خسائر السودان بالمليارات لكن فرص الاستثمار بعد الحرب هائلة

على رغم استمرار القتال في السودان حتى بعد استعادة القيادة الانتقالية والجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم، لكن السودانيين احتفلوا بصورة ما بالعيد للمرة الأولى منذ بداية الحرب في البلاد قبل نحو عامين، ومع استمرار محاولات العودة للحياة الطبيعية في المناطق التي يحررها الجيش من قبضة ميليشيات “الدعم السريع”، بدأت جهات كثيرة تحصي بصورة تقديرية خسائر الاقتصاد السوداني من الحرب في قطاعاته المختلفة، إضافة إلى بحث فرص اعادة الاعمار وتأهيل القطاعات المتضررة وجذب رؤوس الأموال من الدول الصديقة والمتعاونة وفي مقدمها السعودية التي أعلنت تشكيل مجلس اقتصادي مشترك بين البلدين خلال زيارة قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان إلى السعودية ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وكان معدل التضخم الذي تجاوز 200 في المئة العام الماضي قد اعتدل مطلع هذا العام ووصل في فبراير (شباط) الماضي إلى أقل من 150 في المئة، لكن بنهاية مارس (آذار) ارتفعت أسعار المواد الأساس والسلع مع زيادة الإقبال على الشراء ونقص المعروض نتيجة ما دمرته الحرب.
وبحسب وسائل الإعلام السودانية ففي الأيام الأخيرة من شهر رمضان وصل سعر السكر واللحوم إلى 10 آلاف جنيه سوداني للكيلوغرام (3.7 دولار) لكل منها، والعدس إلى 7 آلاف جنيه (2.5 دولار) وكيس الدقيق 50 كيلوغراماً إلى 140 ألف جنيه (52 دولار)، وارتفعت أسعار المنسوجات فتراوحت أسعار ملابس الأطفال ما بين 15 ألف جنيه (5.5 دولار) و50 ألف جنيه (18.5 دولار) في معظم الولايات السودانية.
خسائر الزراعة والغذاء
ومن بين ما يسهم في ارتفاع الأسعار، غير نقص المعروض نتيجة تدمير وسائل الإنتاج بسبب الحرب المستمرة منذ نحو عامين، صعوبة النقل في ظل انقطاع الطرق التي دمرتها الحرب، وينعكس ذلك أكثر على المواد الغذائية والزراعية التي تحتاج نقلها من مناطق الزراعة إلى مراكز الاستهلاك في المناطق السكنية داخل المدن وغيرها، فضلاً عن ارتفاع أسعار الوقود بصورة كبيرة، إلا أن تلك المواد، وبخاصة الخضراوات، كانت متوافرة بقدر معقول خلال الفترة السابقة عن العيد وإن تباينت أسعارها بحسب المناطق.
ولطالما وصف السودان تاريخياً بأنه سلة غذاء العالم العربي لمساحات الأرض الهائلة القابلة للزراعة وتجمع روافد نهر النيل فيه إضافة إلى المناخ المناسب، لكن على مدى عقود من الفساد السياسي وسوء الإدارة لم يتطور القطاع الزراعي والثروة الحيوانية بالقدر الذي يستغل كل إمكانات السودان الهائلة، إذ يعد القطاع الزراعي من أهم مكونات الاقتصاد السوداني ويشغل ما يصل إلى 80 في المئة من القوى العاملة السودانية، ويسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقترب من 33 في المئة.
“وفي نهاية العام الأول من الحرب جرى تدمير ما يزيد على 65 في المئة من النشاط الزراعي في البلاد مع نزوح واسع للمزارعين من مناطق الإنتاج وتعطل سلاسل الإمداد ونقص المدخلات الزراعية من الوقود والبذور والأسمدة، وفقدان المواسم الزراعية في معظم مناطق الإنتاج، ونتيجة لذلك شهدت البلاد أزمة غذائية حادة وارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية، وزيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية”، بحسب ورقة للباحث السوداني عمر سيد أحمد من “مركز الدراسات السودانية”.
وظل القطاع الزراعي متماسكاً إلى حد ما خلال العام الأول للحرب حتى هجوم “الدعم السريع” على منطقة الجزيرة التي تعد قلب القطاع الزراعي السوداني، ووقتها كان هناك نحو 15 مليون فدان مزروعة بالذرة والدخن والقمح، لكن بعد تدمير منطقة الجزيرة تراجعت تلك المساحات بشدة، ونقلت وسائل إعلام سودانية وقتها عن مدير مشروع الجزيرة السابق عمر مرزوق قوله إن “تأثير الحرب في الزراعة كان كبيراً جداً والمساحات تقلصت في العروة الصيفية والشتوية، فقد كنا نزرع أكثر من 1.6 مليون فدان من الدورة الزراعية، لكن بعد اندلاع الحرب لم نزرع سوى 700 ألف فدان، وحصاد العروة الصيفية هجمت عليه الميليشيات وأخذت من المزارعين إنتاجهم”.
خسائر قطاع الطاقة والصناعة
وعلى رغم تراجع إنتاج السودان من النفط بشدة منذ انفصال دولة جنوب السودان عام 2011 والتي تضم أراضيها أهم حقول الإنتاج، لكن قطاع الطاقة يعد عصب الإنتاج الصناعي ويعتمد عليه أيضاً القطاع الزراعي إلى حد كبير، فكان الإنتاج السوداني عند نحو 60 ألف برميل نفط يومياً قبل أن يتراجع بعد الحرب وتعمل مصافي التكرير على نفوط مستوردة في غالبها.
وزير الطاقة والنفط السوداني محيي الدين نعيم قدّر أن قطاعي الطاقة والنفط هما الأكثر تضرراً بسبب الحرب القائمة، وأن حجم الخسائر بلغ مليارات الدولارات إضافة إلى تضرر قطاع الكهرباء في جميع مرافقه ومنشآته.
وعلى هامش مشاركته في “مؤتمر أسبوع الطاقة الهندي” منتصف فبراير (شباط) الماضي، قال نعيم في تصريحات لوكالة “رويترز” إن السودان “يسعى إلى جذب استثمارات من روسيا والصين للمساعدة في إعادة بناء بنيته التحتية النفطية التي لحقت بها أضرار تقدر قيمتها بأكثر من 22 مليار دولار بسبب الحرب الأهلية في البلاد”، مشيراً إلى الأضرار التي لحقت بمصافي نفط وخطوط الأنابيب والمستودعات والحقول، وأضاف “قبل أن نأتي إلى الهند زرنا الصين، ونتناقش مع شركائنا حول كيفية إقامة بنيتنا التحتية، كما تناقشنا مع روسيا”.
وبحسب تقديرات غير رسمية فإن حرب السودان أدت إلى تدمير 75 في المئة من البنية الصناعية، وبخاصة في الخرطوم ومدن الإنتاج، حيث توقفت غالبية المصانع عن العمل بسبب المعارك أو انعدام الأمن، إضافة إلى نزوح وهجرة العمالة الماهرة والفنيين مما أدى إلى انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع كلفة الإنتاج وتراجع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي وفقدان آلاف فرص العمل.
البنية التحتية والخسائر الإجمالية
ومع أنه يصعب حصر حجم الأضرار والخسائر الناجمة عن الحرب السودان على مدى عامين بصورة أقرب للدقة، لكن تقديرات غير رسمية تشير إلى خسائر ما بين 100 و120 مليار دولار في أقل تقدير، وبحسب أكثر التقديرات تحفظاً فإن الحرب دمرت نحو ربع الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني والمقدر بـ 600 مليار دولار، وأدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي الذي يبلغ متوسطه السنوي 33 مليار دولار.
وإضافة إلى الأضرار والخسائر في قطاعي الزراعة والصناعة والطاقة فقد أدت الحرب إلى دمار واسع النطاق في الطرق والجسور الرئيسة، وتوقف شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات في مناطق كثيرة، وتدمير أكثر من 50 في المئة من الطرق والجسور وشبكات المياه والكهرباء، وخروج أكثر من 40 في المئة من المستشفيات عن الخدمة مع تعطيل جميع المشاريع التنموية الحكومية، وقُدرت الخسائر المباشرة في البنية التحتية وحدها بنحو 60 مليار دولار حتى نهاية عام 2023.
وربما كان القطاع الوحيد الذي استمر في الإنتاج بقدر معقول الذهب الذي تمثل صادراته ما يقارب نصف الصادرات السودانية، فقد بلغ إنتاج السودان من الذهب العام الماضي 64 طناً، وبلغت عائدات الصادرات من المعدن الثمين 1.7 مليار دولار.
هذا المحتوى من صحيفة اندبندنت عربية