اخر الاخبار

مسؤول أممي: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحا في حرب الفلسطينيين

على الرغم من تردد بعض المنظمات الدولية والإنسانية في توصيف ما يحدث في قطاع غزة من سوء تغذية، على أنه “مجاعة”، بسبب الإجراءات الإسرائيلية التي تحد من وصول المساعدات إلى مستحقيها، إلا أن مقرر الأمم المتحدة الخاص بالغذاء، مايكل فخري، قال في تصريحات لـ”الشرق”، إن إسرائيل تمارس حملة “تجويع ممنهجة” صد الفلسطينيين، مشدداً على أن تلك الحملة “ستشكل هويتهم الجماعية لأجيال قادمة”.

واعتبر مقرر الأمم المتحدة الخاص بالغذاء، أن استخدام التجويع، كسلاح حرب، أحد أكثر الأدوات المدمرة التي من الممكن أن تواجهها أي مجموعة سكانية.

وأوضح فخري أن “الرصاص والقنابل تقتل الأرواح بشكل فوري، في حين يترك الجوع آثاراً طويلة الأمد تمتد عبر الأجيال، مخلفة ندوباً في الأجساد، والعقول، والمجتمعات”، منبهاً إلى أنه “حتى لو توقفت الصراعات اليوم، فإن إرث المجاعة يستمر لعقود، بل وقرون، ليغير ليس فقط الأفراد الذين نجوا منها، بل النسيج الاجتماعي لمجتمعهم بأكمله”.

وأشار إلى أنه رغم تفاقم الأوضاع بعد السابع من أكتوبر 2023 “لا يعتبر الجوع مجرد نتيجة للحرب الأخيرة على قطاع غزة، فهو متجذر بعمق في عقود من الصراع السياسي والقمع المنهجي، وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ما يؤثر على حياة الملايين من الفلسطينيين”.

وفاة الأطفال أولى مؤشرات المجاعة

وذكر فخري، أنه بالاستناد إلى مفاهيم القانون الدولي الإنساني، فإن اللحظة التي يموت فيها أول طفل بسبب سوء التغذية أو الجفاف، نعلم أن المجاعة تضرب البلاد، ولهذا السبب أعلنّا من منظور خبراء حقوق الإنسان، أن المجاعة تضرب كل أنحاء غزة –شمالها وجنوبها- منذ يونيو الماضي؛ لأننا تلقينا في ذلك الوقت تقارير رسمية تفيد بوفيات بين الأطفال.

ورأى فخري أن هذه الوفيات بين الأطفال “تُعتبر مؤشراً لحدوث المجاعة”، مضيفاً أنه “عندما يصبح الجوع واقعاً، فإن أول ما نفعله هو إطعام أطفالنا، وأطفال جيراننا ومجتمعنا، وعندما يعجز الناس عن إطعام أطفالهم، ويضطرون إلى مشاهدتهم وهم يتلوون بين أحضانهم من دون القدرة على توفير الغذاء، فإن ما يحصل هو مجاعة حتماً”، لافتاً إلى أن الأبعاد الإنسانية والسياسية للمجاعة، تظهر في أقسى حللها في غزة، وعدم توصيفها بالمجاعة يعود لأسباب سياسية.

المجاعة في غزة

وشكلت المجاعة في غزة واحدة من المظاهر المفجعة للحروب في التاريخ الحديث، لكونها من صنع الإنسان، ولكونها حصلت بسرعة، بالتزامن مع تدهور قياسي للوضع الإنساني والغذائي، في ظل ربط المراقبين لهذا التدهور السريع، بما عُرف بـ”خطة الجنرالات”، التي تُتهم الحكومة الإسرائيلية باعتمادها.

ونشر الاستراتيجية العسكرية، الميجر جنرال احتياط، جيورا آيالاند، مدعوماً من ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، على الرغم من النفي الرسمي لاعتماد هذه الخطة والتي تقوم على إخلاء شمال القطاع من المدنيين، وفرض سيطرة إسرائيلية على المساعدات بهدف إخضاع حركة “حماس” وإطلاق الأسرى الإسرائيليين لديها.

