تحولات السياسة الأوروبية في سوريا.. “اللاورقة” تثير التكهنات
خالد الجرعتلي | علي درويش | جنى العيسى
خرجت وثيقة أوروبية سربتها وسائل إعلام إلى العلن، كشفت عن سعي بعض الدول الأوروبية لتغيير آلية التعامل مع النظام السوري، رغم أن الأخير لم يسعَ لتحقيق حتى ما هو قريب من وجهة نظر الأوروبيين للحل في سوريا.
الوثيقة التي سميت “لاورقة” أثارت مخاوف وتكهنات حول نيات دول الاتحاد الأوربي، وإمكانية تغيير سياسته التقليدية تجاه النظام السوري، ونظرته إلى الملف، وشروط التطبيع، وربما تجاوز اشتراطات تتعلق بالتغيير السياسي وتطبيق القرار “2254”.
وبينما تصدر تصريحات تؤكد ثبات الموقف الأوربي في سياسته المتعلقة بسوريا، ومنها ما قاله مؤخرًا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، تحذر منظمات وحقوقيون من أبعاد الخطوة وخطورتها، وتأثيراتها المحتملة، سواء لجهة استغلال النظام لأي تقارب محتمل أو استغلال الموارد والمساعدات في تثبيت وضعه، في الوقت الذي يعطل فيه العملية السياسية، ويتجاهل الشروط الدولية ومتطلباتها بشأن العملية السياسية وعودة اللاجئين والكشف عن مصير المختفين قسرًا.
تناقش في هذا الملف مع خبراء وباحثين، أسباب ونتائج الخطوة الأوروبية المطروحة باتجاه النظام، وكيف يمكن أن تنعكس على أرض الواقع، في ظل حالة من عدم التجاوب من قبل النظام على مدى سنوات.
وثيقة “اللاورقة” المسربة تتضمن ثلاث صفحات، نشرت مجلة “المجلة” السعودية نسخة منها، في 1 من تشرين الثاني الحالي، وهي رسالة من سبعة وزراء أوروبيين وجهوها لمنسق الشؤون الخارجية الأوروبية، جوزيب بوريل، طالبوا فيها بمراجعة السياسة المعتمدة مع النظام.
الرسالة طالبت بالتخلي عن “اللاءات الثلاث” (لا لرفع العقوبات، لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار حتى تحقيق تقدم بالعملية السياسية)، التي شكلت عماد السياسة الأوروبية نحو سوريا على مدار نحو 14 عامًا.
ولم تشر الوثيقة إلى حالة تطبيع مع النظام كنهاية لهذا المسار أو نتيجة له، وهو ربما ما لا تعتبره الدول الأوروبية هدفًا نهائيًا لتحركاتها، لكنها ذكرت أنه “رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي وسوريا، تبرز الحاجة الملحة لإيجاد آلية تتيح للاتحاد الاضطلاع بدوره الكامل، وبالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة، نظرًا إلى الزيادة الكبيرة في الاحتياجات الإنسانية”.
وكانت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية كشفت، في 22 من تموز الماضي، عن دعوة دول أوروبية خلال اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم العلاقات مع سوريا والتواصل مع النظام.
وذكرت الصحيفة أن سبع دول أوروبية ترى أنه منذ عام 2017، أدى استقرار الصراع، والغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، والتحركات التي اتخذتها الدول العربية لتطبيع العلاقات مع النظام إلى تغيير في الديناميكيات.
واقترح الوزراء تعيين مبعوث للاتحاد الأوروبي في سوريا يمكنه التواصل ليس فقط مع الجهات الفاعلة السورية ولكن أيضًا مع دول أخرى في المنطقة، إلى جانب إعادة التواصل مع سفير النظام السوري لدى الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل.
ووفق الصحيفة البريطانية، فإن أي خطوات يُنظر إليها على أنها قد تخفف الضغوط عن النظام السوري من المرجح أن تُقابل بمقاومة من عواصم أخرى، نظرًا إلى الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي يُتهم النظام بارتكابها.
كسر “اللاءات”
تطالب الوثيقة (لا ورقة) بالتخلي عن “اللاءات الثلاث” (لا لرفع العقوبات، لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار)، التي بقيت مرجعًا للموقف الأوروبي منذ نيسان 2017، ومبدأ أنه “لا يمكن تحقيق السلام في سوريا في ظل النظام الحالي”.
وتطرح الوثيقة تغيير آلية تعاطي الاتحاد الأوروبي مع النظام السوري، وفق مجموعة من الشروط تتعلق بـ”العودة الطوعية للاجئين السوريين”، وتقترح خطوات ملموسة بينها تعيين مبعوث أوروبي للانخراط مع دمشق ومؤسسات أممية للبناء على موضوع اللاجئين.
وورد اسم كريستيان بيرغر، كأحد المرشحين لمنصب المبعوث الأوروبي، بهدف المشاركة في “إعادة تأهيل البنية التحتية” و”الحوار التقني على المستوى المحلي مع الأفراد غير المشمولين بالعقوبات” الأوروبية.
وتقود الموقف الغربي منذ سنوات كتلة رباعية، تضم أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، لكن كتلة جديدة بدأت تبرز مؤخرًا داخل الاتحاد الأوروبي، هي إيطاليا والنمسا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا، وهي الدول صاحبة الرسالة التي وصلت لجوزيب بوريل، وفق التسريبات.
وأظهر اجتماع غير معلن لممثلي الدول الأوروبية، عقد في العاصمة الرومانية بوخارست، نهاية أيار الماضي، انقسامًا بين اتجاهين في الاتحاد الأوروبي، أحدهما متمسك بالموقف الأوروبي، والثاني براغماتي إزاء الوضع الراهن.
“المقترحات السباعية” تمخض عنها صوغ ورقة تتناول ثلاثة بنود: التعافي المبكر، اللاجئين، العقوبات والالتزام المبالغ بها.
“المجلة” قالت إنه بعد الحرب في لبنان، وعودة عشرات آلاف السوريين ولجوء آلاف اللبنانيين، طُرحت فكرة الانخراط مع النظام من بوابة أخرى، وهي اللاجئون، بسبب “ضغط المهاجرين والإرهاب في أوروبا وصعود اليمين في عدد من الدول”.
وتطرقت “اللاورقة” لأوضاع اللاجئين، وبالتحديد في دول الجوار (تركيا ولبنان والأردن)، لافتة، وقتها، إلى أنه مع التصعيد الأحدث للصراع بين إسرائيل و”حزب الله” في لبنان، نزح أكثر من مليون شخص، فيما يقدّر أن أكثر من 300 ألف شخص عبروا إلى سوريا، 70% منهم سوريون.
ونظرًا إلى “احتمال ألا يتمكن هؤلاء الأفراد من العودة إلى لبنان، وفي ظل التغيير الكبير في الوضع، من الضروري النظر في كيفية تعزيز الاتحاد الأوروبي لمساعدته الإنسانية ودعمه للتعافي المبكر في سوريا”، بحسب “اللاورقة” الأوروبية.
وتشير الوثيقة المسربة إلى عمل الاتحاد الأوروبي مع مفوضية اللاجئين على دراسة سبل دعم الأفراد الذين يختارون العودة إلى سوريا، “بما يتماشى مع معايير المفوضية للعودة الطوعية والآمنة والكريمة”.
وتضيف، “رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي وسوريا، تبرز الحاجة الملحة لإيجاد آلية تتيح للاتحاد الأوروبي الاضطلاع بدوره الكامل، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة، نظرًا إلى الزيادة الكبيرة في الاحتياجات الإنسانية الناجمة عن عبور أعداد متزايدة من السوريين واللبنانيين إلى سوريا”.
وتقترح تقديم الدعم لعودة اللاجئين على محورين أساسيين هما:
- إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، خاصة في المناطق التي تضم أعدادًا كبيرة من النازحين داخليًا أو العائدين المحتملين.
- تحسين الوصول إلى الوثائق المدنية للأشخاص المتأثرين بالنزاع، إلى جانب دعم السوريين في استعادة أراضيهم ومنازلهم، وستضاف هذه المساعدات إلى الدعم المخطط له لتوسيع قدرات المفوضية السامية لرصد الأوضاع داخل سوريا.
مقترحات وضمانات
عرضت الوثيقة الأوروبية اقتراحات محددة، مشيرة إلى أن انتقال مقر البعثة الأوروبية إلى سوريا لبيروت منذ عام 2017، وأن وجودًا محدودًا على الأرض، يمكن أن يساعد في “تحسين الوعي بالوضع وجهود التنسيق”، وخصوصًا عمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و”لهذا الغرض”، سيقوم رئيس المفوضية بموافقة الممثل الأعلى للاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية “بتعيين مبعوث خاص للشؤون المتعلقة بسوريا”.
واقترحت تعزيز وتوسيع نطاق إجراءات “التعافي المبكر” التي موّلها الاتحاد الأوروبي في سوريا لعدة سنوات، وزيادة التمويل، ليشمل الوصول إلى الصحة والتعليم وفرص العمل الأساسية والمنشآت الصغيرة للطاقة والمياه، على أن يصاحب ما سبق ضمانات أمنية وطمأنينة لتهيئة الظروف للعودة المستدامة، وفق الوثيقة.
وقد تنظر المفوضية في مزيد من المشاركة بإعادة تأهيل البنية التحتية، مع التركيز على دعم السلطات المحلية والمشروعات الصغيرة لتعزيز خلق فرص العمل، ولا سيما في المناطق التي تشهد عودة للسوريين إليها، بحسب الوثيقة، و”يتطلب هذا النهج توافقًا داخل الاتحاد الأوروبي لتعديل المعايير التشغيلية وفق استراتيجية الاتحاد في سوريا”.
وتتعارض هذه المقترحات مع موقف الاتحاد الأوروبي الذي يرفض المساهمة في تمويل “البنية التحتية” قبل تحقيق تقدم بالعملية السياسية وفق القرار الدولي “2254”.
وذكرت الوثيقة أن “الظروف المتغيرة” قد تتطلب زيادة التواصل على الأرض، مع إمكانية متابعة “الحوار التقني على المستوى المحلي مع الأفراد غير المشمولين بالعقوبات، مع مراعاة التقييم السياسي الدقيق والتحقق، وضمن الحدود التي حددها المجلس، ولا سيما الخطوط الحمراء الحالية لعدم التعامل مع النظام وممثليه”.
في الحالة العلنية لم يتغير موقف الاتحاد الأوروبي مما يحصل في سوريا، لكن الظروف التي طرأت على دول الاتحاد خلال السنوات الماضية، دفعت بعضها للتحدث عن موقف يراعي المصالح الأوروبية، خصوصًا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهو ما قاله الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في معرض حديثه عن الموقف الأوروبي مما يحدث في أوكرانيا، وارتباطه بالموقف الأمريكي، وظهرت بوادر التغيير مع الطرح السباعي.
المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، قال في إجابة عن أسئلة طرحتها، إن استراتيجية الاتحاد بشأن سوريا تستند إلى استنتاجات مجلس الاتحاد الأوروبي لعامي 2017-2018.
وأضاف، “الاتحاد يظل ملتزمًا تمامًا بدعم الشعب السوري وتطلعاته المشروعة، وسوف يواصل العمل من أجل التوصل إلى حل مستدام وشامل للأزمة في سوريا، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، بالتعاون الوثيق مع الشركاء في المنطقة والأمم المتحدة وأصحاب المصلحة الآخرين”.
ولفت إلى أن الاتحاد الأوروبي يدعم بشكل كامل جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، الرامية إلى تنشيط العملية السياسية التي توقفت حاليًا “بسبب عرقلة نظام الأسد”.
وفيما يتعلق بموقف الاتحاد من التطبيع مع النظام السوري، قال ستانو، إن الموقف لا يزال كما هو منصوص عليه في استنتاجات المجلس المتعاقبة ولم يتغير، إذ “لا تطبيع مع نظام الأسد، ولا رفع للعقوبات، ولا مساعدة لإعادة الإعمار، حتى يشارك نظام الأسد بشكل هادف في العملية السياسية وفقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254”.
استراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا تستند إلى استنتاجات مجلس الاتحاد الأوروبي لعامي 2017-2018. ويظل الاتحاد الأوروبي ملتزمًا تمامًا بدعم الشعب السوري وتطلعاته المشروعة، وسوف يواصل العمل من أجل التوصل إلى حل مستدام وشامل للأزمة في سوريا، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
بيتر ستانو
المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي
المعارضة تشجع الضغط على النظام
لطالما كانت الدول الأوروبية ميالة لتكوين علاقات مع المعارضة السورية المتمثلة بـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” والمؤسسات الأخرى المرتبطة به، في العملية السياسية التي يعرقلها النظام السوري منذ سنوات.
الانعطاف الذي قد تشكله دول الاتحاد الأوروبي في حال سريان مطالب الدول السبع، هو حالة يعتبرها “الائتلاف” غير مقبولة، بل يشجع على اتباع آليات أكثر جدوى في الضغط على النظام.
رئيس “الائتلاف الوطني السوري”، هادي البحرة، قال ل، إن الموقف الأوروبي المعلن والواضح لا يزال متمسكًا بـ”اللاءات الثلاث” دون تحقيق تقدم غير قابل للرجوع في العملية السياسية، والالتزام بالحل السياسي وفق القرارات الدولية، وهذا ما أكدته فرنسا في جلسة مجلس الأمن الأخيرة مجددًا.
وأضاف أن استمرار النظام بسلوكه ضد السوريين، يجعل من غير المقبول أن يتخذ أي طرف من الدول الداعمة للشعب السوري خطوة إلى الوراء، خصوصًا أن النظام لم يتغير، ولا يزال يمارس الانتهاكات بحق المدنيين الذين يقطنون ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته وسيطرة داعميه، كما يشن الهجمات العدوانية على المدنيين السوريين في المناطق “المحررة”، وما زال عشرات الآلاف من السوريين في سجونه ومعتقلاته.
ولفت البحرة إلى أن موقف النظام الرافض للعملية السياسية، يبدو واضحًا من خلال عرقلته لأي جهود قد تفضي إلى تفعيلها والتوصل لحل سياسي في سوريا، وفق القرارات الدولية المتفق عليها في مجلس الأمن.
البحرة أشار خلال حديثه عن التحركات الأوروبية إلى أن “الائتلاف” يشجع العالم بأسره على اتخاذ خطوات إلى الأمام، وإدراك أن النظام لا يمكن له أن ينخرط جديًا وإيجابيًا في أي عملية سياسية، خصوصًا أن التجارب السابقة توحي أنه كان ينخرط ليعوق تقدم العملية.
وأضاف، “يجب على الدول أن تضغط على شركاء النظام وداعميه، لا أن تقدم مساعدات أو مشاريع يستغلها في تمويل دوائر الفساد، أو مواقف سيستغلها حتمًا في عرقلته للحل السياسي، وسيعزز بها قدرته على الاستمرار في حالة الإفلات من العقاب”.
ويُتهم النظام السوري وحلفاؤه بعرقلة مسارات سياسية، أبرزها مسار اللجنة الدستورية المتوقف منذ سنوات بسبب رفض روسيا حضور الاجتماعات في العاصمة السويسرية جنيف، لأن الأخيرة تعارض احتلال روسيا لأراضٍ أوكرانية، وهو شأن أوروبي- روسي لا علاقة لسوريا به.
رئيس “الائتلاف”، هادي البحرة، حث كل من ينخرط في أي اتصال مع النظام على أن يدرك أن هذا النظام “هو ذاته الذي يتهرب من المساءلة والمحاسبة على ما ارتكب من مجازر بالسلاح الكيماوي وبالبراميل المتفجرة ضد شعب أعزل، ولا يزال يستمر في جرائمه وانتهاكاته بطرق مختلفة حتى يومنا هذا”.
من غير المقبول أن يتخذ أي طرف من الدول الداعمة للشعب السوري خطوة إلى الوراء، لأن نظام الأسد لم يتغير ولا يزال يرتكب الجرائم ويمارس الانتهاكات (…) كما أن موقفه الرافض للعملية السياسية واضح من خلال عرقلته لأي جهود قد تفضي إلى تفعيلها والتوصل لحل سياسي في سوريا وفق القرارات الدولية.
هادي البحرة
رئيس “الائتلاف الوطني” المعارض
باعتبار أن لدول الاتحاد الأوروبي موقفًا واضحًا حيال العلاقة مع النظام بشكله الحالي، تطرح تساؤلات حول الهدف من تغيير النهج المتبع مع النظام السوري.
ويعتقد مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير العبد الله، أن الطرح السباعي يأتي نتيجة لرغبة بعض الدول الأوروبية في إيجاد نهج أو إطار أو طريقة جديدة للتعامل مع الملف السوري، خاصة أن السنوات الأخيرة أظهرت انقسامًا بين الدول الأوروبية حول العلاقة مع النظام.
وأضاف العبد الله ل، أن بعض الدول تريد أن تكون هناك “مرونة أكثر” في التعامل مع النظام، وتبرر ذلك بقضايا مرتبطة بالجانب الإنساني أو التعافي المبكر، لكن تحركاتها قائمة على الرغبة بالتواصل مع النظام لإقناعه بتغيير سلوكياته، وهذا ما تبرر به بعض الدول العربية مسار التطبيع معه أيضًا.
ولفت العبد الله إلى قلق أوروبي قائم من استمرار تدفق اللاجئين، وهو ما يدفع بعدد من الدول الأوروبية للسعي نحو تحقيق الاستقرار في سوريا، من خلال تعزيز الخدمات والبنية التحتية، خصوصًا في ظل تصاعد اليمين المتطرف المعادي للأجانب في بعض الدول.
رئيس “الائتلاف”، هادي البحرة، ربط خلال حديثه ل التحركات الأوروبية بملف اللاجئين الذي جيشه اليمين الصاعد في معظم الدول، وحوله إلى ملف مهم ضمن المعارك الانتخابية فيها، وولد ضغوطًا انتخابية شعبية أدت إلى تبدلات في سياسات تلك الدول مبنية على الانطباع أكثر من الحقائق.
وقال إن ما تطرحه دول أوروبية تجاه النظام، لا يمكن أن يشكّل حلولًا قابلة للاستدامة، إنما سيؤدي إلى إطالة أمد معاناة السوريين، وقد يؤدي إلى تسريع انهيار ما تبقى من منظومات الخدمات العامة، والانزلاق نحو الفوضى الشاملة.
ولفت إلى أن الأزمة الإنسانية في سوريا ذات جذور سياسية وقانونية، وبالتالي لا يمكن حلها عبر حلول إنسانية فقط وإهمال أصولها السياسية والقانونية.
من جانبه، يرى الدبلوماسي السوري السابق داني بعاج، أن الطرح الأوروبي اتجه نحو “سياسة الحوافز”، خصوصًا أن سياسة العقوبات أو الامتناع عن التعامل لم تنجح، ما دفع الأوروبيين باتجاه الانخراط.
وأضاف بعاج ل أن الانخراط الأوروبي مع النظام لن يتجاوز مستوى قائم بالأعمال أو ممثليات اقتصادية، هدفها الأساسي الحد من الهجرة واللجوء من جهة، وفتح قناة تواصل رسمية على مستوى وزارة الخارجية، أو على مستوى دبلوماسي مع البعثات الدبلوماسية دون إعطاء أي صفة شرعية لبشار الأسد كشخص، فهي محاولة لإعادة الاعتراف بالدولة السورية كمؤسسات ووزارات دون الاعتراف برأس النظام.
لن تتجاوز التحركات الأوروبية تجاه النظام السوري مستوى القائم بالأعمال، والممثليات الاقتصادية أو تلك التي تهدف للحد من الهجرة، ولن تتجه أوروبا لإعطاء صفة رسمية لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
داني بعاج
دبلوماسي سوري سابق
خلال العام الماضي نشطت التحركات على المستوى العربي باتجاه إعادة العلاقات مع النظام، لكنها امتدت خلال العام الحالي إلى القارة الأوروبية، دون رد فعل واضح من النظام حولها حتى الآن.
وبحكم سياسته وأهدافه طويلة الأمد، يُبدي النظام السوري “رغبة انتهازية” في التقارب مع بعض الدول الأوروبية، وفق ما يراه الدبلوماسي السوري السابق بشار حاج علي.
حاج علي قال ل، إنه لا يمكن للنظام النظر إلى هذه الخطوات على أنها شراكة متكافئة لحل أزمات حقيقية، بل كفرصة لتعزيز شرعيته المفقودة على الصعيد الدولي.
وأوضح أن موقف النظام أو رغبته في التفاعل مع الخطوات الأوروبية وإيجاد حلول لأزمة اللاجئين مرتبط بغايات واشتراطات، وأن سياساته حيال أي تقارب مع الدول الأوروبية تقوم على عدد من النقاط هي:
- اعتبار أزمة اللاجئين ورقة ضغط، يستخدمها لإجبار هذه الدول على التفاوض بشروطه، دون تقديم أي تنازلات حقيقية على مستوى الإصلاح السياسي أو احترام حقوق الإنسان.
- قبول التقارب مشروط بإبقاء سيطرته الكاملة على الداخل السوري، دون الالتزام بأي ضمانات دولية تضمن العودة الآمنة أو الكريمة للاجئين.
- اعتبار التحركات الأوروبية فرصة لكسر العزلة السياسية المفروضة عليه منذ أكثر من عقد، مع إدراكه أن التجاوب معه سيكون محدودًا.
وفي تموز الماضي، وعبر تصريح لموقع “DW“، قالت منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كيلي بيتيلو، إن عودة العلاقات الأوروبية مع النظام من شأنها أن تعزز شرعية بشار الأسد كحاكم، ما يصب في مصلحة مزاعمه بأن سوريا بلد آمن.
ووفق بيتيلو، “الأسد بعيد كل البعد عن أن يكون فائزًا (في الحرب)، لأن سوريا ما زالت منقسمة سواء من الناحية السياسية أو حتى من حيث السيطرة الفعلية على كامل البلاد. ومن غير المرجح الذهاب إلى القول إن نظام الأسد بإمكانه السيطرة على جميع مناطق البلاد”.
ويتطلب التطبيع مع النظام التزامات دبلوماسية من قبل بشار الأسد، لأنه “يخشى عودة كبيرة للاجئين الذين ربما يعارضونه”، بحسب تعبير بيتيلو، ونظرًا إلى تردي الوضع الاقتصادي في البلاد، فسيكون من الصعب قيام الدولة بتلبية احتياجات العائدين.
المحلل السياسي حسن النيفي، يرى من جانبه أن النظام هو أحوج ما يكون في الظروف الراهنة إلى علاقات ذات طابع رسمي، سواء مع جهات عربية أو إقليمية أو دولية.
وأضاف ل أن النظام يحرص على التعاطي الإيجابي مع أي دعوة أو مبادرة من شأنها أن تكسر من جدار العزلة حوله، وهو ما يدفعه للنظر بإيجابية إلى المبادرة الأوروبية.
استغلال التدفقات المالية
الدبلوماسي السوري السابق بشار حاج علي، ذكر أن التقارب الأوروبي مع النظام ربما يؤدي إلى تدفقات مالية نحو سوريا قد تكون فائدة للنظام، إذ يُتقن الأخير استغلال الموارد التي تضخها المنظمات والمؤسسات الإنسانية لدعم اللاجئين.
رئيس “الائتلاف” المعارض، هادي البحرة، لفت إلى أنه بسبب شغل حكومة النظام مقعد سوريا في الأمم المتحدة، يفرض على الأمم المتحدة ما وصفه بـ”قنوات بيروقراطية” يجب عليها التعامل معها لتمرير المساعدات إلى سوريا.
وأضاف ل أن منح الفرص واحدة تلو الأخرى للنظام من قبل بعض الدول، وعدم إلزامه بالعملية السياسية وفق قراري مجلس الأمن “2254” و”2118″، أدى إلى “إطالة فترة المعاناة والأزمات في سوريا”.
واعتبر أن قدرة روسيا والصين على تعطيل اتخاذ أي قرارات ضد النظام في مجلس الأمن عبر استخدام حق “الفيتو”، زاد من تعقيد الأوضاع، ما حول سياسات بعض الدول إلى التعامل مع قضية الشعب السوري بطريقة إدارة الأزمات بدلًا من حلها من جذورها بواسطة الدفع الحازم نحو الحل السياسي الشامل والمستدام.
الخبير الاستراتيجي والباحث في شؤون الحوكمة الدكتور باسم حتاحت، قال ل، إن الاتحاد الأوروبي بدأ بسياسة مغايرة مع النظام منذ حدوث كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط 2023، وعاد حينها لتقديم المساعدات الإنسانية وفق قانون “مبدأ الحماية الإنسانية” الأوروبي.
وناقش المجلس القانوني في الاتحاد الأوروبي حينها قضية تقديم المساعدات في ظل العقوبات الأوروبية المفروضة على النظام بناء على طلب رسمي من خمس جهات هي تركيا وإسرائيل والسعودية ومنظمة “الاتحاد العالمي للصليب والهلال الأحمر” ومنظمة “فرسان مالطا”، بحسب ما أوضحه حتاحت وهو عضو في العديد من الهيئات الأوروبية.
عقب هذه المناقشات أقر المجلس القانوني في الاتحاد عدة قرارات، أولها تعليق مجموعة من العقوبات وأهمها عقوبة التبادل الاقتصادي، وخرجت عقب قرار المجلس أكثر من 340 طائرة مساعدات نحو دمشق خلال ثلاث ساعات فقط، وفق حتاحت.
ومن هذا المنطلق بدا الاتحاد الأوروبي مقتنعًا بشكل أكبر بمسألة التعافي المبكر بحسب ما أوضحه الدكتور باسم حتاحت، مشيرًا إلى أن عملية التعافي المبكر تتمثل بـ”إعادة وجود سلطة تحكم سوريا كلها ليجري من خلالها دعم منظومة التعافي المبكر سواء في القطاعات السياسية أو الاقتصادية أو حالة البنية التحتية أو حالة بنية منظمات المجتمع المدني”.
ولفت إلى أنه في ذلك الوقت نشأت نظرية لدى مجموعة من الدول الأوروبية على رأسها إيطاليا، وتضم الآن نحو 11 دولة أوروبية، وبدأت بالضغط على الاتحاد لإعادة تشكيل رؤية جديدة غير النمطية حول النظام في سوريا.
وأكد حتاحت أن غياب الجهد من قبل المعارضة السورية أو منظمات المجتمع المدني المعارضة ترك عدة مسائل منها مبدأ “خطوة بخطوة” أو “إعادة تطبيع العلاقات مع النظام” ملفات يجري تداولها في أروقة الاتحاد الأوروبي بشكل مكثف، وبقيادة إيطالية.
أبدت منظمات مجتمع مدني سورية وحقوقيون قلقًا من تصاعد العنف والترهيب والترحيل القسري الذي يواجهه اللاجئون السوريون في أوروبا والدول المجاورة، مع تحذيرات من خطورة التقارب وتطبيع العلاقات مع النظام.
وذكر الحقوقيون والمنظمات خلال مؤتمر في أيلول الماضي، أن اللاجئين أصبحوا بشكل متزايد “هدفًا لكراهية الأجانب والتمييز والاعتداءات العنيفة”، مع تحول الخطاب السياسي نحو التقارب مع رئيس النظام، بشار الأسد.
ويحمل احتمال أي تغييرات في السياسة الأوروبية نحو النظام آثارًا عديدة على مختلف المستويات، ربما أهمها المسار السياسي وملف اللاجئين السوريين في أوروبا، وفق ما يراه الخبير حتاحت.
ويرى حتاحت أن اللاجئين يتأثرون بهذه التحركات، بسبب وجود قوانين ناظمة في دول الاتحاد الأوروبي تحفظ حقهم في اللجوء.
أما فيما يتعلق بموجات اللجوء الجديدة فسيحدد قانون اللجوء معيارية اللجوء، معتبرًا أن دول الاتحاد الأوروبي تتبنى حاليًا قانون الدولة الثالثة المضيفة.
حوافز تؤطرها الجرائم
يرتبط أي تغيير جذري بالسياسة الأوروبية بمواقف دول كبرى لديها ثقل داخل الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا، وقد يعني هذا التغيير الخسارة التامة أو تثبيت خسارة المعارضة السياسية السورية بشكلها الحالي، وانتهاءها على الصعيد السياسي بسبب فقدان الثقة بها تمامًا بقيادة أي تغيير في سوريا، بحسب ما يرى الدبلوماسي السوري السابق داني بعاج.
وشكك الدبلوماسي السابق بعاج في احتمالية حدوث تغيير جذري في السياسة الأوروبية نحو النظام، معتبرًا أنه من غير المستبعد إعادة النظر ببعض الخطوات، مثل تعيين مبعوث للاتحاد الأوروبي في دمشق، ينخرط في حوار مع النظام وهو شي حدث سابقًا أساسًا، لكن هذا التغيير لن يكون جذريًا.
وأضاف أن الأوروبيين لديهم إشكال حقيقي يتمثل بالتعامل مع بشار الأسد، إذ لن يستطيعوا إيجاد مخرج من هذه العقدة، كونه متورطًا بشكل لا شك فيه بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتعاملهم المباشر يعني اعترافهم بإمكانية الإفلات من العقاب وإمكانية التعامل مع متهمين بجرائم ضد الإنسانية.
ويرى بعاج أن أقصى ما يمكن للاتحاد الأوروبي القيام به عودة فتح خطوط تبادل أو تواصل على مستوى قائمين بالأعمال، دون تعيين سفير، إذ يحتاج تعيين سفير إلى تقديم أوراق اعتماد للرئيس، وفي حال حدوث ذلك تكون قد انتهت سياسة العزلة تمامًا على النظام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي