أكذوبة التضحية والإيثار –
خطيب بدلة
إذا كنت تعيش في دولة أوروبية، وتعاشر شرائح مختلفة من شعبها، وتدخل معهم في حوارات متنوعة، لن تجد بينهم واحدًا يحدثك عن التضحية، أو الإيثار، ولا حتى عن القيم والأخلاق الحميدة، فهم يهتمون بأربعة أمور رئيسة، العلم، والعمل، والقانون، وحقوق الإنسان (المواطن).
عند جماعتنا، العرب والمسلمين، لا تُعبأ الأحاديث عن هذه المفاهيم في أعدال، أو صناديق، أو عبوات صغيرة، بل تباع “دوكمه”، وقلما تجلس مع ثلاثة أشخاص عرب ومسلمين، وتخرج من بينهم دون صداع في رأسك، وصدود في نفسك، من كثرة ما يترنمون بالتضحية، والفداء، وأن كل واحد منا لازم يحب لأخيه أكثر مما يحب لنفسه، فإذا قررت النأي بنفسك عن مخالطة هؤلاء الناس، ومكثت في بيتك على طريقة أبي العلاء المعري، فسوف يخرج لك الحديث عن التضحية على هيئة خطابات، وأشعار، وأغنيات، من الراديو، والتلفزيون، و”يوتيوب”، و”تيك توك”، ولن تفيدك مطالعة الكتب، فكتبنا، هي الأخرى، عامرة بهذه الأكاذيب.
أعرف أن كلمة “أكاذيب” التي أقدمتُ على استخدامها قبل قليل، سوف تصدمك، وأنك ستطالبني بالدليل. طيب يا أخي، انظر حولك، وحاول أن تجد إجابات لأسئلة منطقية للغاية: هذا الرجل الذي يطالب جماهير أمتنا العظيمة بالتضحية بالأموال والأنفس، أين يعيش؟ في أي الجامعات الأوروبية أو الأمريكية يتعلم أولاده؟ ما نوع السيارة الفخمة التي يركبها هو وزوجاته وأبناؤه؟
أنا متأكد أن البحث في هذه الأسئلة سيوصلك إلى نتائج مذهلة، فالإخوة المشايخ الذين يرسلون أبناءنا للجهاد في سبيل الله خارج حدود بلادهم، يعيشون حياة أفضل من حياة الملك، لأن الملك يكون مشغولًا طوال الوقت في إدارة شؤون بلاده، وليس لديه الكثير من الوقت للتنعم بالملذات، بينما حضرة الشيخ الجليل يلقي خطبته، ويوجه نداءاته لأتباعه، ويمضي إلى ملذاته الشرعية، بينما الأموال تنهمر على حسابه البنكي، ولن أسرد عليك الكثير من الأمثلة، ويكفي أن تعلم أن الداعية محمد حسين يعقوب، مثلًا، تزوج، خلال حياته 22 مرة، ولكنه كان يراعي شرع الله، فلا يزيد عدد الزوجات اللواتي على ذمته على أربع، فإذا أعجبته واحدة، يطلق واحدة من القديمات، ويعقد عليها، ومعلوم أنه ينصح الشبان الذين يشكون إليه أنهم لا يستطيعون الزواج بالصيام.
السؤال الآخر، الذي يجب علينا أن نلقيه في وجه كل مَن يتحدث عن التضحية، سواء أكان داعية دينيًا، أو مناضلًا سياسيًا: هل تضحي بنفسك في سبيل القضية التي تدافع عنها؟ إنه، وللأمانة، سؤال صعب، ومرير، وغالبًا ما يأتي الجواب بأنه مستعد أن يضحي بأبنائه.
التضحية بالأبناء تعيدنا إلى ذلك الفرق الجوهري بين الشعبين، الأوروبي والعربي، فالمجتمع كله، هناك، يعمل على إسعاد الفرد، بينما نحن نضحي بالفرد لأجل الجماعة، وعندما يُقتل أحد أبنائنا في معركة، يرفع أبوه يديه إلى الأعلى ويحمد الله على استشهاده، والذكور في مجتمعنا يقنعون النساء، أو يجبروهن على الاقتناع، بأن تزغرد الواحدة منهن عندما يصلها جثمان ابنها الشهيد، فتزغرد المسكينة، على أعين الناس، بينما قلبها يحترق، وتمضي بقية عمرها وهي تبكي بصمت.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي