“شعيبيات” في مقتل مجرم –
خطيب بدلة
أحاول، في الآونة الأخيرة، أن أفهم كيف يفكر أهل بلادنا بالأحداث الخطيرة التي تعصف بالمنطقة، وتسبب لهم خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. على سبيل المثال، في 27 أيلول الماضي، اغتالت إسرائيل حسن نصر الله، الأمين العام لـ”حزب الله”. كانت عملية الاغتيال بالغة التعقيد، عالية التكاليف، استخدمت فيها الطائرات الشبحية “إف 15″، التي ألقت قنابل قادرة على اختراق البيتون المسلح، لأن نصر الله، وصحبه، كانوا مجتمعين في أحد الطوابق السفلى من البناية.
السوريون الذين كانوا يؤيدون حسن نصر الله، في السابق، كانوا يقتصرون في تفكيرهم على أنه يحارب عدوهم الأزلي، الوحيد، إسرائيل، وأنه صمد في حرب 2006، 33 يومًا، كبّد إسرائيل، خلالها، خسائر كبيرة. لم يفكروا، قط، بحقيقة هذا الرجل الميليشياوي، ودوافعه، وبمن يدعمه، ويموله، ويوجهه، ولم يأبهوا لكونه قضى على القوى الوطنية اللبنانية التي أسهمت في تحرير الجنوب سنة 2000، واستفرد بالمقاومة، وجعلها إسلامية. تغاضى المسلمون “السنّة”، في ذلك الوقت، عن كون نصر الله شيعيًا، وأقنعوا أنفسهم بأن المعركة “إسلامية- يهودية”، لا محل فيها للتفكير الطائفي، وناموا على هذا التفكير حتى جاءهم يوم الصدمة الكبرى، في سنة 2012، عندما كشف حسن نصر الله عن وجهه الطائفي القبيح، وعن ارتباطه الكامل بالمشروع الاستعماري التوسعي الإيراني، وفوجئوا به يقفل الجبهة مع إسرائيل، بالقفل والمفتاح، ويدفع مقاتليه وأسلحته للقتال إلى جانب نظام الأسد، ويحاصر المدن الثائرة، ويرتكب مجازر بحق السكان، ويظهر هو، على التلفزيون، ويشوبر بيديه، معلنًا أنه سيرسل أضعاف القوات التي أرسلها إلى سوريا، وإن اضطر لأن يدخل هو، شخصيًا، ليحاصرهم، ويقتلهم، بيديه، لفعل. لذلك كله، قوبل خبر مقتل هذا الميليشياوي الإرهابي، بارتياح شعبي كبير، عبر عنه سكان شمالي سوريا بتوزيع “الشعيبيات” و”الكنافة أم النارين”.
يبدو هذا الأمر، حتى الآن، عاديًا، وطبيعيًا، ولكن، لا بد لنا من توجيه بعض الأسئلة، لهؤلاء الناس الطيبين، عسى أن يفهموا الواقع بكليته، فلا تتوه بوصلتهم مثلما تاهت في السابق. هل تعلمون أن عدوتكم الأزلية، إسرائيل، هي التي قتلت حسن نصر الله؟ تعلمون طبعًا. طيب، نحن شاهدناكم، قبل أيام، في مظاهرة كبيرة، تعلنون تأييدكم لأهل غزة، وحركة “حماس”، وتهتفون قائلين إن الدم السنّي (في إدلب وغزة) واحد. أليست إسرائيل هي التي تقتل إخوانَ دمكم “السنّي” في غزة؟ سؤال آخر: ألم تقيموا، في 31 من تموز الماضي، سرادق تعزية من أجل إسماعيل هنية؟ أما كنتم تعلمون أن إسماعيل هنية قتل وهو يحتفل بتنصيب رئيس جديد لإيران التي أرسلت حسن نصر الله سنة 2012 لقتلكم؟ عندما قتلت أمريكا قائد “فيلق القدس”، قاسم سليماني، ألم يظهر إسماعيل هنية في فيديو، ليقول إن المجرم قاسم سليماني هو شهيد القدس، شهيد القدس، شهيد القدس؟
أنا، محسوبكم، أقول، وأكرر، إن الصراع الشيعي- السنّي سخيف، وتافه، وهو السبب في أنهار الدماء التي تسيل على أراضي هذه البلاد المنكوبة، وإن كلمة السر التي تخرجنا، جميعًا، من هذه الجورة التاريخية، هي: العقل، الأسئلة، التفكير.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي