اخر الاخبار

سوريا.. 75 طبيبًا لأغلبية تعاني أزمات نفسية

– جنى العيسى

رغم الحاجة إلى نحو عشرة آلاف طبيب، لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في مناطق سيطرة النظام السوري اليوم 75 طبيبًا نفسيًا، وفق أحدث إحصائية صادرة عن “الرابطة السورية للأطباء النفسيين” في تشرين الأول الماضي.

الرقم الذي يعتبر خجولًا، لا يتناسب إطلاقًا مع حجم الحاجة إلى هذا الاختصاص، في ظل الظروف المفروضة اليوم على السوريين، والتي تبرز احتياجهم الشديد لهذا الاختصاص مع تزايد حالات الأمراض النفسية بنسب كبيرة.

لا يعد تناقص أعداد الأطباء النفسيين في سوريا جديدًا، إذ كانت أعدادهم حتى قبل عام 2011 خجولة أيضًا، وبلغ عدد الأطباء في عموم سوريا قبل عام 2011 حوالي 60 طبيبًا.

مشكلة تدني أجور الطب النفسي و”الوصمة الاجتماعية” و”الوصمة على المريض النفسي” وعمل الطبيب ليست جديدة في المجتمع السوري، وربما زادت الظروف الحالية من تراجع الأعداد، لأسباب تتعلق بهجرة طلاب الطب قبل بدء اختصاصهم، فضلًا عن رغبة كبيرة من الطلاب بالتخصص بمجالات أكثر ربحًا كالجراحة والتجميل.

الحاجة عشرة آلاف

عقب “المؤتمر الدولي الأول للرابطة السورية للأطباء النفسيين” الذي عقد في دمشق، نهاية أيلول الماضي، تحدث رئيس “الرابطة السورية للأطباء النفسيين”، الدكتور مازن خليل، عن النقص الحاد بعدد الأطباء النفسيين، قياسًا بعدد السكان في سوريا، إذ لا يتجاوز عددهم 75 طبيبًا نفسيًا.

وفي تصريح سابق، قال مدير مستشفى “ابن سينا” للأمراض العقلية والنفسية في سوريا، أيمن دعبول، إن حاجة سوريا من الأطباء النفسيين تصل إلى حوالي عشرة آلاف طبيب.

خليل أرجع النقص الحاد إلى هجرة العديد منهم بعد التخرج، وخاصة في السنوات الأخيرة، وعدم وجود الحوافز المشجعة، فيما عزا دعبول السبب الرئيس لعدم الإقبال على تخصص الطب النفسي إلى “الوصمة الاجتماعية” و”الوصمة على المريض النفسي” وعلى عمل الطبيب، إذ يصور الطبيب النفسي دائمًا على أنه ذو “شعر منكوش ولباس معيّن”، بالإضافة إلى العامل المادي وتدني أجور الأطباء النفسيين.

75% من السوريين مرضى دون علاج

في دمشق، يستقبل مستشفى “ابن النفيس” المختص بالأمراض النفسية ما بين 20 و30 مريضًا يوميًا، لمختلف الحالات المرضية الناتجة عن الضغط والظروف الاقتصادية الصعبة، وفق تصريحات لمدير المستشفى، أيمن دعبول، في حزيران 2022، وحينها كان عدد المرضى المقبولين 500 شخص، إلى جانب 400 آخرين في المستشفيات الخارجية.

ووفق منظمة الصحة العالمية، يعاني 5% من البالغين حول العالم من الاكتئاب الذي يعد اضطرابًا نفسيًا شائعًا.

كما يموت أكثر من 700 ألف شخص منتحرًا كل عام، ويعد الانتحار رابع الأسباب الرئيسة للوفاة بين الأشخاص التي تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا.

وفي سوريا، كانت هناك ثلاثة مستشفيات متخصصة بالصحة النفسية، هي مستشفى “ابن رشد” في دمشق، ومستشفى “ابن سينا” في ريف دمشق، ومستشفى “ابن خلدون” في حلب، في حين يتضمن مستشفى “المواساة” قسمًا للطب النفسي، وعيادة خارجية، كذلك الأمر في وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري وفي مستشفى “تشرين العسكري”.

فيما أشار تقرير لمنظمة الصحة العالمية، صدر في 2020، إلى أن 75% من الأشخاص في سوريا يعانون من أمراض نفسية ولا يتلقون أي علاج.

ووفق أحدث الإحصائيات الصادرة عن “الرابطة السورية للأطباء النفسيين”، يعاني 30% من المجتمع السوري من الاضطرابات النفسية المتعددة من الأزمات تحت ما يسمى صحة نفسية ما بين شديدة وخفيفة، كما أن 3% منهم يعانون من أزمات شديدة جدًا، الأمر الذي يستدعي زيادة الدعم المالي والمؤسسي للبحث في مجال الصحة النفسية والتركيز على الدراسات الوبائية لفهم انتشار الاضطرابات النفسية في المجتمع.

أثر الحرب مضاعف

لا يجب التركيز على عدد الأطباء في قطاع الطب النفسي العلاجي، لأنه لون من ألوان العلاج النفسي، بحسب ما يرى، مؤكدًا في الوقت نفسه أن عدد 75 طبيبًا يعتبر قليلًا جدًا بالنظر إلى الوضع السوري.

وأوضح الحراكي، في حديث إلى، أن الاختصاصيين النفسيين يعملون على عدة جوانب مع المرضى النفسيين، منها الجانب البيولوجي والمعرفي والسلوكي ومشكلات العلاقات سواء الأسرية والزوجية وغيرها، وهؤلاء وجودهم مهم أيضًا في هذا المجال.

يمكن أن يجري تدارك الحاجة في هذا القطاع، بحسب ما يرى الحراكي، عبر تقديم خدمات “أونلاين” من قبل أطباء أو اختصاصيين نفسيين يقيمون خارج سوريا.

وأكد الطبيب أن المجتمع الذي يعاني من حروب يحتاج إلى كثير من العناية النفسية على مدار عشرات السنوات، وحتى لو انتهت الحرب، يجب العمل على نتائجها النفسية التي تظهر بشكل أكبر عند انتهائها، خاصة تلك المواضيع المتعلقة بالأسرة.

بالإضافة إلى الأطباء النفسيين، يحتاج المجتمع السوري إلى معالجين نفسيين وأسريين، وإلى نشر التوعية بالاضطرابات النفسية ومشكلاتها واللجوء إلى اختصاصيين.

الاستشاري في الطب النفسي الدكتور مأمون مبيض، قال ل، إن هناك عدة أسباب متداخلة وراء انخفاض أعداد الأطباء النفسيين في سوريا، أبرزها هجرة الأطباء على اختلاف اختصاصاتهم، والنزوح بسبب الحرب، والأوضاع الأمنية المتدهورة وتدني مستوى المعيشة.

ربما لعب نقص الموارد والتدريب المتخصص نتيجة الحرب دورًا في ذلك، إذ واجهت المؤسسات التعليمية المتخصصة صعوبات بمسألة تدريب الأطباء في هذا الاختصاص، ما أدى إلى تقليص أعداد الكوادر المتخصصة المؤهلة، وفق مبيض.

وأوضح الطبيب أنه بلا شك تتعرض بعض فئات المجتمع السوري لضغط اجتماعي بسبب “وصمة” الطب النفسي، ما يجعل الأطباء يبتعدون عن المجال بسبب هذه الوصمة.

كما أدت الأزمات النفسية المتزايدة والمتراكمة خلال السنوات إلى ارتفاع الطلب على العلاج النفسي، ما يزيد العبء والضغط على الأطباء القليلين الموجودين أساسًا.

ويرى مبيض أن انخفاض الدعم والاهتمام الحكومي أو من قبل المنظمات الدولية المتخصصة فيما يتعلق بمسألة الصحة النفسية، يقف وراء عدم رغبة الأطباء بهذا التخصص.

قطاع الصحة النفسية مهدد

لتراجع أعداد الأطباء النفسيين في ظل هذه الظروف آثار سلبية كثيرة، وفق ما يرى الطبيب مأمون مبيض، موضحًا أن أبرزها ارتفاع معدلات الاضطرابات النفسية غير المشخصة وغير المعالَجة، وربما تكون ظاهرة زيادة حالات الانتحار في المجتمع السوري مؤشرًا قويًا على ذلك.

ستتأثر بذلك الفئات الأضعف في المجتمع خاصة الأطفال والمراهقين، إذ تضعهم النزاعات والهجرة والنزوح تحت ضغط شديد، ودون توفر العناية النفسية بشكل كافٍ قد يواجهون مشكلات طويلة الأمد في مسألة النمو النفسي والاجتماعي والأسري.

ومن بين الآثار زيادة الضغط على الأطباء المتبقين وهم قلة، بحيث لا يجدون الوقت المناسب لكل مريض، وبالتالي يؤثر هذا على جودة التشخيص والعلاج والمتابعة.

ومع عدم وجود العلاج النفسي المتخصص، قد يلجأ الناس إلى العلاج الذاتي أو العلاج الشعبي، الذي يكون بعضه شعوذة أو طرقًا غير أخلاقية، وفق الطبيب.

كما سيؤدي انخفاض أعداد الأطباء في المستقبل، بحسب الدكتور مأمون مبيض، إلى تراجع الاهتمام وإهمال قطاع الصحة النفسية كاملًا.

خطوات لرأب الفجوة

من الضروري العمل على تدارك قلة عدد الأطباء النفسيين، ومن أجل هذا نحتاج إلى استراتيجيات متعددة تستهدف بناء الكوادر الحالية، لتحسين الوصول إلى الرعاية النفسية، ورفع الوعي.

وفي هذا السياق، قال الطبيب مأمون مبيض، إنه لترميم هذا العجز يجب رأب الفجوة عبر تدريب الكوادر الطبية من غير الأطباء النفسيين، مثل الطبيب العام أو الجراح أو حتى الممرضين على أساسيات تقديم الرعاية النفسية، كي يتمكنوا من تشخيص الحالات الشائعة وتقديم الدعم الأولي، ومن جهتهم يقومون بتحويل من يحتاج إلى الأطباء النفسيين القلة.

ويجب تشجيع الخريجين الجدد من طلاب الطب على التخصص في الطب النفسي، من خلال تقديم حوافز أو إعطائهم منحًا ودعمًا ماليًا أو توفير التدريب المناسب لهم، وفق الطبيب.

كما يمكن الاعتماد على الطب النفسي “عن بعد” باستخدام التكنولوجيا، لتقديم استشارات نفسية عبر متخصصين من خلال الاتصال بهم.

ولفت الطبيب مأمون مبيض إلى وجود برامج الدعم النفسي الاجتماعي، عبر الاستفادة من المتطوعين وقادة المجتمع مثل المعلمين والأئمة والخطباء، إذ لا يحتاج كل من يعاني من أزمات نفسية إلى طبيب نفسي متخصص.

وأشار الطبيب إلى ضرورة تكثيف حملات التوعية بالصحة النفسية في المستشفيات العامة والمدارس والمراكز الصحية الأولية أو المساجد والكنائس، وغير ذلك.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *