تحت شعار “الصوت في السينما”.. انطلاق مؤتمر النقد في الرياض
انطلقت فعاليات النسخة الثانية من مؤتمر النقد السينمائي”، الذي تُنظمه هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الرياض، وسط حضور عدداً من النقاد الدوليين والعرب والسعوديين وصُنّاع السينما، والتي من المقرر أن تستمر حتى العاشر من الشهر الجاري.
عرض في الافتتاح فيديو قصير يتتبع ما تم تقديمه خلال الدورة الأولى للمؤتمر العام الماضي، بجانب الملتقيات التي قدمت في حائل والأحساء خلال الفترة الماضية.
وبدوره، قال عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام السعودية، خلال كلمته في حفل الافتتاح، إنّ: “مدينة الرياض، مكانٌ مثالي لمؤتمر فريد من نوعه كهذا، فهي من جهة قلب مستقبل صناعة السينما بالمنطقة وسوقها الأكبر الذي يبشر باقتصاد قوي، ومن جهة أخرى حضن الثقافة ومستقبل الفكر”.
وتابع “لم نكن لنجتمع اليوم هنا لولا الإيمان العميق بأهمية الفكر والثقافة”، موجهاً الشكر إلى وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الأفلام، الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، لدعمه وتمكينه لقطاع الافلام في المملكة، والذي صار قطاعاً لافتاً وواعداً ومؤثراً على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتابع “انطلاقاً من رؤية السعودية 2030، تولي هيئة الأفلام اهتماماً كبيراً بتأسيس وتطوير واستدامة قطاع أفلام قوي ويدرك أهمية تمكين النقد كأداة فكرية وفنية تنير الطريق في السينما وتفتح نوافذ، لذا جاء هذا المؤتمر منصة تجمع بين النقاد والمبدعين، وتتيح لهم فرصة لتبادل الأفكار والخبرات وصولاً إلى تشكيل وعي سينمائي عربي أعمق، ينقلنا نحو آفاق عالمية دون أن نتخلى فيه عن الأصالة”.
وأشار إلى أن اختيار “الصوت في السينما” ليكون عنون النسخة الثانية من المؤتمر، يعود إلى أن “الصوت هو نصف التجربة السينمائية، إذ يستطيع أن يحكي ما لا تستطيع الصورة وحدها قوله”.
أما مشاري خياط، المشرف العام على مؤتمر النقد السينمائي، قال إن: “النقد السينمائي الذي بدأ كاداة للتعبير عن الذات واستكشاف التحديات المجتمعية، قد تطور مع مرور الزمن ليصبح منارة تضيء دروب الفنانين وتلهم الأجيال الجديدة من المبدعين، اليوم ونحن نبدأ رحلة السينما السعودية، نعتز بما تحقق من إنجازات، حيث نجحت السينما السعودية في الوصول إلى أفق عالمية، وأصبح النقد جزءاً لا يتجزأ من هذا التطور، يسهم في تعزيز جودة الاعمال السينمائية، وإبراز روحها الأصلية”.
فيما قال المخرج السعودي عبد الله المحيسن، ضيف اليوم الأول من فعاليات المؤتمر، إنّ: “هيئة الأفلام السعودية، بادرت انطلاقاً من رؤية 2030، بوضع استراتيجية كبيرة لتطوير قطاع السينما في جميع جوانبه، إذ أن استمرار إقامة مؤتمر النقد السينمائي دليل على أهمية تطوير الحركة السينمائية في المملكة”.
ورأى أن “العمل السينمائي يستند على نقد الواعي والصادق والهادف، لذلك فهو المحرك الديناميكي للتطور والإبداع، فالسينما هي رسالة قبل أن تكون أي شيء آخر”، مؤكداً أن “السينما بالنسبة لي منذ اليوم الأول أداة للتعبير، ولم تغريني عروض المنتجين للتنازل عن قيمي، فأصبحت السينما هواية وليست غاية”.
وأعرب عن آماله أن تخرج النسخة الثانية من المؤتمر، بوثيقة تؤسس المدرسة السعودية للنقد السينمائي، لكي تكون حراك إنتاج أفلام معاصرة في المملكة، لتكون سينما تخدم قضايا التنمية في المملكة والمنطقة العربية”.
وعرض المؤتمر في الافتتاح الفيلم التسجيلي السعودي “اغتيال مدينة” للمخرج عبد الله المحيسن
جلسة حوارية
وشهد اليوم الأول من فعاليات المؤتمر، جلسة حوارية مع المخرج السعودي عبد الله المحيسن، أدارها الناقدان السعودي أحمد العياد، والمصري أحمد شوقي، رئيس الاتحاد الدولي للنقاد.
وقال عبد الله المحيسن، إن النقد السينمائي ساهم في رحلته بشكلٍ كبير، لاسيما عندما عُرض فيلمه الأول في مهرجان القاهرة السينمائي، عام 1977، قائلاً: “كنت أطمح لتقديم شيء جديد يعكس قضايا المجتمع العربي وصراعاته، وأعتبر نفسي من أوائل المخرجين في المملكة، إذن الرحلة لم تكن سهلة على الإطلاق”.
وتابع “لم يكن هناك بيئة سينمائية واسعة في السعودية، وكانت الموارد السينمائية محدودة، والنقاد المصريين كانوا متفتحين جداً وداعمون لخطواتي الأولى”، لافتاً إلى أن “الناقد المصري الراحل سمير فريد، كان يقول لي: إن أعمالي تُظهر حساً سينمائياً درامياً قوياً، وكان يتساءل لماذا لا أقدّم شيئاً أطول وأكثر تعقيداً، فهذا الدعم والنقد الإيجابي كان له أثراً كبيراً على مسيرتي”.
وكشف المحيسن أسباب تناوله قضايا سياسية واجتماعية حساسة في أفلامه، قائلاً إن “هدفي كان تقديم قضايا المجتمع العربي بطريقة جديدة ومختلفة، فقد تناولت موضوعات مثل التعايش السلمي والصراعات السياسية التي كانت ولا تزال تؤثر في المنطقة”.
وأضاف “استلهمت بعض أعمالي من أحداث الصراع في لبنان، وقررت استخدام أسلوب الرسوم المتحركة، لنقل تلك الرسائل بطريقة رمزية ومبتكرة، كما حاولت تقديم أعمال تكون وثيقة تعبر عن تلك الفترة، وليس مجرد تسجيل للأحداث، بل معالجة درامية عميقة”.
وأكد “لم أشعر أبداً أن تمثيلي للمملكة كان قيداً عليّا، بل على العكس، كنت فخوراً جداً بذلك. منذ البداية، كانت هناك ثقة كبيرة في ما نقدمه من فن، وثقة القيادة في المملكة دعمتنا في العديد من المجالات، أتذكر عندما كنت أذهب للتحدث إلى أي مسؤول في الدولة حول مشروع فني أو سينمائي، كان الرد في العادة داعماً ومشجعاً، مع شرط أساسي ألا يتضمن العمل أي محتوى غير لائق أو مسيء، فكانت هناك أجواء من الثقة والتحفيز، وكان وقتها الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير الرياض حينذاك، داعماً للفكر والثقافة، حيث كان بمثابة أيقونة لكل المفكرين والمثقفين”.
واستكمل “في تلك الفترة، كنت أعلم أن الطريق لتحقيق هدفي في مجال السينما يحتاج إلى إذن ودعم من القيادات العليا، لذلك كنت أحرص دائماً على أن أحصل على هذا الدعم، وكنت أعرف أنني إذا طرقت الباب الصحيح، فإنني سأجد الدعم الكامل لتحقيق رؤيتي السينمائية، وكان النظام يسمح بهذا النوع من الانفتاح الفكري والثقافي، حتى في مجتمع يراه البعض بشكل خاطئ على أنه منغلق أو رجعي”.
وأشار إلى أن “تلك الفترة، كانت هناك تيارات فكرية عديدة في المنطقة العربية تنظر إلينا نظرة ضيقة، وتفسر أعمالنا على أسس سياسية أو مذهبية، حتى لو كانت هذه الأعمال تتحدث عن قضايا إنسانية أو اجتماعية بحتة. كان البعض يصفني بتصنيفات مختلفة، ويعتبرونني جزءاً من تيار معين، فقط بسبب أفكاري وأعمالي الفنية، فلم يكن هناك تقدير حقيقي للعمل بحد ذاته؛ بل كان هناك توجه لنقد الهوية الشخصية للفنان بدلاً من نقد العمل الفني”.
وأردف “في تلك الفترة كنت أشعر أحيانًا بأن المجتمع العربي ككل يعاني من فوضى فكرية، حيث كانت التيارات الفكرية المختلفة تحاول السيطرة على الأجواء الثقافية. اليوم، أرى أن هذا التنمر الفكري قد تطور وأصبح أكثر انتشاراً، ولكنني أرى أيضاً أن المملكة العربية السعودية الآن أكثر انفتاحاً وتقدماً بفضل هذا الإرث من الدعم الفكري الذي كان موجوداً حتى في أصعب الأوقات”.
ولفت إلى أن “السينما السعودية منذ بداية رحلتي السينمائية عام 1977، شهدت تطوراً كبيراً، والذي توّج بمشاركة أفلام سعودية في مسابقات رسمية دولية، بل وحصولها على جوائز مثل فيلم (نورا)”، موضحاً أن “استمرار حركة السينما في السعودية وتزايد الإنتاجات المحلية يعكس مدى التحول والنهضة في هذا المجال، وأراه تطوراً إيجابياً يعكس رغبة الشباب في استكشاف هذه الصناعة وتقديم رؤاهم من خلال الشاشة”.
نصيحة للأجيال الجديدة
وبعث المحيسن بنصيحة للشباب، قائلاً: “أؤمن أن السينما رسالة قبل أي شيء آخر، وأن الفيلم بدون مضمون أو رسالة عميقة لا يكون سوى عمل سطحي، سواء كان درامياً أو كوميدياً أو وثائقياً، وأول ما يجب أن يدركه الشاب الذي يسعى لدخول مجال السينما هو أن السينما علم ودراسة، وليست مجرد كاميرا يمكن لأي شخص أن يحملها ويصور، صحيح أن هناك مواهب صاعدة يمكنها إنتاج أفلام باستخدام الهواتف المحمولة، لكن هناك قواعد وأسس يجب أن يُتقنها من يريد النجاح في هذا المجال”.
وتابع “السينما الحقيقية تبدأ من بيئتك المحلية؛ يجب أن تكون رسالتك نابعة من هذه البيئة وتعبّر عن خصوصيتها، ومن هناك تنطلق للعالمية. ليس الهدف أن نعيد ما نشاهده في الأفلام الغربية ونقحم أفكارهم في أعمالنا، بل علينا أن نقدم قصصًا تلامس واقعنا وتجسد هويتنا، وتكون قادرة على الوصول إلى الجمهور العالمي دون أن تفقد هويتها المحلية”.
ورأى المحيسن أن “الغرب قد يكون مهتماً برؤية تصورات محددة عنا، لكن يجب علينا أن نكون صادقين في التعبير عن أنفسنا وثقافتنا دون محاولة إرضاء هذه التوقعات، الرسالة الأهم التي يجب أن نركز عليها هي كيف يمكننا استخدام السينما كأداة لتعريف العالم بنا، بتعقيدنا وتنوعنا الحقيقي، وليس بما يتوقعونه منا”.