واشنطن تستبق الانتخابات بتحركات مكثفة للتهدئة في لبنان وغزة
أحرزت المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في لبنان “تقدماً كبيراً” خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم تتوصل إلى اتفاق نهائي بعد، وذلك وسط تحركات دبلوماسية أميركية مكثفة في الشرق الأوسط، قبل أيام من التصويت في انتخابات الرئاسة الأميركية.
وتأتي جهود التهدئة في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية في لبنان، كما أصدر الجيش الإسرائيلي أول أمر إخلاء لمدينة بعلبك في الشرق.
واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، وليام بيرنز، في القاهرة، إذ بحث الجانبان مستجدات الجهود المشتركة للتهدئة في قطاع غزة، وسبل دفع المفاوضات قدماً للوصول إلى وقف لإطلاق النار وتبادل للمحتجزين، والنفاذ الفوري والكامل للمساعدات الإنسانية، بحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية.
وشدد السيسي، خلال استقبال بيرنز، على “أهمية الدور المحوري الذي تقوم به وكالة الأونروا، وضرورة عدم إعاقة عملها، كما تم تأكيد أهمية تطبيق حل الدولتين كونه مسار تحقيق السلام والأمن في المنطقة”، بحسب البيان.
وذكر البيان أن اللقاء شهد أيضاً التطرق إلى الأوضاع في لبنان، وكذا التصعيدات المتبادلة التي شهدتها المنطقة مؤخراً، مشيراً إلى أن السيسي أكد “أهمية التوصل بشكل عاجل لوقف إطلاق النار في لبنان بما يحفظ سيادته وسلامة أراضيه، ويحمي استقراره وأمن شعبه”.
وحذر الرئيس المصري من خطورة استمرار التصعيد على المستوى الإقليمي بما له من تداعيات جسيمة على شعوب المنطقة كافة.
والأربعاء، قال مسؤول أميركي، إن مسؤولين أميركيين من بينهم مدير الاستخبارات المركزية CIA، وليام بيرنز، والمبعوثان بريت ماكجورك وآموس هوكستين سيزورون مصر وإسرائيل، الخميس، لمناقشة قضايا تتعلق بإيران ولبنان وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة.
وأضاف المسؤول الأميركي، أن قائد القيادة المركزية الأميركية CENTCOM، إريك كوريلا، يتواجد أيضاً في منطقة الشرق الأوسط، وسيزور إسرائيل.
مفاوضات لبنان
ونقل موقع “أكسيوس” عن مسؤول أميركي لم يسمه، قوله إن رحلة الوساطة التي قام بها مستشار بايدن آموس هوكستين إلى بيروت الأسبوع الماضي، حققت تقدماً نحو التوصل إلى اتفاق، لا سيما فيما يتعلق باستعداد “حزب الله” لإبرام اتفاق مع إسرائيل بعيداً عن الحرب الإسرائيلية على غزة.
وأشار المسؤول الأميركي، إلى أنه منذ عودة هوكستين، أحرزت المفاوضات المكثفة مع كل من إسرائيل ولبنان المزيد من التقدم.
وأضاف المسؤول: “ما زلنا نتفاوض ولكننا أحرزنا تقدماً كافياً خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ما يبرر إرسال الرئيس بايدن هوكستين إلى إسرائيل”.
وسافر هوكستين إلى إسرائيل، الأربعاء، مع مستشار البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكجورك، وقبل مغادرته، تحدث هوكستين مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي.
وقال ميقاتي في مقابلة مع قناة “الجديد” اللبنانية، إن هوكستين أبلغه أن “الوضع اليوم أفضل من الأمس”.
وأضاف ميقاتي: “نأمل أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار خلال ساعات أو في الأيام المقبلة. ونأمل أن نرى هوكستين في بيروت بحلول نهاية الأسبوع”.
من جانبه، قال الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس، بعد اجتماع مع الرئيس الأميركي بايدن في البيت الأبيض، الأربعاء، إنه يعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان “خلال أسبوع أو أسبوعين”.
مسودة مقترح أميركي
ونشرت هيئة البث العامة الإسرائيلية “مكان”، الأربعاء، أبرز بنود ما قالت إنها مسودة مقترح أميركي لوقف إطلاق النار بين جماعة “حزب الله” اللبنانية، والجيش الإسرائيلي في لبنان.
ووفقاً للمسودة، يدعو المقترح إسرائيل ولبنان لتنفيذ قراري مجلس الأمن 1701، و1559، على أن تراقب القوات المسلحة اللبنانية وتنفذ القرار، ويتم التنفيذ الكامل خلال هدنة تستمر 60 يوماً، وتسحب إسرائيل قواتها من لبنان في غضون 7 أيام من بدء وقف إطلاق النار، وتبدأ القوات اللبنانية في الانتشار وقت انسحاب القوات الإسرائيلية.
ويضم مقترح وقف إطلاق النار خطاباً مكملاً بين أميركا وإسرائيل ينص على “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس في وجه أي تهديدات وشيكة”.
وتعليقاً على المقترح، قال البيت الأبيض إنه توجد تقارير عديدة ومسودات يجري تداولها “لكنها لا تعكس وضع المفاوضات”، حسبما نقلت “رويترز”.
ضمانات أميركية
وقال مسؤولون إسرائيليون وأميركيون، إن الولايات المتحدة وافقت على إعطاء إسرائيل خطاباً يتضمن “التزاماً أميركياً بدعم العمل العسكري الإسرائيلي في لبنان في حال وجود انتهاكات للاتفاق، أو تهديدات من جانب حزب الله، لا يستطيع الجيش اللبناني أو قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) التعامل معها”.
وتقول مسودة الخطاب إن الولايات المتحدة ملتزمة بتعيين مسؤول عسكري أميركي رفيع، ومسؤول رفيع في مجلس الأمن القومي الأميركي لرئاسة آلية المراقبة.
وتقول مسودة الخطاب أيضاً، إن الولايات المتحدة وإسرائيل ستتبادلان المعلومات الاستخباراتية بشأن الانتهاكات المشتبه بها، بما في ذلك انضمام أعضاء جماعة “حزب الله” إلى الجيش اللبناني.
ووفقاً للمسودة، فإن الولايات المتحدة “تقر” بأن إسرائيل ربما تختار التحرّك ضد الانتهاكات إذا فشل الجيش اللبناني وقوة “اليونيفيل” في القيام بذلك.
وتريد الولايات المتحدة أن ينص الخطاب على أنه سيجري استشارتها بشأن أي ضربة إسرائيلية في لبنان، وأن الهجوم من شأنه أن يتجنب وقوع خسائر بين المدنيين إلى أقصى حد ممكن، وفقاً لمسودة الرسالة.
وأوضحت المسودة، أن الرحلات الجوية الإسرائيلية فوق لبنان ستكون لغرض الاستخبارات فقط “ولن تكون مرئية بالعين المجردة إلى أقصى درجة ممكنة”، ولن تكسر حاجز الصوت.
وفي تعليق على المسودة، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، شون سافيت، إن الوثائق هي مسودات “ولا تعكس الحالة الحالية للمفاوضات”.
ويشعر مسؤولون أميركيون بالقلق من أن المسودة المسربة ربما تؤدي إلى تعقيد المفاوضات، وإثارة ردود فعل سياسية سلبية في إسرائيل.
إسرائيل تدرس المقترح
في غضون ذلك، تدرس إسرائيل المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار في لبنان، وتستعد لاستضافة وسطاء البيت الأبيض، فيما يبدو أنه دفعة لإحراز تقدم قبل انتخابات الرئاسة الأميركية الأسبوع المقبل، وفق “بلومبرغ”.
وأشارت “بلومبرغ” إلى أنه بعد 6 أسابيع من إطلاق حملة من التخريب والقصف الجوي والتوغلات البرية في جنوب لبنان، تقول إسرائيل إنها صدت وقلصت من الجماعة المدعومة من إيران (حزب الله)، فيم لا تزال عمليات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة عبر الحدود مستمرة، ولكن على نطاق أقل.
والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كبار مساعديه، الثلاثاء، لمناقشة المقترح الجديد، وفق ما أعلن المتحدث باسمه.
وقال مسؤول إسرائيلي آخر، إن نتنياهو سيستضيف، الخميس، مستشاري الرئيس الأميركي، بريت ماكجورك وآموس هوكستين، في إطار المحادثات.
وأفاد مصدر مطلع على المفاوضات، بأن الخطة، في حال الاتفاق عليها، ستؤدي إلى تعليق الأعمال العدائية لمدة 60 يوماً لاختبار تنفيذ آلية إنفاذ لضمان عدم حصول “حزب الله” على أي أسلحة جديدة من إيران وانسحابه شمال نهر الليطاني اللبناني، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.
وأشارت “بلومبرغ” إلى أن “حزب الله” ما زال يحتفظ بنفوذه في لبنان، الذي لا تربطه علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وربما تكون مثل هذه إحدى العقبات، كما أظهرت عدة محاولات فاشلة للتوصل إلى وقف إطلاق النار الموازي في قطاع غزة.
وفي خطاب متلفز، الأربعاء، أظهر الأمين العام الجديد لـ”حزب الله”، نعيم قاسم، نبرة تحدي، قائلاً إن إسرائيل لم توافق على اتفاق مقبول للمناقشة، وإن الجماعة مستعدة للقتال لأشهر أو حتى لفترة أطول.
ووفقاً للحكومة اللبنانية، أودت الهجمات الإسرائيلية على لبنان في الأسابيع الستة الماضية بحياة أكثر من 2000 شخص، وتشريد نحو 1.2 مليون شخص، فيما سقط ما يقرب من 100 مدني وجندي إسرائيلي بسبب ضربات “حزب الله” على مدار العام الماضي.
تبعات الهجوم الإسرائيلي “المحدود” على إيران
ورجحت “بلومبرغ” في تقرير منفصل، أن الهجوم الإسرائيلي “المحدود” على إيران ربما يساعد الجهود الدبلوماسية في تحفيز التوصل إلى الاتفاق الإقليمي.
وأشارت إلى أن الهجوم الإسرائيلي على إيران، السبت، بالتنسيق مع واشنطن اقتصر على مواقع الصواريخ والدفاع الجوي، كان “أكثر تحفظاً” مما توقعه الكثيرون، وربما يساعد الجهود الدبلوماسية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين، والحد من القتال في كل من لبنان وغزة.
وأضافت أن إسرائيل تجنبت استهداف مواقع البنية التحتية النفطية والنووية والمدنية، بما يتماشى مع طلب من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تقود محاولات إيجاد حلول للأزمات في المنطقة.
وقال بايدن بايدن للصحافيين في فيلادلفيا، في إشارة إلى الضربات الإسرائيلية: “يبدو أنهم لم يضربوا أي شيء آخر غير الأهداف العسكرية. آمل أن تكون هذه هي النهاية”.
واعتبرت “بلومبرغ” أن ما وصفته بـ”ضبط النفس” الإسرائيلي، السبت، سمح لإيران بالتقليل من قدره باعتباره “غير فعال”، ما يمهد الطريق لرد محدود أو عدم الرد على الإطلاق.
في هذا السياق، قال عاموس يادلين، المدير السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، على القناة 12 الإسرائيلية قبل انتهاء الهجوم: “الكرة الآن في الملعب الإيراني”، لافتاً إلى أن الهدف هو توضيح ما تستطيع إسرائيل القيام به.
جهود دبلوماسية مكثفة
وتسعى الولايات المتحدة وقوى أخرى إلى استعادة الجيش اللبناني والبنية السياسية وإبعاد “حزب الله” عن الحدود مع إسرائيل. كما تأمل في إعادة نحو 100 إسرائيلي ما زالوا محتجزين لدى “حماس” إلى ديارهم، واتخاذ الترتيبات اللازمة لإعادة بناء غزة، وحكمها على نحو يستبعد “حماس”، والجيش الإسرائيلي.
مع ذلك استبعدت “بلومبرغ” إمكانية حدوث الكثير من الأمور المهمة الآن حتى انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر المقبل، وقالت إنه من المرجح أن تعتمد الخطوات التالية التي ستتخذها إسرائيل على النتائج سواء فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.