صياغة سياسات الهجرة واللجوء
إحسان أقطاش يني شفق (12/11/2024)
تواجه بلادنا، بوصفها دولة ذات أجندة حافلة بالأحداث، تحديات تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة في غضون عام واحد، وهي تحديات تحتاج الدول الأوروبية عادةً إلى عقد كامل لحلها. ولا يقتصر هذا التحدي على سياسات الهجرة واللجوء فحسب، بل بل نواجه مواقف مشابهة في العديد من المجالات الأخرى.
فعلى سبيل المثال، تجد قضايا جيوسياسية معقدة مثل قضية القوقاز، والحرب الأهلية السورية، ومشاكل قبرص التركية واليونان، وليبيا والبحر الأبيض المتوسط الشرقي، والقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وكذلك مكافحة التنظيمات الإرهابية وتنظيم “بي كي كي” الإرهابي، والعلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتعزيز منظمة الدول التركية، كلها قضايا عالمية تجد مكانًا بارزًا على أجندة بلدنا. وهذه القضايا ثقيلة بما يكفي لتشغل دولة واحدة لعقود من الزمن.
أعتقد أنه عند التعامل مع هذه القضايا، ينبغي على تركيا أن تتبنى نهجًا أكثر شمولية يتماشى مع رسالتها التاريخية، بدلاً من التمسك بنموذج الدولة القومية الصارم والمستبعد. ويجب ألا يتم اختزال هذا الوضع في نقاشات حول العثمانية. فالشعب التركي لا يعارض الجمهورية والديمقراطية، بل إن حزب العدالة والتنمية هو حزب قام بتعزيز الديمقراطية في الجمهورية ورفع مستوى البلاد إلى المعايير الأوروبية.
واليوم يراقب العالم أجمع باهتمام بالغ صعود تركيا وتطورها. كما أن قيادة رئيسنا لهذه المسيرة بثبات وتحديه للنظام العالمي غير العادل الذي أسسته الدول الغربية، يثير اهتمامًا خاصًا بتركيا. ورغم أن غالبية الشعوب التي تقدّر تركيا ليست من الأتراك، إلا أن نظرة الغرب إلى العالم الإسلامي على مر العصور، والتي تربط بين الأتراك والإسلام هي ما يفسر جذور هذه الظاهرة. فقد قامت الدولة العثمانية، بصفتها القوة الإسلامية الوحيدة للمسلمين، ببناء إمبراطورية واسعة جمعت بين مختلف الشعوب والأديان.
واليوم لا يزال هذا التراث الثقافي العثماني الرفيع يحظى بالتقدير في العديد من البلدان، من البلقان إلى القاهرة، ومن الدول العربية إلى أفريقيا. وحتى إنجلترا، التي تعد نموذجًا تاريخيا للدولة القومية، تستمر في الحفاظ على علاقاتها مع مختلف الشعوب من خلال النظام الذي أنشأته في فترة الاستعمار، مدفوعةً بمصالحها الخاصة وتطوير سياسات تركز على تلك المصالح.
قضية الهجرة واللاجئين في تركيا
لقد أُجريت العديد من الأبحاث حول الهجرة واللاجئين في تركيا، وقد ساهمنا في إعداد واحدة من أوائل الدراسات التي تصحح المفاهيم الخاطئة المنتشرة حول هذا الموضوع. وشاركنا في ورش عمل مع مسؤولي حزب العدالة والتنمية حول هذا الملف من حين لآخر. إن الجمهورية التركية هي دولة ذات تقاليد عريقة، ورغم أنها قد تظهر بين الحين والآخر مواقف متباينة حيال هذه القضية، فإنها تنجح في الوصول إلى أرضية عقلانية في النهاية.
نحن ندرك جيدًا الأعباء التي تتحملها الدولة نتيجة أزمة الهجرة واللجوء، ونؤكد على ضرورة أن تضع الحكومة هذه القضية على رأس أولوياتها بشكل مستمر، وليس فقط خلال الفترات الانتخابية. كما يجب عليها أن تطلع الرأي العام على الخطط والاستراتيجيات التي تتبعها لحل هذه المشكلة. من جانب آخر، فإن تداول المعارضة لهذه القضية عادةً في فترات الانتخابات ثم تجاهلها له لا يساهم في إيجاد حلول جذرية، ولذلك، يجب على الحكومة أن تتبنى سياسة أكثر نشاطًا وفعالية في هذه الفترة.
اقتراحات من تقرير مؤسسة الهجرة والشتات
لقد حضرت مؤخرًا عرضًا لتقرير مؤسسة الهجرة والشتات حول “حركة الهجرة في تركيا”. ولفت انتباهي اقتراحان قدمهما رئيس المؤسسة، السيد رجب سيار:
الأول: تسريع منح تصاريح العمل، وكما أكد وزير الداخلية علي يرليكايا ووزير العمل فيدات إشك هان، فإنه من الضروري تسريع منح تصاريح العمل للاجئين العاملين في القطاعات الحيوية. من شأن ذلك أن يساهم في إدراج مئات الآلاف من العمال في النظام الضريبي، مما يساعد على منع استغلال كل من الدولة والعاملين.
الثاني: تحديد وضع المهاجرين الشباب، يُشدد الخبراء على ضرورة منح الجنسية أو تنظيم وضع المهاجرين الشباب الذين وُلدوا في تركيا وأتموا تعليمهم فيها، بعد انتهاء فترة دراستهم. فبدلاً من خسارة هؤلاء الشباب المؤهلين الذين تلقوا تعليمهم في تركيا وإرسالهم إلى أوروبا، سيكون من الأجدى الاستفادة منهم في عملية التنمية في البلاد.
بناء نظام أكثر عدالة
يجب أن تأخذ تركيا في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية عند صياغة سياساتها المتعلقة بالهجرة والاندماج. فالدول الغربية عادة ما تستقطب الكفاءات. وتمتلك تركيا القدرة على إنشاء نظام أكثر عدلاً من خلال دمج خبراتها وتجاربها مع الخبرات التي اكتسبتها الدول الغربية وباكستان خلال حرب أفغانستان.