اخر الاخبار

عنوان: الصمت – وكالة أخبار العرب: العالم بين يديك

بقلم: ذكرى البياتي 

عاتبني صديقي البعيد عن ناظري، وقال: “لماذا كل هذا البعد والصمت؟”

أجبته:

أحيانًا يكون للصمت لغة أبلغ من الكلام، والكلمة هي الجسر الذي يربطنا بقلوب الآخرين، لكن ليست كل كلمة تقدر على تحقيق ذلك. ففي كثير من الأحيان، تكون الكلمة نفسها هي الجرف الذي يفصلنا عن أقرب الناس إلى قلوبنا.

في داخلنا مدن قديمة، سكانها رحلوا، تاركين لنا صورًا وذكريات مستديمة. أخذوا أرواحنا، أصواتنا، وضحكاتنا، وهاجروا. تركوا لنا شبابيك الانتظار مشرعة، وجعلوا الصمت يسكن مدينتنا، والحزن يتجذر في أرواحنا.

 

والآن، أكتب إليك من أرض بعيدة لم أكن أتخيل يومًا أنني سأضطر للسفر إليها، لأجد نفسي وسط ظروف قاسية لم أعهدها من قبل. لقد دفعتني الحياة للسفر إلى بلاد لا تعرف سوى الصراع من أجل البقاء. هنا، تعصف بي الغربة القاتلة، فلا أجد أيًا من متع الحياة البسيطة، رغم جمال طبيعة هذه البلاد.

كل شيء هنا مختلف. الهواء بارد وجاف، وكأن الحياة قد تجمدت. الطرقات خالية من الدفء، والوجوه التي ألقاها كل يوم تبدو متعبة وكئيبة، عابسة وحزينة. كل تفكيرها محصور في العمل والكد، مجتمع يسير وفق برمجة الحياة العملية لضمان حياة آمنة لأفراده وعائلاتهم.

 

أكثر ما يعذبني هو افتقادي لأيام مضت لن أنساها أبدًا. أشتاق لسماع أصوات افتقدتها، وكلمات كانت تملأ قلبي بالأمل والتفاؤل. أشتاق إلى كل لحظة كنا نتحدث فيها، وإلى كل حرف كتبته الذي كان كالنور في ظلام حياتي.

أحيانًا، أتساءل: كيف لي أن أتمكن من مواجهة هذه الصعوبات لو كنتم معي الآن؟ وجودكم كان سيخفف الكثير، وربما كان سيمنحني القوة لأواصل.

 

لكن الصمت والشرود نافذة تُفتح على ماضٍ كلما أردت نسيانه، يعيدني إلى الذكريات، ويذكرني أنكم ما زلتم عالقين في ذاكرتي.

 

في هذا الهدوء المفاجئ، أجدني أبحث عن ظل في أماكن مهجورة، وأسمع أصوات الماضي تتردد في أذني وكأنها لم تفارقني. أنظر إلى السماء فأرى الغيوم متكدسة، تحمل أثقالاً من المطر، تمامًا كقلبي المثقل بالأشواق التي لم تخرج يومًا للعلن.

أحيانًا أتساءل: هل اختارنا الصمت، أم نحن من اختاره؟ هل هو حليف أم خصم؟ ففيه أمان من الكلمات التي قد تخوننا، ولكنه أيضًا جدار بيننا وبين من نحب.

رغم كل المسافات، يبقى الأمل ينبض في داخلي، فأنتظر تلك اللحظة التي تذوب فيها الثلوج ويعود الدفء إلى قلبي، حينما تعود الكلمة لتصل بيننا من جديد.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *