اخر الاخبار

مملكة ماري.. من سوريا إلى “ستراسبورغ”

مطلع ثلاثينيات القرن الـ20، وخلال محاولة دفن البدو، في منطقة تل الحريري في سوريا لأحد موتاهم، اكتشفوا بالصدفة آثارًا تعود لأحد أقدم الحضارات البشرية، آثار مملكة ماري.

ونظمت “المكتبة الوطنية” في مدينة ستراسبورغ، شرقي فرنسا، معرض “ماري في سوريا”، في مقر المكتبة، بالقرب من ساحة الجمهورية بين 7 من شباط الماضي و26 من أيار الحالي.

تضمن المعرض تحفًا وآثارًا وتماثيل نادرة، ومقاطع مسجلة لعمل البعثات الأثرية الفرنسية، ووثائق من الأرشيف الخاص.

وأقيم المعرض بالتعاون بين المكتبة الوطنية، ومتحف “اللوفر” في باريس، بالإضافة لمتحف برلين (ألمانيا) ومتحف ماري مونت (بلجيكا).

آثار مملكة ماري ضمن معرض المكتبة الوطنية في ستراسبورغ/ فرنسا- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

آثار مملكة ماري ضمن معرض المكتبة الوطنية في ستراسبورغ/ فرنسا- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

وعملت البعثات الأثرية الفرنسية لـ47 موسمًا ولأكثر من 80 عامًا على اكتشاف الآثار الخاصة بمملكة ماري، وفق وزارة الثقافة الفرنسية.

تأسست ماري في عام 2900 قبل الميلاد، واستمرت لما يقارب 1200 عام، وتحديدًا حتى نهاية الألف الأول قب الميلاد، ودمّرت مرتين بشكل كامل، وحتى اليوم لم يعثر على أكثر من 8% من الآثار المتوقعة.

وتشير مملكة ماري والآثار المكتشفة بها لطبيعة العلاقات بين الممالك الأثرية في المنطقة بين وادي الرافدين (بين سوريا والعراق)، والمنطقة السورية الممتدة حتى البحر الأبيض المتوسط في سوريا.

وثيقة أرشيفية لعمل البعثة الأثرية الفرنسية للتنقيب عن آثار مملكة ماري- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)وثيقة أرشيفية لعمل البعثة الأثرية الفرنسية للتنقيب عن آثار مملكة ماري- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

وثيقة أرشيفية لعمل البعثة الأثرية الفرنسية للتنقيب عن آثار مملكة ماري- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

وتتضمن الألواح الطينية والمكتوبة إشارةً للجوانب المدنية للمملكة، وفق ما ورد في دراسة للباحث جمال ندا صالح.

وجاء في الدراسة المنشورة في 2020، أن معظم وثائق مملكة ماري، دونت في عهد ملكها “زمري- ليم”، وهو آخر ملوكها وأشهرهم، وحكم بين عامي 1782 و1760 قبل الميلاد.

وتشير هذه الوثائق إلى معلومات عن جوانب الحضارة في مملكة ماري والعلاقات بين ممالك الشرق القديم، بالإضافة إلى أن سكانها طوروا زراعتهم لتشمل مختلف المحاصيل، مع إقامة مشاريع الريّ.

وتشير إحدى الألواح لرسالة بين الملك “زمري- ليم” ومبعوثه، يخبره فيها أن الملك “حمورابي”، أرسل إليه ملابس فاخرة.

وفق وزارة السياحة السورية، أسست المملكة عبر سلطة اجتماعية وسياسية كان لها حضور قوي في المنطقة المطلة على نهر الفرات.

وتكونت المدينة على شكل دائرة قطرها 19 كم، مع ميناء يتصل بقناة مائية مجهزة ومتصلة مع نهر الفرات لتأمين وصول المياه والسفن.

نافست ماري مملكة إيبلا، شمال غربي سوريا، قرب مدينة حلب، والتي امتدت مناطق حكمها من الفرات شرقًا وحتى سواحل البحر الأبيض المتوسط غربًا.

مملكة ماري كما تصورها العلم (انترنت)مملكة ماري كما تصورها العلم (انترنت)

وليام فرانك، فرنسي الجنسية وأحد زوار المعرض، قال ل، إنه قرأ قبل سنوات طويلة تقريرًا عن عمل البعثات الأثرية الفرنسية في مملكة ماري.

وأضاف أنه زار المعرض لرؤية الآثار التي قرأ عنها، خاصةً وأنه لم تتح له زيارة سوريا سابقًا، أو الموقع الأثري لمملكة ماري في وقت سابق.

وثيقة أرشيفية لعمل البعثة الأثرية الفرنسية للتنقيب عن آثار مملكة ماري- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)وثيقة أرشيفية لعمل البعثة الأثرية الفرنسية للتنقيب عن آثار مملكة ماري- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

وثيقة أرشيفية لعمل البعثة الأثرية الفرنسية للتنقيب عن آثار مملكة ماري- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

من جهتها قالت مارلين إنز، إحدى الزائرات، ل، إن مملكة ماري قديمة للغاية ومن الممتع أن تُعرض القطع الأثرية التي اكتشفت، والألواح الطينية التي نقش عليها نصوص باللغات القديمة.

أهمية ماري للحضارة الإنسانية

تعرضت الآثار السورية طيلة سنوات الصراع، لدمار ونهب ممنهجين، سواء ما دمره تنظيم “الدولة الإسلامية” في تدمر، أو الآثار المسروقة والمهرّبة لخارج البلاد.

وتشكل هذه الآثار أهميةً ثقافية وسياحية كبرى، ليس لقيمتها المادية فقط، بل كذلك لعمقها الإنساني ودورها في الحضارة البشرية.

الآثار في سوريا بين النهب والتدمير.. ما القوانين التي تحميها؟

إيمانويل مارين، أحد منظمي المعرض، أوضح ل أن مملكة ماري وآثارها جزء هام من الحضارة البشرية، ويجب فهم هذه الحضارات القديمة باعتبار أن الحضارة الإنسانية الحالية متصلة بها.

وأضاف، “لدينا 24 ساعة في يومنا بسبب أن شخصًا ما في حضارة قديمة درس الأمر”، وبالتالي يستمر تأثير هذه الحضارات.

وكان لمملكة ماري “تاريخ درامي”، وفق مارين، إذ دمّرت مرتين بشكل كامل، وفي كل مرة كانت تقوم مجددًا ويُعاد إعمار مبانيها ومعابدها وقصورها، وهذا الأمر هو درس للإنسان، وتحديدًا بما يحصل في سوريا اليوم.

آثار مملكة ماري ضمن معرض المكتبة الوطنية في ستراسبورغ/ فرنسا- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)آثار مملكة ماري ضمن معرض المكتبة الوطنية في ستراسبورغ/ فرنسا- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

آثار مملكة ماري ضمن معرض المكتبة الوطنية في ستراسبورغ/ فرنسا- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

وجاء المعرض ضمن مشروع عام لتسليط الضوء على القطع الأثرية العائدة للحضارات في منطقة الشرق الأوسط، ولأهمية مملكة ماري ومنطقتها الأثرية، إذ إن العديد من علماء الآثار في ستراسبورغ، منخرطون في آثار المدينة وهندستها.

وفق مارين، فإن المعرض أقيم بمساهمة من متحف “اللوفر” في باريس، الذي أبدى اهتمامه بالمشروع.

وتضمن المعرض، بالإضافة لقطع أثرية نادرة وتماثيل للحكام والآلهة في مملكة ماري، مراسلات البعثة الأثرية التي أجرت عمليات التنقيب طيلة سنوات.

وتعود ملكية المراسلات لـ”بيت العلوم الإنسانية” في باريس، ويقارب عددها 70 وثيقة.

وإلى جانب التحف الأثرية المعروضة، عرضت تسجيلات مصورة لعمال سوريين من المنطقة والبعثات الأثرية الفرنسية، وتعود لثلاثينيات القرن الـ20.

آثار مملكة ماري ضمن معرض المكتبة الوطنية في ستراسبورغ/ فرنسا- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)آثار مملكة ماري ضمن معرض المكتبة الوطنية في ستراسبورغ/ فرنسا- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

آثار مملكة ماري ضمن معرض المكتبة الوطنية في ستراسبورغ/ فرنسا- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

وفق وزارة الثقافة الفرنسية، فإن أعمال التنقيب الأثرية، استمرت حتى عام 2010، قبل أن يتضرر الموقع نتيجة المعارك.

ومنذ 1933، تولى ثلاثة علماء آثار مهمة الإدارة العلمية للتنقيب، وهم أندرو بارو (1933- 1978)، ثم جان كلود مارغرون (1979- 2004)، وباسكال بيترلان منذ عام 2005.

وثيقة أرشيفية لعمل البعثة الأثرية الفرنسية للتنقيب عن آثار مملكة ماري- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)وثيقة أرشيفية لعمل البعثة الأثرية الفرنسية للتنقيب عن آثار مملكة ماري- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

وثيقة أرشيفية لعمل البعثة الأثرية الفرنسية للتنقيب عن آثار مملكة ماري- 26 أيار 2024 (/ يامن المغربي)

وتهدف القوانين المحلية والدولية الخاصة بالآثار إلى حمايتها والحفاظ عليها من العبث والتخريب والسرقة.

وقامت “منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة” (يونسكو)، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، بإطلاق العديد من المشاريع لحماية التراث السوري الذي يتم تدميره وسرقته بشكل مستمر.

وكان أهمها مشروع يقضي بالتحرّك لحماية الآثار السورية بشكل طارئ، مع وضع آليات عديدة وعملية من أجل تفعيل عملية الحفاظ على ما تبقى من آثار.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *