خبير تركي: الولايات المتأرجحة هي مفتاح الفوز في الانتخابات الأمريكية
قدير أوستون يني شفق (30/10/2024)
مع تبقّي أيام قليلة على موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يواصل كلا المعسكرين استنفاد كافة الأوراق الرابحة المتاحة لديهما. التوتر السياسي الناتج عن هذه الحملة بلغ أعلى مستوياته؛ حيث يصف الديمقراطيون ترامب بأنه فاشي يسعى إلى إقامة ديكتاتورية، بينما يتهم ترامب هاريس بأنها شيوعية متطرفة تهدف إلى تدمير البلاد. وسط هذا التبادل من الاتهامات والشتائم القاسية، تراجعت جهود الترويج الإيجابي والتركيز على الرسائل المستقبلية بشكل كبير.
ويظهر هذا الموسم الانتخابي مدى تعمّق الاستقطاب والانقسام السياسي داخل البلاد، ومع ذلك، لم يتمكن أي من الطرفين من تحقيق تفوق ملحوظ رغم إنفاق مليارات الدولارات على الحملات الانتخابية. وتؤكد استطلاعات الرأي أن السباق محتدم في سبع ولايات متأرجحة، مما يزيد من صعوبة التنبؤ بنتائج الانتخابات.
حروب الرسائل على المستوى الوطني
يُعد النظام الانتخابي القائم على الفوز بالمندوبين في كل ولاية السبب الرئيسي وراء بروز مفهوم “الولايات المتأرجحة”. ففي هذا النظام، يحصل المرشح الفائز في أي ولاية على جميع مندوبيها، مما يجعل الحملات الانتخابية تركّز جهودها على الولايات الحرجة التي تشهد منافسة شديدة. وبما أن نتائج أكثر من أربعين ولاية تُعد محسومة لصالح أحد الطرفين، تُدار الحملات في هذه الولايات بغرض إيصال رسائل محددة وواضحة. وتسعى فرق الحملات في هذه الولايات إلى تقديم رسائل عامة يمكن أن تؤثر في شرائح واسعة من الجمهور، مع التركيز على جمع التبرعات من المانحين، عوضاً عن التركيز على الفوز بتلك الولايات بالتحديد.
في محاولة لكسب تأييد الناخبات في ولاية تكساس، حيث تُطبق أكثر القوانين تقييداً في قضية الإجهاض، نظمت هاريس تجمعاً كبيراً بمشاركة الممثلة بيونسيه، على الرغم من التوقعات التي تشير إلى فوز ترامب بسهولة في هذه الولاية. من جانبه، سعى ترامب إلى إحداث ضجة إعلامية بتنظيم تجمع في قاعة ماديسون سكوير جاردن الشهيرة بنيويورك، وهي ولاية يُتوقع أن تفوز بها هاريس، مستفيداً من رمزية المكان لجذب اهتمام الإعلام.
وبينما تعمل فرق الحملات الانتخابية على تشكيل فرق ميدانية للمرور على الناخبين في الولايات الحاسمة، تحرص أيضاً على تنظيم فعاليات كبيرة تهدف إلى الاستحواذ على الأجندة الإعلامية الوطنية وعدم تركها للجانب الآخر. ومع أن الفوز في الانتخابات يعتمد على مستوى الولاية، فإن السيطرة على الأجندة الإعلامية الوطنية تمنح أفضلية معنوية كبيرة.
ورغم أن هذه التجمعات تتحول إلى استعراض للقوة، فإنها تحمل معها مخاطر كبيرة أيضاً. فعلى سبيل المثال، أثارت تصريحات بعض الشخصيات التي ظهرت على المسرح قبل خطاب ترامب في ماديسون سكوير جاردن مشكلات غير متوقعة؛ إذ صرح كوميدي مؤيد لترامب بأن بورتوريكو “مكب نفايات عائم في المحيط”، مما أثار استياءً واسعاً قد يؤثر على الناخبين البورتوريكيين ذوي التأثير الكبير في بنسلفانيا.
ويمكن اعتبار اعتذار حملة ترامب، وهو تصرف غير معتاد منها، انعكاساً للقلق من هذا التأثير المحتمل. من جانبها، حاولت حملة هاريس استغلال دعم بيونسيه كرمز جماهيري مؤثر، إلا أن تأثير هذه الخطوة على الناخبين المترددين يبقى محدوداً. وهكذا، ورغم أهمية جذب اهتمام الإعلام الوطني، يبقى الحفاظ على اتساق الرسائل تحدياً كبيراً.
حسابات الولايات المتأرجحة
بينما تسعى الحملتان إلى تحديد التصور العام للانتخابات على المستوى الوطني، تدركان أن الفوز يعتمد على الولايات المتأرجحة، لذا تركزان معظم طاقتهما عليها. في السباق الرئاسي الأمريكي، يحتاج المرشح إلى الحصول على 270 مندوباً من إجمالي 538 مندوباً للفوز بالانتخابات. وتشير التوقعات إلى أنه إذا حققت الولايات غير المتأرجحة النتائج المتوقعة وفقاً للاستطلاعات، فإن هاريس ستحصل على 225 مندوباً، بينما سيحصل ترامب على 219 مندوباً. وسيُحدد توزيع المندوبين المتبقين، وعددهم 94، بناءً على نتائج سبع ولايات متأرجحة.
تشير الاستطلاعات إلى أن الفارق بين المرشحين في ولايات بنسلفانيا (19 مندوباً)، وميشيغان (15 مندوباً)، وويسكونسن (10 مندوبين)، وكارولاينا الشمالية (16 مندوباً)، وجورجيا (16 مندوباً)، ونيفادا (6 مندوبين)، وأريزونا (11 مندوباً) أقل من 1%، مما ينبئ بسباق تاريخي شديد التقارب. وتعد ولايات بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، المعروفة تقليدياً بـ”الجدار الأزرق”، ولايات لا بد أن تفوز بها هاريس.
أما إذا خسرت إحدى هذه الولايات، فسيتعين عليها الفوز باثنتين على الأقل من الولايات الأربع الأخرى، التي يتمتع ترامب فيها بميزة نسبية. وفي انتخابات عام 2020، تمكن بايدن من الفوز في ست من هذه الولايات السبع، ليحصل على 306 مندوبين، متفوقاً على ترامب الذي حصل على 232 مندوباً.
أصبح إيلون ماسك، الذي يعد أحد اللاعبين الرئيسيين في حملة ترامب، داعماً كبيراً للجان العمل السياسي التي تركز على ولاية بنسلفانيا، وذلك ضمن استراتيجية تهدف إلى كسر “الجدار الأزرق”.
وبما أن بنسلفانيا، التي تمتلك العدد الأكبر من المندوبين بين الولايات الحاسمة، تمثل ضربة قوية إذا حقق ترامب فيها النجاح ضد هاريس، فقد ركز ماسك اهتمامه على هذه الولاية. كان بايدن قد نجح في عام 2020، بفضل الدعم الكثيف من الناخبين السود في مدن مثل فيلادلفيا وبيتسبرغ، المعروفة بقواعدها الانتخابية الديمقراطية، في الحصول على ما يقرب من 60% من الأصوات، مما ساعده على موازنة الأصوات المؤيدة لترامب في المناطق الريفية. غير أن الاستطلاعات تظهر أن الناخبين السود ليسوا متحمسين لهاريس بالقدر نفسه، وهو ما يعد إحدى أهم النقاط الإيجابية لترامب.
في المرحلة الأخيرة، بلغ التوتر ذروته، إذ يسعى كلا الطرفين إلى استنفاد كل الأوراق الرابحة، مما يترك انطباعاً بأن هناك تنازلاً عن الانضباط التقليدي للحملات الانتخابية. وفي ظل هيمنة الرسائل السلبية هذا العام، يبدو أن حماس الناخبين عموماً أقل مما كان عليه في عام 2020، ما قد يؤثر على نسبة المشاركة في التصويت. وقد تكون هذه الحالة لصالح حملة هاريس التي تعتمد على التنظيم المحلي والتنقل من باب إلى باب.
من جانبه، يعتمد ترامب على رسائل حادة تهدف إلى جذب اهتمام الإعلام الوطني. ويبدو أنه يعطي الأولوية للتواجد الميداني، لا سيما في ولاية بنسلفانيا، التي تمتلك أكبر عدد من المندوبين بين الولايات المتأرجحة، وميشيغان، حيث تواجه هاريس صعوبة مع الناخبين العرب والمسلمين. وفي النهاية، سنرى في الأسبوع القادم أي من هذه الاستراتيجيات سيثبت نجاحه، لكن إذا جاءت نتائج الانتخابات متقاربة كما هو متوقع، فقد يستغرق إعلان النتيجة وقتاً طويلاً، مما يشير إلى احتمالية فترة ما بعد انتخابات فوضوية.