طهران تضغط لتحصيل ديونها.. الأسد عاجز عن السداد
– جنى العيسى
نهاية نيسان الماضي، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر وصفتها بالمتابعة في دمشق قولها، إن إيران تحاول الضغط على حكومة النظام السوري لاسترداد ديونها منذ أحدث زيارة أجراها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق في أيار 2023.
وأضافت المصادر أن إيران تضغط على النظام لاسترداد الديون البالغة 50 مليار دولار أمريكي عبر الحصول على مشاريع استثمارية، خاصة بعد توقيع الطرفين “مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي” في أثناء زيارة رئيسي الأخيرة.
تشدد طهران على وضع الاتفاقيات الكثيرة الموقعة بين البلدين موضع التنفيذ وذلك بهدف سداد الديون، وفق المصادر.
اتفاقيات حبيسة الورق
خلال السنوات الماضية، حصلت إيران على عديد من العقود الاستثمارية في مختلف القطاعات، كالاتصالات والصحة والتعليم والطاقة والمصارف والبناء والزراعة والثروة الحيوانية والكهرباء.
لم تُنفذ مشاريع عديدة من هذه الاتفاقيات على أرض الواقع، دون إشارة واضحة إلى معوقات تنفيذها من قبل الطرفين.
ولم تعلق إيران على رغبتها الكبيرة في وضع هذه الاتفاقيات موضع التنفيذ الجدي في وقت سابق، ما جعل الخبراء والمتابعين يعتبرون أن غياب تنفيذ الاتفاقيات يعود إلى رغبة إيرانية في حجز مواقع واستثمارات في سوريا دون عجلة في تنفيذها بالمستقبل القريب ربما.
لجنة لتحصيل الديون
في 25 من نيسان 2023، اجتمعت اللجنة الاقتصادية السورية- الإيرانية، بمشاركة وزير الاقتصاد في حكومة النظام، محمد سامر الخليل، ووزير الطرق الإيراني، مهرداد بذرباش، وممثلين من الجانبين في قطاعات الاقتصاد والتجارة والإسكان والنفط والصناعة والكهرباء والنقل والتأمينات.
نتج عن هذا الاجتماع تشكيل ثماني لجان اقتصادية تخصصية في قطاعات مختلفة، وكانت اللجنة الثامنة من هذه اللجان تُعنى بمتابعة الديون والمستحقات، لإجراء تحقيق دقيق لحجم الديون، بعد اتفاقات سابقة تخص إعطاء أراضٍ كبديل لهذه الديون.
وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، مهرداد بذرباش، صرح حينها أن الجانب الإيراني “يشعر بظروف سوريا، ولكن توجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”، وفق حديث الوزير الإيراني لصحيفة “الوطن” السورية.
وفي ظل الحديث عن ديون لإيران عند النظام السوري بنحو 50 مليار دولار أمريكي، اقترحت إيران على الأسد تقديم أراضٍ كبديل عن الأموال في سبيل التسديد.
طهران “مغبونة”
الباحث المتخصص بالشأن الإيراني ضياء قدور، قال إن النظام السوري غير قادر على سداد ديون إيران، وضمن العديد من الملفات المسربة، وُجد أن إيران تعترف بمماطلة الأسد بسداد هذه الديون.
وأوضح قدور في حديث إلى، أنه حتى الآن توصلت إيران إلى اتفاقيات تؤهلها لتحصيل جزء قليل جدًا من الديون التي أعطتها للنظام عبر قطاعات مختلفة وذلك في الجزء المدني فقط، دون التطرق للجزء العسكري.
يعتقد قدور أن طهران تشعر بالغبن في سوريا، كون وجودها هناك يعد أفشل مشروع قادته في السياسة الخارجية، وذلك لحماية حكم النظام دون الحصول على مقابل، وفق تعبيره.
ويرى الباحث أن إيران لا تزال مضطرة لتقديم المزيد أيضًا في سوريا، دون مؤشرات على حصولها على مقابل، ما يجعل من ذلك استثمارًا غير مجدٍ وسلبيًا اقتصاديًا.
وأشار ضياء قدور إلى خلاف بين النظام السوري وإيران بدأت ملامحه تطفو على السطح، أبرزها الضغوط الإيرانية تجاه الحصول على استثمارات أكبر من جهة، والانتقادات غير المسبوقة على لسان موالين للنظام لناحية الوجود الإيراني في سوريا.
اتفاقيات “إذعان” بوجه التقارب العربي
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، يرى أن الاتفاقيات الموقعة بين النظام السوري وإيران هي اتفاقات “إذعان” وُقعت في وقت كان فيه النظام مضطرًا لها ضمن شروط وظروف سيئة جدًا.
وأشار شعبو، في حديث إلى، إلى أن الزيارات المتوالية لمسؤولين إيرانيين إلى دمشق لإعادة تنشيط الاتفاقيات تعبر عن حالة استياء من تباطؤ النظام في تنفيذ المشاريع والاتفاقيات، خاصة تلك المتعلقة بالبنى التحتية والطاقة.
تحاول إيران الاستفادة من كل دولار وضعته في سوريا، وطوت صفحة أن تبقى تدفع، لذا ستشهد الأيام المقبلة ضغطًا إيرانيًا أكبر على النظام لتحصيل ما دفعته، خاصة في ظل اقتطاع روسي لعدد كبير من الاستثمارات.
فراس شعبو
دكتور في العلوم المالية والمصرفية
كما تستخدم إيران هذه الاتفاقيات كورقة ضغط على النظام، فكلما زاد التقارب العربي مع النظام وما يتخلله من طلبات إبعاد إيران وتقليص وجودها في سوريا، رفعت طهران هذه الورقة بوجه النظام، وفق شعبو.
ويرى فراس شعبو أن النظام يتعمد التراخي والتباطؤ في تنفيذ هذه الاتفاقيات، لأنه يدرك تمامًا أنه في حال سيطرة إيران على القطاعات التي تشملها الاتفاقيات لن يبقى له شيء، خاصة في ظل معاناته الكبيرة من ضعف الموارد المالية.
الغلبة لروسيا
تتمثل الإنجازات التي حققتها إيران في الاقتصاد السوري بخطوط ائتمان وقروض أكثر من كونها تجارة، بحسب دراسة صادرة عن مركز “الحوار السوري” في آذار 2022.
ورغم الإخفاقات التجارية المتعددة، لا تزال إيران تسعى لرفع مستوى التبادل التجاري لغايات عديدة، أبرزها استعادة أكبر قدر من الديون، وأهمية هذا التبادل لها لنفوذ القوة الناعمة التي تحتاج إليها لتطوير نفوذ طويل الأمد وعلاقات اقتصادية.
ووفق الدراسة، سعت إيران بعد عام 2015 إلى التمركز بكل القطاعات الرئيسة في سوريا، ورغم بذلها جهودًا كبيرة في هذا المجال، فإن نجاحها الفعلي ومستوى سيطرتها يختلف بين قطاع وآخر، وسط وجود محاولات إيرانية مستمرة ومتواصلة لزيادة التمركز في كل منها على حدة.
واعتبرت الدراسة أنه، بشكل عام، يُلاحظ وجود سمة عامة صبغت التوجهات الاقتصادية الإيرانية في سوريا، وهي النجاح في إبرام الاتفاقيات مع الفشل في تحويلها إلى واقع، وذلك نتيجة ثلاثة عوامل رئيسة، هي المنافسة الروسية، وتأثير العقوبات الغربية، والضعف الاقتصادي في سوريا.
ويعد مستوى المنافسة الروسية- الإيرانية في سوريا أبرز العوامل المؤثرة في التموضع الإيراني داخل قطاعات الاقتصاد السوري ومستقبله.
وأوضحت الدراسة أن حليفي النظام السوري، روسيا وإيران، ينخرطان في منافسة على النفوذ وغنائم الحرب، وهو ما يتضح من استهداف الطرفين للقطاعات الاقتصادية ذاتها، بدلًا من التنسيق بينهما في الاستحواذ.
وتميل كفة السيطرة الاقتصادية لمصلحة روسيا، وهذا ما بدا واضحًا في أكثر من قطاع، فحيث يتدخل الروس “تكون لهم الغلبة”، وفق الدراسة، والعكس بالعكس أيضًا، إذ يعطي ضعف التدخل الاقتصادي الروسي هامشًا كبيرًا للإيرانيين للتدخل والتحكم.
خطوط ائتمانية تتجدد منذ 2013
مطلع آب 2023، نقل موقع “أثر برس” المحلي عن مصادر وصفها بـ”المطلعة”، وجود اتفاق بين إيران والنظام السوري للتوقيع على مرحلة جديدة للخط الائتماني الإيراني- السوري، بهدف ضمان استمرار انسياب المستوردات النفطية بأسلوب دوري ومنتظم.
وذكرت المصادر حينها أن الاتفاق سيضمن تأمين مليوني برميل نفط شهريًا.
يُعرف “الخط الائتماني” بأنه نوع من التسهيلات المالية والقروض الميسّرة، تمنحها المصارف والمؤسسات المالية، وفق سقف محدد للمبلغ الذي يمكن سحبه ما دام جرى الالتزام بموعد السداد.
ويكون “الخط الائتماني” قابلًا للزيادة حال استنفاد رصيده بالاتفاق بين الطرفين، وفي الحالة الإيرانية- السورية يختلف مفهوم هذا الخط، إذ ليس لدى النظام السوري القدرة المالية على إيفاء الديون.
أُسس أول “خط ائتماني” فتحته إيران لسوريا في عام 2013 بقيمة مليار دولار بفوائد ميسرة، تبعه خط آخر بقيمة ثلاثة مليارات دولار لتمويل احتياجات البلاد من النفط ومشتقاته، وفي عام 2015، فُتح “خط ائتماني” جديد بقيمة مليار دولار، توقف الأخير عام 2019 دون ذكر الأسباب.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي