ضحايا إعلام “Doomscrolling” –
علي عيد
إذا لاحظت أنك وقعت في فخ الهاتف الجوال عند النوم، أو في استراحتك أو بيوم العطلة، وأن إنتاجك تراجع بشكل كبير، بسبب ما تلتهمه على “السوشيال ميديا” والإعلام، فقد تكون إحدى ضحايا “Doomscrolling”، أو ما يسمى “التصفح السلبي”، أو “هوس تصفح الأخبار السيئة”، أو “الأخبار المميتة”، وفق تعريفات مختلفة لهذا المصطلح.
طور منتجو التكنولوجيا خوارزميات على الإنترنت ومواقع التواصل، يمكنها أن تقرأ اهتماماتك وتغرقك في بحر من المحتوى غير المنضبط، عبر تقنية “السحب للأسفل”، وأن تصطادك مستغلة “هرمون السعادة” (Dopamine) للسيطرة على سلوك المشاهدة عندك.
وزاد من خطر المحتوى السلبي، تلك الموجات المتتابعة من صانعي المحتوى الأفراد والمؤثرين، الذين يضعون الربح والشهرة كأولوية فيما يقدمونه من محتوى على منصات التواصل.
وليس ذلك فحسب، فأنت معرض لمتابعة الأخبار السيئة من مختلف أنحاء العالم، بما فيها الكوارث والحروب وصور الدمار والقتل والدم، ما يعني أنك إن وقعت في الفخ صباحًا، فسينسحب أثر ذلك على يومك كله، وحسب علماء النفس، يكفي أن تتعرض لمحتوى سيئ لمدة ثلاث دقائق حتى يتحقق الأثر السلبي، ويؤكد 27% ممن يتعرضون لهذه التجربة، وفق شريحة أجريت عليها دراسات علمية، أنهم بقوا بين ست إلى ثماني ساعات تحت تأثير الأخبار السيئة.
بالمقابل، هناك 88% تركت “الأخبار البناءة” أثرًا جيدًا في يومهم، لكن السؤال الأهم، هو أين يمكن الحصول على الأخبار الجيدة، طالما أن العالم يعيش أزمات وحروبًا متلاحقة، كما تعيش البشرية كوارث وجوائح لا تنتهي.
أين تقع مهمة صانعي الإعلام ومؤسساته في هذا الخطر المحدق، وكيف يمكن التقليل من أثر الـ”Doomscrolling”، وهل هي مهمة مهنية أم أخلاقية.
كثير من الدراسات بحثت في أثر هذه الظاهرة، ومنها دراسة بعنوان “وبائيات الأخبار”، أجراها الباحث السوسيولوجي جياكومو بونكومباني (Giacomo Buoncompagni)، وصدرت عام 2022 عن جامعة “فلورنسا” بإيطاليا، ولخصت أثر التعرض للأخبار السيئة خلال جائحة “كورونا”.
يرى أستاذ لغات الإعلام والعلوم السياسية في جامعة ميشيغان، ستيوارت سوروكا (Stuart Soroka)، في مقال له بمجلة “باسيفيك ستاندارد” (Pacific Standard)، أن الصحافة يجب أن تستمر في كونها “سلبية” لأنها تساعد على نشر المعلومات وفضح جميع أشكال الفساد، وبالتالي محاسبة من هم في السلطة.
ويدعو سوروكا وسائل الإعلام إلى أن تزن الأخبار السيئة مقابل المعلومات الأخرى بنفس الطريقة التي يقوم بها الدماغ بمسح البيئة باستمرار بحثًا عن التهديدات المحتملة، وأنه يجب نسيان أن الأخبار السيئة هي أخبار جيدة لأنها تظهر أن المجتمع لا يزال يهتم عندما يفعل الأشرار أشياء سيئة.
أستاذ الاتصالات في جامعة “نافارا” في بامبلونا بإسبانيا، وخبير الصحافة الرقمية، جيمس برينر (James Breiner)، يدعو إلى “الصحافة البناءة” بطريقة المستثمر طويل الأجل، وينبه إلى أن الفوضى المعلوماتية ليست خدمة عامة، بل معركة حول من يستطيع أن يمارس أكبر قدر من السلطة السياسية وجني المال، وأن الملايين من الناس يشعرون بأن أيًا من القوى القائمة لا تستمع إليهم، ونتيجة لذلك، فإن الصحافة لا تساعد في حل المشكلات.
في دراسته حول أثر الإعلام في جائحة “كورونا”، ينصح برينر الجمهور بتقليل التعرض لتدفق الأخبار، واختيار مواقع إخبارية موثوقة والتركيز على الحقائق بدلًا من الافتراضات.
وبما أن هناك ما بين 15 و18 مليار جهاز هاتف ذكي بين أيدي البشر، اليوم، وفق إحصائية شبكة “statista” المتخصصة في التحليلات البيانية، هذا عدا عن الأجهزة اللوحية الأخرى، يمكن فهم علاقة البشر بوسائل التواصل ومواقع الإنترنت، وطبيعة استخدامها خارج إطار العمل والتواصل الضروريين.
يعتبر الجمهور العربي من أكبر ضحايا الـ””Doomscrolling، إذ تشهد المنطقة عدة حروب وصراعات، كما تعاني من انقسامات فكرية وعرقية ودينية وسياسية، كل ذلك تسبب بهشاشة في المجتمعات، مع ما يرافق ذلك من فوضى في الإعلام الذي لا يأخذ غالبه الأثر النفسي لدى الجمهور بالاعتبار، كما لا تتوفر بيئة مناسبة لضبط المحتوى، وتقديم حلول لمنع تأثير “الأخبار المميتة”، إذا ما عرفنا أن المسألة لا تتوقف عند الأثر النفسي فحسب، بل تنعكس على الواقع الصحي والاقتصادي والثقافي.. وللحديث بقية.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي