عامان على كشف “مجزرة التضامن”.. متهم أمام القضاء الألماني
تحولت حفرة “مجزرة التضامن” التي شهدت واحدة من أفظع جرائم الحرب في سوريا، اليوم إلى شاهد ومنطلق لبلوغ الحقيقة.
ومرت 11 سنة على “المجزرة”، وذلك بعد كشف تفاصيلها في 25 من نيسان 2022، التي دفن فيها عناصر من جهاز المخابرات العسكرية التابع للنظام السوري داخل حفرة، ما لا يقل عن 41 مدنيًا جرى إعدامهم في عمليات إعدام جماعية، منهم أطفال ونساء، وفق ما أظهرته الفيديوهات المصورة من قبل منفذي المجزرة أنفسهم، التي سربها لاحقًا عناصر انشقوا عن الجيش، وعثروا عليها مصادفة عبر حواسيب تسلموها في أثناء خدمتهم في صفوف قوات النظام السوري، بحسب صحيفة “الجارديان“.
جهود سورية ودولية لتفعيل المحاسبة
محامون وحقوقيون، أفراد ومؤسسات، من سوريا ودول أوروبية، يبذلون الجهود في سبيل كشف الحقيقة ومحاسبة المجرمين المسؤولين عن تلك “المجزرة”، وغيرها من القضايا، التي ارتكبت وترتكب بحق المدنيين في سوريا، سواء في مناطق سيطرة النظام السوري أو المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة جهات أخرى، بحسب ما أكده مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، ل.
وأضاف أنه حتى وإن كان الطريق إلى الحقيقة ليس بالأمر السهل أو طويلًا، تبقى هذه الجهود القضائية المتعلقة بالمحاسبة ضد الانتهاكات ومحاربة الإفلات من العقاب مهمة وتقربنا من العدالة أكثر.
“متهم” أمام القضاء الألماني قريبًا
قبيل أيام، أعلنت المحكمة الإقليمية العليا في هامبورغ بألمانيا، نظرها باتهامات موجهة ضد أحد عناصر “الدفاع الوطني” لدى النظام السوري، تتعلق بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وإحالة ملفه لتحديد موعد جلسات لاستجوابه والتحقيق رسميًا معه.
إعلان محكمة هامبورغ جاء بعد بيان مكتب المدعي العام الاتحادي في مدينة كارلسروه الألمانية، في 26 من آذار الماضي.
البيان تضمن توجيه اتهامات ضد المتهم السوري “أحمد.ح”، الذي يشتبه بتورطه بـ 21 قضية، وارتكابه سلوكيات تصنف بموجب القانون الجنائي الألماني كجرائم، منها ما يرقى إلى اعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لبعضها ارتباط بمجزرة التضامن.
بدوره، أكد مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، الحقوقي السوري محمد العبد الله، ل، أن المركز هو من عمل على هذه الدعوى المرفوعة ضد “أحمد.ح”، وقدم للقضاء الألماني أدلة مفصلة بحقه، موضحًا في الوقت نفسه أن المحكمة ستنعقد خلال هذا العام، لكن من غير المعروف بالتحديد متى.
ويرى العبد الله أن لهذه المحاكمات أهمية كبيرة، كونها ستسلط الضوء على الانتهاكات التي وقعت في مجزرة التضامن بشكل محدد، وتجاه المحاسبة وتكريس سلطة القانون بشكل عام.
حول المتهم يقول المدعون الفيدراليون الألمان، إنه كان عضوًا في “ميليشيا” كلفها النظام السوري في الفترة من 2012 إلى 2015 بقمع جهود المعارضة بعنف في منطقة التضامن بدمشق من خلال قسم المخابرات العسكرية. وإنه اعتقل سوريين وعذبهم بشكل تعسفي وفي ظروف قاسية، بغرض ابتزازهم ماليًا، أو إجبارهم على العمل القسري.
وقد أورد المدعون الفيدراليون العديد من الشواهد حول تورط “أحمد.ح” بسلوكيات تعنيف وإساءة لضحاياه من المدنيين، مثل أنه أمسك ضحية من شعره وضرب رأسه بالرصيف.
كما اعتقل المتهم العديد من المدنيين وأجبرهم على نقل أكياس الرمل إلى الجبهة القريبة لعدة ساعات في كل مرة. وهناك يعمل الأسرى تحت القصف المتكرر ودون طعام أو ماء، وتعرّضت حياتهم للخطر، عند نقاط تفتيش مختلفة في تسع مناسبات على الأقل تم التحقق منها.
وكانت الشرطة الجنائية الفيدرالية اعتقلت “أحمد.ح” في مدينة بريمن في آب 2023، وهو محتجز منذ ذلك الحين، بانتظار محاكمته، والبت في القضايا المرفوعة ضده.
تحركات محكومة بالقرار السياسي
يستذكر مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، عندما ظهرت فيديوهات مجزرة التضامن لأول مرة ولقيت ما لقيته من استنكار وغضب سوري ودولي، شعبي وحقوقي، وما كان له من تأثير في توجيه القرار السياسي في العالم، حيال متابعة وملاحقة القضية، والكشف عن ملابساتها ومرتكبيها.
القرار السياسي في الدول يلعب الدور الرئيس والأكبر في هذه المحاكمات، بحسب الأحمد، للبدء أولًا بالمتابعات والملاحقات ما يعمق ويوسع التحقيقات المطلوبة.
واتخذت الحكومات الأوروبية المهتمة بالوصول إلى الحقيقة جملة من الإجراءات أسهمت بتقدم القضية، كتسهيل وصول بعض الضحايا أو الشهود على المجزرة للإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة والمضي في التحقيقات وجمع المزيد من الأدلة والمعلومات.
لمنع الإفلات من العقاب
تبقى مسألة تنفيذ القانون وملاحقة المجرمين أو من يرتكبون انتهاكات بحق المدنيين الموجودين داخل سوريا غير ممكنة، في ظل غياب تطبيق المحاسبة من قبل جميع القوى والجهات المسيطرة، فيما تشكل المحاسبة خارجها أملًا لكثيرين لتحقيق العدالة.
وقال رئيس المكتب السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، إن القضايا المرفوعة بحق المتهمين تتحرك بطرق مختلفة، فبعض الأحيان إذا توفر لدى المدعي العام أو رجال الأمن والشرطة في الدول الأوروبية معلومات حول متهم ما بقضية انتهاكات ارتكبها في سوريا بحق المدنيين، فبإمكان هذه الجهات تحريك القضية والتقدم بدعوى للقضاء العام، سواءً تم الحصول على هذه المعلومات من قبل لاجئين قدموها أو منظمات سورية أو دولية أو من الضحية أو من ذوي الضحية.
وفي حال وصول المشتبه بهم أو المتورطين في جرائم ضد المدنيين إلى الدول الأوروبية، وكانت هناك دعاوى مرفوعة بحقهم، تستند لأدلة أو شهود أو ضحايا، أو ذوي الضحايا، تلقي السلطات القبض عليهم، وتقدمهم للمحاكمة.
من جهته، شدد مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، على ضرورة متابعة وتوثيق الجرائم التي ترتكب في سوريا من كل الأطراف، لتكون منطلقًا للأفراد والمؤسسات الحقوقية والإنسانية في تطبيق المحاسبة وحتى المحاكمة بحق مرتكبيها.
وأضاف أنه حتى وإن كانت هذه المحاكمة تتعلق بقضية محددة، لكنها وبلا شك تمهد السبيل لفتح العديد من القضايا ذات الصلة المتعلقة بالانتهاكات والمحاسبة، ومكافحة التطبيع حيال الإفلات من العقاب، وأن متابعة هذه القضايا دون يأس ونجاحها في الكشف عن مزيد من المعلومات قد يقود إلى فتح قضايا مغفلة، أو يعزز من التوصل لأدلة حول غيرها.
وشدد الأحمد على ضرورة ألا نصاب بالإحباط، وأن تتضافر جميع الجهود لمختلف الأطراف السورية والدولية، الحقوقية والإنسانية وحتى السياسية، كما اعتبر متابعة تنفيذ مسألة عدم الإفلات من العقاب مسؤولية الجميع، للوصول إلى المحاسبة والعدالة.
وعلى مدار سنوات الحرب الـ13 في سوريا، سجلت التقارير المحلية والدولية، آلاف الانتهاكات المختلفة بحق المدنيين، قامت بها جهات عديدة تمتلك السلطة والسيطرة في سوريا، بصفة مؤسسات أو أفراد.
أثبتت الجهود المتواصلة والتحركات الحثيثة خارج سوريا لملاحقة مرتكبي الانتهاكات بحق السوريين نجاعتها، سواء تمت بجهود فردية أو مؤسساتية سورية ودولية.
ونتج عن هذه الجهود العديد من المحاكمات في ألمانيا وفرنسا وهولندا والسويد والدانمارك وسويسرا وغيرها، وصدرت إثرها عقوبات بحق أفراد وكيانات سياسية وعسكرية ثبت تورطها في هذه الانتهاكات.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي