تضارب تركي- روسي يشوّش تقارب أنقرة- دمشق
– حسام المحمود
تمنح التصريحات التركية والروسية المتتابعة مؤخرًا، مسار التقارب التركي مع النظام السوري حالة من الضبابية، إذ تتسم بالتضارب بين تصريحات الأطراف المؤثرة في ملف التقارب.
فبينما تظهر تركيا في موقف المندفع باتجاه التقارب، تنتقد روسيا حليفة النظام السوري الأبرز دور أنقرة، وتعتبر أنها تتصرف كـ”دولة احتلال” في سوريا، وهي لهجة لم تكن معتادة من قبل موسكو.
آمال تركية
أبرز ما جاء في هذا الإطار، كان على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي أعرب، في 13 من تشرين الثاني الحالي، عن أمله بإمكانية اللقاء مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والمضي قدمًا في تطبيع علاقات الجانبين.
وقال أردوغان للصحفيين في طائرة العودة من السعودية وأذربيجان إلى تركيا، “ما زلت متفائلًا بشأن الأسد، ولا يزال لدي أمل في أن نتمكن من الاجتماع معًا، ونأمل أن نضع العلاقات السورية- التركية على المسار الصحيح”.
كما بيّن أنه لم تتح له “الفرصة” للاستماع إلى خطاب بشار الأسد، خلال المشاركة في القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المنعقدة في الرياض، في 11 من تشرين الثاني الحالي، لأنه ذهب للقاء ولي العهد السعودي، وفق ما نقلته وكالة” الأناضول” التركية.
وسجّلت عدسات الكاميرات غياب الرئيس التركي عن قاعة القمة الاستثنائية، وتولي السفير التركي في الرياض تمثيل أنقرة في القمة، وهي حركة ليست جديدة من نوعها بين الجانبين، إذ انسحب وزير الخارجية السوري حينها (نائب الأسد حاليًا)، فيصل المقداد، مع بداية كلمة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في اجتماع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، الذي شاركت به تركيا لأول مرة منذ 13 عامًا، في 10 من أيلول الماضي.
وبالتزامن مع كلمة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في القمة العربية الإسلامية المشتركة، في 11 من تشرين الأول 2023، غادر أردوغان القاعة، ليتابع التمثيل التركي وزير الخارجية، هاكان فيدان، الذي نزع سماعات الترجمة، وانشغل بهاتفه المحمول، تعبيرًا عن عدم الاكتراث.
ورغم أن حالة الانسحاب ليست جديدة على المشهد، جاءت هذه المرة متبوعة بتوضيح أو تبرير تركي رسمي، يوحي برغبة واضحة بتقريب وجهات النظر، قياسًا باللغة المستخدمة من قبل تركيا بهذا الإطار.
“لقد مددنا أيدينا إلى الجانب السوري فيما يتعلق بالتطبيع، ونعتقد أن هذا التطبيع سيفتح الباب أمام السلام والهدوء في الأراضي السورية”، قال أردوغان.
كما شدد على أن تركيا لا تهدد سلامة الأراضي السورية ولا السوريين المنتشرين في مختلف الدول، وأن على الأسد أن يدرك ذلك، ويتخذ خطوات لإدخال مناخ جديد في بلاده، فالتهديد الإسرائيلي المجاور ليس قصة خيالية، والنار المحيطة ستنتشر بسرعة في الأراضي غير المستقرة، وفق الرئيس التركي.
تصعيد لهجة روسي
حديث الرئيس التركي قابله في اليوم التالي استبعاد روسي للقاء أردوغان والأسد، وانتقاد للدور التركي في سوريا، في الوقت نفسه، إذ قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، إنه لا توجد شروط لعقد اجتماع بين أردوغان والأسد، لكن الاتصالات مستمرة بين وزارتي دفاع البلدين.
كما اعتبر الدبلوماسي الروسي أن تركيا تتصرف كـ”دولة محتلة”، مبيّنًا أن الأمر يتعلق بدعمها للمعارضة السورية، والقضية الرئيسة هي انسحاب القوات التركية من سوريا.
“دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها، إنهم (الأتراك) يتصرفون كدولة محتلة، ومن الصعب على دمشق للغاية الدخول في حوار دون ضمانات معينة من تركيا بشأن انسحاب قواتها”، أضاف لافرنتييف.
ولم تقدم أنقرة ردًا مباشرًا على تصريحات لافرنتييف، حتى إعداد هذه المادة، لكن الإحاطة الصحفية في اليوم نفسه، للمتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، تضمنت تأكيدًا تركيا على مواصلة الجهود بغية إعادة العلاقات مع النظام السوري، على أساس “الاحترام المتبادل وحسن النية وحسن الجوار”.
جملة التصريحات هذه التي تعكس تباينًا في الرؤى حيال مسار التقارب بين أنقرة، الطرف المندفع، وموسكو الجهة الراعية، مع غياب تعليق رسمي للنظام السوري، سبقتها بأيام رسائل تركية وروسية لا توحي بتقدم في المسار، رغم جهود مستمرة وتصريحات بالجملة تتهافت منذ أيار الماضي.
وفي مطلع تشرين الثاني الحالي، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن اختلاف مواقف أنقرة ودمشق أدى إلى توقف عملية التفاوض بين الطرفين، إذ تصر الحكومة السورية (حكومة النظام) على ضرورة توضيح مسألة انسحاب الوحدات العسكرية التركية من سوريا، بينما تؤكد أنقرة من حيث المبدأ التزامها بسيادة سوريا ووحدة أراضيها، لكنها تعرض مناقشة مسألة سحب القوات في وقت لاحق.
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح ل أن مسار التطبيع الحالي بين أنقرة ودمشق تواجهه عقبات متعددة ولم يحدث تقدمًا يذكر، والرهان الحالي على أن تؤدي عودة ترامب إلى إعادة تحريك هذا المسار، كون الظروف لا تزال غير مناسبة في الوقت الراهن لتدشين عملية التطبيع.
ويرى علوش أنه قبل تولي ترامب مهامه واتضاح السياسة التي سينتهجها في سوريا، من غير المتوقع أن يحدث تقدم في مسار التطبيع، والدول المعنية بهذا المسار تراقب التحول الأمريكي وآثاره المحتملة على سوريا لتقييم الخطوة التالية.
هل هناك دور سعودي؟
آمال الرئيس التركي بلقاء الأسد جاءت على متن طائرة العودة من السعودية، الدولة التي أعادت الأسد إلى الجامعة العربية، وأجلسته على مقعد سوريا بالقمة العربية في جدة (19 من أيار 2023)، لأول مرة منذ 2010، قبل أن تستضيفه للمشاركة في قمتين عربيتين إسلاميتين استثنائيتين حول الأوضاع في غزة (11 من تشرين الثاني 2023 وفي اليوم نفسه عام 2024).
ويثير ذلك تساؤلًا حول دور سعودي محتمل في مسار التقارب التركي مع النظام، في الوقت الذي لم تحقق به المساعي الروسي أبعد من سلسلة اجتماعات قبل إعلان فشل المسار مطلع العام ومحاولات ضخ الدم به منذ أيار الماضي.
محمود علوش تحدث عن عدم وجود ما يشير في الوقت الحالي إلى دور سعودي بهذا الخصوص، وبرأيه، فحتى لو أراد السعوديون لعب مثل هذا الدور، فإن عقبات تدشين التطبيع ستبقى قائمة ومعقدة، والمشكلة ليست في كفاءة الوسطاء بل في ظروف التطبيع.
لا يزال مسار التقارب حاجة لكل من موسكو وأنقرة.
توجد عقبات رئيسة تواجه هذا المسار، وتذليلها يتطلب استعدادًا روسيًا للبحث في الحلول السياسية للصراع السوري.
أما التطبيع بالنسبة لتركيا فهو وسيلة من أجل إنهاء الصراع وليس غاية بحد ذاته.
محمود علوش
باحث في العلاقات الدولية
شروط أنقرة ومبرراتها
حتى أيام قليلة ماضية، تلخصت القراءة التركية لموقف النظام السوري من التطبيع مع أنقرة، بأن الأسد وشركاءه غير مستعدين للتوصل إلى اتفاق مع المعارضة وتطبيع كبير مع تركيا.
وتشدد أنقرة على أهمية أن يوفر النظام بيئة آمنة ومستقرة للشعب السوري، إلى جانب المعارضة.
كما تعتبر أن حوار الأسد الحقيقي يجب أن يكون مع المعارضة بغية التوصل لاتفاق، وفق تصريحات وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، التي تتقاطع مع حديث وزير الدفاع، يشار غولر، في آب الماضي، حين أكد الشروط الدستورية والانتخابية لبلاده فيما يتعلق بالتطبيع مع الأسد، وقال إن “الإدارة السورية” (في إشارة إلى النظام) تتصرف وكأنها لا تريد فترة من السلام، مؤكدًا ضرورة تبني دستور شامل.
الوزير التركي أكد أن تركيا لا يمكنها مناقشة الانسحاب من سوريا إلا بعد قبول دستور جديد وإجراء انتخابات وتأمين الحدود، وتابع، “نحن نتصور الأمر على أنه (لا أريد العودة إلى السلام)”.
وأضاف الوزير موجهًا الحديث للنظام، “أجرِ انتخابات حرة، ومن يصل إلى السلطة نتيجة لذلك، نحن مستعدون للعمل معه”.
أمام إصرار النظام على تسوية مسألة الانسحاب التركي من سوريا كخطوة سابقة للتفاوض، فلأنقرة شروطها أيضًا من هذا التطبيع، كالقضاء على “الإرهاب” بالمفهوم التركي المغاير لمفهوم النظام، وإجراء مصالحة وطنية مع الشعب، في إطار قرار مجلس الأمن “2254”، وتهيئة ظروف عودة اللاجئين، مع الإشارة إلى أنه من غير الوارد أن تقوم تركيا بتغيير جذري أو التراجع عن علاقتها مع المعارضة السورية، وهي مسألة عبّرت عنها أنقرة في أكثر من مناسبة، أحدثها ربط وزير الدفاع التركي مستقبل “الجيش السوري الوطني” بمستقبل سوريا، إذ قال، في 12 من تشرين الثاني الحالي، إن “ما تسمونه اليوم (الجيش الحر) سيكون جيش الجمهورية مستقبلًا”.
وتعتبر أنقرة أن وجود قوتها في سوريا يحول دون تقسيم الأخيرة وإقامة “ممر إرهابي” فيها، ويمنع حدوث موجات جديدة من اللجوء، فلو لم تتم إقامة النظام في شمال غربي سوريا، لجاء خمسة ملايين شخص إضافي إلى تركيا، فـ”هناك من لا يشعر بالأمان في علاقاته مع النظام”، وفق ما ذكره وزير الخارجية التركي، في أيلول الماضي.
تمسك النظام بشرط الانسحاب العسكري من الشمال السوري وعدم تحقيق تقدم في مسار التقارب، تقابله دعوة تركية لـ”تطبيع واقعي”، إذ قال الرئيس التركي، في 25 من تشرين الأول الماضي، إنه طلب من نظيره الروسي اتخاذ خطوات لضمان استجابة الأسد للدعوة التركية بمسار التقارب، مع الإشارة إلى أن أنقرة تتوقع أن تفهم “الإدارة السورية” الفوائد التي سيوفرها لها “التطبيع الصادق والواقعي” مع تركيا، وتتخذ الخطوات وفقًا لذلك.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي