اخر الاخبار

حقوقيون يفندون رواية “سوريا الآمنة”

تصدرت قضية عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا بزعم أنها “آمنة” نقاشات دول أوروبية خلال الأيام الماضية.

وتزايدت الأصوات المطالبة بإعلان مناطق “سوريا آمنة” بعد نزوح نحو نصف مليون شخص، سوري ولبناني، إلى سوريا، بسبب التصعيد الإسرائيلي في لبنان.

وفي هذا الصدد عُقدت جلسة نقاش افتراضية، بإدارة “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، في 30 تشرين الأول 2024، سلط فيها الحاضرون الضوء على التداعيات والمخاطر في المنطقة.

وشارك في الجلسة، التي حضرتها، كل من المبعوث الفرنسي الخاص إلى سوريا، جان فرانسوا غيوم، والمدير التنفيذي لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبدالله، وهبة زيادين، وهي باحثة أولى للمنظمة الحقوقية “هيومن رايتس ووتش”.

بالإضافة إلى مدير منظمة “الحقوق المتساوية خارج الحدود”، روبرت نيسلر، وموثقة سورية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، اختارت اسم “ليلى” المستعار، لأسباب أمنية.

سياسة تكبحها المحاكم

يجد اللاجئون السوريون في أوروبا أنفسهم أمام تحديات متزايدة تفرضها جهود سياسية لمسؤولين يطالبون بترحيل لاجئين على أساس مناطق “سورية آمنة”، وبين منحى قانوني في المقابل يفرمل هذه الجهود.

آخر خطوات المسؤولين اتخذتها رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، في 15 تشرين الأول، واستهدفت بها وضع اللاجئين العام من خلال فتح قضية تحقيق “عودة طوعية آمنة ومستدامة” للاجئين السوريين إلى بلادهم، وفقًا لصحيفة “بوليتكو“.

وتتخذ هذا النهج كل من النمسا وإيطاليا والدنمارك والتشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا.

واستشهد المستشار النمساوي، كارل نيهمر، بعودة 200 ألف شخص عبروا الحدود من لبنان إلى سوريا، هربًا من الضربات الإسرائيلية على جنوبي لبنان، كدليل على أن “سوريا آمنة”، وفقًا لما ذكرته صحيفة “بوليتكو“، في 23 من تشرين الأول.

في المقابل، اتخذت محكمة العدل الأوروبية إجراءً منعت فيه الدول الأعضاء من تصنيف أي منطقة في العالم على أنها “آمنة” إلا بقرار رسمي منها.

وشددت المحكمة على أن أي إعلان لدولة “آمنة” يجب أن يغطي جميع أراضيها، مما يعقد الجهود الرامية إلى ترحيل السوريين.

الحكم الخاص بالعدل الأوروبية استند على سياسات بدأت دول أعضاء فيها باتخاذها، ومن بينها التشيك.

وبحسب ما ذكرت صحيفة “ذا ناشيونال” فإن التشيك تعد بعثة تقصي حقائق بهدف إقامة مناطق آمنة في سوريا.

كما ارتبط حكم “العدل الأوروبية” بقبرص، وهي التي كانت اتخذت سياسة ممنهجة بشأن “تشجيع مناقشة” إعلان أجزاء من سوريا آمنة، بهدف إعادة المهاجرين إلى تلك الأجزاء من سوريا.

مسألة “وجودية”

واعتبر المبعوث الفرنسي إلى سوريا، جان فرانسوا غيوم، في حديثه خلال الجلسة عن النقاشات الأوروبية بشأن “العودة الطوعية والكريمة والآمنة” للاجئين السوريين أن “شروط هذه العودة لم تتحقق بعد”، موضحًا أن اللاجئين السوريين لم يغادروا لبنان خلال الأسابيع الماضية برغبتهم وإنما فرارًا من الحرب، ما يعني أن العودة في ظل هذه الظروف ليست طوعية.

توزع النازحون القادمون من لبنان بعد دخولهم الأراضي السورية في مناطق النفوذ المختلفة (النظام السوري، قوات سوريا الديمقراطية، فصائل المعارضة).

ووثقت منظمات حقوق إنسان دولية اعتقالات استهدفت العشرات من العائدين في مناطق سيطرة النظام السوري، وقالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إن المعتقلين تم إلقاء القبض عليهم بتهم مختلفة. 