وفي هذا السياق، يقول فخري إن “سلطة الاحتلال قامت بالدفع بسكان غزة قسراً من الشمال باتجاه الجنوب، باستخدام التجويع والحصار كسلاح حرب، إلى جانب منع وصول المساعدات الإنسانية، فشملت المجاعة كل المناطق، خصوصاً بعد تدمير مصادر الإنتاج الزراعي والحيواني بشكل ممنهج”.

صدمة فردية وعابرة للأجيال

واعتبر فخري أن المجاعة لا تدمر الأفراد فحسب، بل تمزق النسيج الاجتماعي للمجتمعات، مشيراً إلى أن “المجاعات التاريخية، من المجاعة الكبرى في إيرلندا إلى حملات التجويع خلال الاستعمار في ليبيا، تُظهر نمطاً واضحاً ومتكرراً، هي تُجبر الأفراد على اتخاذ خيارات أخلاقية مستحيلة، إذ يُفضل الآباء إطعام طفل على حساب الآخر، وقد يحتفظ الجيران بالموارد لأنفسهم بدلاً من مشاركتها، وهذه القرارات المدفوعة بغريزة البقاء، غالباً ما تخلف آثاراً عميقة في نفوس الناجين”.

ونبه فخري إلى أن الشعور المرافق للمجاعة “يؤدي إلى صمت جماعي بشأنها، وعلى عكس الحروب التي تُخلد بآثار ونصب تذكارية، ونادراً ما تُناقش المجاعات علناً”.

وأوضح أن العبء العاطفي للمجاعة يعزل الناجين، ويصعب على المجتمعات معالجة صدماتها والتصالح معها، وبالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، سيكون التعامل مع الآثار النفسية للمجاعة أمراً حيوياً لإعادة بناء مجتمعهم.

وأضاف أن “الناجين من المجاعة، سواء كانوا بالغين أو أطفالًا، سيواجهون عواقب صحية ترافقهم مدى الحياة، حتى لو توقفت الرصاصات والقنابل اليوم، ستستمر تبعات المجاعة لأشهر متواصلة”.

وتابع: “بالنسبة للبالغين، يترك الجوع جروحاً جسدية ونفسية؛ لأن الحرمان الغذائي خلال فترة المجاعة يمكن أن يُضعف أنظمتهم المناعية بشكل دائم، ما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض، إذ تتأثر الصحة النفسية أيضاً بشدة، وتصبح حالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق أعباء مزمنة”.

وأوضح فخري أن الأطفال دوماً هم الحلقة الأضعف وبالإضافة إلى أن الجوع الفوري، يؤدي إلى سوء التغذية وإلى تقزم نموهم الجسدي والمعرفي، ما يحد من إمكاناتهم مدى الحياة، فيما تعمق مشاهد العنف وتحمل أهوال المجاعة الصدمة في نفوسهم، لتؤثر على رؤيتهم للعالم وعلاقاتهم طويلًا في حياتهم.

جينات تحمل بصمة المجاعة 

وذكر فخري أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الفهم العلمي الناشئ حول علم الوراثة ما فوق الجينية، الذي يعتبر أن الجينات تحمل بصمة المجاعة لأجيال لاحقة ما يعني أن أطفال الناجين من المجاعة قد يرثون قابلية للإصابة بالأمراض المزمنة أو مشكلات الصحة النفسية. 

وأشار فخري إلى أن هذا “الإرث البيولوجي” يُضاعف الصدمة الاجتماعية والنفسية، ويضمن امتداد ظلال المجاعة إلى ما وراء ضحاياها المباشرين لأجيال لاحقة.

من جانبها، نبّهت المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، جولييت توما، في حديث خاص إلى “الشرق”، من أن تأثير سوء التغذية يمتد إلى ما هو أبعد من المخاوف الصحية المباشرة؛ فهو يؤثر على التحصيل العلمي والإنتاجية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي.




واعتبرت توما أن “إغلاق المدارس في غزة لمدة تقرب العامين، يعرِّض حوالي 660 ألف طفل إلى خطر أن يصبحوا جيلاً ضائعاً، ويشكل الافتقار إلى التعليم، إلى جانب تبعات سوء التغذية وظروف المعيشة السيئة والندوب النفسية العميقة، التي تشكل تهديداً خطيراً على مستقبلهم، هذا المزيج من المشاكل طويلة الأمد، سينعكس على الصحة العقلية، وإعاقة النمو المعرفي، ويؤدي إلى ظهور التطرف، ما يهدد مستقبل المنطقة بأسرها”.

وتشدد توما على ضرورة أن تشمل خطط “اليوم التالي” للحرب الأطفال، عبر التركيز على التعليم وإعادة التأهيل الشاملة.

إسرائيل والأونروا

في تقريره المقدم، 24 يوليو الماضي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي حمل عنوان “الجوع والحق في الغذاء، مع التركيز على السيادة الغذائية للشعب الفلسطيني” ذكر فخري أن “إسرائيل لا تهاجم الفلسطينيين في غزة فحسب، بل تزيد من هجماتها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية ومخيمات اللاجئين في المنطقة من خلال تقويض حقهم في الغذاء والسيادة الغذائية”.

وذكر التقرير أنه “في عام 2023، استولت إسرائيل على أراضٍ فلسطينية أكثر من أي عام آخر في السنوات الثلاثين الماضية”. 

وفي الوقت نفسه، سُجل أعلى مستوى من عنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، مما تسبب في نزوح عدد قياسي من الفلسطينيين. 

وكان النقل القسري للفلسطينيين، وكثير منهم من المزارعين والرعاة، ناجماً في الغالب عن عنف المستوطنين وتقييد الوصول للفلسطينيين بموافقة أو رضى السلطات الإسرائيلية”.

أما في غزة، فقد عمدت إسرائيل إلى استهداف وكالة “الأونروا”، واتهمت موظفين فيها بارتباطهم بهجمات السابع من أكتوبر.

وأورد التقرير أنه استناداً إلى هذا الادعاء الذي لا أساس له من الصحة، ودون مزيد من الأدلة، هددت 16 من أكبر الجهات المانحة للأونروا على الفور بحجب تمويلها المستقبلي، ونظراً لأن الأونروا هي المصدر الرئيسي للمساعدات الإنسانية في غزة، فقد أدى هذا على الفور إلى زيادة خطر المجاعة في القطاع.

واعتبر أن أكثر من 1.5 مليون فرد يعيشون في 58 مخيماً للاجئين الفلسطينيين المعترف بهم في الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، يتعرضون إلى شكل من أشكال العقاب الجماعي، عبر جعل الغذاء وغيره من أساسيات الحياة محفوفة بالمخاطر.

غزة: كارثة من صنع الإنسان

وتصف تقارير الأمم المتحدة الوضع الإنساني الكارثي في غزة، بأنه من “صُنع الإنسان”، وترى أنه كان بالإمكان تفاديه، لو توفرت الإرادة السياسية لذلك.

وفي هذا الإطار، قال ينس لايركه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة، في لقاء خاص مع “الشرق”، إن الوضع في غزة “مزرٍ والجوع منتشر في جميع أنحاء القطاع، ولا سيما في الشمال”، مضيفاً أنه “تلقينا في بداية هذا الشهر، تحذيراً شديد اللهجة من لجنة مراجعة المجاعة، قالت فيه إن المجاعة ربما هي في طور أن تصبح واقعاً بالفعل”.

وتعتمد الأمم المتحدة في إحصائياتها حول الوفيات وسوء التغذية على السلطات الصحية في غزة، التي كانت تشهد تطوراً للغاية قبل الحرب.




وذكر لايركه بأنه “تم قصف النظام القائم حتى انتهى تماماً، لذا من الصعب جداً الحصول على بيانات دقيقة، ولكن من المؤكد أن الأطفال يموتون من نقص الغذاء أو العواقب المترتبة على سوء التغذية”. 

وأضاف: “لقد رأينا السلطات الإسرائيلية تمنع تقريباً أي واردات تجارية، وترفض طلباتنا بإدخال المساعدات مرة تلو الأخرى” مشيراً إلى أن المساعدات التي تصل إلى غزة أدنى بكثير من مستوياتها المطلوبة، وهناك فجوة بين احتياجات السكان الفعلية والموارد المتاحة.

كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد من السوء؟

يجيب لايركه أنه “من الجدير أن نتذكر ما حدث العام الماضي، لقد تم تدمير نظام إنتاج الغذاء في قطاع غزة بالكامل تقريباً، فـ 70% من الأراضي الزراعية دُمرت أو حُرقت، وقُتل ما يصل إلى 95% من الماشية وهي مصادر غذائية مهمة للغاية، وذلك قضى على الإنتاج المحلي من الغذاء والبروتين، والحليب بشكل كامل تقريباً أيضاً، ما أدى إلى انهيار الإنتاج الغذائي المحلي”.

وذكر أن هذا الأمر “جعل السكان يعتمدون على ما يصلهم من المساعدات التي لا تلبي احتياجاتهم، إذ شهدنا تراجع دخول المساعدات بسرعة، وخاصة خلال الأشهر القليلة الماضية، مع تدمير الإنتاج المحلي للغذاء وندرة المساعدات الواردة، وعلينا ألا نتفاجأ من أننا وصلنا الآن إلى حالة المجاعة”.

الموت من تداعيات نقص الغذاء

وبخصوص تداعيات نقص الغذاء، قال لايركه إن “هذه المأساة بعينها؛ لأننا لا نستطيع وصف ما يحصل بالمجاعة من الناحية الفنية إلا عندما يبدأ الناس بالموت بأعداد كبيرة؛ بسبب نقص الغذاء والأمراض المرتبطة به”.

وأضاف: “يصعب علينا في كثير من الأحيان أن نقول إن الناس يموتون بسبب نقص الغذاء؛ لأن ما يسبب الموت في الواقع هو حقيقة أن أجسادهم تصبح ضعيفة للغاية إذ لا تستطيع مقاومة العدوى البسيطة التي قد تصيبها كل يوم، والتي قد تجد المقاومة من أجساد وجهاز المناعة في الظروف العادية”.

وتابع:”عندما تكون جائعاً تماماً، يصبح جهاز المناعة لديك ضعيفاً للغاية، ولا يمكنك مقاومة هذه العوارض البسيطة، وهذا ما يموت الناس بسببه، أي المشاكل الصحية الناتجة مباشرة عن عدم تناول كمية كافية من الطعام، وهذا ما يحصل في غزة”.

ويشير التقرير الأخير الصادر عن مبادرة IPC “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” في قطاع غزة إلى أن الوصول إلى الغذاء انحدر إلى مستويات حرجة ويستمر في التدهور بسرعة.




ففي الفترة بين أغسطس وسبتمبر 2024، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في القطاع بنسبة 11% ، في حين ارتفع مؤشر أسعار المواد الغذائية بنسبة 77%، وعند مقارنة مؤشر أسعار المستهلك السابق والحالي، تلحظ زيادة إجمالية بلغت 283% مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الغذائي بنسبة 312%.

ويلقي التقرير نظرة واقعية على القفزة الجنونية في أسعار المواد الأساسية، إذ “ارتفع سعر غاز الطهي بنسبة 2612%، والديزل بنسبة 1315%، والخشب بنسبة %250، وحفاضات الأطفال بنسبة 620%، وبالتزامن مع الارتفاع الشديد والمتزايد لأسعار السلع الأساسية، انهارت تماماً سبل العيش، بحيث أصبح من الصعب شراء أو مقايضة الغذاء وغيره من الاحتياجات الأساسية، إذ انخفضت فرص العمل والدخل إلى مستويات قياسية”.

تكتيكات فصل العنصري غذائي ممنهج

وأكد فخري أن “التجويع شكّل استراتيجية طويلة الأمد تهدف لإضعاف وتهجير الشعب الفلسطيني”، معتبراً أن “هذه الأفعال ليست عشوائية، بل هي جهود ممنهجة للاستيلاء على الأراضي وإخضاع السكان”، ويربط المقرر الخاص بالغذاء، الانتشار السريع للمجاعة في غزة، بسياق تاريخي للأحداث، “فهو جاء نتيجة لعقود من التحضير المسبق، وضع السكان خلالها على حافة الجوع؛ بسبب الحصار والقيود قبل وقت طويل من اندلاع الصراع الحالي”.

وقال إن هذا التحضير المُسبق “سمح لحملة التجويع أن تحدث بسرعة فائقة وعلى نطاق غير مسبوق، ما جعل 2.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في غضون أشهر، فقبل التصعيد الحالي كان 80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية”، ومنذ عام 2000 حتى عام 2023، فُرض حصار كامل على غزة، وهذا يشير إلى أن الأزمة الحالية ليست حادثة معزولة، بل هي تتويج لسنوات من الحرمان المنهجي”.

واعتبر فخري أنه بالنظر إلى الوضع الغذائي للفلسطينيين من منظور “الفصل العنصري الغذائي”، هو أمر بالغ الأهمية لفهم الديناميكيات التي لعبت دوراً في تاريخ تحكم إسرائيل بمصادر غذاء الفلسطينيين، “فالفصل العنصري الغذائي لا يعني أن إسرائيل تستخدم الغذاء كسلاح فحسب، بل إنها تفعل ذلك بطريقة تجرّد الشعب الفلسطيني من إنسانيته، عن طريق الحرمان المنهجي من الوصول إلى الغذاء والموارد على أساس العنصرية والإثنية”.

وتابع: وهذا يعكس استراتيجية أوسع نطاقاً للسيطرة والهيمنة، عبر تكتيكات تستخدم لإضعاف السكان الفلسطينيين، وفرض السيطرة على الأراضي، مثل الأنظمة الزراعية، واستهداف الصيادين، وفرض القيود على الحركة والتجارة والتنقل، وهذا ليس مجرد نتيجة ثانوية للصراع، بل هو جزء لا يتجزأ من سياسات وممارسات القوة المحتلة.

اليوم التالي لحرب غزة

وأبان فخري أن اليوم التالي للحرب في غزة سيكون بداية لحرب من نوع آخر، متوقعاً “ألا تنتهي الأزمة الإنسانية، وستتطلب إعادة إعمار غزة أكثر من مجرد إعادة بناء البنية التحتية، إذ ستتطلب مواجهة الضرر الاجتماعي والنفسي الناجم عن المجاعة”.

وحمل المجتمع الدولي، بما في ذلك إسرائيل وحلفاؤها، مسؤولية أخلاقية لمعالجة هذه الصدمة، وضمان أن يتمكن الشعب الفلسطيني من إعادة بناء حياته بكرامة. 

وقال: “يجب أن تُعطى الأولوية في جهود إعادة الإعمار لتحقيق الأمن الغذائي، والوصول إلى الرعاية الصحية، ودعم الصحة النفسية، ويجب تزويد الناجين بالأدوات والموارد اللازمة للشفاء، على الصعيدين الفردي والجماعي”.

وشدد فخري على ضرورة أن تبقى المساءلة في صميم الاهتمام فبدون العدالة، ستستمر دورة الصدمات والتهجير، والعدالة الحقيقية للشعب الفلسطيني تتطلب أكثر من إعادة بناء البنية التحتية، أي تحتاج معالجة الأسباب الجذرية لمعاناتهم “الاحتلال، وحرمان الفلسطينيين من تقرير المصير، وأزمة اللاجئين”، وطالما استمرت هذه المظالم، لن يكون هناك “يوم تالي للحرب”، مطالباً بأن يكون حق العودة وحق تقرير المصير في صميم أي حل.

حصار المعابر والمجاعة

ارتبط قطاع غزة تاريخياً بمحيطه بسبعة معابر أساسية، تقلصت مع الوقت لتُختصر بمعبري رفح وكرم أبو سالم، اللذين خصصا خلال الحرب الحالية لإيصال المساعدات الإنسانية بشكل متقطع إلى غزة، لكن المعابر، التي فتحت وأغلقت ثم فتحت وأغلقت تكراراً، لم تكن في أي وقت من الأوقات كافية لإيصال ما يكفي من المساعدات، لكن المأساة الكبرى وقعت عند إغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر.

وقال لايركه إن هذا المعبر “كان الشريان الرئيسي لوصول المساعدات، حتى إغلاقه في شهر مايو الماضي، ومنذ ذلك الحين، لم يسمح بالوصول الشامل للمساعدات، بما في ذلك عبر المعبر المستحدث شمال بيت حانون، معتبراً أن ما يجب أن يحدث هو فتح العديد من المعابر الحدودية، والسماح بتدفق حر لكميات ضخمة من المساعدات إذا كنا نريد تجنب المجاعة التي تتطور في قطاع غزة.

وتؤكد توما على أن الحديث عن إعادة فتح معبر جديد “لم يحسن واقع الحال على الأرض”، وأن “الأونروا غير مخولة باستخدامه رغم كونها الأكثر تجهيزاً في غزة للتعامل مع المساعدات، ولا يمكن استبدالها بأي منظمة إنسانية أخرى”، لأن المنظمات الباقية تعتمد بشكل أساسي على البنية التحتية التي أسستها الأونروا منذ عشرات السنين في قطاع غزة لاستقبال وتوزيع المساعدات على أشكالها.

عصابات نهب المساعدات

وإلى جانب الخطر الأمني والاستهداف المتكرر لقوافل المساعدات، تنقل تقارير من غزة أنباء عن عصابات نهب محلية منظمة بالتنسيق مع قوات الاحتلال تعمد إلى نهب المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع.

وقال لايركه، إن الأمم المتحدة “سجلت هذا العام وحده 75 حادثة سرقة لقوافل المساعدات من جماعات مسلحة، لا نعرف بالضبط من هم، ولا مع من يتعاونون”. 

وأضاف: قبل أيام أرسلنا قافلة كبيرة جداً تضم حوالي 100 شاحنة، تعرضت للهجوم، وسُرقت المساعدات، وسُرقت العديد من الشاحنات أيضاً، وهذه عصابات إجرامية نشأت داخل قطاع غزة وتزايدت مع الوقت، وهذا الأمر يتطور؛ بسبب الافتقار إلى القانون والنظام، إذ لا وجود للشرطة على الإطلاق، والافتقار لإنفاذ القانون في غزة ساهم في تكاثر هذا النوع من الجرائم.

تأسست”وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى” الأونروا ، بموجب القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن من ديسمبر من عام 1948 للعمل بموجب المسمى الذي تحمله تجاه اللاجئين الذين تشردوا من بلدهم، نتيجة استيلاء إسرائيل على أراضيها، في ما يُعرف بـ”نكبة” عام 1948، وكان عددهم حينها نحو 750 ألف لاجئ توزعوا على لبنان، والأردن وسوريا، إلى جانب من نزحوا داخلياً وعاشوا، والأجيال التي تلتهم في مخيمات في قطاع غزة والضفة الغربية.

وارتفع عدد اللاجئين الفلسطينيين، الذين يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا إلى نحو 5 ملايين و900 ألف لاجئ، بحسب إحصائيات الوكالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *