هروب المحكوم عليه إلى الخارج لن ينجيه من العقاب ولن تسقط عقوبته بالتقادم
رئيس مكتب التعاون الدولي وحقوق الإنسان الدوسري في أول حوار مع “الوطن”:
تشريعاتنا تعكس جدية المملكة في التعاون القضائي والأمني لمكافحة الجريمة وتحقيق العدالة
نعمل من خلال الاتفاقيات ومبدأ المعاملة بالمثل في حالة عدم وجود اتفاقية
نحرص على تعجيل إجراءات الاستجابة للطلبات بما يساعد في مكافحة الجريمة العابرة للحدود
المكتب ساهم في عمليات تسليم ناجحة لمجرمين هاربين وملاحقة أموال غير مشروعة واستردادها
أيمن شكل
غالباً ما يعتقد الهاربون من العدالة أن مغادرة البلد التي وقعت منهم فيها الجريمة هو إفلات من العقاب ونجاة من المسؤولية الجنائية وفرار من العدالة، وهو ما أكده رئيس مكتب التعاون الدولي وحقوق الإنسان المحامي العام المستشار عبدالله الدوسري في حوار مع “الوطن”، لافتاً إلى أن أوامر الضبط الخاصة بالتحقيق في وقائع أي جريمة يتم تنفيذها على مطلوبين في دول أخرى طبقاً للاتفاقيات الدولية الموقعة مع تلك الدول، أو من خلال المعاملة بالمثل.
وأوضح الدوسري أن الأمر لا يتوقف عند المطلوبين، ولكن يقوم مكتب التعاون الدولي بمتابعة ضبط متحصلات الجرائم وعوائدها والتحفظ عليها واستردادها، بناءً على القرارات التي تصدرها النيابة في القضايا أو تنفيذاً للأحكام الصادرة فيها، بتوجيه طلبات الإنابة القضائية إلى السلطات القضائية في الخارج.
وأشار رئيس مكتب التعاون الدولي إلى أن اختصاصاً أضيف للمكتب وهو وحدة حقوق الإنسان التي تعنى بمتابعة القضايا التي تثار فيها وقائع ماسة بحقوق الإنسان ودراستها، ومتابعة ما يصدر من قوانين ومبادئ قضائية واتفاقيات دولية في ذات الشأن.
وهذا نص الحوار:
معروف لدى الجميع اختصاص النيابة العامة بالدعوى الجنائية، فهل من الممكن إعطاؤنا نُبذة عن اختصاص مكتب التعاون الدولي وحقوق الإنسان ومهامه في النيابة العامة؟
مكتب التعاون الدولي وحقوق الإنسان ملحق بمكتب النائب العام ويعمل تحت إشراف النائب العام مباشرة، وكان إنشاؤه في الأساس لغرض ملاحقة الجريمة بعناصرها البشرية والمادية، سواء أثناء التحقيقات التي تجريها النيابة العامة أو لتنفيذ الأحكام الصادرة في الدعاوى الجنائية، وذلك من خلال توجيه طلبات المساعدة القضائية إلى السلطات النظيرة المختصة في الدول الأجنبية؛ لتقوم من جانبها بإجراء تحقيقات على إقليمها مثل استجواب المشتبه بهم أو سماع أقوال شهود أو من لديه معلومات تتعلق بالوقائع التي تباشر النيابة العامة التحقيق فيها أو بضبط متحصلات الجرائم وعوائدها والتحفظ عليها واستردادها، وذلك جميعه بناءً على القرارات التي تصدرها النيابة في القضايا أو تنفيذاً للأحكام الصادرة فيها، وكذلك توجيه طلبات تسليم المتهمين والمحكوم عليهم.
كذلك فإن المكتب مختص أيضاً في تلقي وتنفيذ مثل هذه الطلبات الواردة من السلطات المختصة لدى الدول الأجنبية تعزيزاً للتعاون القضائي في مكافحة الجريمة. وبموجب قرار النائب العام رقم (63) لسنة 2021 فقد أنشئت وحدة حقوق الإنسان وألحقت بمكتب التعاون الدولي.
ذكرتم أن مكتب التعاون الدولي وحقوق الإنسان يباشر مهامه في مجال التعاون القضائي بناءً على القرارات التي تصدرها النيابة العامة في القضايا أو تنفيذاً للأحكام الصادرة فيها فما هي هذه القرارات، وكيف يجري تنفيذها والأحكام القضائية؟
هناك الأوامر والقرارات التي يعمل المكتب على تنفيذها، ومنها أوامر القبض التي تصدر إما خلال التحقيق عندما تقوم أدلة كافية ضد المتهم، أو الأوامر والقرارات التي تصدر لتنفيذ الأحكام المقضي بها، فإذا تبين أن الشخص المطلوب خارج البلاد، فنحن نبادر بتعميم أمر القبض دولياً عبر الشرطة الدولية (الإنتربول)، ونتابع نتيجة البحث إلى أن تصل الإفادة بأن هذا المطلوب موجود في دولة ما، عندئذٍ نتخذ الإجراءات اللازمة لتوجيه طلب إلى السلطات المختصة في تلك الدولة لتسليمه إلينا لمحاكمته أو لتنفيذ الحكم الصادر ضده بحسب الأحوال، مستندين في ذلك إلى الاتفاقيات ذات الصلة.
وجدير بالذكر هنا أن المتهمين والمحكوم عليهم غالباً ما يظنون أن في مغادرة البلاد نجاة من المسؤولية الجنائية وفراراً من العدالة، وهذا غير صحيح على الإطلاق، وذلك لأن هذا التعاون الواسع والقائم فيما بين الدول ووجود الآليات الضامنة لتيسير إجراءات الملاحقة يستطيع أن يصل للمطلوب في أي مكان يعتقد أنه ملاذ آمن للفرار من تطبيق العدالة.
في بعض الأحكام التي تصدر قد يمر وقت طويل قبل الوصول إلى المحكوم الهارب، فهل تسري مدة التقادم على هذا الحكم وتسقط العقوبة بعد انقضاء فترة معينة؟
تطرق المرسوم بقانون رقم (46) لسنة 2002 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية إلى موضوع وقف احتساب مدة سقوط العقوبة طوال فترة وجود المحكوم عليه خارج البلاد، وذلك في الباب العاشر منه الذي يتحدث عن “سقوط العقوبات والتدابير” حيث تنص المادة (387) على أنه “يوقف سريان المدة كل مانع يحول دون مباشرة التنفيذ سواء كان قانونياً أو مادياً بما في ذلك مغادرة المحكوم عليه البلاد إلى الخارج” وبالتالي فإن هرب المحكوم عليه في الخارج لن يحقق مأربه في ظل الملاحقة والتعاون الجاد وهذه اللفتة التشريعية التي تفوت عليه مقصده من الهرب في الخارج.
هذا ومن القرارات والأحكام أيضاً تلك الصادرة بتتبع الأموال المتحصلة عن الجرائم وعوائدها والكشف عن سرية الحسابات ورصد التحركات والمعاملات المالية، وأيضاَ أوامر التحفظ وأحكام المصادرة والرد، حيث يقوم المكتب بتوجيه طلبات الإنابة القضائية إلى السلطات القضائية في الخارج لتنفيذ هذه القرارات والأحكام على الأموال الموجودة لديها ولدى المؤسسات المصرفية والبنوك الكائنة في إقليمها.
وهل هناك قواعد أو أسس قانونية يباشر المكتب مهامه واختصاصاته هذه بناءً عليها؟
بالطبع هناك قواعد قانونية يلتزم بها المكتب ويستند إليها في توجيه وتلقي طلبات التعاون القضائي، وهي مرسومة بالقانون الوطني والاتفاقيات الدولية المنضمة إليها مملكة البحرين، فهناك ضوابط إجرائية وشروط قانونية محددة بقانون الإجراءات الجنائية لتنفيذ أوجه التعاون القضائي، وتحديداً في الباب الثاني من الكتاب السادس بالقانون، فضلاً على اختصاص النيابة العامة في تنفيذ الأحكام، وهناك قواعد ومبادئ التعاون الواردة بالاتفاقيات الدولية الثنائية أو الإقليمية، مثل اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي، واتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أو الأممية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
لكن قد تحدث جرائم من أشخاص يلجؤون إلى دول ليس لدى مملكة البحرين اتفاقيات تعاون قضائي معها، فما هي الإجراءات التي يمكن اتباعها في هذا الصدد؟
قد يحدث ذلك بالفعل ولكن من قبيل التعاون الجاد في مكافحة الجريمة والحد من آثارها ولغرض تحقيق العدالة فإنه من الممكن الاستناد إلى مبدأ المعاملة بالمثل في حالة عدم وجود اتفاقية تجمع المملكة والدولة الأجنبية المطلوب منها أو إليها تنفيذ طلبات التعاون القضائي، أو لم تكن المملكة أو الدولة الأجنبية طرفاً في اتفاقية دولية ذات صلة.
والحق أن التشريعات لدى مملكة البحرين سواء الوطنية وكذلك النصوص الاتفاقية بما تتضمنه من قواعد ومبادئ إنما تعكس جدية المملكة في التعاون القضائي إلى جانب الأمني من أجل مكافحة الجريمة وتحقيق العدالة. وبالإضافة إلى أحكام القانون والاتفاقيات المنظمة لأوجه التعاون وإجراءاته، فهناك مذكرات التفاهم المبرمة فيما بين النيابة العامة ونظيراتها في بعض الدول، وهي وسيلة أخرى مساعدة على تنفيذ هذه الأحكام لضمان السرعة في الاتصال وتبادل المعلومات وتيسير الإجراءات، فضلاً على ما تهدف إليه هذه المذكرات من اكتساب الخبرات والتدريب من خلال الاتفاق على تنظيم الفعاليات والمشاركة في إعداد البحوث والدراسات في مجال التحقيق القضائي وتحصيل الأدلة وملاحقة الجناة والأموال في الجرائم ذات الخطورة كجرائم الفساد وغسل الأموال والمخدرات والاتجار بالأشخاص والجريمة المنظمة بصورها كافة.
وهل توجد جهات معينة تشارك النيابة العامة من خلال مكتب التعاون الدولي وحقوق الإنسان في مهامه هذه؟
نعم توجد جهات ذات صلة وثيقة بالتعاون القضائي الدولي فبخلاف السلطات المحولة إلى المحكمة المختصة فإن هناك جاهات رسمية لها دور مهم في جمع المعلومات وفي تنفيذ أوجه التعاون وإبلاغ السلطات الأجنبية المختصة بطلبات المساعدة، ومنها وزارة الداخلية وبالأخص الشرطة الدولية (الإنتربول) والمركز الوطني للتحريات المالية ووزارة العدل ومصرف البحرين المركزي، وهناك تعاون وتنسيق كامل فيما بين النيابة العامة ممثلة في مكتب التعاون الدولي وحقوق الإنسان وبين هذه الجهات في مجال التعاون القضائي الدولي.
إلى أي حد يمكنكم تقييم مستوى التعاون القضائي الدولي بناءً على تجاربكم؟
الممارسات تدل على حرص السلطة القضائية والنيابة العامة كشعبة في هذه السلطة على إرساء العدالة في أعلى درجاتها، وذلك بإعمال أحكام القانون واستنفاد الطرق القانونية وسلوك الإجراءات المتاحة من أجل ذلك، وهذا الحرص لا يقف عند الدعاوى التي تباشرها النيابة العامة وتفصل فيها المحاكم الوطنية، بل إنه يمتد ليشارك في الجهود الدولية لمكافحة الجريمة والحد من آثارها ونتائجها عبر التعاون الدولي في إطار الصكوك الدولية، والنيابة العامة بمملكة البحرين تعمل من هذا المنطلق، وقد نفذ المكتب العديد من طلبات المساعدة القضائية الواردة من الخارج بحرصه على تعجيل إجراءات الاستجابة لهذه الطلبات، ما يساعد في تحقيق العدالة ومكافحة الجريمة العابرة للحدود، كما ساهم المكتب في عمليات تسليم ناجحة لمجرمين هاربين وملاحقة أموال غير مشروعة واستردادها، من خلال المساعدة في طلبات استرداد الأموال المنهوبة أو المكتسبة بطرق غير قانونية وتقديم الدعم القانوني والتقني للدول لمساعدتها في تحديد وتجميع الأصول المالية غير المشروعة واستعادتها، وقد ساهمت جهود المكتب في تقليص فجوات التواصل فيما يتعلق باسترداد الأموال وتعزيز جهود مكافحة الفساد وغسل الأموال.
من المؤكد أن هذا العمل قد يواجه تحديات في تنفيذه على الصعيد العملي، فما هي سبل تذليل هذه التحديات والصعاب التي يقوم المكتب باتباعها؟
صحيح أننا نصادف أحياناً بعض الصعوبات بسبب اختلاف القواعد والنظم القانونية في الدول الأخرى، ولكنها لا تشكل عائقاً أمام التعاون في وجود القواعد المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، وخاصة عندما تتوافر الرغبة الصادقة لدى الدول في تحقيق العدالة والوفاء بالالتزامات الدولية. وهذا بالتالي يتطلب جهوداً إضافية لتبسيط وتوحيد الإجراءات وتوفير آليات فعالة لتبادل المعلومات القانونية، فعلى الرغم من هذه التحديات، فإننا نعمل بجد للتغلب عليها من خلال التواصل مع الدول والأجهزة القضائية والكيانات الدولية ذات الصلة، ونسعى جاهدين لتحقيق التوافق وتطوير الآليات والإجراءات تعزيزاً للتعاون الدولي في مكافحة الجريمة، ومن تلك الآليات إنشاء قنوات تواصل مباشرة بيننا والأجهزة النظيرة في الدول الأخرى لتسهيل تبادل المعلومات والعمل على تسريع تنفيذ أوجه التعاون القضائي الدولي.
وما دور المكتب في شأن حقوق الإنسان؟
في إطار تنفيذ خطة النيابة المستدامة لتنمية قدراتها وتحديث أدواتها في العمل صدر قرار النائب العام رقم 63 لسنة 2021 بشأن تطوير مكتب التعاون الدولي، وذلك بإضافة اختصاصات للمكتب، وتضمن القرار إنشاء وحدة متخصصة بمسمى (وحدة حقوق الإنسان) تلحق بالمكتب، وتعنى بمتابعة القضايا التي تثار فيها وقائع ماسة بحقوق الإنسان ودراستها، وكذلك متابعة ما يصدر من قوانين ومبادئ قضائية واتفاقيات دولية في ذات الشأن، بالإضافة إلى المساهمة في إعداد الندوات والمؤتمرات وإصدار البحوث والدراسات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتقديم التوصيات بناءً على ما يجريه المكتب من أبحاث ودراسات للعمل بمقتضاها، وقد جاء قرار النائب العام بتطوير مكتب التعاون الدولي لغرض تلبية متطلبات التعاون الدولي في شأن ملاحقة الجريمة والجناة والأموال المتحصلة عن الجرائم، وفي تعزيز الجهود الوطنية الضامنة لحقوق الإنسان في مجال العدالة.