“أبو الزندين” عالق بين الفتح والإغلاق
– موفق الخوجة
ما بين فتح وإغلاق، تصدرت القضية المتعلقة بمعبر “أبو الزندين” في ريف حلب الشمالي مشهد المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل “الجيش الوطني السوري”، وفي حين لا تلوح في الأفق أي بادرة لفك هذه العقدة، يرى ناشطون وباحثون أن القصة باتت تتجاوز الحدود الداخلية.
وعاد معبر “أبو الزندين” إلى واجهة الأحداث مجددًا الأسبوع الماضي، بعدما تجمع محتجون بالقرب منه، عقب إعلان وزارة الدفاع التابعة لـ”الحكومة السورية المؤقتة” إعادة فتحه للعبور الإنساني أمام العائدين من لبنان.
الإعلان جاء في 23 من تشرين الأول الماضي، ليضاف إلى نقطة العبور الأساسية، معبر “عون الدادات”.
وخرج متظاهرون من خيمة الاعتصام الموجودة أمام المعبر، في 25 من تشرين الأول الماضي، بالتزامن مع وصول وفود من معتصمي خيمة “الكرامة” من مدينة اعزاز شمالي حلب، ورفعهم سواتر ترابية تعبيرًا عن احتجاجهم، بحسب ما أفاد به مراسل في الباب.
معبر “أبو الزندين”، هو منفذ بري يربط مناطق سيطرة النظام مع مناطق سيطرة فصائل المعارضة الموجودة في أرياف حلب الشمالية والشرقية والتي تتبع لـ”الجيش الوطني” المدعوم من تركيا.
وبقيت الحركة الإنسانية والتجارية مستمرة عبره بعد سيطرة فصائل المعارضة على مدينة الباب عام 2017، وأغلق مع بداية تفشي جائحة “كورونا”.
من يقف خلف الإغلاق؟
الجهة التي تقف خلف إغلاق المعبر هي فعاليات مدنية وناشطون من مدينة الباب والمدن المحيطة بها، التي تقع تحت سيطرة “الجيش الوطني”، إذ أقاموا منذ شهر ونصف خيمة اعتصام، ولأكثر من مرة تردد إليها ناشطون آخرون من اعزاز.
الباحث السياسي نادر الخليل، يرى أن المحتجين يستندون في منع فتح المعبر إلى حالة الرفض الشعبي في شمالي سوريا، قائلًا إنهم ينظرون إلى إعادة تفعيله كخطوة أولى للتطبيع مع النظام السوري، والقبول بالأمر الواقع.
كما يشعر المحتجون بأن فتح المعبر يمثل “خيانة” لمعاناة الحواضن الاجتماعية، وفقا لحديث الخليل ل.
وتشمل هذه “الحواضن” النازحين الذين فروا من القرى والمدن التي هاجمها النظام السوري إلى شمالي حلب.
وأشار الباحث إلى نوعين من الفصائل المنضوية في “الجيش الوطني” تقف وراء دعم المحتجين بشأن منع إعادة تفعيل المعبر، يرتبط النوع الأول بعناصر مرتبطين بالحواضن الاجتماعية الرافضة للتطبيع التركي مع النظام، الذي تقود روسيا مساره منذ 2022.
والثاني، هو فصائل متضررة اقتصاديًا من فتح “أبو الزندين”، بسبب ضلوعها في عمليات التهريب على الضفتين، ما سيحرمها من إيرادات مالية مهمة، بحسب الخليل.
من جهته، الناشط السياسي من مدينة الباب معتز الناصر، قال ل، إن المحتجين يعتمدون على “مكانتهم الشعبية”، بدعم من جهات مجتمعية أخرى تتبنى مطالبهم أو جزءًا منها بنسب متفاوتة.
الجهات المجتمعية التي تحدث عنها الناصر هي شخصيات وتجمعات سياسية، يضاف إليها بعض الفصائل التي تختلف أسباب دعمها، ما بين “الدوافع الوطنية”، وأخرى تحرص على استمرار التهريب الذي تتكسب منه، بحسب الناصر.
لماذا لا تنفك العقدة؟
ترتبط الاحتجاجات القائمة حاليًا بسلوك “المؤقتة” التي تدير ملف “أبو الزندين” وارتباطها بالإرادة التركية، بحسب الناشط السياسي.
ويعتبر الناصر أن من يتحمل مسؤولية استمرار الاحتجاجات هي الجهة التي تتبنى فتح المعبر، في إشارة منه إلى “الحكومة المؤقتة”.
ويرى أن “هذه الجهة هي واجهة لتمرير إملاءات خارجية، ولو كانت وطنية لعاد المعبر بالنفع على أهل المنطقة”.
وتتمثل مطالب المحتجين بمنع فتح المعبر فقط، بسبب عدم وجود “جهة رسمية صاحبة قرار” يمكنها إدارة المعبر، وفق ما ذكره الناشط المدني.
وأضاف أن ضلوع جهات خارجية وإقليمية متداخلة المصالح فيما بينها (ويقصد روسيا وتركيا)، مع “فواعل داخلية”، حوّل قضية المعبر من شأن داخلي إلى توافقات واختلافات دولية وإقليمية.
كما أشار الناصر إلى حالة من الغموض عند السكان شمالي سوريا، سببها “الضبابية في تعاملات الدول بما يخص الملف السوري”.
وتُرجم هذا الغموض إلى احتجاج شعبي من العديد من الفئات التي تعتبر ما يتعلق بفتح معبر “أبو الزندين” اتفاقات لتمرير التطبيع مع النظام السوري برعاية تركيا، و”عبر أدواتها في المنطقة”، على حد تعبير الناشط.
أين النظام السوري؟
لا تقتصر قضية فتح معبر “أبو الزندين” على مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي، بل يرتبط جزء كبير منها بالنظام السوري.
وبعد ساعات من إعادة افتتاحه لأول مرة، في 18 من آب الماضي، اتهمت أطراف عسكرية من النظام بإطلاق قذائف، ما دفع القائمين على المعبر لإغلاقه أمام حركة الشاحنات التجارية.
واعتبر الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن المعطل الأكبر لفتح “أبو الزندين” هو النظام السوري التي تقف قواته على الجانب المقابل من المعبر.
وبحسب علوان، فإن قوات “الفرقة الرابعة” وميليشيات “ما دون الدولة” التابعة للنظام السوري، تعرقل عملية إعادة فتح المعبر، بسبب استفادتها من حالة التهريب القائمة.
وأضاف علوان أن النظام يضمن بإغلاق المعبر مصالحه السياسية والاقتصادية والأمنية، لأن قضية “أبو الزندين” تتعدى الشأن الداخلي أو الاقتصادي على المستوى المحلي.
وعلى الصعيد السياسي، يرى علوان أن النظام يتهرب من المسؤولية أمام روسيا التي تسعى مع تركيا إلى فتح المعبر، وبنفس الوقت هو يستجيب للضغوط الإيرانية التي تريد المعبر بحالة الإغلاق.
وتستمر الاحتجاجات منذ أواخر تموز الماضي، بعد إعلان المجلس المحلي لمدينة الباب عن تمهيد المعبر لإعادة افتتاحه تجريبيًا أمام الحركة التجارية بين طرفي السيطرة.
وصدر بيان عن “الفعاليات الثورية” بمدينة الباب، في 26 من تموز الماضي، وربطوا احتجاجاتهم بمطالب من “الجهات المسؤولة” حول إعادة فتح المعبر.
وأبرز هذه المطالب كانت إحالة إدارة المعبر لجهة مدنية وبإشراف المؤسسات، وأن يتم تحديد نسبة من ريع المعبر لتنفيذ مشاريع البنية التحتية في المدينة.
كما تضمنت المطالب، إيجاد آلية فعالة لضبط الملف الأمني، وضبط الصادرات والواردات بما يتناسب مع مصلحة المدينة، وبما يحافظ على الإنتاج المحلي.
وقطع محتجون الطريق الدولي الواصل إلى “أبو الزندين” باستخدام سيارات ودراجات نارية تعبيرًا عن رفضهم لفتح المعبر، في 28 من تموز الماضي.
وفي 19 من آب الماضي، أقام المتظاهرون خيمة للاعتصام أمام المعبر معتبرين فتحه بمثابة “خيانة وتطبيع مع نظام الأسد”، وآزرت المتظاهرين أرتال عسكرية ومدنية توجهت نحو المعبر.
وما زالت خيمة الاعتصام قائمة، ويواظب ناشطون وهيئات سياسية ومدنية في مدينتي الباب واعزاز على الاعتصام حتى الآن.
أين “المؤقتة”؟
رغم الاحتجاجات القائمة وخيمة الاعتصام، تتحضر “الحكومة المؤقتة” لاستقبال القادمين من لبنان، وفق ما أكده مسؤول المكتب الإعلامي لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، جلال التلاوي، ل.
تتمثل هذه التحضيرات بنصب خيام تابعة لمركز نفوس الباب، لتوثيق الداخلين من المعبر، وإخراج قيد مؤقت لهم، إضافة إلى سيارات لنقل القادمين الجدد، وسيارات إسعاف للحالات الطبية الطارئة، وفق ما قاله التلاوي.
كما أشار التلاوي إلى مساهمة منظمات عاملة في شمال غربي سوريا، وتجهيزها خيامًا ومواد إغاثية.
منذ الإعلان الأحدث لإعادة التفعيل، في 23 من تشرين الأول الماضي، وحتى لحظة تحرير التقرير، لم تدخل أي حالة من المعبر، على الرغم من تأكيد التلاوي حالة المعبر المفتوحة.
وبالنسبة لخيمة الاعتصام، قال التلاوي، إن “المؤقتة” تحترم كل الآراء ولم تتعرض للمعتصمين والمحتجين.
“التهريب يعرقل المساعي”
تصطدم “المؤقتة” دائمًا بالاحتجاجات التي تتلقى دعمًا غير معلَن من فصائل تابعة لـ”الجيش الوطني”، وتتهم هذه الفصائل بضلوعها بعمليات تهريب بين جانبي المعبر.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، قال ل، إن فصائل المعارضة و”الحكومة المؤقتة” لا تستطيع حل جميع المشكلات المتعلقة بـ”أبو الزندين”، بالرغم من سعيها إلى ضبط موضوع التهريب.
وألمح علوان إلى “تحريض بعض القوى التي تستفيد من خطوط التهريب، وتجيّش ضد فتح المعبر”.
لكن الناشط السياسي معتز الناصر قال، إن العناصر المسلحين الذين يشاركون في الاحتجاج هم من أبناء المجتمع، ويرون أن فتح المعبر هو “مؤامرة على الثورة”.
ما الحل؟
يعتقد الباحث السياسي نادر الخليل، أن حل قضية “أبو الزندين” يتطلب مقاربة شاملة تأخذ في الحسبان مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك تقديم ضمانات للفصائل والحواضن الاجتماعية المعترضة.
وتتضمن المقاربة أيضًا “تسويات جزئية اقتصادية مع بعض الفصائل النافذة في المنطقة”، وفق ما قاله الخليل.
وطرح الباحث فكرة “إدارة مشتركة” للمعبر، يمكن من خلالها ضمان توجيه الإيرادات بما يخدم الشمال السوري، وتقليل فرص استغلال النظام للمعبر “لتمرير أنشطة غير قانونية”.
ويعتبر الباحث السياسي أن في فتح “أبو الزندين” مكاسب اقتصادية لشرائح من السوريين، خاصة التجار والصناعيين في شمال غربي سوريا، في حال تحول المعبر إلى نقطة تبادل تجاري نشطة ومستمرة.
وفي حال استمرت محاولات إغلاقه، فلن يحدث ذلك تأثيرًا كبيرًا على الواقع الاقتصادي في المنطقة، لكن قد تنجم مخاطر إذا لم يتم تنظيم فتح المعبر، بحسب الخليل.
وتعود هذه المخاطر إلى تقليص المساعدات الدولية التي تمر أحيانًا عبر المنافذ الحدودية مع تركيا، ما يفتح الباب أمام النظام للهيمنة على هذه المساعدات واستغلالها “بشكل سيئ”، وفق ما أوضحه الخليل.
كما يخشى الباحث من استغلال النظام لحالة المعبر غير المستقرة، وتمرير شحنات “المخدرات”، أو تحقيق مكاسب اقتصادية أكبر على حساب المعارضة.
وقال إنه “يجب على المعارضة التي تسيطر على المعبر تحديد قوائم صادرات ومستوردات واضحة تخدم اقتصاد الشمال السوري، وتمنع استغلال النظام للوضع الجديد”.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي