“الفريكة” بإدلب.. فرصة مؤقتة للعامل وهامش ربح للمزارع
– حسن إبراهيم
يشكل موسم “الفريكة” مصدر رزق لشريحة واسعة من السكان في إدلب شمال غربي سوريا، ويعد مهنة اعتادها الأهالي وتقليدًا موروثًا من الأجداد.
مزارعون وعمال وتجار وأصحاب سيارات وحصادات ومحال محروقات وأدوات المهنة، ينتظرون موسم “الفريكة”، وهو عملية حرق محصول القمح قبل نضجه، على أمل تحقيق مردود مالي يسد احتياجاتهم، وسط قلة فرص العمل في المنطقة.
ويبدأ العمل لإنتاج “الفريكة” مع الأسبوع الأول من شهر أيار في كل عام، ويستمر من 15 إلى 25 يومًا، حين تكون سنبلة القمح رطبة قليلًا في معظم مناطق الشمال السوري، مع تمايز بعض المناطق عن غيرها.
ما حرق “الفريكة”
يمر إنتاج “الفريكة” بعدة مراحل، ويبدأ بعملية قص سنابل القمح بالحصادة، وقلما يتم الاعتماد على القص اليدوي، إلا في حالات يتعذر فيها دخول الحصادة إلى الأرض، لوجود القمح بين الأشجار.
بعد القص، تُعرض سنابل القمح لساعات تحت أشعة الشمس لكي تجف ثم تُحرق، وبعدها تُعبّأ بأكياس كبيرة، وتُنقل إلى “الدرّاسة” لفرز حبة “الفريكة” عن بقايا ومخلّفات الحرق من قش وأتربة، لتصبح جاهزة للبيع.
وبحسب مزارعين قابلتهم، فإن طريقة حرق “الفريكة” تختلف بحسب المنطقة والعُرف، منها أن يجمع العمال سنابل القمح لحرقها في كومة واحدة فوق سرير حديدي، ومنها أن تُنشر لمئات الأمتار على الطرقات وتُحرق.
ويعتمد العمال في كلتا الحالتين على الحرق عبر أنبوب موصول بأسطوانة غاز تبعد مترين إلى ثلاثة عن نقطة اندلاع النار.
موسم منتظر.. تكاليف مرتفعة
ملامح المهنة الشاقة لا تحصر العمل بها بالشباب أو الرجال، إذ تعمل النساء والأطفال خلال هذه الأيام القليلة لإعالة أهلهم وذويهم، وتبلغ أجرة السيدة العاملة خمسة دولارات أمريكية (الدولار يقابل 33 ليرة تركية)، أما الرجل فيحصل على عشرة دولارات، لأنه يعمل لساعات أكثر، وأحيانًا يبقى حتى منتصف الليل حسب الازدحام وانتظار الحصادة.
حسن هلال، مزارع مهجّر يقيم في ريف إدلب، ويمارس المهنة منذ أكثر من 15 عامًا، قال لعنب بدي، إن الطن من “الفريكة” يباع حاليًا من 500 إلى 800 دولار، ويختلف تبعًا للجودة، كما يشهد هذا العام قلة في كمية الإنتاج من الهكتار الواحد، إذا يعطي الهكتار من ثلاثة إلى خمسة أطنان.
وتتراوح تكلفة زراعة الهكتار بين 800 و900 دولار حسب الأسمدة والسقاية، ويدفع المزارع 80 دولارًا أجرة الحصّادة، كما يدفع 5% من مبيع المحصول إلى مقاول البيع (الدلّال) مقابل “دلالة وكمسيون”، وفق المزارع.
ويدفع المزارع دولارًا أمريكيًا لـ”الدرّاسة” (التي تعزل حبوب القمح عن الأتربة والقشور) عن كل كيس من “الفريكة” ويزن 60 كيلوغرامًا.
ويستهلك الهكتار من سبع إلى 13 أسطوانة غاز من أجل حرق القمح، إذ يختلف الاستهلاك تبعًا للجو، وإذا كانت الشمس ساطعة والحرارة مرتفعة فالاستهلاك أقل، ويزداد في حال كان الجو غائمًا، وتباع الأسطوانة حاليًا في إدلب بـ11.83 دولار (نحو 385 ليرة تركية).
ولا يقتصر الأمر في إنتاج “الفريكة” على المزارعين، إذ يتوجه بعض الأشخاص لاستئجار أراضي القمح خلال موسم “الفريكة”، ويجازفون على أمل تحقيق هوامش ربح، خاصة أن بعضهم من المزارعين المهجرين والنازحين.
ويبلغ إيجار هكتار القمح قرب خطوط التماس من 300 إلى 400 دولار (التربة فقط)، وتصل تكلفته حين يصل إلى مرحلة “الفريكة” من 1200 إلى 1400 دولار، حسب السقاية والأسمدة، وفق المزارع حسن هلال.
ويستفيد المزارع من القش المتبقي بعد قص سنابل القمح، وفي حال أراد تأجيره، فإن أجرة هكتار القش تتراوح بين 150 و200 دولار، وتختلف حسب الكثافة.
ويدفع المزارع أو “الضمّان” مبالغ مقابل تأمين مكان لحرق “الفريكة” في جزء من الطريق أو كما يسمى “مفرش”، وتتراوح من 200 إلى 500 دولار لمساحة تناسب فرش هكتار من القمح، ويستخدم المزارع هذه المساحة لحين انتهاء موسم “الفريكة”.
بعد عام 2020، انحسرت الرقعة الجغرافية في الشمال السوري، عقب سيطرة قوات النظام على مدن ومناطق مجاورة في آخر تقدّم لها، وظهرت حالة حجز الطرقات من قبل مزارعين وتجار لأجل حرق “الفريكة” بعد التواصل مع المجالس المحلية في كل منطقة، وهي حالة لم تكن معتادة سابقًا.
وبحسب مزارعين، لا يعني حجز طرقات الأسفلت إغلاقها كليًا أو حتى جزئيًا إنما أخذ مساحة طولية منها بشكل يسمح بمرور الآليات والسيارات، كما أن أجور الحجز تختلف بين منطقة وأخرى، ويتم ذلك عبر طرح الطريق من قبل المجلس المحلي في مزاد علني يقدم عليه تجار ومزارعون.
فرصة مؤقتة
تعد “الفريكة” فرصة مؤقتة لتأمين أبسط احتياجات الأسرة في منطقة تعاني من البطالة، وهجرة الشباب، وارتفاع معدلات الجريمة، وزيادة مستويات الفقر بين المدنيين في المنطقة، إذ وصلت معدلات البطالة بين السكان المدنيين إلى 88.74% بشكل وسطي (مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة).
بغض النظر عن موسم “الفريكة”، تصل الأجرة يوميًا في أحسن الأحوال إلى 100 ليرة تركية (نحو ثلاثة دولارات أمريكية)، بينما وصل حد الفقر المعترف به إلى 10843 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع إلى 8933 ليرة.
ويسكن شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.4 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.4 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.
4% من إنتاج القمح
المدير العام للزراعة في حكومة “الإنقاذ”، المهندس تمام الحمود، قال ل، إن المساحة المزروعة بالقمح هذا العام تقدّر بـ33 ألف هكتار، ولا يمكن تقدير كمية الإنتاج حاليًا.
وأوضح أن نسبة إنتاج “الفريكة” من إنتاج القمح تبلغ حوالي 4%، وهي نسبة لا تؤثر بشكل واضح على إنتاج القمح في المنطقة.
وفي عام 2023، بلغت تقديرات إنتاج القمح في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ” التي تشمل محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، وجزءًا من ريف حلب الغربي، نحو 99 ألف طن.
وحددت “الإنقاذ” سعر شراء القمح من الفلاحين بـ320 دولارًا للطن الواحد (32 سنتًا للكيلوغرام)، في عام 2023، بينما حددته عام 2022 بـ450 دولارًا، ما أثار استياء واستغراب المزارعين، وجعل بعضهم يتوجه إلى زراعات أخرى وجديدة أملًا بتحقيق هامش ربح، منها النباتات العطرية كالكمون والزعفران وغيرها.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي