مراحل وفصول الاعتراف بالدولة الفلسطينية
26 مايو 2024آخر تحديث :
صدى الإعلام _ الكاتب: باسم برهوم – بعيدا عن التاريخ البعيد، والمقصود منذ ان اخذت فلسطين اسمها كإقليم جغرافي قبل آلاف السنين، فإن من أعادها مرة اخرى الى الخارطة العالمية الحديثة هي بريطانيا، ولغرض في نفس يعقوب، وهذه الإعادة لفلسطين لم تستمر طويلا، فقد تم شطبها عن الخريطة من قبل القوى العظمى في نكبة العام 1948، وظهرت مكانها إسرائيل تنفيذا لوعد بلفور الانجلو اميركي. وخلال الحرب حاولت الهيئة العربية العليا، التي كانت تمثل قيادة الشعب الفلسطيني، ولو متأخرة إعلان الدولة الفلسطينية، عبر تأسيس حكومة عموم فلسطين، التي اعترفت بها في حينه جامعة الدول العربية وعدد من الدول العربية وربما عدد آخر قليل من الدول الاسلامية.
اختفت فلسطين عن الخرطة، وطمست هوية شعبها، الذي تم تشريده وتشتيته على انحاء الشرق الأوسط والعالم. بقي الوضع كذلك الى ان انطلقت الثورة الفلسطينية الحديثة عام 1965، وعاد معها الحديث عن فلسطين مجددا، وازداد هذا الحديث بعد حرب أكتوبر عام 1973، عندما اعترف العرب وهيئة الأمم المتحدة وغالبية دول العالم كله بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وهو اعتراف بالكيانية الفلسطينية المستقلة. وبعد هذا الاعتراف اقرت هذه الاخيرة برناماج النقاط العشر، الذي ينص على إقامة سلطة وطنية فلسطينية على اي شبر تنسحب منه إسرائيل. وهو ما يعني عمليا بداية القبول بدولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل. واصبحت الدولة اكثر قربا مع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الاولى نهاية ثمانينيات القرن العشرين، وبالتحديد عندما أقر المجلس الوطني مشروع السلام الفسطيني على أساس قرار مجلس الامن الدولي 242. كما وصدر اعلان الاستقلال وقيام دولة فلسطين، في حينها اعترفت بفلسطين 110 دول، وعمليا الدول التي كانت تعترف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، ويمكن القول ان الغالبية العظمى من الدول الآسيوية والافريقية وعدد من دول اميركا الجنوبية والوسطى، والدول الأوربية الاشتراكية في شرق ووسط اوروبا واليونان ويوغسلافيا ومالطا، والصين والهند، جميعها اعترفت في حينه بالدولة الفلسطينية وهنا يمكن التذكير ان لدولة فلسطين اكثر من 100 سفارة حول العالم الآن.
وعندما تقدمت منظمة التحرير الفلسطينية بطلب العضوية لدولة فسطين الاعوام 2011 و 2012 صوتت في الجمعية العامة التابعة للامم المتحدة الى جانب هذا الطلب 138 دولة في العام 2012، مما زاد عمليا عدد الدول المعترفة بفلسطين، كما دعت في حينه برلمانات في كل من بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، ايطاليا، ايرلندا، بلجيك وهولندا وعدد اخر من البرلمانات العالمية حكوماتها للاعتراف بدولة فلسطينية، وكانت السويد من ابرز الدول الغربية التي اعترفت رسميا بفلسطين في تلك المرحلة. وكانت أيرلندا وإسبانيا من الدول المقدر انها ستعترف بالدولة الفلسطينية، وفي التصويت الأخير في الجمعية العامة، الذي جرى قبل اسابيع قليلة، صوتت 143 دولة لمصلحة القرار والذي يعني مرة أخرى ان هذه الدول تعترف عمليا بالدولة الفلسطينية ومن بينها فرنسا وهولندا وبلجيكا والبرتغال، وهي المرشحة ان تعترف بالدولة رسميا في الأشهر القليلة القادمة.
من الواضح ان الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، والمانيا لأسبابها التاريخية الخاصة هي على وجه الخصوص من يعطل الاعتراف الدولي الكامل بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو1967، بل ان كلا من واشنطن ولندن لا تزالان مقتنعتين ان الدولة الفلسطينية ستعني بداية النهاية للمشروع الصهيوني، كما ليس من مصلحة هاتين الدولتين ان يستقر الشرق الاوسط وان من مصلحتهما ان يبقى استنزاف شعوب المنطقة لكي تبقى الولايات المتحدة هي المتحكم بمجريات الامور. هذه المواقف ليست جديدة بل هذا الموقف هو ذاته منذ وعد بلفور والذي ساهمت الدولتان في صياغته خلال الحرب العالمية الاولى، وهي لا تزال تتمسك بجوهره الذي لا يرى اهمية لوجود كيان فلسطيني مستقل بين النهر والبحر.
ويمكن تلخيص العقبة التي تقف في وجه ان تصبح دولة فلسطين دولة كاملة العضوية في هيئة الأمم المتحدة هو الفيتو الأميركي، فالغالبية العظمى تعترف بهذه الدولة، بل ان هذه الغالبية تصر في تصويت متتابع ان يوافق مجلس الامن الدولي على قبول عضوية فلسطين. وربما تجدر الاشارة الى انه حتى في مجلس الأمن فقد صوتت مؤخرا 12 دولة وان الفيتو الأميركي هو من منع عضوية فلسطين الكاملة.
وهناك ضروة وجب تأكيدها وهي ان لا نلجأ الى فصل مراحل النضال الفلسطيني بعضها عن بعض، او اعتبار ان التاريخ يبدأ من حدث بعينه، فالشعب الفلسطيني يواجه المشروع الصهيوني منذ اكثر من مائة عام، فهناك اطراف تحاول فصل عقولنا عبر الغاء التاريخ النضالي الفلسطيني وحصره بفصيل او حدث بعينه، ولعل عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو أكبر مثال ان حلقات النضال الوطني الفلسطيني مترابطة بغض النظر عن طبيعة هذا النضال في كل مرحلة أكان سياسيا دبلوماسيا أو اعتمد المقاومة المسلحة.