الفنان محمد عبلة والتحليق عبر “بساط الريح”
من سحر “ألف ليلة وليلة”، اختار الفنان المصري محمد عبلة عنوان “بساط الريح” لأحدث معرض يقيمه حالياً في “آرت جاليري” في الزمالك.
وضع الفنان شخصياته على وضع الطيران كي تحلّق بالخيال، إذ لا يميل عبلة بعد تجربة نصف قرن إلى التنميط، وإنما البحث والتجريب ومساءلة الألوان والخطوط.
معرضه الجديد الذي يضم نحو 40 لوحة، هو محاولة لاستعادة البهجة والسعادة على الرغم من الواقع المرير. “الشرق” حاورت الفنان المهموم برسالة الحلم والأمل.
لماذا هذا العنوان “بساط الريح”؟
“محاولة لاستدعاء الحلم والأسطورة، لأن الواقع نفسه حزين، ولم يعد أمام الناس سوى الحلم. فاللوحات محاولة للنظر إلى الواقع برؤية مغايرة.
على الرغم من موتيفة الأحلام، لكننا لا نشعر بالغموض أو الميل إلى الأجواء السريالية؟
ليس بالضرورة أن تكون الأحلام غرائبية، فالإنسان يحلم أنه يطير، وإن كان هذا لا يحدث في الواقع، المقصود أن كل إنسان يحتاج إلى فرصة للتحليق والتأمل من أعلى، ثم بعدها يقرر هل سيستمر في هذا الواقع أم لا.
لا يأخذ “بساط الريح” في اللوحات شكلاً ثابتاً فهو يشبه السجادة أحياناً أو يبدو مثل دائرة؟
الفكرة من البساط ليست الشكل، وإنما إيجاد مساحة آمنة وبسيطة للإنسان تكون فضاء لأحلامه.
في بعض اللوحات انشغلت أكثر بموتيفة “البالونات” الملوّنة؟
“البالونات” بديل عن “بساط الريح”، وتؤدي نفس الغرض. كل إنسان يستطيع أن يطير ويحلّق سواء عبر بساط الريح أو البالونات، أو يركب جناحين من خيال. ليس هناك قيود أو شروط كثيرة تمنع الإنسان من الطيران.
ألا يزعجك أن تفسّر حالة البهجة بأنها تزييف للواقع أو على الأقل منفصلة عنه؟
على العكس فاللوحات هي من صميم الواقع. ألا يحلم الكثيرون بالطيران والهجرة؟ كل ما فعلته أنني أخذت الجانب الإيجابي للفكرة، وشجّعت كل إنسان أن يطير بشرط أن يفهم ويستمتع.
يلاحظ أيضاً الاحتفاء بالناس، فمعظم اللوحات تعبّر عن وجود الأسرة مجتمعة مع حيوانات أليفة.
لأن الفكرة هي عن الإنسان في أحواله المختلفة، مع أسرته، مع حيواناته الأليفة، ومساحة البساط تتيح لكل منا أن يحلّق مع من يحبه من بشر وطيور وحيوانات وزرع. فكل هذه الكائنات جزء من ضروروات الحياة.
في معظم اللوحات تبدو الملامح غائمة غالباً، ولا توجد بيئة واضحة بصرياً؟
لم أهتم بتصوير بيئة شعبية معيّنة، لكن معظم الناس الذين رسمتهم يعبّرون عن أهل المدينة الذين ألتقيهم وأعيش وسطهم. في بعض اللوحات كان هناك اهتمام بالملامح، لكن انشغالي أكثر بحالة الإنسان عموماً.
إذا تأملنا الألوان مثل الأحمر والأخضر.. كلها توحي بالبهجة؟
اختيار هذه الألوان كان ضرورياً، لأن فكرة الطيران والهجرة والانسلاخ عن الواقع في حد ذاتها، قد تبدو قاسية، ولن تصبح مبهجة إلا عن طريق ألوان معينة، كي تصبح معادلاً لونياً لمعنى البهجة والسعادة.
لا يبدو المعرض عموماً مشابهاً لتجاربك السابقة.
لأني لا ألتزم بأسلوب فني دائم، فكل معرض أقيمه له خصوصيته وتجربته. وتقريباً أنا إنسان هوائي، ما يشغل بالي أنفّذه ولا أثبت نفسي عند تصوّر معيّن.
إقامة معرض يضم حوالي أربعين لوحة تعالج الثيمة ذاتها، فهل تكون الفكرة حاضرة في وعيك قبل أن ترسم؟
الفكرة تظل هائمة في داخلي إلى أن أبدأ اللوحة الأولى، فتتبلور وتفتح لي الطريق.
متى تبدأ الانشغال بفكرة أخرى ومعرض قادم؟
عادة أكون في مرسمي يومياً وأشتغل بالساعات. فالفن بالنسبة لي هو يومياتي. أرسم حياتي وأجرّب ولا أفكر في المعرض إلا مع اكتمال التجربة.
نشأت في المنصورة ودرست في الإسكندرية وعشت في القاهرة وسافرت إلى أوروبا، كيف أثّرت المدن في تجرتبك التشكيلية؟
زرت أكثر من خمسين دولة وبالتأكيد. كل مدينة كأنها نسخة مصغّرة من مصر، لكن التأثير الأكبر يظل للقاهرة، بحكم أني عشت فيها أكثر وتأثرت بكل تفاصيلها، لكن الإسكندرية كانت مرحلة مؤقتة خلال الدراسة وكانت وقتها أكثر جمالاً، لكن ليس لدي حنين إليها.
ماذا عن الأساتذة في مسيرتك؟
أي فنان مهم طبيعي نتعلم منه ونفكر في أساليبه في التعبير عن نفسه، وفي البدايات يسهل التأثّر بالأساتذة، لكن المهم لأي فنان أنه يأخذ تجربته بجدية ويبحث عن رؤيته الخاصة به.
الأساتذة الذين التقيت بهم طوال حياتي، تركوا بصمة حتى لو لم تكن بطريقة مباشرة. ومن الأسماء التي لا أنساها، سيف وانلي وحامد ندا، فهما أكثر فنَّانَين من الروّاد تأثرت بهما.
بعد نصف قرن من الإبداع هل تشعر أن كل معرض هو تحدٍ لك؟
كل معرض محاولة للتجديد واختبار لمقولات جمالية مختلفة، وترقّب لردود الأفعال والبحث عن أدوات وتقنيات وخامات مختلفة، وفتح نقاش حول الفن والحياة. وكل فكرة تتطلب خامة خاصة بها وأخرى تحتاج إلى عمل إبداعي مركّب، وهو ما يتطلب من الفنان أن لا يفقد حس التجريب كي لا يكرر نفسه.
شاركت في معارض كثيرة وكنت أول فنان عربي يحصل على وسام “جوتة” الألماني، بعد كل هذا النجاح ماذا تقول للشباب؟
أنصح كل فنان شاب أن يشتغل ويثابر أكثر، وأن يهتم بالقراءة وتثقيف نفسه، لأن لك فنان في النهاية وجهة نظر تجاه بلده وتجاه الواقع والعالم.
أخيراً، واستلهاماً من عنوان وثيمة المعرض، لو ركب محمد عبلة “بساط الريح” أين سيذهب؟
إلى جزيرة منعزلة وبعيدة عن الناس. صحيح فكرة المعرض عكس ذلك، لكني أشعر بالحاجة إلى العزلة والتأمل.