرئيس الأميركي على العالم.
مع ذلك، يعتبر لقاء ميلوني وترمب، ذا أهميّة بالغة، كونه الأول بين زعيمٍ أوروبي والرئيس الأميركي ما بعد الثاني من أبريل، تاريخ دخول قراراته حول التعريفات الجمركية، حيز التنفيذ قبل أن يعلق جزءاً كبيراً منها 90 يوماً.
واعتبرت أوساط إيطاليّة وأوروبية اللقاء محورياً، ليس في مسار السياسة الخارجية الإيطالية فحسب، ولكن على المستوى الأوروبي أيضاً، سيّما وأن العلاقة التي تربط ميلوني بالرئيس الأميركي وإدارته ومستشاره الملياردير إيلون ماسك، صارت المؤشر الذي يُرى عبره هذا اللقاء وما سيتمخّض عنه.
وهذا هو اللقاء الثالث بين ميلوني وترمب في أقل من أربعة أشهر، فقد التقيا في الخامس من يناير الماضي، وحصلت ميلوني حينها على موافقة ضمنية من ترمب بشأن صفقة التبادل مع إيران بإطلاق التقني الإيراني محمد عابديني نجفآبادي، مقابل إطلاق سراح الصحافية الإيطالية تشيتشيليا سالا التي أوقفتها سلطات طهران كـ”رهينة للتبادل”.
أما المناسبة الثانية فقد كانت خلال حضور ميلوني مراسم تنصيب ترمب، وكانت بذاك الزعيم الأوروبي الوحيد الذي يُدعى إلى هذا الحفل.
ورغم الغموض الذي يكتنف اللقاء الرسمي الأول بين الزعيمين، فإن جميع الاحتمالات قائمةٌ بسبب المفاجآت التي عوّد بها ترمب المجتمع الدولي منذ عودته إلى البيت الأبيض، غير أنّ الكثيرين، وبالذات في معسكر ميلوني، يستبعدون حدوث مفاجآت، وإن كانوا يتوقّعون أن يُطالب الرئيس الأميركي إيطاليا بزيادة الإنفاق العسكري وشراء الأسلحة والغاز من الولايات المتحدة،
ورغم ذلك، يؤكدون أن “رئيسة الحكومة ستعود إلى روما منتصرة بعد أن تكون قد أبلغت ترمب بخطأ تعرفاته الجمركية”، على حدّ قول، ماوريتسيو لولي، رئيس تحرير الجريدة الناطقة باسم حزب “إخوة إيطاليا”، وأحد أقرب مستشاري ميلوني.
أوراق ميلوني
منتقدو رئيسة الحكومة ومعارضوها يؤكّدون أنه “ليس لديها ما تُقدّمه”، كما تؤكّد زعيمة “الحزب الديموقراطي” المعارض إيلي شلاين. فإلى جانب تمنيّها بأن “تنجح” ميلوني في تحقيق ما أعلنت عنه من أهدافٍ لهذه الزيارة، “فإنّي أطالبها بأنّ تمنح ترمب القناعة في أنّ بإمكانه شق الصفّ الأوروبي وتمكّنه من تحقيق هدف التفاوض مع كل بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي على حِدة”، في حين يذهب الأكثر تشدّداً، كرئيس الحكومة الأسبق ماتّيو رينزي، إلى احتمال “خضوع رئيسة الحكومة إلى ما سيفرضه ترمب عليها”.
ورغم أن صلاحيات التفاوض بشأن التجارة الخارجية لدول الاتحاد مكفولة للمفوّضية الأوروبية، فإنّ ميلوني أعادت التأكيد في رسالة متلفزة بُثّت قبل يومٍ من توجّهها إلى واشنطن بأنّها ستعمل على “جَسر الهوّة ما بين طرفَي الأطلسي”، إلا أن الهدف، غير المُعلن، هو حماية المصالح الاقتصادية الإيطالية، لا سيما في ظل الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الصادرات الأوروبية. وتُعدّ إيطاليا من أكثر الدول الأوروبية تضرّراً من هذه الإجراءات الحمائية، حيث أنّها تسجّل فائضاً تجارياً مع الولايات المتحدة يقارب 40 مليار يورو.
إذا، تسعى ميلوني إلى التفاوض من أجل تخفيف هذه الرسوم أو إلغائها، من خلال مقترح لعقد اتفاق “صفر مقابل صفر”، أي الإلغاء المتبادل للقيود التجارية، وإفساح المجال أمام إنشاء منطقة تبادل حرّ بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
غير أنّه من المستبعد أن يتنازل الرئيس الأميركي عن مطالباته، سيّما وأنّه أمطر أوروبا بسلسلة مُهينة من النعوت، التي زادها نائبه جَي دي فانس قوّة وإهانةً في عقر دار أوروبا في مناسبات سابقة.
وبالإمكان تصوّر هذا اللقاء حقّاً بمثابة النزال الأقسى غير المتوازن، يتواجه على حلبته زعيم أكبر قوّة إقتصادية وعسكرية في العالم، ورئيسة وزراء دولة تعاني مشكلات حقيقيّة، آيلة إلى تفاقمٍ أشد، فيما لو فُعّلت التعرفات الجمركية حقاً، متسبّبةً بآثار كارثيّة للاقتصاد الإيطالي.
على أنّ ميلوني لا تتواجه على هذه الحلبة مع ترمب وحده، فهي محاصرة من قبل المعارضة في بلدها، إضافةً إلى مناورات حليفها الأقرب، ماتّيو سالفيني، الذي بدأ بطرح اشتراطاته عليها بالعودة إلى تولّي حقيبة الداخلية، ويتبارى معها في محاباة ترمب وإيلون ماسك.
ولا يستبعد مراقبون كُثراً، بأنّ سالفيني باتَ يكمن لميلوني عند المنعطف، عبر تعريض التحالف الحاكم إلى مصاعب، في حال عودة رئيسة الحكومة من واشنطن بخُفّي حُنينْ أو بنتائج ضعيفة، في أفضل الحالات.
حلبة مُكتظةٌ بالخصوم
أما الخصم الثالث في حلبة هذا النزال، فهو الاتّحاد الأوروبي، وبالذات فرنسا؛ فرغم أنّ ميلوني لمّحتْ إلى أنّها ستدافع عن أوروبا خلال لقائها مع الرئيس الأميركي وبأنها تحظى بدعم ضمني من رئيسة المفوّضيّة الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، فإنّ تحرّكها لن يكون بمنأى من مخاطر سياسية ودبلوماسية. فقد أعربت دول أوروبية مثل فرنسا عن قلقها من سلوك إيطاليا طريق التفاوض المنفرد مع واشنطن، وهو ما قد يهدّد وحدة الموقف الأوروبي.
وأعرب الوزير الفرنسي للصناعة مارك فيراتشي، عن الخشية من أن تؤدي المبادرة الفردية لميلوني إلى إضعاف الجبهة الأوروبية الموحدة تجاه الرسوم الأميركية.
ويعتبر المعترضون الإيطاليون والأوروبيون توجّه ميلوني “تجاوزاً” للمؤسسات الأوروبية، وقد يشجّع واشنطن على فرض صيغة التفاوض مع كل دولة أوروبية على حدة، ما قد يُضعف الموقف التفاوضي للاتحاد الأوروبي ككتلة موحدة.
إلى ذلك، يُثير التقارب الأيديولوجي بين ميلوني وترمب في ملفات مثل الهجرة، الحمائية الاقتصادية، والسيادة الوطنية، انتقادات واسعة داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة من الدول التي تخشى من تصاعد التيارات الشعبوية.
تداعيات جيوسياسية محتملة
وما لم تحدُث مفاجآتٍ خلال اللقاء في البيت الأبيض، فإن من شبه المؤكّد أن نتائجه لن تظهر مباشرة، بل ستؤثر بشكل كبير على موقع إيطاليا داخل المعادلة الدولية. ففي حال نجحت ميلوني في التفاوض مع ترمب، فإنّ ذلك سيُبرز موقعها كزعيمة أوروبية مؤثّرة، وستُكرّس دور إيطاليا كفاعل دولي مستقل.
أما إذا فشلت في مساعيها، فإنها قد تجد نفسها في موقع العُزلة، سواء في إيطاليا وداخل الاتحاد الأوروبي أو حتى في علاقتها المستقبلية مع الولايات المتحدة.
كما أنّ نجاح ميلوني في مسعاها سيُفضي إلى إحداث تغيير سلبي عميق في آليات السياسة الأوروبية، إذْ سيُشجّع دولًا أخرى على سلوك طريق التفاوض الثنائي مع واشنطن، ما قد يُفضي إلى تفكيك تدريجي للسياسة الخارجية المشتركة للاتحاد الأوروبي.
“مهمة مستحيلة”
زيارة جورجيا ميلوني إلى واشنطن، والتي شبّهها البعض بـ “المهمة المستحيلة”، تُشكّل محطة دقيقة وحساسة للدبلوماسية الإيطالية. فهي، أي الزيارة، تسعى إلى حماية الاقتصاد الوطني، لكنها في الوقت ذاته تسير على خيطٍ رفيع وفاصلٍ ما بين التحالف مع أميركا أو البقاء ضمن حاضنة الوحدة الأوروبية.
الرهان كبير وكذلك المخاطر. و قد ترسم مآلاتها ملامح الدور الإيطالي في أوروبا والعالم خلال السنوات المقبلة.