ثورة شعب | تداعيات كارثية.. ماذا لو لم تقم ثورة 30 يونيو؟ | أخبار وتقارير | بوابة الكلمة
جاءت جماعة الإخوان إلى الحكم وفي مخيلتها البقاء لمدة 100 عام قادمة، لكن الوعي الشعبي الذي تجلى في ثورة الثلاثين من يونيو 2013، واحتشاد مؤسسات الدولة خلف الإرادة الشعبية بالأخص القوات المسلحة، أفسد مخططاتها، وكانا عنصري الحسم الذي أنقذ الدولة المصرية من مصير مجهول وقاتم كان سيحل بالبلاد لو كانت استمرت الجماعة الإرهابية في الحكم.
فقدان المكانة الإقليمية والدولية
أحد محددات المكانة المصرية الدولية والإقليمية هي مبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها واستقلالها ودعم قضايا التنمية ومجابهة كل صور العنف والإرهاب، فضلا عن تبني سياسة خارجية مستقلة ترفض التدخل في شؤوننا الداخلية. وهي مبادئ ضربت بها الجماعة عرض الحائط، وكان استمرارها يعني تبعية مصر للمشروعات الإقليمية الهادفة إلى التوسع والهيمنة وتفكيك الدولة الوطنية العربية وإغراقها في الإرهاب والفوضى والأزمات. ولو أن حكم الإخوان قد استمر لما كان من المستبعد أن يعلن “الجهاد” في العراق وسوريا وليبيا واليمن، بما يضع القاهرة في خدمة مصالح قوى توسعية ذات مشاريع أيديولوجية وإدخالها في صراعات مذهبية وحروب طائفية.
ويعني ذلك انحسار الدور الإقليمي والدولي للقاهرة، واتجاهها نحو العزلة، وفقدان مركزيتها على الساحة الدولية بشأن قضايا مكافحة الإرهاب والهجرة وغيرها، بعدما تتحول إلى بؤرة للعنف والإرهاب ومركز لتصدير الإرهاب والمهاجرين غير الشرعيين عبر المتوسط وكانعكاس لعدم قدرة الجماعة عامة ومرسي. خاصة على قراءة مهددات الأمن القومي المصري فمن المتوقع أن يتخلى عن أجزاء من الأراضي المصرية لدول وأطراف خارجية التمرير مشاريعها الخاصة، وتعقيد الملفات الحيوية كسد النهضة، وقد شاهدنا مثالا على ذلك في الاجتماع الذي بث على الهواء مباشرة وشهد تصريحات غير مسؤولة.
انهيار الوضع الأمني
لا شك أن استمرار جماعة إرهابية في الحكم، يعني تحول البلاد إلى منطقة جذب للإرهابيين مع الإفراج عن رموز الجماعات الإرهابية، والترحيب بكافة المسلحين العائدين من سوريا والعراق وليبيا لعقد جلسات حوار معهم لمناقشة أفكارهم ورؤيتهم فيما سمي “مشروع النهضة”، وتقديم رموز إسلامية مشروعا للعفو عن القادة الإرهابيين وأن يتمتعوا بالمكاسب السياسية ويحصلوا على المناصب التشريعية والتنفيذية التي لا يستطيعون الوصول إليها.
وهو ما سيصل بالبلاد إلى حكم الميليشيات، وبروز ظاهرة “السلاح المنفلت”، لا سيما وأن الجماعة عزمت على تشكيل لجان نوعية كانت تستخدم آنذاك الجنازير والحجارة والصواعق، ويمكن بسهولة أن تتحول إلى الأسلحة الثقيلة مع عمليات التهريب على طوال الحدود الشرقية والغربية والجنوبية غير المسيطر عليها. أما سيناء فكانت ستتحول إلى ملاذ آمن للعناصر المسلحة سواء المفرج عنها أو القادمة من الخارج، وربما كنا ستشهد ظهور تنظيم على غرار داعش.
تفكيك المؤسسات الوطنية
لم تلق جماعة الإخوان الإرهابية بالا لمؤسسات الدولة، فهي لا تعترف بالعمل المؤسسي ولا بشرعيته ويسيطر على ذهنها العداء للمؤسسات، ما انعكس على استعداء الجيش والشرطة والقضاء والبرلمان والإعلام والأزهر والكنيسة، وبالمقابل تجاوز عمل المؤسسات وقراراتها وإضفاء الشرعية على قرارات الرئيس بإصدار الإعلان الدستوري وعزل النائب العام في هدم لمبدأ الفصل بين السلطات.
وعليه فإن استمرار حكم الجماعة كان سيعني العدوان على استقلال السلطة القضائية ولعل حصار المحكمة الدستورية والتظاهر أمام محكمة القضاء الإداري خير دليل على ذلك. فضلا عن تهميش قرارات القضاء واستبدال قرارات عفو رئاسية بها تتجاهل الأسس والحيثيات القانونية المستندة إليها الأحكام.
ولم تكن المؤسسات الأمنية كالجيش والشرطة لتفلت من محاولات الإضعاف والتفكيك وإعادة الهيكلة، فالجماعة سعت إلى تكوين ميليشيات لتكون بدلا من قوات الشرطة، وذلك عندما دعت لتقنين أوضاع اللجان الشعبية ونفذت استعراضًا عسكريًا في محافظة أسيوط لكوادرها المشاركين في اللجان الشعبية. وقد كشفت وثائق البريد الإلكتروني المسربة لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون عن مساعي إعادة هيكلة الشرطة حينما عرضت خلال لقاء مع مرسي مساعدة سرية” لتحديث وإصلاح جهاز الشرطة بزعم خدمة “الأسس والمعايير الديمقراطية”.
السيطرة على مفاصل الدولة
يعكس شعار “مشاركة لا مغالبة ” الذي رفعته قبل الانتخابات البرلمانية عام 2012، مضت الجماعة وكانت ستستمر لولا ثورة الثلاثين من يونيو في دس عناصرها بمراكز القوى والمؤسسات وفي مختلف وظائفها حتى وإن كانوا غير مؤهلين لها بغية الهيمنة على الدولة. وكان استمرار عمليات الأخونة يعني إنشاء “بيروقراطية موازية ” تمسك بمفاصل الدولة ومواردها الحكومية والتحكم في مخرجات العملية الانتخابية.
واتصالا بذلك، ترتسم ملامح “دولة موازية” كانت ستنشئها الجماعة إذ ما استمرت بالحكم عبر منظمات أو مؤسسات أمنية وعسكرية وقضائية وتعليمية وإعلامية واجتماعية تشبه تلك التي تديرها الدولة لكنها ليست جزءًا رسميًا منها. وقد هيأت الجماعة قبل وصولها إلى الحكم بيئة خصبة لإقامة “الدولة الموازية” التي هي أحد الأفكار الأساسية لحسن البناء عبر تأسيس شبكة من الجمعيات الخيرية في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية واختراق منظمات المجتمع المدني والجمعيات الثقافية والرياضية والحقوقية والنقابات المهنية والطلابية استعدادًا للانقضاض على الحكم والاعتماد على تلك الهياكل التنظيمية في السيطرة على المجتمع إضعاف وتفكيك الجبهة الداخلية
لا شك في أن دولة يحكمها الإخوان ستسقط عنها مفاهيم “المواطنة” و”التعايش”، ليحل محلها مفهوم “الطائفية” التي أسقطت العديد من دول المنطقة في غياهب الفشل. وعليه، كان سيعني استمرار الجماعة ضرب الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية عبر إثارة الفتنة والنعرات الطائفية والاقتتال الداخلي لضمان سيطرتهم على الحكم.
ولن تقتصر مظاهر تفكك الجبهة الداخلية على العنصر الديني، إنما كانت ستمتد إلى تأجيج النزاعات الانفصالية العرقية، وهو مخطط دأبت الجماعة على الدفع به حتى مع خروجها من الحكم ولم تكن الجماعة لتتورع عن إغراق البلاد في دوامة الحرب الأهلية عبر الدخول في مواجهات عنيفة ومسلحة مع المواطنين الرافضين لبقائها، وهو نموذج حدث وكان مرشحًا للتكرار. فقد كانت مظاهر الحرب الأهلية والاقتتال والتناحر تلوح في الأفق.
انهيار الوضع الاقتصادي والمعيشي
كان الاقتصاد المصري سيواصل النزيف من حيث تراجع معدل النمو، وارتفاع عجز الموازنة وارتفاع معدلات البطالة. بالإضافة إلى استمرار أزمات الكهرباء والوقود والمشتقات البترولية، فضلا عن استمرار تعثر المصانع، وخروج الاستثمارات الأجنبية، وتراجع معدلات السياحة، وستنعكس تلك الأزمات على فقدان الثقة عالميا في الاقتصاد المصري.
طمس الهوية الوطنية
ظلت مصر محتفظة بهويتها التي تتشكل من منظومة من التكوينات الأيديولوجية والنفسية والاجتماعية والعرفية رغم وقوعها تحت الاحتلال الأجنبي غير مرة، ولطالما نجحت في “تمصير ” الأيديولوجيات الغربية وإصهارها بفعل قوة المنظومة الحضارية المصرية المتجذرة في وجدان الشعب المصري. ومع اعتلاء جماعة الإخوان الإرهابية سدة الحكم حاولت استبدال المنظومة القيمية المصرية الأصيلة لتحل محلها هوية مشوهة لا تعبر عن المجتمع، ولعل هذا كان أحد المحركات الرئيسية للمجتمع نحو الإطاحة بهذه الجماعة.
ويمكن استشراف انعكاسات استمرار الجماعة في السلطة على الهوية المصرية من بعض الممارسات التي انتهجتها خلال عام بقائها في السلطة. من عبارات تحلل سرقة الآثار والإتجار بها، وأخرى تنادي بضرورة تحطيم تمثال أبو الهول لأنه في الحقيقة “صنم”، وغيرها من هؤلاء الذين نادوا بضرورة ارتداء مسيحيات مصر الحجاب بشكل قسري وغيرها من الممارسات التي هدفت إلى ضرب الأسس الوطنية والثقافية للمجتمع، وتنشئة جيل جديد يعتنق أيديولوجيتها، فاتجهت للنشء عبر مدارس بلغ عددها نحو 76 بعضها تدرس في مناهجها تعاليم حسن البنا..
ولا يوجد تصور أبلغ من الذي قدمه الكاتب والروائي يوسف القعيد لتداعيات استمرار الإخوان على الثقافة والهوية، عندما قال إن “مفهوم الثقافة سيختفي، ويندثر المثقفون في مصر، ويدفن الأدب والثقافة والإبداع والسينما والمسرح والفنون الشعبية والتشكيلية، ومصادرة نصف أو كل الروايات الموجودة في السوق، وإيقاف عرض الأفلام والمسرحيات، والتضييق على دار الأوبرا، وإرهاب المثقفين”.
ختامًا ، ينظر التاريخ إلى كل ثورة على حدة بوصفها لحظة محورية ومفصلاً مهمًا تنعطف من خلاله أحوال البلاد تمامًا فيما بعد. وهو ما جرى تمامًا في الحالة المصرية؛ إذ لعبت ثورة 30 يونيو دورها بكونها لحظة محورية كانت هي الصخرة التي حالت دون انجراف مصر نحو مصير مظلم تعانيه بالفعل مجتمعات عدة في الإقليم. ولم تنقذ ثورة 30 يونيو المصير السياسي المصري والعربي بوجه عام فحسب، لكنها كذلك حالت دون اختفاء الشخصية المصرية بهويتها الثقافية المعتدلة والراسخة داخل وجدان الشعب المصري منذ سنوات، ومحوها تمامًا في طيات الهوية الإخوانية المتطرفة.
كانت الأمانة العامة للحوار الوطنى أعدت تقريراً بمناسبة ذكرى ثورة يونيو المجيدة جاء تحت عنوان “ثورة شعب” ويتضمن الحديث حول الطريق إلى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بالإضافة لإنجازات الدولة المصرية تحت لواء الرئيس عبدالفتاح السيسى في ١٠ سنوات، وذلك عبر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
لمشاهدة التقرير كاملا من هنا