أوكرانيا تتجه لإنتاج مسيرات روبوتية هجومية لكبح هجمات روسيا
في خطوة متقدمة نحو تعزيز قدراتها العسكرية، تمكنت أوكرانيا من استخدام التكنولوجيا الحديثة في مسيراتها الذكية خلال الغزو الروسي، لكنها تعمل حالياً على إنتاج المسيرات الروبوتية الهجومية (ذاتية القيادة)، لتحسين فعاليتها في مواجهة الهجمات، بحسب ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتمثل الضربات باستخدام تلك التكنولوجيا الحديثة، تقدماً كبيراً في مساعي أوكرانيا لاستخدام الكمبيوترات لمواجهة قدرات الجيش الروسي، والمسيرة الأوكرانية، التي تعمل بنظام الطيار الآلي وتُدار بواسطة جهاز لوحي، تم تطويرها بالتعاون مع شركة أميركية.
واستخدمت هذه المسيرة لإصابة شاحنة ذخيرة روسية، إذ أصابت الهدف بنجاح، وكانت تُدار بواسطة كمبيوتر صغير صممته شركة “أوتيريون” الأميركية، واختبرتها العديد من الشركات، معظمها أوكرانية، في ساحة المعركة.
والآن، يلوح في الأفق تقدماً كبيراً متمثلاً بإنتاج المسيرات الآلية بكميات كبيرة، إذ يسرع مورّدو المسيرات في أوكرانيا من إنتاج الطائرات الهجومية الروبوتية على نطاق صناعي، وليس فقط كنموذج أولي للاختبار.
وتقوم المسيرات الصغيرة التي تحمل المتفجرات، بتنفيذ معظم الضربات على الجبهة، ومن المتوقع أن يؤدي الإنتاج الضخم للمسيرات ذاتية القيادة إلى تسريع عمليات ضد روسيا من خلال تجاوز أكبر عقبة تواجهها هذه الطائرات، وهي التشويش الإلكتروني الروسي.
وتعتمد أوكرانيا، التي يبلغ عدد سكانها ربع عدد سكان روسيا، على تفوق التقنية لمواجهة هجمات الدبابات الروسية، وتعد المسيرات التي يتم التحكم بها عبر الكمبيوتر واعدة بشكل خاص، إذ تقلل بشكل كبير من عدد الأشخاص المطلوبين لتنفيذ المهام، بدءاً من تحديد الأهداف وصولاً إلى ضربها.
كما أنها تقدم بديلاً رخيصاً للصواريخ والقذائف المدفعية الأكثر كلفة، ما قد يساعد أوكرانيا في الحفاظ على دفاعاتها، حال قامت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترمب بخفض التمويل.
وتضع هذه التقدمات أيضاً تطورات أخرى على الأفق القريب، مثل تمكين طيار واحد من التحكم في سرب من عدة مسيرات يمكنها الطيران والتنسيق بشكل مستقل إلى حد كبير.
أجهزة متطورة وكلفة منخفضة
ويتمثل سبب هذا التحول الناجح في دمج أجهزة كمبيوتر منخفضة الكلفة في أنظمة متطورة ومدمجة، ما يعني توفير هذه القدرات التي كانت متاحة سابقاً فقط في المعدات الأكثر كلفة بكثير.
وقال لورنز ماير، مؤسس ومدير شركة “أوتيريون”: “لا شيء من هذا جديد.. الفرق هو السعر”.
ومن المقرر أن تتلقى كييف عشرات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر الصغيرة التابعة لشركة “أوتيريون”، والمعروفة باسم “سكينود”، بداية العام المقبل.
بدورها، قالت شركة “فياري درون”، وهي إحدى أبرز الشركات الأوكرانية الناشئة في مجال صناعة المسيرات، إنها ستنتج عدة آلاف من الطائرات المسيرة التي تستخدم الطيار الآلي بدءاً من هذا الشهر، كما تقوم شركات أخرى بزيادة الإنتاج.
وتعد تقنية “أوتيريون” جزءاً من جهود شركة “سوارمر” الأوكرانية الناشئة، لتنفيذ أسراب الطائرات المسيرة، بينما تعمل شركة “فياري” مع “سين إنجينيرينج”، وهي شركة أوكرانية جديدة أخرى.
وكانت روسيا أعلنت أيضاً عن استخدامها المسيرات الموجهة بالكمبيوتر لضرب الأهداف، بالإضافة إلى ذلك، ظهرت عدة مقاطع فيديو على الإنترنت تظهر مسيرات روسية محملة بالمتفجرات، يتم توجيهها بواسطة كابلات ألياف بصرية طويلة، ما يساعد على تجنب التشويش وتوفير بث فيديو أكثر وضوحاً.
ومنحت الاستخدامات المرنة والابتكارية للطائرات المسيرة من قبل أوكرانيا ميزة في عمليات الاستطلاع والضربات على روسيا منذ بداية الغزو قبل عامين، إذ عادة ما تبتكر أوكرانيا بشكل أسرع من روسيا، لكن ميزة موسكو تكمن في قدرتها على زيادة الإنتاج في ظل اقتصادها الموجه من الدولة.
ويعتبر صانعو المسيرات في كييف نقيضاً لصانعي الأسلحة الحديثين الذين أصبحوا عمالقة صناعيين، فشركات أوكرانيا الناشئة، التي تعمل تحت تهديد الهجمات وتعتمد على الابتكار من جميع أنحاء المجتمع، قد شكلت نظاماً صناعياً يتكون من مصانع صغيرة بحجم المرائب وورش عمل محولة.
وبالتنسيق مع المساعدة الحكومية، يتخصص العديد منها في إنتاج مكونات معينة مثل المراوح والعناصر الهيكلية والمحركات، وفي ظل الإمدادات المحدودة من الذخيرة المدفعية، اعتمدت أوكرانيا بشكل متزايد على الطائرات المسيرة المتفجرة لصد الهجمات الروسية.
مسيّرات الرؤية الأولى
والطائرات السريعة والمرنة مزودة بـ 4 مراوح وتأتي بحجم “طبق عشاء”، إذ يتم التحكم فيها بواسطة طيار يرتدي نظارات استشعار تتلقى بثاً مباشراً من كاميرا على متن المسيرة.
وتعرف هذه الطائرات بالمسيرات “ذات الرؤية الأولى”، وهي مزودة بمتفجرات تنفجر عند الاصطدام.
وردت روسيا على الطائرات المسيرة الأوكرانية بشكل رئيسي باستخدام معدات حرب إلكترونية قادرة على إسقاطها عن طريق تشويش الإشارة بين جهاز التحكم والطائرة.
وتتغلب تقنية الطيار الآلي على هذه الوسيلة المضادة من خلال دمج نظام التحكم في الطائرة عبر برنامج محمل على كمبيوتر صغير ورخيص.
وتقدم تقنية الطيار الآلي سلسلة من المزايا، ففي الطائرات ذات الرؤية الأولى التقليدية، يعتمد الرابط بين جهاز التحكم والطائرة على موجات راديو، ما يعني أن الطائرة يجب أن تتجنب الأشياء الكبيرة التي قد تحجب الإشارة.
وغالباً ما يرسل فريق المسيرات الأوكراني طائرة ثانية لتظل في الهواء وتنقل الإشارة بين الطيار والطائرة المسيرة، ما يسمح لهم بالعمل من المخبأ وتمديد نطاق الطائرة إلى 15 ميلاً، لكن الروس يخفون الدبابات والأهداف المحتملة الأخرى خلف التلال أو وراء عوائق تقطع الرابط كلما اقتربت الطائرة.
وتتغلب تقنية التوجيه النهائي على هذه المشاكل، إذ يمكن تفعيل وضع الطيار الآلي على بُعد نحو ثلثي ميل من الهدف، وهو ما يتجاوز نطاق أجهزة التشويش القصير.
والمسيرات المزودة بالطيار الآلي يمكنها ضرب الأهداف خلف التلال، لأنها لا تحتاج للحفاظ على إشارة مع الطيار خلال مرحلة الهجوم، ويعمل الكمبيوتر الموجود على متن المسيرة على تثبيت الطائرة، ما يعني أن الطيار لا يحتاج إلى تعديل الميل باستمرار للحفاظ على استقرار الطائرة.
حلول أوتيريون وفياري
وتستخدم الصواريخ غالية الثمن هذه التقنية، المعروفة بالتوجيه النهائي، إذ تعمل شركات مثل “أوتيريون” و”فياري” على جعلها أصغر وأرخص وأكثر ذكاءً، إذ يمكنها حتى تتبع وضرب الأهداف المتحركة.
وتتبع حلول الشركتين الهدف في ساحة المعركة باستخدام تقنية تُسمى “قفل البكسل”، إذ تقوم الطائرة بالتحليق نحو الهدف باستخدام الكاميرا والكمبيوتر الخاص بها، دون الحاجة لأن يتم توجيهها عن بُعد بواسطة مشغل.
وتسعى “فياري”، التي تأسست بعد الغزو الروسي على يد أوليكسي بابينكو (26 عاماً)، إلى تحقيق أقل كلفة ممكنة، وطورت شركته برنامجاً يسمح لجهاز كمبيوتر صغير جاهز يكلف حوالي 15 دولاراً بتحليق الطائرة المسيرة نحو الهدف، باستخدام كاميرا بنفس الكلفة تقريباً.
ويتم إنتاج جميع مكونات المسيرة تقريباً في أوكرانيا، لكن المحركات والكاميرا تأتي من الصين، بينما يأتي الكمبيوتر الصغير من بلد آخر.
أما شركة “أوتيريون” ومقرها ولاية فيرجينيا، والتي تزود وزارة الدفاع وغيرها من الوكالات الفيدرالية بمجموعة من الطائرات المسيرة منذ عدة سنوات، تعد جزءاً من جهود وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون” لتطوير مسيرات قادرة على التهرب من التشويش الإلكتروني.
وبالنسبة لأوكرانيا، تنتج الشركة فقط جهاز “سكينود”، وهو كمبيوتر صغير بحجم قبضة اليد يستخدم بالفعل فيديو رقمي، ويتم تثبيت المعالج في الطائرات المسيرة التي تصنعها الشركات الأوكرانية.