مستقبل صناعة السيارات الكهربائية الصينية في زمن الحمائية الأوروبية والأمريكية
ثار الأوروبيون والأمريكيون ضد السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين. في مايو، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بمضاعفة التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية أربع مرات إلى 100 بالمئة بدعوى حماية الصناعة المحلية. وفي يوم الثلاثاء، اختتمت المفوضية الأوروبية تحقيقها في مكافحة الدعم بفرض رسوم نهائية على واردات السيارات الكهربائية من الصين تتراوح بين 17 في المائة و35.3 في المائة، على الرسوم القائمة، يفترض أنها دخلت حيز التنفيذ يوم الأربعاء.
كما هو متوقع أثارت الخطوة الأوروبية ردا مضادا من جانب الصين. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية والتعاون الدولي الصينية إن الصين “لا توافق ولا تقبل” هذا الحكم ورفعت دعوى بموجب آلية تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية.
وبالمثل، قالت شركة صينية لصناعة السيارات إنها تخطط لرفع دعوى في محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.
وكان المسؤولون الصينيون قد حثوا بروكسل مرارا على تجنب اتخاذ إجراءات حمائية ضد السيارات الكهربائية الصينية، محذرين من أن مثل هذه الإجراءات قد تؤدي إلى خروج الاحتكاكات التجارية عن السيطرة، وشددوا على حقوق الصين وقدراتها على اتخاذ تدابير مضادة إذا اتخذ الاتحاد الأوروبي أي إجراء يضر بالمصالح الصينية.
وتهدف الرسوم الجمركية، التي يصل بعضها إلى 45 في المائة اجمالا، بالأساس إلى حماية قطاع السيارات في أوروبا، لكنها قد تصعد حربا تجارية مع الصين.
خلفيات مريرة
لم يأت قرار الأوروبي من فراغ بل جاء إلى خلفية تطور ملحوظ في كفاءة الشركات الصينية من ناحية، وتغير مقرون في تفضيلات المستهلكين الأوروبيين باتجاه السيارات الصينية من الناحية الأخرى.
كان نتاج هذا التطور والتغير قفز الحصة السوقية للسيارات الكهربائية الصينية الصنع في الاتحاد الأوروبي إلى أكثر من 20 في المائة من حوالي 3 في المائة قبل ثلاث سنوات، وهو ما دفع مسؤولين في الاتحاد إلى التحذير من أن الفشل في زيادة الرسوم سيؤدي إلى خسائر كبيرة في الوظائف في أوروبا.
ويعد قطاع السيارات أمرا بالغ الأهمية لأوروبا، حيث يوظف 13.8 مليون شخص ويمثل 7 في المائة من إجمالي الناتج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي.
التفوق الصيني أيضا لم يكن أيضا من فراغ. ففي الوقت الذي كانت فيه شركات صناعة السيارات في أوروبا بطيئة في تطوير تقنيات هجينة تعمل بالبطاريات والبنزين والكهرباء للسيارات وتركز أكثر على محاولة جعل محركات الاحتراق التي تعمل بالديزل أكثر كفاءة، كانت شركات السيارات الصينية، بما في ذلك شركات مثل بي واي دي التي بدأت كمنتجة للبطاريات، تكثف استثمارات في البحث والتطوير وتقدم انجازات متتالية على صعيد تصميم وتكنولوجيا إنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات.
وأدى الصعود السريع لمنتجي السيارات الكهربائية المحليين، مثل بي واي دي واكس بنغ وزيكر ونيو وغيرها إلى قلب سوق السيارات في الصين رأسا على عقب.
وبتفوق واضح في البرمجيات وسرعة الإنتاج وتكنولوجيا البطاريات، حققت الشركات الصينية تفوقا كاسحا تاركة كبار شركات صناعة السيارات في العالم في وضع حرج تنافسيا محليا وعالميا.
الوضع في السوق الصيني أبلغ مثال. تراجعت حصة شركات صناعة السيارات الأجنبية من مبيعات السيارات في الصين إلى 33 بالمئة من 53 بالمئة قبل عامين، وفقا لبيانات رابطة سيارات الركاب الصينية. وتعرضت أرباح شركات صناعة السيارات الأجنبية في الصين لضغوط أيضا. في الربع المنتهي في الثلاثين من يونيو، هبطت ايرادات المشاريع المشتركة لشركة تويوتا في الصين بنسبة 73 بالمئة مقارنة بالعام السابق.
والأسوأ من ذلك أن المشاريع المشتركة لشركة جنرال موتورز في الصين (لديها 10 مشاريع في البلاد) سجلت خسائر ربع سنوية متتالية هذا العام. وانخفضت مبيعات شركة صناعة السيارات الأمريكية في الصين إلى النصف من ذروة تجاوزت 4 ملايين في عام 2017 إلى 2.1 مليون في العام الماضي.
في السياق ذاته، اضطرت شركات صناعة السيارات الأجنبية إلى إعادة هيكلة أعمالها أو إغلاق عملياتها في البلاد. في أكتوبر، أعلنت شركة ميتسوبيشي موتورز الياباني وقف إنتاج سياراتها في مشروعها المشترك في الصين، بعد سنوات من تراجع المبيعات. كما اتخذت هوندا وهيونداي وفورد خطوات جذرية، بما في ذلك تسريح العمال وإغلاق المصانع، لخفض التكاليف، وفقًا لتقارير.
من ناحية اخرى، كانت الصين تتحول بسرعة إلى مركز عالمي لصنع وتصدير السيارات الكهربائية. وفي العام الماضي، على سبيل المثال لا الحصر باعت شركة بي واي دي رقمًا قياسيًا بلغ 3.02 مليون سيارة على مستوى العالم، بما في ذلك السيارات الهجينة القابلة للشحن، بزيادة 62 بالمئة عن عام 2022.
وتخطط شركة بي واي دي لإنشاء مصانع في تايلاند والمجر، من بين دول أخرى. وعلى هذا النهج، وقعت بايك الصينية عقدا مؤخرا مع شركة الكان المصرية لتدشين مصنع في مصر لإنتاج السيارات الكهرباىية.
وحسب توقعات بنك يو بي اس، بحلول عام 2030، قد تشهد شركات صناعة السيارات الصينية تضاعف حصتها في سوق السيارات الكهربائية العالمية إلى حوالي الثلث، حيث ستعاني الشركات الأوروبية من أكبر خسارة في حصة السوق نتيجة لذلك.
تداعيات محتملة
ويعتقد أن يكون لاجراءات الاتحاد الأوروبي تداعيات من عدة جوانب. أولا، على صناعة السيارات الكهربائية الصينية، حيث يتوق الداعمون لهذه الخطوة أن تؤدي إلى تباطؤ مبيعات السيارات الصينية في السوق الأوروبية ومنح الشركات الأوروبية ميزة تنافسية على منافسيها الصينيين. ثانيا، على المستهلك الأوربي الذي سيواجه أسعارا أعلى للسيارات الكهربائية المصنوعة في الصين. ومدفوعة بالضرر المحتمل، قد وصفت شركات صناعة السيارات الصينية التعريفات المفروضة بأنها “حمائية” و”تعسفية”.
ثالثا، شركات السيارات الأوروبية لن تكون بمنأى ايضا، إذ ستؤثر التعريفات الاضافية على الشركات الأوروبية العاملة في السوق الصينية وخططها في المستقبل. وفي العام الماضي، اشترت فولكس فاجن 5 بالمئة في شركة اكس بنغ مقابل 700 مليون دولار، واتفقت على شراكة استراتيجية لتطوير السيارات بشكل مشترك في محاولة لعكس اتجاه الانخفاض في مبيعاتها بالصين.
وعلى نفس الخطى، اشترت شركة ستيلانتس التي تصنع سيارات سيتروين وفيات وبيجو حصة 20 بالمئة في شركة ليب موتور الصينية لصناعة السيارات الكهربائية مقابل حوالي 1.5 مليار يورو (1.7 مليار دولار). وبدأت مؤخرا شركة ستيلانتس في بيع سيارات ليب موتور في تسع دول أوروبية. وبالتالي، إذا تأثرت مبيعات السيارات الصينية في السوق الأوروبية، لن تكون هذه الاستثمارات بمنأى عن التأثير بنفس القدر أيضا خاصة أن جزء من الإنتاج موجه للسوق الأوروبية.
رابعا، ويمتد التأثير المحتمل إلى التحول الأخضر للاتحاد الأوروبي. وتعاني شركات السيارات الأوروبية من ضغوط لتحقيق التحول الأخضر مع خطة حظر السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل في الاتحاد الأوروبي بعد 2035. ورغم ذلك، لا تزال السيارات الكهربائية الأوروبي باهظة الثمن مقارنة بنظيراتها الصينية، ورفع الجمارك على الأخيرة سيرفع قطعا أسعارها، ما يمكن أن يؤثر على مشتريات المستهلكين، وبالتالي الانتقال الأوروبي الأخضر.
مستقبل المنافسة
لكن هل يمكن لهذه الخطوة أن ترجح كفة الشركات الأوروبية على نظيراتها الصينية؟ بالنسبة للمؤيدين، قطعا سيردون بنعم، والعكس بالنسبة للمعارضين. لكن المنطق يرفض الانحياز لأي من الجانبين. والواقع له رأي اخر: الرسوم الجمركية الأعلى على السيارات الكهربائية المصنعة في الصين من غير الواضح أن تكون كافية لوقف المد الصيني.
في هذا المجال، يمكن القول أن الشركات الأوروبية التقليدية لا تملك سوى ميزة واحدة لا تملكها الشركات الصينية على أرضها، وهي أنها معروفة بالنسبة للمستهلكين، لكن هذا لا يكفي لكسب المعركة، وإلا كانت سركة هواوي الصينية في خبر كان.
ان الشركات الصينية تقدم مقارنة بالشركات العالمية الأخرى مزايا عديدة من حيث الرفاهية. فقد كانت العلامة التجارية والتصميمات الداخلية وقوة التسارع من عوامل الجذب التقليدية للمستهلكين، لكن الآن، أصبحت هناك ميزات أخرى أكثر طلبا، مثل البرمجيات الحصرية، والبطاريات المتقدمة، والتقنيات الذكية في القيادة والرادارات المتقدمة ونظم السائق الآلي. وتتفوق الشركات الصينية بأشواط في هذا المضمار.
لكن الأهم ان شركات صناعة السيارات الصينية تنفذ استراتيجيات معقدة لتعزيز جاذبيتها للعملاء الأوروبيين، من حيث تحسين معايير السلامة وعمليات الإصلاح والخدمة والتوزيع ومن غير المرجح أن تتخلى بسهولة عما بدأته أو خططها المستقبلية. ومن غير المرجح أن تقلب التعريفات الجديدة وحدها الكفة لصالح منتج أو تغير من قناعة مستهلك.
بعبارة أخرى، لن تفعل الرسوم الأعلى شيئا يذكر سواء على صعيد حماية المنتجين الأوروبيين أو التأثير على المستهلكين، ما لم تتحرك الصناعة الأوروبية بسرعة على جوهر القضية ألا وهو مستوى الأسعار والكفاءة على حد سواء.