وتطرق المبعوث الفرنسي الخاص إلى تلك التوثيقات في معرض حديثه عن الأوضاع الأمنية والإنسانية في عموم المناطق السورية، وأكد تداعيات ما يتعرض له العائدون حال وصولهم إلى مناطق النفوذ المختلفة.

وأوضح أن فرنسا ستواصل دعم اللاجئين وتزيد تمويلها لمناطق التعافي في سوريا، شريطة أن تخضع تلك الجهود لرقابة صارمة تضمن سلامة وحقوق العائدين.

شهود من الواقع

من جهتها قالت الناشطة “ليلى”، وهي حقوقية تعمل على توثيق الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين، إن الخوف من انتهاكات النظام السوري يقف عائقًا أمام عودتهم. 

وأوضحت أن الشباب السوريين معرضون للاعتقال التعسفي والتعذيب، كما يُجبر بعضهم على الخدمة العسكرية ويتعرضون للابتزاز المادي في مناطق سيطرة النظام.

وفي حديث مع والدة أحد شهود الذين تم ترحيلهم قسرًا من تركيا، قالت ليلى إن الشاهدة رفضت إعطاء تفاصيل عن القضية مبررة ذلك بالخوف على زوجها المقيم في مناطق سيطرة النظام السوري.

لكنها أكدت أن ابنها قُتل تحت التعذيب في معتقلات الحكومة السورية بعد ترحيله، ليتم اعتقاله على أحد الحواجز بطريق العودة، وبعد فترة تم تسليم جثمانه لذويه.

واضطرت الشاهدة، بحسب “ليلى”، إلى الظهور في قنوات تلفزيونية تابعة للنظام لنفي ما تناقلته وسائل إعلام حول مقتل ابنها تحت تعذيب.

ورصدت الناشطة الحقوقية ارتفاع عدد اللاجئين الذين رحلوا قسرًا من تركيا إلى شمالي سوريا، حيث تتجاوز الأعداد 100 ألف شخص خلال النصف الأول من عام 2024، في ظل استمرار التحديات الأمنية وقصف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. 

وأضافت أن بعض السوريين يحاولون العودة إلى تركيا بطرق غير شرعية، ما يعرضهم لخطر العنف من حرس الحدود والابتزاز من مهربي البشر، مشيرة إلى قتل شاب تحت التعذيب بعد أن تعرض لضرب من قبل حرس الحدود التركية، في أثناء محاولته العبور، وجرى إسعافه إلى مستشفى في إدلب حيث توفي هناك.

أما في شمال غربي سوريا، حيث تسيطر فصائل المعارضة، أكدت “ليلى” عدم وجود جو آمن للعودة مشيرة إلى استمرار القصف الروسي والسوري وعدم وجود مأوى ثابت يستقبل المرحلين، ونقص فرص العمل.

وكانت الأمم المتحدة حذرت من مخاطر التصعيد العسكري شمال غربي سوريا، مؤكدة أنه تسبب في توقف الأنشطة الإنسانية وتعطل المرافق الصحية.

جاء ذلك على لسان نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، ديفيد كاردن، الذي أعرب في بيان، في 17 من تشرين الأول، عن “القلق البالغ” إزاء تصعيد الأعمال العدائية والعنف.

قرارات “رغم الردع”

وعبّر المدير التنفيذي لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، عن قلقه حول إرسال قبرص والتشيك بعثة تقصي حقائق بهدف إقامة مناطق آمنة في سوريا.

وقال إن انحسار وتيرة العنف لا يعني انتهاء الحرب في سوريا، مشيرًا إلى سلسلة من الضربات الجوية على الكثير من البلدات والقرى في أكثر من 30 غارة شنتها حكومة النظام السوري وروسيا، وتسببت بقتل مدنيين.

ومن جهة أخرى، فإن قصف تركيا المستمر على شمال شرقي سوريا يعتبر إشارة على أن هذه المناطق “ليست آمنة”، وفق العبد الله.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن جيش بلاده ضرب 470 هدفًا لحزب “العمال الكردستاني” في سوريا والعراق، منذ أن نفذ “الحزب” هجومًا على شركة صناعات عسكرية مملوكة للدولة التركية في أنقرة، الأسبوع الماضي.

بينما تقول “الإدارة الذاتية” أن الهجمات تركزت على الأفران ومحطات المياه والكهرباء والنفط والمستشفيات، إضافة إلى الحواجز ونقاط التفتيش.

وبحسب أحدث إحصائية صادرة عن ‏‎”قوى الأمن الداخلي” (أسايش) التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، بلغ مجمل الهجمات في سوريا، وفق “أسايش”، 1168 هجومًا بريًا وجويًا، أسفرت عن مقتل 18 شخصًا بينهم 14 مدنيًا إلى جانب 68 جريحًا بينهم 54 مدنيًا.

وتتصدر حالات الاختفاء والاعتقال القائمة المتعلقة بمخاوف السوريين سواء في تركيا أو لبنان أو الاردن، ووصفها العبد الله بـ”العودة القسرية، بمسمى العودة الطوعية”.

وذكر الحقوقي السوري أن الحياة “معدومة” في بعض المناطق في سوريا، ومنها ريف دمشق وحلب والرقة، بالإشارة إلى الفرص الاقتصادية القليلة في تلك المناطق.

ووصف مقترح بعض إدارات الهجرة والجوازات في أوروبا بشأن العودة إلى أجزاء من سوريا بالمقترح “الغبي”، وأن شخصًا من مدينة حمص لا يمكن أن يعود إلى محافظة طرطوس بحجة أنها آمنة.

السوريون في أوروبا في قلب “سياسة باتجاهين”

جهود حقوقية

وأكدت هبة زيادين، الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”، أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، حيث تستمر الانتهاكات من قبل الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها. 

وأوضح روبرت نيسلر، المتخصص في قانون الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، أن بعض الدول الأوروبية تسعى لتصنيف سوريا كدولة آمنة، ما قد يؤدي إلى ترحيل اللاجئين السوريين قسرًا، مشيرًا إلى أن هذه الخطوات تتجاهل الواقع الميداني في سوريا، حيث لا تزال الانتهاكات مستمرة، مما يجعل العودة غير آمنة.

وتؤكد التقارير أن اللاجئين السوريين العائدين من دول مثل لبنان والأردن يواجهون مخاطر جسيمة، بما في ذلك الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري، كما أن الظروف المعيشية في سوريا لا تزال صعبة، مع نقص في الخدمات الأساسية واستمرار النزاع في بعض المناطق. 

بالإضافة إلى ذلك، أشار نيسلر إلى أن بعض الدول الأوروبية تحاول التوصل إلى اتفاقيات مع دول ثالثة، مثل تركيا ولبنان، لمنع تدفق اللاجئين إلى أوروبا، ما قد يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان. 

وأكد ضرورة أن تلتزم الدول الأوروبية بالقوانين الدولية التي تحظر الإعادة القسرية للاجئين إلى أماكن قد يتعرضون فيها للاضطهاد أو التعذيب.

في هذا السياق، شددت الباحثة هبة زيادين على أهمية أن تضمن الدول المضيفة حماية اللاجئين السوريين وعدم إجبارهم على العودة إلى سوريا في ظل الظروف الحالية، كما دعت إلى ضرورة توفير الدعم اللازم للدول المستضيفة للاجئين، لضمان توفير حياة كريمة لهم.

العديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك “هيومن رايتس ووتش” و”المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، تؤكد أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، وتدعو الدول إلى الامتناع عن إعادة اللاجئين قسرًا.

وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أصدرت تقريرًا، في 29 من تشرين الأول، وثقت فيه اعتقال ما لا يقل عن 26 سوريًا عائدًا من لبنان، بينهم امرأة على يد قوات النظام السوري عبر المنافذ الحدودية البرية.

وقالت “الشبكة” في تقريرها، إن أحد المعتقلين توفي تحت التعذيب في أحد مراكز الاحتجاز التي يديرها النظام السوري خلال الفترة الممتدة بين 23 من أيلول و25 من تشرين الأول الماضي.

كما وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش“، في تقرير لها، في 30 من تشرين الأول، اعتقال أربعة أشخاص عائدين من لبنان عقب بدء التصعيد الإسرائيلي نهاية أيلول الماضي.

ومن الاعتقالات الأربعة الأخيرة وقعت حالتا اعتقال عند معبر “الدبوسية” الحدودي بين شمال لبنان وحمص، بينما اعتُقل شخصان عند حاجز للنظام بين حلب وإدلب.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *