اخر الاخبار

أهمية الإحصاء في العمل الصحفي

علي عيد

يعاني كثير من الصحفيين خلال عملية التأهيل صعوبات في فهم الإحصاء كعلم، وتفسير البيانات الإحصائية والاستفادة منها في العمل الصحفي، ويتسبب عدم فهم أهمية الإحصاء في ضياع كثير من المعلومات القيّمة والضرورية لفهم الظواهر، كما يتسبب سوء استخدام البيانات الإحصائية في تقديم معلومات مضللة حول ظواهر معيّنة.

ما سبق يحتم على الصحفي بالعموم فهم أساسيات العمل الإحصائي، ومعرفة كيفية تحليل الأرقام، وفي حالة الصحفيين المتخصصين وخصوصًا الاستقصائيين، يشكّل الإحصاء ركنًا أساسيًا لا غنى عنه، فهو ضروري لإثبات أو نفي الفرضية، ما يعني أن الاستدلال بالأرقام والبيانات الإحصائية يجب أن يكون مدعومًا بقدرة الصحفي على التمييز بين الصحيح والمضلل في المعلومات الإحصائية، ومتى يمكن الاعتماد على تلك المعلومات والأرقام.

عمل الصحفي يتجاوز في كثير من الأحيان مسألة تحويل الإحصائيات إلى مادة صحفية وإجراء مقارنات لدحض أو إثبات أو تأكيد معلومات يسعى وراءها، وقد يضطر إلى إجراء الأبحاث الإحصائية ثم تحويلها إلى مادة صحفية تفيد الجمهور، وهذا يتطلب قدرة ومعرفة بنوع البحث الذي يفي بالغرض، وكذلك اختيار العينات حسب الحاجة، وصولًا إلى تحليل الأرقام والاستفادة منها للاستدلال.

ويستخدم الباحثون “الفرضية الصفرية” أو “فرضية العدم” (Null Hypotheses) التي تقترح عدم وجود أهمية إحصائية في مجموعة من الملاحظات المعطاة، وفي حال حصول العكس تكون هناك دلالة إحصائية استثنائية يستفيد منها الباحث وبالتالي الصحفي.

مثال على “فرضية العدم” أن يقول صحفي استقصائي إن ارتفاع الإصابة بمرض السرطان في شمال غربي سوريا غير مرتبط بالتلوث الناتج عن استخدام أسلحة وذخائر، فإذا توصل الصحفي عبر بحث إحصائي علمي ومنهجي إلى إثبات عدم وجود علاقة بين العنصرين المذكورين، فلا يجوز اعتبار السلاح سببًا في انتشار السرطان، وعندها نتوصل إلى صحة “الفرضية الصفرية”.

والعكس بالعكس، في حال التوصل إلى وجود علاقة، يكون الصحفي والباحث أمام رفض “الفرضية الصفرية”، وبالتالي الاستفادة من البيانات الناتجة عن البحث.

السبب في استخدام هذه الفرضية هو وجود احتمالات عدة للإصابة بالمرض، لكن مع صحة الفرضية، ستكون الأرقام أو النتائج مهمة بصرف النظر عن الأسباب، لأنها ستفتح المجال لنقاش علمي حول الظاهرة، وستخرج العمل الصحفي بالتالي من باب الافتراضات التي لا يتم فحصها، ما يجنب الصحفي التورط في التضليل.

في بيئة منعدمة الشفافية، كما هو الحال بمختلف مناطق السيطرة في سوريا، ومع ندرة الدراسات والأبحاث الاستقصائية، يجد الصحفي نفسه مضطرًا للعب دور الباحث، وهذا هو الجانب المهني التقني الذي يساعد في عدد من الجوانب أهمها:

تعزيز ثقة الجمهور بالمادة الصحفية المعتمدة على الحقائق والأدلة، وتعزيز أثر المحتوى الصحفي لدى الجمهور وصانعي القرار والجهات المهتمة.
تجنب التفسيرات الانطباعية والاستنتاجات غير القائمة على براهين، والاعتماد على دقة التحليل والتفسير للبيانات والمعلومات المستخلصة من العينات البحثية.
القدرة على تتبع وتحليل البيانات الحكومية أو الإفصاحات التي تقدمها الشركات والمؤسسات، والكشف عن الفساد المالي والإداري، وتدقيق المعلومات التي تقدمها تلك الجهات، والتأكد من صحتها، ومنع تمرير معلومات غير صحيحة ومضللة.
القدرة على التنبؤ بتطورات الأحداث والظواهر، ومعرفة الاتجاهات المحتملة في المستقبل، بناء على تحليل السياق التراكمي السابق إحصائيًا، ومقارنة الظروف عبر المراحل.
تحسين السرد الصحفي عبر تعميق المعالجة وتقديم السياقات المناسبة.
بالعودة إلى الصعوبات التي يواجهها الصحفيون حتى المحترفون منهم، في فهم علم الإحصاء وتوظيفه في الصحافة، هناك عدة نصائح يمكن اعتمادها لتجاوز الإحباط أو التوظيف الخاطئ للبيانات الإحصائية في العمل الإعلامي بسبب صعوبة فهم المنهج، من هذه النصائح:

الاعتماد على الأدلة العلمية التي وضعها باحثون حول علم الإحصاء ومناهج البحث.
استخدام الأدوات المناسبة وعدم الإغراق في استخدام مناهج معقدة لدراسة ظواهر لا تحتاج إلى هذا المستوى.
عند الحاجة إلى إجراء دراسات وأبحاث إحصائية معمقة، ينصح بعدم التردد في الرجوع إلى نوعين من الخبراء، الأول خبراء علم الإحصاء المتخصصون، والثاني خبراء متخصصون في مجالاتهم وعلى علاقة بموضوع البحث (أطباء، خبراء بيئة، باحثون اقتصاديون…).
العمل ضمن مجموعات، ما يحسن الحس النقدي، ويساعد على تجاوز نقاط الضعف، ويفيد في تبادل المعارف والمهارات والخبرات.
هناك نصائح أخرى تتعلق بصحافة البيانات والإحصاءات منها:

لا تعتمد على رقم واحد أو نتائج من جهة بعينها عندما تتوفر بيانات إحصائية متعددة، وتحقق من دقة الإحصاءات وطبيعة الجهات التي تقف وراءها، فهناك من له مصلحة في كثير من الأحيان بالدعاية لأهداف تجارية أو سياسية.
لا تتحيز في تحليل الأرقام والبيانات لإثبات أو نفي فرضيتك.
استخدم الرسوم و”الإنفوجرافات” التوضيحية لتسهيل فهم الأرقام والبيانات.
لا تغرق في المصطلحات العلمية، واشرح ما يجب شرحه من أرقام ومصطلحات.
اجعل معالجتك مفهومة وبلغة بسيطة عندما تحلل الأرقام الناتجة عن الإحصاءات، فأنت في النهاية صحفي ولا تقدم دراسات لجمهور متخصص.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *