كيف عزز فوز ترمب الحروب الثقافية في الولايات المتحدة؟
جاء ترشيح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لبيت هيجسيث المُعلق التليفزيوني في قناة “فوكس نيوز” وزيراً للدفاع في إدارته الجديدة، مفسراً لوعوده الانتخابية بتطهير الجيش الأميركي من الجنرالات الذين يتهمهم باتباع سياسات تقدمية بشأن التنوع في صفوفه.
هيجسيث أبدى ازدراؤه لتبني قادة البنتاجون سياسات يطلق عليها Woke أو “اليقظة”، وعارض مشاركة النساء في الأدوار القتالية وتساءل عما إذا كان أعلى جنرال أميركي، رئيس هيئة الأركان المشتركة تشارلز براون، في منصبه بسبب لون بشرته السوداء.
وبعد خسارة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة، خرجت العديد من النظريات لتفسير سبب الهزيمة، من بين تلك السرديات، التي تبناها بعض الديمقراطيين أنفسهم، أن الحزب ركز على برامج “اليقظة” والهوية الجنسية والتنوع والمساواة والإدماج DEI، على حساب أفراد الطبقة العاملة الذين تمردوا على تلك السياسات ولجأوا إلى اليمين، ليخسر “اليقظون كل شيء”.. فماذا يعني “الاستيقاظ” أو “اليقظة” Woke؟
انتشار “اليقظة” سياسياً
في عام 2014، وبعد سقوط الشاب الأسود مايكل براون على يد عناصر من الشرطة الأميركية في فيرجسون بولاية ميزوري، أصبح مصطلح “البقاء يقظاً” شعاراً بارزاً لنشطاء حركة “حياة السود مهمة”، واكتسب المصطلح، حينها، دلالة تحذيرية، إذ استخدم في سياق محدد يدعو إلى توخي الحذر من وحشية الشرطة وممارساتها القمعية ضد السود.
وفي السنوات التي تلت وفاة مايكل براون، شهدت كلمة Woke تطوراً كبيراً في معناها واستخدامها، فقد أصبحت بمثابة اختصار يجسد الأيديولوجية السياسية اليسارية، إذ تركز على قضايا العدالة الاجتماعية ونظرية العرق النقدية.
هذا التحول أعطى الكلمة طابعاً حزبياً متبايناً، فهي تُستخدم من قبل اليسار كتعبير عن الالتزام بالتقدمية السياسية وقيمها، مثل تعزيز المساواة ومحاربة التمييز والهوية الجندرية والجنسانية، وفي المقابل، تبناها اليمين كوسيلة للسخرية والانتقاد لما يعتبرونه تجاوزات ثقافة اليسار أو سياسات “اليقظة”، التي يرون أنها تفرض أجندة اجتماعية قد تكون متطرفة أو غير عملية.
هذا الانقسام شحن المصطلح سياسياً، ليعكس ليس فقط الأفكار ولكن أيضاً الصراع الثقافي الدائر بين التيارات المختلفة في المجتمع.
كلمة عامية “سوداء”
بعد 6 سنوات، من وفاة براون، ظهر شعار Woke مرة أخرى في شوارع الولايات المتحدة غضباً لسقوط “الأسود” جورج فلويد على أيدي الشرطة، وحمل المتظاهرون لا فتات كتب عليها “ابق يقظاً” كدعوة مرة أخرى لليقظة والانتباه لما تفعله الشرطة ضد السود، لكن قبل وقت طويل من ظهور حركة “حياة السود مهمة” وقبل استخدام الشعار في عامي 2014 و2020، كانت “اليقظة” بالفعل جزءاً من المجتمع الأسود لسنوات، على حد قول ديريك إيدي، المؤرخ في جامعة “ميشيجان”.
قال إيدي في حديثه لـ”الشرق” إن مصطلح “اليقظة” نشأ من اللغة العامية الأميركية الإفريقية، وربما ظهر علناً لأول مرة عبر المغني الشعبي الأسود وعازف الجيتار هودي ليدبيتر (Huddie Ledbetter) المعروف باسم “ليد بيلي” (Lead Belly) في تعليق أضافه إلى أغنيته المخصصة لـ”أولاد سكوتسبورو”، إذ قال: “أنصح الجميع بتوخي الحذر قليلًا عندما يمرون عبر الجنوب، لكن ابقَ يقظًا وافتح عينيك”.
“أولاد سكوتسبورو” هم تسعة أولاد سود من ألاباما جرى اتهامهم زوراً باغتصاب امرأتين من البيض عام 1931، وتبنى الحزب الشيوعي الأميركي قضيتهم، وأصبحت قضية محورية ضد الاتهامات العنصرية الملفقة في الجنوب وأداة رئيسية لتجنيد الأعضاء للحزب الشيوعي في الولايات المتحدة.
ورغم أن ليدبيتر نفسه لم يكن ناشطاً سياسياً ولم يكن شيوعياً، كما أشار إيدي، إلا أن أغنيته أصبحت قطعة مهمة من الإنتاج الثقافي التي جسدت تلك اللحظة، وبما أن حملة “سكوتسبورو” كانت واحدة من أكبر الحركات الاجتماعية المتعلقة بالعرق والعنصرية في الثلاثينيات، دخلت فكرة “البقاء يقظاً” في الاستخدام العام وأخذت معاني أوسع مع مرور الوقت ومع دمج عدد من الفنانين فكرة “البقاء يقظاً” في أعمالهم الموسيقية في العقد الأول من الألفية الثانية.
الاستخدام المبكر لمصطلح “اليقظة”
لكن يبدو أن استخدام “اليقظة” يرجع لسنوات قبل “أولاد سكوتسبورو” داخل المجتمعات السوداء، ففي عام 1923، استخدم الناشط السياسي والاجتماعي، والرائد في حركة القومية الإفريقية العالمية ماركوس جارفي، ذلك الشعار قائلاً: “استيقظي يا إثيوبيا! استيقظي يا إفريقيا!”، داعياً السود إلى أن يكونوا أكثر وعياً وإدراكاً لمساواتهم مع البيض.
وبينما أشار العالم السلوكي والمتخصص في تدريس العرق والتنوع في جامعة “ميشيجان” رونالد هال، إلى أن الفضل في انتشار مصطلح “اليقظة” يرجع إلى أغنية “أولاد سكوتسبورو”، قال لـ”الشرق” إن “اليقظة” كانت مصطلحاً عامياً دارجاً بين مجتمعات السود وجزءاً من المفردات غير المكتوبة التي أسسها السود للتحدث مع بعضهم بطريقة لا يستطيع الغرباء فهمها، “لكن من غير الواضح متى أصبحت كلمة -استيقظ- من كلمات الوعي الأسود”.
وذكر هال الاستخدامات المبكرة لمصطلح “اليقظة”، والتي تعود إلى ما قبل الحرب الأهلية في صحيفة “فريدمز جورنال”، ففي الافتتاحية التي نُشرت في 21 أبريل 1827، أراد المحللون تسليط الضوء على أوضاع تعليم السود المستعبدين الذين حُرموا من حق تعلم القراءة والكتابة.
وكتب المحررون أن التعليم ومحو الأمية كانا “بالغَي الأهمية”، ودعوا إلى “الاستيقاظ من الخمول” الذي ساد طوال سنوات الاستعباد.
ومع دخول القرن العشرين، بدأ محررو الصحف السوداء الآخرين في توسيع استخدام تعبيرات مستوحاة من كلمة “الاستيقاظ” لتشمل النضال من أجل حقوق التصويت، ففي افتتاحية عام 1904 في صحيفة “بالتيمور أفرو أميركان”، حث المحررون السود بقوة على “الاستيقاظ”، وطالبوا بتحقيق حقوق المواطنة الكاملة.
ولفت هال إلى أن ماركوس جارفي استخدم نسخة من كلمة “اليقظة” بشكل متكرر في خطبه، “كنداء واضح للسود ليصبحوا أكثر وعياً: اجتماعياً وسياسياً”.
الجدل بين اليمين واليسار حول مفهوم “اليقظة”
مع انتشار استخدام مصطلح “اليقظة” الذي كان جزءاً من اللغة العامية للأفارقة الأميركيين، فإنه اليوم يبدو أقل وضوحاً من أي وقت مضى، وبعد أن كان استخدامه مرتبطاً بوصف ضرورة الوعي بالظلم الاجتماعي، لا سيما العنصرية المنهجية، فإنه يُستخدم بشكل عام للإشارة إلى مجموعة واسعة من القضايا والسياسات الاجتماعية التقدمية.
وبين اليسار الأميركي، تعني “اليقظة” حالة من الوعي العميق بالقضايا الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، مثل مكافحة العنصرية، والمساواة بين الجنسين، وحقوق مجتمع “الميم”، والتغير المناخي، والإصلاحات في العدالة الجنائية.
أما بين اليمين، فتعني “اليقظة” أو “الصحوة” حالة من الإفراط في “التصحيح السياسي” أو التوجهات التقدمية التي يُنظر إليها على أنها متطرفة أو مدمّرة للقيم التقليدية، وأصبحت مُحملة بالكثير من السخرية والتهكم باعتبارها شكلاً من أشكال “الماركسية الثقافية”.
ولفت إيدي إلى أن “الاستيقاظ” أصبح هدفاً حقيقياً للمحافظين وخاصة بين أنصار حركة “ماجا” MAGA، بسبب القلق والهموم التي يشعرون بها تجاه ما يعتبرونه تدخلاً من سياسات الـ LGBTQ ورفع هذه الهويات على حساب القيم العائلية التقليدية، كما أصبح هدفاً لكل شيء يشعرون أنه “يُنوع” المؤسسات ويضع ذلك على حساب الجدارة.
وذكر إيدي أن ممارسات “اليقظة” في الجيش، مثل دمج النساء في القتال وفتح المجال لدخول أفراد من مجتمع الـ LGBTQ إلى الجيش، أصبح رمزاً لهذه الظاهرة، “وفي بعض الحالات، أصبح الهجوم يستهدف سياسات الشركات أيضاً، إذ إن اليمين ألقى باللوم على ممارسات التوظيف (اليقظ) في شركة بوينج والتركيز على التنوع والإنصاف والشمول (DEI) كسبب لفشل طائراتها الأخيرة”.
وأضاف أنه يُنظر إلى “اليقظة”، أيضاً، باعتبارها مرادف لثقافة الإلغاء cancel culture وفرض قيود على حرية التعبير، أو خلق مناخ إذ يجب أن يكون الشخص حذراً جداً فيما يقوله، بمعنى آخر، يُنظر إليها من قبل اليمين على أنها أيديولوجية تسللت إلى المؤسسات الأميركية التقليدية وأضعفتها، في الجيش، والشركات، والجامعات، وغيرها.
الجدل حول “اليقظة” امتد ليشمل قضايا اجتماعية وثقافية أوسع، إذ تتنافس الأحزاب السياسية حول قضايا مثل حقوق LGBTQ+، وتعليم العرق في المدارس، وأصبحت جزءاً مما يُعرف بـ”الحروب الثقافية” في الولايات المتحدة، حيث تتنازع الأيديولوجيات المختلفة حول كيفية التعامل مع هذه القضايا في المجتمع.
لكن في نهاية المطاف، لا علاقة لأي من هذه المفاهيم السياسية الحديثة بفكرة “اليقظة” الأصلية، إذ تحولت من كلمة لها معنى واضح في عامية السود يرتبط بمقاومة الظلم الاجتماعي إلى مصطلح سياسي يستخدم بطرق متناقضة ومتنوعة.
وفسر هال المصطلح على حقيقته الأولية بكل بساطة قائلاً: إذا كنت مع عدم إظهار الحقيقة القبيحة تكون ضد “الاستيقاظ”، أما إذا كنت مع إظهار الحقيقة القبيحة فأنت مع “الاستيقاظ”.
محاربة “اليقظة” في المؤسسات التعليمية
هاجمت شخصيات يمينية بارزة ثقافة “اليقظة”، وقاد الملياردير الأميركي إيلون ماسك هذا الهجوم محذراً مما سماه “فيروس العقل المستيقظ”، واعتبره مهدداً للحضارة الحديثة، بعد أن ألقى باللوم على ثقافة “اليقظة” في إجراء جراحة تغيير الجنس لابنه زافييير، 20 عاماً، الذي تحول إلى ويلسون”.
نذر ماسك نفسه، لمحاربة تلك الثقافة بعد أن أسقط عليها كل ما يعتبره أفكاراً وسياسات متطرفة، واتخذ حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس نفس المسار.
في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة 2022، أعن رون ديسانتيس رفضه أيديولوجية “اليقظة” وأكد أن الناس جاءوا إلى فلوريدا بسبب سياساته المناهضة لهذه الأيديولوجية، قائلاً: “سنحارب اليقظين في التعليم، وسنحارب اليقظين في الشركات، وسنحارب اليقظين في أروقة الكونجرس، لن نستسلم أبداً لحشد اليقظين”.
كانت المؤسسات التعليمية هدفاً لديسانتيس الذي اعتبر أن سياسات “اليقظة” ونظرية النقد العرقية تشكل خطورة على التلاميذ، في سبيل ذلك اتخذ ديسانتيس خطوات سياسية تهدف إلى تقليص تأثير هذه الحركات في المؤسسات التعليمية والسياسية في الولاية.
شملت تلك السياسات، على حد قول هال، فرض قيود على تعليم موضوعات مرتبطة بالعرق في المدارس، مثل دورة التاريخ الأميريكي الإفريقي في المدارس الثانوية، وتقليص البرامج التي تركز على مفاهيم مثل العدالة العرقية، وإلغاء برامج التنوع والمساواة والإدماج في جامعات وكليات فلوريدا.
لا ينفصل هجوم حاكم فلوريدا عن سلسلة الهجوم اليميني الممنهج اليمينية لما يعتبرونه “أيديولوجيات استيقاظية” في المؤسسات التعليمية الأميركية، مع تركيز خاص على استخدام “نظرية العرق النقدية” كأداة سياسية – وظهرت تلك النظرية كرد فعل على الإخفاقات في تحقيق المساواة العرقية بعد حركة الحقوق المدنية في الستينيات، وتهدف إلى دراسة وتحليل العلاقة بين العرق والقانون والنظام الاجتماعي، وتسليط الضوء على كيفية تأثير العنصرية الممنهجة على القوانين والسياسات.
كان الناشط والصحافي كريستوفر روفو، الذي يُعتبر من أبرز الشخصيات التي استخدمت مصطلح “نظرية العرق النقدية” كسلاح للهجوم على الحركات الاجتماعية والتعليمية، لعب دوراً حاسماً في جعل سياسات اليقظة والعرق مصدراً للقلق بين اليمينيين.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في كلية “ترينيتي” في ولاية كونيتيكت إسحاق كامولا، “روفو” أنه أحد أولئك الذين استخدموا هذا المصطلح لتحريك حملة ضد ما يعتقدون أنه تأثيرات سلبية لأيديولوجيات العرق والهوية في التعليم الأميركي، ومن خلال هذا ساهم في تطوير استراتيجيات هجومية ضد حركة “حياة السود مهمة” والمؤسسات التعليمية التي كانت تدعم هذه الحركات.
بدأ الهجوم على المؤسسات التعليمية، التي كانت تعتبر ملاذاً للفكر النقدي حول قضايا مثل العرق والعدالة الاجتماعية، بشكل منظم، وبتمويل ودعم من مراكز الفكر اليمينية والمانحين المحافظين، بهدف تقويض هذه الحركات الاجتماعية.
ومع ذلك، لم يكن الهجوم على التعليم مجرد اعتراض على محتوى مناهج، بل كان جزءاً من حرب ثقافية واسعة النطاق تهدف إلى تقويض قوى سياسية واجتماعية كانت تسعى لتحقيق مزيد من المساواة الاجتماعية عبر التعليم، بحسب كامولا.
قال كامولا لـ “الشرق” إنه بحلول سبتمبر 2020، كانت الردود العكسية قد بدأت بالفعل، بقيادة مراكز الفكر اليمينية ووسائل الإعلام التي غالباً ما عملت يداً بيد لتطوير استراتيجية لتقويض حركة “حياة السود مهمة”، من خلال مهاجمة المؤسسات التعليمية، وبعكس الاحتجاجات الشعبية الكبيرة والتنظيم المحلي الذي كان يحدث في جميع أنحاء البلاد، لعبت مراكز الفكر اليمينية، المدعومة من بعض من أكبر المتبرعين المحافظين، دوراً حاسماً في تعبئة حرب ثقافية ضد التعليم، بما في ذلك تطوير موجات من التشريعات النموذجية.
ضد “اليقظة” في الحزبين
وعلى الرغم من الحرب الشعواء من ديسانتيس واليمينيين لتطهير المدارس من سياسة “اليقظة” أكد هال أنه بالنسبة للسود، فإن المعنى الحديث للكلمة لا علاقة له بالمناهج المدرسية أو المصطلحات السياسية لكنه يعود إلى الفصل العنصري القانوني العنيف.
اللافت في الأمر أن مصطلح “اليقظة” وما يتبعه من تهكمات واتهامات بين الحزبين، تم استخدامه كسلاح داخل الدوائر اليمينية نفسها، كما حدث عندما اتهمت شخصيات مثل الناقد والمؤلف المحافظ كونستانتين كيسين أيقونات حركة MAGA مثل تاكر كارلسون وكانداس أوينز بأنهما جزء من “اليمين اليقظ” بسبب فتح مناقشات حول فلسطين في دوائر “لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”.
وقال إيدي: “وعلى هذا فإن مصطلح -اليقظة- المهين يعود في بعض النواحي إلى مهاجمة أعضاء اليمين المستيقظ أنفسهم عندما يجرؤون على الخروج عن الخط، وخاصة فيما يتصل بفلسطين”.
ولفت إيدي لتجليات مشابهة لـ “اليسار المضاد لليقظة” في بريطانيا، من خلال جورج جالاوي وحزب العمال الذي يقوده في بريطانيا.
وأوضح إيدي أنه أحياناً تتوافق هذه الانتقادات اليسارية لليقظة مع مواقف اجتماعية أكثر ميلاً للمحافظة اليمينية، لكن في أحيان أخرى تكون مدفوعة باحتقار عميق للسياسات “التقدمية” التي يرونها راضية ومتماشية مع التمثيل النيوليبرالي، أي نوع من تنويع الطبقة الحاكمة، “والتي يُعتقد أنها لا تُحدث تغييرات حقيقية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، بل قد تكون مجرد إعادة تشكيل للطبقات الحاكمة بطريقة تجعلها أكثر تنوعاً من حيث الهوية، ولكن هذا التنوع لا يُترجم إلى تغييرات جوهرية لصالح الغالبية العظمى من الناس”.
وتابع إيدي: “هؤلاء النقاد يعتقدون أن الرأسمالية الأميركية والإمبراطورية الأميركية نجحت في دمج مجموعة متنوعة من القيم الهوياتية مثل إدماج النساء والمجموعات الأخرى المهمشة في مواقع قيادية داخل الشركات العسكرية والصناعية الكبرى دون أن تؤثر بشكل ملموس على النظام الرأسمالي الذي يبقي على استغلال وتدمير موارد دول أخرى، “على سبيل المثال، في حين أن النساء الآن قد يقمن بقيادة شركات كبرى، فإن هذه التغييرات في التمثيل لا تؤدي إلى تغيير جوهري في كيفية إدارة هذه الشركات أو دورها في الاقتصاد العالمي”.
وذكر أيدي أن الإمبراطورية الأميركية كانت تُدار تاريخياً من قبل مجموعة الرجال البيض المسنين، وأصبحت في حقبة ما بعد أوباما أكثر شمولاً واستيعاباً لمختلف الهويات، إذ يمكن للأفراد من مختلف الفئات المشاركة بالتساوي في أعمال النهب والاستغلال للمناطق حول العالم.
وأشار إيدي إلى أنه في كثير من هذه الحالات، لا يؤدي التمثيل السياسي إلى إصلاح اقتصادي أو تحسين جودة الحياة للمجتمعات الكبرى، بل يُنظر إليه كوسيلة للتربح الشخصي والتمكين لفئة مختارة، بينما يستمر الدمار والتهميش لقطاعات واسعة من الناس.
الناتج بين كل تلك النقاشات والاتهامات أصبحت كلمة “اليقظة” مصطلحاً غامضاً يستخدم بشكل سلبي، وأشار إيدي إلى أنه لا يمكن لأحد أن يحدد معناها بدقة، لكن الجميع يتظاهرون بفهمها، لذلك تتنوع ردود الفعل تجاهها بشكل كبير، وتشمل طيفاً واسعاً عبر الطيف السياسي.
اليوم، لا يستخدم معظم الناس كلمة “اليقظة” بشكل إيجابي، على الرغم من أن الكلمة كانت في الأصل تعني أن تكون حذراً ومنتبهاً، وأن تدافع عن نفسك في أراضٍ معادية، إلا أنه اليوم غالباً ما يُستخدم المصطلح كمرادف لـ”الأشياء التي لا أحبها”، ومن هذه الناحية، أصبح مصطلح “اليقظة” أو “الصحوة” منتشراً، وعلى الأرجح، خالياً من المعنى الحقيقي.