بزيارتين إلى دمشق.. رسائل إيرانية باتجاهين
سجلت إيران حضورًا متتابعًا في سجل الزيارات إلى دمشق خلال الأسبوع الأخير، بزيارتين رفيعتي المستوى، جاءتا بالتزامن مع تصعيد إسرائيلي واسع النطاق في لبنان، ومحاولات إسرائيلية لقطع “الحبل السري” بين دمشق وبيروت عبّرت عنها غارات تكاد تكون يومية على مناطق متفرقة في سوريا.
أحدث زيارة كانت لوزير الدفاع، عزيز نصير زادة، الذي وصل إلى دمشق في 16 من تشرين الثاني، والتقى في اليوم التالي، رئيس النظام، بشار الأسد، ووزير الدفاع علي محمود عباس، ومسؤولين آخرين، أمنيين وعسكريين.
ووفق ما ذكرته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، فإن عباس بحث مع نظيره الإيراني التنسيق والتعاون القائم بين “الجيشين الصديقين”، سيما في محاربة الإرهاب وتنظيماته بكافة أشكالها، وتبادل المعلومات بهذا الشأن.
كما تم استعراض مستجدات والتطورات في المنطقة وآفاق التعاون المشترك، قبل أن يلتقي الوزير الإيراني، بالأسد، بحضور وزير الدفاع، لبحث قضايا تتعلق بالدفاع والأمن في المنطقة، وتعزيز التعاون في مواجهة الإرهاب وتفكيك بنيته بما يخدم “استقرار المنطقة وأمنها”، مع التأكيد على أن القضاء على الإرهاب “مسؤولية إقليمية ودولية”، وفق ما نقلته “رئاسة الجمهورية”.
أمنية وعسكرية
الوزير الإيراني، التقى أيضًا رئيس هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة، عبد الكريم محمود إبراهيم، وتناولت محادثات الجانبين تطوير جوانب التعاون بين “جيشي البلدين” سيما في مجال التدريب وتبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب.
كما التقى عزيز نصير زادة، برئيس مكتب الأمن الوطني السوري، كفاح ملحم، وأكد استمرار إيران في “حماية محور المقاومة والحكومة والشعب السوريين”، وهو لقاء لم تتناوله “سانا”، بينما تطرقت إليه وكالة “إرنا” الإيرانية، التي ذكرت أن الجانبين نوّها إلى تعزيز العلاقات بين طهران ودمشق خصوصًا في المجالات الدفاعية والأمنية.
وعند وصوله إلى دمشق، أكد وزير الدفاع الإيراني على الدور الاستراتيجي و”البارز جدًا” لسوريا في السياسة الخارجية لجمهورية إيران، وقال، “العلاقات الإيرانية السورية متنامية وندعم بعضنا البعض في الظروف الحساسة”، وأضاف، “بناءً على توصيات قائد الثورة الإيرانية نحن مستعدون لدعم هذا البلد الصديق والشريك الاستراتيجي، وندرس سبل تطويره”، وفق “إرنا“.
وسبق هذه الزيارة بيومين فقط، زيارة كبير مستشاري المرشد الإيراني الأعلى، علي لاريجاني، إلى دمشق، حيث التقى الأسد، وجرى البحث في تطورات المنطقة، سيما التصعيد الإسرائيلي والعدوان المستمر على فلسطين ولبنان وضرورة إيقافه.
وجرى البحث في العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها لما فيه مصلحة الشعبين وشعوب المنطقة، وشدد لاريجاني على وقوف إيران إلى جانب سوريا واستعدادها لتقدم شتى أنواع الدعم، مؤكدًا دور سوريا “المحوري” في المنطقة، والتطلع لتعزيز هذا الدور بما يخدم دول المنطقة وشعوبها.
دعم وتحذير
علّق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، على زيارة لاريجاني إلى دمشق، خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي، اليوم الاثنين، موضحًا أنها تأتي للاستفادة من كل إمكانيات البلاد لتحقيق الأهداف الدبلوماسية، وأكد أن إيران لا تزال “تدعم بقوة سوريا ولبنان ضد العدوان الصهيوني المستمر”.
وردًا على سؤال حول زيادة أعداد المستشارين الإيرانيين في سوريا، اعتبر بقائي ذلك ردًا على الشكوك التي أثيرت حول استمرار العلاقات الجيدة والاستراتيجية بين إيران وسوريا.
وإذا كان النظام السوري والإعلام الرسمي والمقرّب منه، حافظوا على الديباجة المعتادة بالحديث عن الزيارتين الإيرانيتين، وربطهما بتطوير العلاقات الثنائية وغيرها من المصطلحات الفضفاضة، فإن الزيارتين تتزامنان مع تصعيد إسرائيلي يطال الأراضي السورية، لمس لاريجاني آثاره خلال زيارته إلى دمشق، التي تعرضت في اليوم نفسه لاستهداف أكثر من منطقة فيها، كالمزة وقدسيا، حين طالتهما غارات إسرائيلية متزامنة، قبل غارات آخرى على منطقة السيدة زينب، بريف دمشق، بالتزامن مع غارات واسعة استهدفت القصير بريف حمص، وسط سوريا.
وأسفرت الغارات على المزة وقدسيا، عن 15 قتيلًا، بينهم تسعة عناصر وقياديين من حركة “الجهاد الإسلامي”، وما لا يقل عن خمسة مدنيين سوريين.
الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، ربط زيارة وزير الدفاع الإيراني بالمتغيرات الدولية الحاصلة على الملفات السورية واللبنانية، في الآونة الأخيرة، بعد توسيع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجنوبين، اللبناني والسوري.
ومفاد هذه الزيارة، بحسب النعيمي، أن طهران ستحافظ على دعمها للنظام، مع تحذيره في الوقت نفسه من مغبة عدم دعمه لها في الدفاع عن الفصائل الموالية لها بالمجمل، وفي سبيل زجه بمشروع “وحدة الساحات” رغم التحذيرات الدوليه للأسد من استمرار تقديم الدعم اللوجستي لهذه الفصائل والميليشيات، من شمال شرقي سوريا إلى لبنان.
مزيد من التصعيد
رجّح الباحث مصطفى النعيمي، في حديثه ل، أن المرحلة القادمة ستشهد مزيدًا من التصعيد، أمام عدم قدرة الأسد على مواصلة مسك العصا من المنتصف، جراء تجاذبات إيرانية- إسرائيلية، لزجه أو تجنيبه ساحة المعركة.
ورغم مساعي روسيا وإسرائيل لتجنيب الأسد الانخراط في الحرب، ودفع إيران بهذا الاتجاه، فإن بعض المكونات العسكرية التي تعمل ضمن النظام ستنخرط في التصعيد، سيما “الفرقة الرابعة”، من خلال الدعم المباشر لتحركات “المحور الإيراني”، ما سيجعلها هدفًا مقبلًا لإسرائيل، وبدا ذلك في الضربات التي طالت نقاطًا عسكرية لـ”الفرقة الرابعة” على مداخل ومخارج مدينة القصير، وفق الباحث مصطفى النعيمي.
وفي 5 من تشرين الثاني الحالي، أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على مواقع في القصير، جنوب غربي حمص، للمرة الثانية خلال أسبوع، مستهدفًا المنطقة الصناعية وأبنية سكنية فيها، وفق ما نقله الإعلام السوري الرسمي، دون مزيد من التفاصيل، لكن إسرائيل أعلنت استهداف محاور نقل استخدمها “حزب الله” لنقل وسائل قتالية إلى لبنان.
تأتي زيارة وزير الدفاع الإيراني استكمالًا لزيارة علي لاريجاني، لتحشيد القوى المتحالفة مع إيران ضد إسرائيل في هذه المرحلة بالتحديد، لأن إسرائيل تلوح باجتياح جزئي في المنطقه الجنوبية من سوريا، كخطوه أولية تنتقل من خلالها إلى محاصرة “حزب الله” برًا مع سوريا، بحسب النعيمي، الذي أشار إلى أن الجانب الإيراني يحاول تطمين حلفائه من خلال الزيارات الميدانية والدفع بمزيد من شحنات الأسلحة عبر الحدود السورية- العراقية، ومنها إلى سوريا ولبنان، رغم محاولات إسرائيل قطع شرايين الإمداد.
دمشق.. الأسد يلتقي لاريجاني على وقع ضربات إسرائيل
الإيرانيون “ضيوف الفوضى”
ليس جديدًا على طهران إرسال مسؤوليها إلى دمشق في ظروف استثنائية وضبابية وغير اعتيادية، سواء بالنسبة للنظام السوري، أو لإيران نفسها، رغم أن ما يصدر من تصريحات أو نشرات من الإعلام الرسمي حول هذه النشاطات الدبلوماسية لا يتعدى نطاقه الاعتيادي.
وزير الخارجية الإيراني بالوكالة سابقًا، علي باقري كني، زار دمشق والتقى الأسد في 4 من حزيران الماضي، أي بعد أسبوعين من مصاب إيران التاريخي الذي تمثل بمصرع رئيسها ووزير خارجيته وستة مرافقين متفاوتي المناصب والمسؤوليات، بتحطم مروحيتهم فوق محافظة أذربيجان الشرقية في إيران.
وفي نهاية آب 2023، التقى وزير الخارجية الإيراني السابق، حسين أمير عبد اللهيان، بالأسد في دمشق، بالتزامن مع واقع ميداني مرتبك كان يحمل مؤشرات لعملية عسكرية أمريكية في شمال شرقي سوريا، على الخط الحدودي البري الفاصل بين العراق وسوريا، لقطع الطريق على الميليشيات الموالية لإيران.
وكان رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، قرأ تلك التحركات حينها على أنها نية لحركة ضد سوريا، أو لتغيير أو إسقاط النظام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي