اخبار تركيا

طريق حلب.. الجهاد في أبهى صوره

أرسين جليك يني شفق

ورد في كتاب “السيرة النبوية” لابن هشام أن رسول الله ﷺ، قال لسيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حينما كلمه من أجل مفتاح الكعبة: “إنما أعطيتكم ما ترزؤون ، ولم أعطكم ما ترزؤون”.

وقد أورد المترجم محمد يازجي تعليقًا على هذا النص قائلاً: “كان توفير الماء للحجاج عملاً يتطلب جهدًا كبيرًا، ماديًا ومعنويًا. وقد أراد النبي ﷺ أن يكون أهل بيته الكرام لشرفهم ومكانتهم، في مقام مَن يعطون مِن أموالهم ويقدمون الخير للناس، وليس مَن يأخذون منهم”.

ذاك النبي الكريم الذي هاجر من موطنه مكة بعد أن تعرض لأشد أنواع الظلم، وكانوا قد خططوا لقتله في الليلة الأخيرة قبل هجرته. ورغم ذلك، كانت عودته إلى مكة مليئة بالإنسانية، لتصبح نموذجًا يُحتذى به في نظام الحكم الإسلامي. وفي تاريخ الفتوحات الإسلامية، كان دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة هي المعيار دائمًا، ففي المقام الأول يُصان المستأمن ولا يُتَعرض له، ويُقام العدل بروح الإسلام وأخلاقه.

عندما شاهدت مقطع الفيديو الذي يظهر فيه عنصران من قوات المعارضة في حلب وهما يوزعان الشوكولاتة على الأطفال في الشوارع، تبادر إلى ذهني على الفور فتح مكة وتسلم النبي ﷺ إدارتها ومفاتيح الكعبة.

لا تلقوا بالاً لما قالته الفنانة الكبيرة صباحات أكيراز، التي تُعد “سلطانة الأغنية الشعبية”، حين صرحت ” العلويون يُقتَلون في حلب اليوم. والمدينة واقعة في قبضة الجهاديين” لقد أظهر زعيم الحركة التركمانية زياد حسن أخلاقاً حميدة ورقيًا واحتراماً عندما لم يقل “إنك تكذبين”، بل قال: “أفترض أنك حصلت على معلوماتك من مصادر خاطئة للغاية”.

وإذا لم تشاهدوا حديث المرأة المسيحية الحلبية، فعليكم أن تطلعوا عليه: “كل شيء في المدينة كما كان في السابق. بعد يومين سنحتفل بعيد القديسة بربارة، ويوم 25 هو عيد الميلاد. نحن نستعد لذلك. حفظكم الله”.

ولكن لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح “الجهاديون”، الذي أصبح الشيفرة السرية للطائفية في منطقتنا، يجب أن يُقتلع من الألسن. أولئك الذين يسعون لوصم جميع المسلمين، وخاصة أهل السنة، بهذه التهمة الإمبريالية، هم أنفسهم يمارسون الطائفية بأبشع صورها. علينا أن ندرك هذه الحقيقة أولا.

كل من يقاتل العدو ويقف في وجه الظالم من أجل وطنه وبيته وعائلته وجيرانه وكرامته وشرفه، ومن أجل دينه وإيمانه أي في سبيل الله، فإنه مجاهد. تأملوا أهل غزة، الذين يجاهدون منذ 15 شهرًا. إن الإمبرياليين الذين حاولوا اقتحام إسطنبول عبر بوابة جناق قلعة لم يتمكنوا، رغم تفوقهم العسكري، من التغلب على الروح الجهادية لأولئك الذين دافعوا عن وطنهم حفاة الأقدام. وكذلك جنودنا الذين عبروا إلى قبرص في عملية عسكرية، كانوا في جهاد. ولا يزال الجنود الأتراك الذين يواجهون إرهاب تنظيم “بي كي كي” منذ عام 1982 ويقدمون أرواحهم في سبيل الوطن، في حالة من الجهاد المستمر.

وكذلك الذين اضطروا لمغادرة حلب قبل 12عامًا، وهُجروا منها بسبب المجازر وعادوا إليها اليوم بروح الانضباط العسكري، ليستعيدوا وطنهم من أيدي الظالمين والقتلة هم أيضاً مجاهدون.

نشر الأخ آيدين أونال أمس قائمة كاملة بالجهات المستاءة من فتح حلب أمس. وكان من بينهم تنظيم “بي كي كي” الإرهابي، تنظيم “بي واي دي”، وسياسيون، ومشاهير، وأذرع الغرب في تركيا وعملاء إسرائيل. جميعهم تقريباً يتحدثون بلغة مشابهة للصهاينة. ومن المثير للاهتمام أننا قرأنا عناوين رئيسية عن التدخل الشيعي الذي استمر ساعتين وترك آثارًا لا تمحى. ومن اللافت أيضاً أننا رأينا هجمات وقلق طائفي من أولئك الذين لم يسألوا ولم يتساءلوا أبدًا عن سبب وجود إيران في حلب، وهي مدينة ذات أغلبية سنية.

أود أن أؤكد مرة أخرى: حتى لو لم نتمكن من فعل أي شي. يجب على غزة أن تعيدنا إلى رشدنا وأن تعيد بناءنا من جديد. إذا كنا نسعى لمحاربة المحتلين والمجرمين وامتداداتهم الإرهابية على حدودنا، فعلينا كسر القوالب التي وضعونا فيها. نعم، عادت حلب إلى من يحاربون من أجل العودة إلى ديارهم التي طردوا منها قسراً. لذلك، فإن أولئك الذين استعادوا حلب وتل رفعت ليسوا من تنظيم داعش الذي صنعته أمريكا. وإلا لكانوا يتقدمون وهم يقطعون الرؤوس وفقًا للعقلية البريطانية. فهذه هي الصور التي كانوا يبحثون عنها ويأملون في رؤيتها منذ أيام.

لقد مزق الحاج خالد نبهان، جد الطفلة ريم (روح الروح) الملابس التي كان يرتديها “الجهاديون” المنتمون إلى داعش، والتي كان يرتديها المسلمون المدافعيون عن أوطانهم والمقاومون للاحتلال. وقد تجلت روح الحاج خالد النضالية الوطنية في حلب أيضًا.

أملنا أن تزدهر حلب، وتعم الفرح والمسرات، وأن يأتي اليوم الذي نتمكن فيه من الوصول إليها من غازي عنتاب في غضون ساعتين.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *