بسبب الفقر.. أطفال المخيمات محرومون من لباس العيد
– هاني كرزي
“بابا وعدني من السنة الماضية يشتريلي تياب جديدة ولسا ما جبلي شي لهلأ”، ببساطة وبهذه الكلمات، عبر الطفل محمد السيد عن عدم حصوله على ثياب العيد، حاله كحال آلاف الأطفال في مخيمات الشمال السوري.
معظم الأطفال في شمال غربي سوريا، بينهم محمد الذي يقطن مع أسرته في مخيم “عائدون” بريف إدلب، وُلدوا ونشؤوا في المخيمات، لا يعرفون قراهم ولا بلداتهم، وترسخت في أذهانهم صورة العيد بالمخيم، وبالتالي باتوا محرومين من فرحة العيد، ولا سيما أن معظم الأهل عاجزون عن تأمين أهم الاحتياجات بالنسبة للطفل في العيد ألا وهو اللباس الجديد.
والد محمد (34 عامًا)، الذي يعمل في جمع الخردة، قال ل، إن العيد في المخيمات يفتح الكثير من الجروح، “فكيف هو الحال حين يأتي هذا العيد ونحن عاجزون حتى عن شراء ثياب جديدة لأطفالنا”.
وأضاف أن أصعب شعور لدى الأب أن يكون عاجزًا عن زرع الفرح على وجه طفله ولا يملك سوى تقديم الوعود.
وتابع، “العام الماضي طلب مني ابني محمد شراء ألبسة جديدة، لكني لم أكن أملك سوى ثمن الخبز وبعض الأطعمة البسيطة، فوعدته أن أشتريها له العام القادم على أمل أن ينفرج حالي، لكن للأسف وضعنا المعيشي يتراجع يومًا بعد يوم، ولم أعد قادرًا على النظر في عيني طفلي، فأصبحت أشعر أنني في نظره شخص كاذب”.
جولة وهمية في الأسواق
رغم بساطة المخيمات وسوء الأوضاع الخدمية فيها، تتوفر في معظمها أسواق تبيع مختلف البضائع بما فيها ألبسة العيد، ما يجعل الأهل في موقف محرج أمام أطفالهم، الذين يطلبون منهم اصطحابهم إلى السوق لشراء ثياب العيد، في وقت يعجزون فيه عن تأمين أبسط مقومات الحياة الأساسية.
قالت زينب باكير من قاطني مخيم “كفرعين” في معرتمصرين بريف إدلب، “في الأيام الماضية، طلب مني ابني عدة مرات أن أصطحبه إلى السوق لشراء لباس العيد، لكني كنت ألجأ للمماطلة كوني لا أملك ثمن الطعام، فكيف سأشتري له ولإخوته الثلاثة الألبسة”.
زينب عاملة تنظيفات في إحدى المنظمات، وتعمل لتأمين احتياجات أطفالها الضرورية بعد وفاة زوجها.
أضافت زينب (40 عامًا) ل، أنها وبعد إلحاح من أطفالها خطرت ببالها فكرة، إذ قامت باصطحابهم للسوق فعلًا، وكانت تدخلهم إلى المحال، فيجربون ارتداء الألبسة وهم مبتهجون.
“كنت لا أشتريها وأتحجج أمامهم بأن نوعيتها سيئة أو تصميمها ليس أنيقًا”، وفق ما قالته زينب التي أضافت أنه وبعد جولة طويلة في السوق، نال منهم التعب في آخر النهار وطلبوا العودة إلى المنزل، “وهكذا أكون قد جعلتهم يعيشون فقط شعور ارتداء ألبسة العيد ولو على سبيل التجريب فقط”.
تكلّف راتب أسبوع
تشهد أسعار ألبسة العيد ارتفاعًا كبيرًا، يفوق قدرة النازحين في مخيمات الشمال السوري كحال باقي المناطق، ما يجعل من الصعب على الأهالي شراء ثياب جديدة لأطفالهم، ولا سيما من لديه أكثر من ولد.
عبد الوهاب الرضوان، أحد قاطني مخيم “الزيتون” في اعزاز بريف حلب، يعمل في ورشة لصيانة السيارات، يشتكي من عدم قدرته على شراء ألبسة جديدة لأطفاله الأربعة، فهو يتقاضى يوميًا 75 ليرة تركية، أي ما يعادل 450 ليرة أسبوعيًا على اعتبار أنه يعطل يوم الجمعة، والتي لا تكفيه لتأمين حاجاته الأساسية.
قال عبد الوهاب ل، إنه وبعد إلحاح كبير من أطفاله طلبت زوجته أن تذهب إلى السوق لتلقي نظرة على الأسعار، “وعلى أساسها نقرر شراء ألبسة العيد لأطفالي أم لا”، إلا أنها صُدمت بالأسعار، حيث يكلّف شراء لباس من النوعية دون المتوسطة لطفل واحد (كنزة، بنطال، حذاء) حوالي 450 ليرة، أي ما يعادل أجرة الرجل طوال الأسبوع.
أضاف عبد الوهاب أنه لا يستطيع أن يشتري لباسًا لطفل واحد ويترك باقي إخوته بلا شيء، فلو قرر أن يشتري لباسًا لأبنائه الأربعة، يحتاج إلى أجرة شهر كامل من العمل المتواصل، “ما يعني أننا سنفتح فمنا للهواء”، لهذا “للأسف قررت هذا العيد أيضًا عدم شراء ألبسة جديدة لهم، وفي قلبي غصة كبيرة، فمنذ 4 سنوات لم يفرح أطفالي بلباس العيد الذي يبدو أنهم نسوه”.
“البسطات” حل مقبول
ارتفاع أسعار الملابس بشكل جنوني، جعل شراءها يقتصر على بعض الفئات الأكثر ثراء، ما جعل الأطفال من البسطاء هم الأكثر تضررًا، بحرمانهم الثياب الجديدة في العيد، واقتصار فرحتهم على بعض الحلوى والألعاب رخيصة الثمن.
ومن خلال رصد أسعار الألبسة في المخيمات، فإن أسعار الكنزات أو القمصان من النوع المتوسط للأطفال من عمر 5-10 سنوات تتراوح بين 150 و250 ليرة تركية، والبنطال بين 200 و300 ليرة، والحذاء بين 250 و350 ليرة.
بكى الطفل محمد السيد (6 سنوات)، من قاطني مخيم “عائدون” بحرقة، حين أخبره صديقه يحيى الحسون أن والده اشترى له لباس العيد، بينما هو ما زال على الوعد الذي قطعه والده منذ العام الماضي ولم ينفذ.
تحدثنا مع والد يحيى الحسون، لنفهم كيف اشترى ثياب العيد لأطفاله، بينما جاره “أبو محمد السيد” في الخيمة المجاورة عجز عن شراء ألبسة لأطفاله للعيد الرابع على التوالي.
قال “أبو يحيى” ل، “صادفت خلال عودتي من العمل بائعًا على بسطة ينادي على ثياب للأطفال بأسعار رخيصة، اقتربت مسرعًا نحوها، لكنها كانت من النوع الرديء جدًا، ورغم ذلك قررت شراءها، فالطفل لا يفهم بنوعيات الألبسة، المهم بالنسبة له أن يرتدي لباسًا جديدًا على العيد، وبالفعل اشتريت ألبسة لأطفالي الثلاثة، بتكلفة بلغت 450 ليرة تركية، إذ إن تكلفة القطعة الواحدة تبلغ 75 ليرة”.
ولتشجيع المارة على الشراء، ينادي صاحب “بسطة” لبيع الملابس الجديدة المصنوعة من الجينز أو القماش العادي وسط سوق شعبي في سلقين بريف إدلب، بأعلى صوته “أي قطعة ولادي بـ75 ليرة تركية، لتجد حول “بسطته” يتجمع عدد من الآباء والأمهات وإلى جانبهم أبناؤهم، في أجواء من الفرح المتبادل فيما بينهم، وهم يختارون ما يناسب أطفالهم من ألبسة لارتدائها في أيام العيد.
قالت “أم مصطفى البدوي”، نازحة في مخيم “العجمي” بسلقين، إن الألبسة على “البسطات” موديلاتها قديمة وذات نوعية رديئة جدًا، فهي مصنوعة من خيوط النايلون، وتسبب حساسية للأطفال وتزيد التعرّق لديهم خاصة في أثناء اللعب، إضافة إلى أن ألوانها في أغلب الأحيان تتلاشى عند الغسل، “ومع ذلك ليس لدينا خيار آخر”.
إبر مخدر وأثر نفسي
في ظل الظروف القاسية، يلجأ كثير من الأهل إلى إطلاق وعود كاذبة على أطفالهم، لتكون كإبر مخدر لهم، على أمل أن ينسوا طلباتهم، لكن المشكلة أن الطفل لا يمكن أن ينسى وعدًا من والده مهما كبر أو صغر حجم هذا الوعد، وإن لم ينفذ الوعد تذهب ثقة الطفل بوالديه.
وترى الباحثة الاجتماعية وضحة العثمان، أن كثيرًا من الأهل يضطرون لتقديم وعود كاذبة لأطفالهم، بسبب عدم قدرتهم على شراء ألبسة العيد لهم أو تلبية طلباتهم الأخرى، إضافة إلى أن الطفل ليس لديه الوعي الكافي لفهم الظروف الصعبة التي يعيشها والداه والفروقات المعيشية بين البشر، مشيرة إلى أن تكرار الوعود الكاذبة تجعل الأولاد يفقدون الثقة بوالديهم مستقبلًا، ولا يصدقونهم أبدًا حتى لو قالوا الحقيقة، وبنفس الوقت فإن العجز عن تلبية طلبات الأبناء يترك أثرًا نفسيًا قاسيًا داخل الأهل.
واقترحت العثمان على الأهل أن يلجؤوا إلى تلبية طلب على الأقل لأطفالهم، بدلًا من تقديم وعود كاذبة، كأن يقوموا بشراء قميص مثلًا، كي يرتديه الطفل مع بنطاله وحذائه القديم، وبنفس الوقت يشرحون لأطفالهم بأنه عندما يتحسن وضعهم المالي سيشترون لهم في العيد المقبل طقم لباس كاملًا.
ويزداد واقع قاطني المخيمات سوءًا عامًا بعد آخر، لا سيما مع انقطاع المساعدات عن معظم المخيمات وارتفاع أسعار مختلف السلع، وذكر فريق “منسقو استجابة سوريا” في تقرير له في 12 من حزيران الحالي، أن 918 مخيمًا في شمال غربي سوريا لا يحصل قاطنوها على المساعدات الغذائية، و437 مخيمًا يحصلون عليها بشكل متقطع.
وتضم منطقة شمال غربي سوريا حاليًا 1904 مخيمات، يقطنها مليونان و27 ألفًا و656 نازحًا، وتبلغ نسبة الأطفال فيها 54%، ويعاني أكثر من 1133 مخيمًا من انقطاع الخبز المجاني عنهم، كما يعاني أكثر من 991 مخيمًا من انعدام المياه بشكل كامل، ما يثقل الأعباء على النازحين الذين أصحبوا مطالبين بالسعي لتأمين الطعام والشراب، بينما أصبح شراء لباس لدى أغلبهم خارج الحسابات.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي