أزمة المياه في اللاذقية.. السكان يشككون بالتبريرات الحكومية
تفاقمت أزمة المياه في مدينة اللاذقية مع بدء موجة الطقس الحارة، وسط شكوك محلية بأنها مؤشر على خصخصة هذا القطاع الحيوي، ودفع الناس للتعوّد على شراء المياه.
وتعاني مختلف الأحياء في مدينة اللاذقية من أزمة مياه، مثل بسنادا، وتشرين، وسقوبين، وسنجوان، والدعتور، كذلك الرمل الشمالي، الفاروس، المشروع السابع، الصليبة والعوينة.
وتصل المياه عبر أنابيب مؤسسة المياه الرسمية، لدقائق معدودة، وقد تنقطع بعدها لأيام.
في بسنادا إحدى ضواحي مدينة اللاذقية، لا يزال كمال، وهو مهندس ستيني متقاعد، يعاني مع عائلته من أزمة المياه، إذ لا تتوفر إلا عند الساعة السادسة صباحًا لمدة ربع ساعة فقط، وفي مرات قليلة تصل مدة الوصل إلى نصف ساعة فقط، وهي مدة لا تكفي لتعبئة أكثر من نصف الخزان بالحد الأعلى، وفق ما قاله ل.
وأضاف أنه قد يمضي يومان أو ثلاثة دون أن تتوافر المياه، فليس هناك برنامج ضخ واضح أو ثابت، متهمًا المسؤولين عن الضخ بالفساد، وأنهم شركاء أصحاب الصهاريج، الذين يعتبرون البديل الوحيد لتزويد الأهالي بالمياه في المنطقة.
وقال كمال إن سعر برميل المياه الواحد من الصهريج الخاص، يبدأ من 12 ألف ليرة سورية حاليًا، ويحتاج لتعبئة خزانه إلى خمسة براميل، ولا تكفي في الغالب لأكثر من ثلاثة أيام شرط عدم استخدام الغسالة، والاستحمام السريع دون تبديد الكثير من المياه.
ويبلغ سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار 14800 لكل دولار واحد، وفق موقع “الليرة اليوم” المتخصص برصد حركة العملات.
رواية أخرى يتحدث عنها أهالي المنطقة، تفيد بأن تقنين المياه بهذه الطريقة، يهدف لتعويد الناس على شرائها تمهيدًا لخصخصة هذا القطاع، ما قد يشكل “كارثة” في ظل تردي الوضع الاقتصادي بالدخل في سوريا.
الأولوية لمياه الشرب
في منزلها بحي الصليبة، لا تدري عايدة (55 عامًا) كيف ستغسل أكوام الملابس التي تكاد تصل السقف، على حد تعبيرها، فالمياه لم تأت منذ ثلاثة أيام، والطقس الحار مع الرطوبة يفرضان تغييرًا للملابس بمعدل مرة أو اثنتين يوميًا على الأقل.
المياه القليلة التي يستطيعون تكلف نفقات شرائها، تفضل عايدة أن تتركها لأغراض الشرب والطهي، واستخدام الحمام، على اعتبار أنها ذات أولوية.
وفي الوقت الذي لا تصل فيه المياه لمنازل السكان، لا أحد يتلقى الاتصالات في قسم الطوارئ بمؤسسة المياه، فهي إما مشغولة أو لا أحد يجيب، ولا يحصر هذا الوضع بأيام العيد وفق عايدة، بل في كل الأوقات التي حاولت من خلالها التواصل معهم خصوصًا قبل العيد بيومين، حين كانت تبحث عن حلول.
ازدواجية المعايير في التعامل مع أحياء المدينة وتصنيفها بين “شعبية لا تستحق المياه”، وأخرى “فارهة لها حصة الأسد”، هي أكثر ما يؤلم عباس (32 عامًا) القادم إلى سوريا لتمضية العيد مع عائلته وعائلة زوجته، وفق ما قاله ل.
وحيث تقيم عائلة زوجة عباس في حي الزراعة لا يوجد على الإطلاق أي أزمة، ويمكن حلّها باستخدام موتورات الضخ عند توفر الكهرباء، إذ تأتي المياه معها لمدة ساعة ونصف لأربع مرات يوميًا، ما يعتبر كافيًا نوعًا ما لحاجة الأهالي.
بخلاف ذلك، فإن المياه لا تأتي مع الكهرباء حيث تعيش عائلة عباس بالقرب من مفرق أمورة بحي الدعتور، كما لا تتوفر المياه لأكثر من نصف ساعة خلال يومين بالحد الأعلى.
ويرى الشاب أن الحديث عن أزمة الكهرباء والتقنين كسبب لقلة المياه، هي “شائعات وتبريرات لا أساس لها من الصحة”، لكون قريته في ريف جبلة تأتيها المياه خارج أوقات التقنين الكهربائي دون أن تتأثر.
الحكومة تعد
في 11 من حزيران الحالي، عقد المكتب التنفيذي لمحافظة اللاذقية، برئاسة المحافظ عامر اسماعيل هلال، وبحث خلاله واقع مياه الشرب وإجراءات المؤسسة لتحسين واقع التغذية والضخ، ومتابعة أعمال تنفيذ محطة الرستين، بعد زيارة وزيري الكهرباء والاشغال العامة والإسكان إلى المحطة والتقرير الدوري لتتبع الاعمال.
وأكد المحافظ هلال، وفق ما نشره المكتب الصحفي للمحافظة، متابعة عمل مؤسسة المياه واجراءاتها يوميًا للتخفيف من شكاوي المواطنين ومعالجتها وتوفير السبل لذلك، إضافة لدعم اجراءاتها المتعلقة بضبط المخالفات والتعديات واستعمال المياه للسقاية وغيرها.
وقال المحافظ حينها إن محطة تصفية مياه “بحيرة 16 تشرين” في مراحل الضخ التجريبي، وستوضع في الخدمة قريبًا، الأمر الذي يدعم قطاع المياه بأكثر من 85000 متر مكعب يوميًا، وينعكس إيجابًا على مناطق المحافظة كلها.
سبق ذلك بيومين لقاء المحافظ مع وفد من أهالي بلدة كسب بريف اللاذقية الشمالي بحضور رئيس مجلس المحافظة المهندس تيسير حبيب ومديري مؤسسة مياه الشرب، ناجي علي، وشركة الكهرباء، أحمد قرقماز.
وجرى الحديث عن الواقع الخدمي في البلدة وضرورة متابعة التنسيق بين مؤسسة المياه وشركة الكهرباء لتوفير ضخ مناسب للمياه في ساعات الليل، في ظل الأعطال المتكررة لمولدات الديزل المغذية للبلدة وتجمعاتها السكانية.
مدير مؤسسة المياه لفت الى الإجراءات التي تتبعها المؤسسة لدعم الآبار المغذية للبلدة، ومنها تركيب مولدة جديدة، وتعزيز باقي مراحل الضخ بمولدات احتياطية لتلافي الأعطال المتكررة نتيجة القدم، وصيانة الغواطس، إضافة إلى التعاون مع المنظمات الدولية لدعم مجموعة من الآبار على مستوى المحافظة.
أزمة تتكرر
تتكرر أزمة المياه في اللاذقية، وعموم سوريا مع بداية كل صيف، وما يثير الاستغراب هو أنه وعلى الرغم من كميات الهطولات المطرية الكبيرة في الساحل خلال الشتاء الماضي، لا تؤثر إيجابًا، وسط غياب الشفافية بشكل كامل من تصريحات مسؤولي المياه، الذين يرمون بالمسؤولية على التقنين الكهربائي.
وفي حديث سابق ل قال مصدر خاص في شركة كهرباء اللاذقية، إن تراجع حصة المحافظة من الكهرباء ينعكس سلبًا على المياه، مضيفًا أن قوة الكهرباء لم تعد كالسابق نتيجة الأحمال وقلة الكميات المخصصة، وهو ما يمنع الضخ بكثافة كبيرة.
ويرى المصدر أنه وبمجرد تحسن الكهرباء بعد إقلاع محطة “الرستين” لتوليد (الكهرباء) التي لم يحدد موعد إقلاعها، فإن أزمة المياه ستحل بالكامل، ولا سبيل إلا للانتظار، على حد تعبيره.
وتكثر الينابيع في المحافظة، وأغزرها نبع “السن” الذي يؤمن 85% من احتياجات المياه في اللاذقية، إضافة لجزء من المياه يستجر من محافظة طرطوس عبر مدينة بانياس وريفها.
وتسهم ينابيع البهلولية والجنديرية وجورين والصفصاف، بنحو الـ15% المتبقية، في حين تعتمد بعض القرى مثل الدالية وجوفين بريف جبلة، على ينابيع محلية.
اقرأ أيضًا: اللاذقية.. آلاف التعديات وحيتان فوق القانون
مرتبط
المصدر: عنب بلدي