اخر الاخبار

قراءة في الأفلام الفائزة بالمهرجان الوطني للفيلم المغربي

اختتمت الدورة 24 من المهرجان الوطني للفيلم المغربي، فعالياتها، السبت، بالإعلان عن المشاريع الفائزة.

وفي مسابقة الفيلم الروائي الطويل، نال فيلم “عصابات” للمخرج كمال الأزرق، بالجائزة الكبرى للمهرجان، فيما فاز فيلم “الثلث الخالي” لفوزي بن سعيدي بجائزة لجنة التحكيم وجائزة التصوير، وحصل “على الهامش” لجيهان البحار على جوائز السيناريو، والتمثيل الرجالي لخليل أو باعقا، والتمثيل النسائي في دور ثان لماجدولين الإدريسي.

وحصل أمين الناجي، على جائزة ثاني أحسن دور رجالي عن دوره في فيلم “قصة وفاء” لعلي الطاهري، ونالت مريم البوعزاوي جائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم “صمت الكمنجات” لسعد الشرايبي.

فيما فاز فيلم “وحده الحب” لكمال كمال بجائزة الإنتاج، وحصل محمد الشريف الطريبق على جائزة الإخراج عن فيلمه “مذكرات”، وليلى الكيلاني على جائزة العمل الأول عن فيلمها “وشم الريح”، فيما نال فيلم “فندق السلام” لجمال بلمجدوب جائزة المونتاج، وفيلم “أنيماليا” لصوفيا العلوي جائزة الصوت.

أما في مسابقة الأفلام الوثائقية، فاز فيلم “كذب أبيض” لأسماء المدير بالجائزة الكبرى، ونال “مورا يوشكاد” لخالد الزايري جائزة لجنة التحكيم.

وفي مسابقة الفيلم القصير، توج فيلم “حمل، خروف وغربان” للأيمن حمو، بالجائزة الكبرى.

عين سينمائية

لا يَكَلُّ المخرج فوزي بن سعيدي، من مفاجأتنا من فيلم إلى آخر، مُصرّاً على التجريب في كل مرة، وغير راكن لأسلوب كلاسيكي أو مُكرَّر، حتى لو كان يَطْرُق أجناساً سينمائية كلاسيكية.

في فيلمه “الثلث الخالي”، الفائز بجائزة لجنة التحكيم في المهرجان الوطني للفيلم المغربي، يأخذنا بداية في كوميديا اجتماعية سوداء، تنتزع ابتساماتنا وضحكاتنا بذكاء، لكن في النصف الثاني من الفيلم، يقلب الدَّفة ويُدخلنا في مأساة تراجيدية مبنيَّة على أنقاض قصة حب ميؤوس من نهاية سعيدة لها، ولم يكن هنا الانتقال في الحكي فقط بل لجأ المخرج لأسلوب سينمائي مختلف تماماً، وهو يقلب دَفَّةَ حكيه بعد أن كِدنا نشعر أن ما تبقى من لحظات الفيلم ستكون مُجرَّد تكرار مُمَطَّط لنفس المواقف التي يتعرض لها الموظفان في شركة تحصيل الديون خلال لقائهما بالمستدينين المستضعفين، الذين وصلت حالتهم المادية لمستوى ما تحت الفقر، حيث المواقف الكوميدية السوداء تنسج من رحم المعاناة. 

ولجأ فوزي في قصته الثانية، للغة الصورة وللتعبير السينمائي فقط، إذ أننا نتابع قصة المتهم الهارب الذي يبرم صفقة مع الصديقين الموظفين في شركة استرجاع الديون حتى يذهب لتخليص حبيبته، دون أن نسمع كلمة حوار من أفواه الشخوص، فيما كانت لغة الصورة مُعَبِّرة مع الاستعانة في بعض المشاهد بالموسيقى المُعلَّقَةِ على الأحداث برهافة وحميمية. وقد كان للاختيار الموفق للفضاء المصوَّر دور مهم لكي يصبح شخصية أساسية بدوره، فبقدر جماله فإنه يحمل قسوته على المقيمين به في طيات ذلك الجمال.

تحضر في القصة الثانية مرجعيات سينمائية واضحة، خصوصاً سينما “الوسترن” التي كان الفضاء الشاسع أحد خصوصياتها (أفلام جون فورد نموذجاً)، مع استيحاء للتراجيديا الإغريقية خصوصاً في تركيبة الشخوص ومصائرها.

خلاصة القول، أن سينما فوزي بن سعيدي بقدر ما تَمِيل اتجاه التجريب والعمل الدائم على الأسلوب، بقدر ما هي مرتبطة وباستمرار بهموم البسطاء وقضاياهم ومعاناتِهم، ويبدو هذا واضحاً في “الثلث الخالي” الذي يمكن اعتباره مرافعة وإدانة لأحوال شريحة مهمشة من المواطنين المغاربة يعيشون قساوة التهميش في “مغرب غير نافع” ليصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية.

جاء الأداء التمثيلي في “الثلث الخالي” مثالياً، ليس فقط من طرف الثنائي فهد بنشمسي وعبد الهادي طالب، اللذان قدّما الدورين الأساسين، وكان حِمْلُ الفيلم على ظهريهما إضافة لربيع بن جهايل الذي تقمَّص شخصية الهارب بِتَمكُّن، دون أن ينطق حرف واحد، ثم هاجر كريكع التي أدت شخصيتين مختلفتين تماماً بإتقان الممثلات المتمكنات، بل أيضاً كل الممثلين الآخرين حتى في أدوار صغيرة، لأن فوزي اختار هؤلاء بدقة، ومن بين ممثلين محترفين أغلبهم آت من المسرح، مع ظهور خاص لفوزي بن سعيدي نفسه في شخصية البقال الذي انتهى زمنه، ووجد نفسه في زمن آخر.

فيلم “الثلث الخالي” قد لا يكون فيلماً جماهيرياً، وقد يبدو للبعض أنه أطول مما يجب، وقد يُصيبنا الشك وسط الفيلم، أن المخرج كاد يُتْلِفُ خيط سَرْدِه، لكنها كانت مجرد مناورة منه ليَمُرَّ لإيقاع آخر مختلف، إذ استطاع الموازنة بين الإيقاعين وتشبيكهما في بعضهما البعض بحنكة المخرجين الكبار.

فيلم للجمهور

السينما المغربية في هذه اللحظة الانتقالية التي تجتازها، في حاجة لأفلام مثل فيلم “على الهامش”، لكي يتصالح الجمهور المغربي مع سينماه ويعود للقاعات السينمائية كما كان في الماضي. وتُعوِّض أفلام محترمة فنياً تلك النوعية من “الأفلام الكوميدية” التي لا تنتمي للسينما بأي شكل، خصوصاً أن المخرجة جيهان البحار، الفائزة بجائزة السيناريو وجائزتي التشخيص رجال وإناث، استطاعت نسج فيلم ميلودرامي محترم فنياً، في غياب كلُّي لهذه النوعية من الأفلام في السينما المغربية.

نلاحظ دائماً أن تقديم العلاقات العاطفية وقصص الحب في السينما المغربية تنقصها المصداقية، ويمكن الجزم أن قصة الحب بين الشخصيتين الرئيسيتين الشاب والشابة اللذان ينتميان لطبقة المهمشين كانت من نقاط قوة الفيلم، وحتى التجاوب الذي شهده من طرف الجمهور، حين عُرض مؤخراً في الصالات التجارية المغربية، يرجع بالأساس لهذه النقطة بالذات.

تناولت المخرجة في فيلمها قضايا اجتماعية بشكل فني مقبول، عبر شخصيات من صميم الواقع ومواقف وحكايات تتشابك لتعطينا فيلماً متماسكاً في سرده دون أن تتعالى على الجمهور وتسقط في النخبوية.التمثيل بالفيلم كان جيداً عموماً، خصوصاً فيما يخص الدورين الرئيسيين اللذان أداهما هند بن جبارة وخليل أوبعقا الفائز بجائزة أحسن ممثل في الدورة 24 للمهرجان الوطني للفيلم المغربي، إضافة لفاطمة الزهراء بناصر وعبد اللطيف شوقي.

سينما هشة

أما المخرج محمد الشريف الطريبق، يعود بفيلمه الروائي الطويل الثالث “مذكرات”، الفائز بجائزة الإخراج، والذي نجد به كل مكونات أسلوبه من حضور للأماكن المغلقة، وتقليص في الميزانيات، لا يؤثر سلباً في أغلب الأحيان على قيمة الفيلم الفنية، كونه ينتهج دائماً أسلوب “السينما الهشة”، بحيث يُعَوَّضُ النقص في الديكورات ومواقع التصوير والأزياء، حتى لو كانت أحداث الفيلم تدور في أزمة ماضية، وهو الأمر الذي ينطبق على أفلامه الروائية الطويلة الثلاثة “زمن الرفاق” عام 2008، و”أفراح صغيرة” عام 2015، وفيلمه الأخير “مذكرات”.

بالنظر إلى الشخصيات والحوارات في “مذكرات”، نجدها مُعبِّرة عن تركيبة الشخوص وتكوينها النفسي وخلفياتها الاجتماعية، إضافة لكونها تصبح ركيزة أساسية في السرد الفيلمي، وهي التي يعتمد عليها في السير بالأحداث إلى الأمام.

ففي فيلمه الروائي الأول “زمن الرفاق” تناول الحركة الطلابية في الجامعة المغربية في بداية التسعينيات، وفي “أفراح صغيرة” رجع إلى فترة الخمسينيات، ليقتحم خلوة نساء تلك الفترة ويتجسس على عوالمهن الحميمية ويخترق فضاءاتهن المغلقة على نفسها وأسرارها، مُقدِّما تحية وتكريماً للسينما المصرية في الأربعينيات والخمسينيات من خلال الأفلام الغنائية لفريد الأطرش بالخصوص.

أما أحداث “مذكرات” فتدور في ثمانينيات القرن العشرين، دون تحديد الفترة الزمنية بالضبط. ويمكن لنا كمشاهدين أن نتعرف على الفترة بشكل تقريبي من خلال بعض مكونات الديكور كالهاتف الثابت، أو الملابس، أو تسريحات الشعر، دون أن نرى نهائياً سيارات تعود لتلك الحقبة أو ديكورات خارجية مبنية تعبر عن تلك اللحظة الزمنية، أو نسمع أو نقرأ إشارات للأحداث كإشارات تحيل على فترة محددة، سوى أغنية قديمة للمغني المغربي الراحل محمد الحياني، نسمعها في خلفية الصورة أثناء دخول الحبيبين للمنزل الذي يختليان فيه.

يتناول الفيلم موضوع الحريات الفردية بشكلٍ غير مباشر، ومن خلال أحداث تقع في يوم واحد تبدأ نهاراً وتنتهي بشكلٍ حزين ومأساوي مع سقوط الظلام، حيث يلتقي شاب بصاحبته وكلاهما بدون تجارب عاطفية تُذكر، ليأخذها إلى منزل صديق صديقه، وهناك حيث تجري أغلب أحداث الفيلم نكتشف كم هو صعب أن يختلي الحبيبان ببعضهما وأن يغلقا عليهما الباب، فإضافة لتدخل المجتمع في حياتهما الخاصة، هنالك خوف مترسب في اللاوعي يمنعهما من الاستمتاع باللحظة الجميلة والتي انتظراها طويلاً.

إشارات ذكية وظفها الطريبق بالفيلم تهم الحريات الفردية، في هذه اللحظة التي يحتد فيها النقاش في المغرب بين تيار محافظ وآخر حداثي، يطالب بإلغاء القوانين التي تُجَرِّمُ العلاقات الرِّضائِيَّة وتتدخل في الحياة الشخصية للمواطنين، من بينها الإشارة للعرائض التي يوقعها سكان العمارة ضد صاحب البيت الذي يعيش حياته بالطول والعرض، لتظل الرقابة المجتمعية المُحافِظَة أكبر من رقابة السلطة الحاكمة.

التمثيل كان جيداً، مع ملاحظة تَخُصُّ الشخصية النسائية الرئيسية في الفيلم والتي تجسدها أنيسة العناية بِتمَكُّن، لكن تبدو أكبر سناً من الشخصية المفروض أنها فتاة مراهقة، والتي كان من الأفضل لو لعبتها ممثلة أصغر منها سناً.

تتويج مستحق

ويشكل الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج المغربي كمال لزرق “عصابات”، الفائز بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني للفيلم المغربي، نوعاً من الاستمرارية لفيلمه القصير المتميز “مول الكلب” (2014)، حيث يبدأ من حيث انتهى الأول.

يظل “عصابات” فيلماً يحترم النوع المتطرق إليه، أنجزه مخرج متمكن من أدواته، وكان قد استحق عنه جائزة الإخراج في فقرة “نظرة ما” بمهرجان كان، فالفيلم يجعل المشاهد مشدود الأعصاب من بدايته إلى نهايته، وأغلب لحظاته يحضر فيها التشويق.

اختيار المخرج كمال الأزرق لممثليه الرئيسيين، الذين أغلبهم هواة وغير محترفين بسحنات مميزة ومعبرة عن تركيبة الشخوص، كان موفقاً، خصوصاً الممثلان اللذان قدّما دور الأب والابن، الشخصيتان الرئيسيتين في الفيلم، بحيث كان الإيقاع ينزل في بعض الأحيان حينما يظهر ممثلون محترفون، خصوصاً مع وصول الفيلم إلى نهايته مع شخصية المِثْلِي الذي تم إرسال الابن إليه كي يدفن عنده الجثة، أما شخصية المقتول، فقد أداها الممثل الشاب محمد حميمصة بشكلٍ جيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *