اخر الاخبار

أوضاع النزوح واللجوء في لبنان

لمى قنوت

لا تقتصر خطورة تصعيد الحرب الإسرائيلية في لبنان على التدمير المنهجي لمدن وقرى الجنوب وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، بل تتمثل أيضًا في سعي حاقد يُحفز على العنف ضد النازحين قسرًا لتفجير احتراب أهلي بين اللبنانيين، مرتكزًا ومراهنًا على أبعاد طائفية وعنصرية وطبقية، وخصومات سياسية أو عداوة مع “حزب الله”.

وفي سياق مواظبة الإسرائيلي وإعلامه على نشر أخبار تحريضية كاذبة من أجل تخويف الجهات والأفراد التي تستقبل النازحين أو تلك المراكز التي تقدم لهم المساعدات عبر مزاعم تدّعي وجود عنصر من “حزب الله” فيها، كما حصل حين نشر إيدي كوهين على حسابه في منصة “إكس” عن أحد المراكز الذي يقدم مساعدات في منطقة سن الفيل/حرش تابت، وأدى ذلك إلى استنفار القوى الأمنية ومخابرات الجيش وإعلام محلي لدحض هذا الادعاء من أجل إنقاذ المنطقة السكنية من الاستهداف الإسرائيلي. ولم يكتفِ كوهين بإطلاق التهديدات وتوجيه التحذيرات لمخاتير المناطق، كمختار منطقة الدكوانة مثلًا، بل وصلت به الوقاحة إلى أن يطلب من البلديات اللبنانية، في 16 من تشرين الأول الحالي، بأن يرسلوا لجيش الاحتلال عقود الإيجار ليعرفوا من استأجر مؤخرًا ولأي حزب ينتمي كما ورد في التحذير.

وحرض أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال للإعلام العربي، على الفرق الطبية وسيارات الإسعاف، وادّعى بأن عناصر من “حزب الله” يستخدمون سيارات الإسعاف في تحركاتهم وينقلون فيها الأسلحة، فكانت حصيلة استهدافهم أكثر من 130 سيارة إسعاف، وتخطى عدد الشهداء في صفوف المسعفين وأفراد الإنقاذ عتبة 150 عنصرًا منذ تشرين الأول عام 2023، وخرج 13 مستشفى عن الخدمة بشكل جزئي أو كلي، حسب التصريح الأحدث لوزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض، في 15 من تشرين الأول الحالي.

يستبيح جيش الاحتلال أرض وسماء لبنان قصفًا وقتلًا وتشريدًا وتجسسًا، ويعطي تعليمات لأهله وسكانه بإخلاء مساحات جغرافية واسعة طالت حتى الآن ربع الأراضي اللبنانية، ويصنفها “أهدافًا عسكرية”، ليدّعي شكليًا بأنه يتجنب استهداف المدنيين ويدافع عن انتهاكاته الواسعة للقانون الدولي الإنساني. تُعد إنذارات الإخلاء هذه في بُعدها الحقوقي إنذارات مضللة تعطي مهلًا زمنية غير كافية للابتعاد عن دائرة الخطر المفترض، ينشرها أفيخاي أدرعي على صفحته على منصة “إكس” بعد منتصف الليل، وأغلب الناس نيام في بيوتهم غير متصلين بشبكة الإنترنت، ناهيك بأن عددًا لا بأس به من الأسر فضّلوا البقاء في بلداتهم وأراضيهم لعدة اعتبارات، منها إيمانهم في التمسك بالأرض أو لقلة مواردهم أو بسبب الإعاقة والمرض أو التقدم في السن.

لجوء ونزوح متكرر

العنصرية ضد اللاجئين السوريين، نساء ورجالًا وأطفالًا، في لبنان، والتي كانت قبل التصعيد الإسرائيلي العسكري الأخير، حرمت النازحين المفقرين من المناطق الجنوبية المستهدفة من إيجاد مأوى في مراكز الإيواء التي رفضت استقبالهم، ما اضطر العديد منهم إلى افتراش الطرقات والحدائق والأماكن العامة، كالعديد من اللبنانيين الذين لم تتسع لهم مراكز الإيواء، وبالتالي حرموا من جميع أشكال المساعدات الحكومية. كما أن الكثير منهم، وبسبب غلاء وسائل النقل خلال الحرب، نزحوا مشيًا على الأقدام، واستغرق الطريق من النبطية إلى صيدا، الذي مشته عائلة عائشة مثلًا، سبع ساعات حتى وصلوا إلى ساحة مواقف سيارات في صيدا، ومُنعوا من دخول المسجد بسبب جنسيتهم، ولم يجدوا مكانًا لقضاء حاجاتهم الأساسية.

أهالي عرسال الذين استقبلوا لاجئين سوريين منذ سنوات، وعمل أبناؤهم في البساتين وورشات البناء في القرى المجاورة، فتحوا خيامهم لأهالي تلك القرى اللبنانية، وقالت “أم محمد ي.” ابنة بلدة العين اللبنانية، والتي استضافتها مع بناتها الثلاث إحدى العائلات السورية اللاجئة في مخيم “البنيان” بعرسال، إنها تستطيع تأليف رواية بعنوان “صداقات على هامش الحرب”.

ازداد العنف الأهلي مع ازدياد العنف الإسرائيلي على لبنان، وتعددت تُهم التحريض من اشتباه بسرقة أو تصوير مواقع لإفادة العدو بمعلومات استخباراتية أو بذريعة التشفي السياسي، وتحت عنوان الثأر الشعبي و”عدالة الشارع” تم توقيف وربط أفراد مشتبه بهم حول أعمدة الشوارع وتصويرهم ونشر فيديوهات التعذيب والإذلال عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكالعادة، كان للاجئين السوريين وخصوصًا القادمين من محافظة إدلب نصيب كبير من تلك الانتقامات ثأرًا ممن شمتوا باغتيال حسن نصر الله ووزعوا “البقلاوة”.

إن استمرار هشاشة السلم الأهلي والانقسام السياسي في لبنان، وتوجيه ضربات عسكرية تصعيدية ممنهجة تُضيّق هوامش ومناطق الأمان النسبي على النازحين والنازحات، إضافة إلى الترويج لإشاعات بقصد البلبلة ونشر الذعر وتقويض عمل شبكات الدعم المجتمعي، هي أجزاء من استراتيجية يعتمدها العدو في حرب يراد لها أن تكون حرب استنزاف طويلة الأمد مدعومة دوليًا.


المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *