صراع حقوق المرأة في العراق.. أمة على مفترق طرق
في بلد طغت عليه عقود من الصراعات والتعقيدات الثقافية، لا تزال النساء في العراق يعانين من مستويات مقلقة من العنف وعدم المساواة المنهجية.
ورغم تزايد الوعي وحملات المناصرة، فإن العنف المنزلي، ومحدودية الحماية القانونية للنساء المعنفات، فضلاً عن المعايير الاجتماعية السائدة التي تزيد من تحديات مستمرة، ما يسلط الضوء على الجهود الأخيرة للناشطين والمنظمات على التقدم والعقبات الكبيرة التي تواجهها النساء في العراق المعاصر.
أزمة العنف المنزلي
تظهر الإحصائيات صورة قاتمة، مثل ما يبدو من حقيقة أن 77% من النساء العراقيات يتعرضن للعنف داخل منازلهن، وفقاً لتقارير محلية. وهناك قلق متزايد من القبول العام لهذا الواقع (في الثقافة الاجتماعية السائدة)، حيث ترى 63% من النساء أن العنف المنزلي مبرر في ظروف معينة.
وتشير بيانات وزارة الصحة العراقية إلى تسجيل أكثر من 300 حالة اعتداء جسدي وجنسي ضد النساء في الأشهر الستة الأولى من عام 2024. ومع ذلك، يُرجح أن تكون هذه الأرقام تمثل جزءًا بسيطاً فقط من الحالات الفعلية، حيث يؤدي “الخجل” من التبعات الاجتماعية، وعدم الثقة في إنفاذ القانون، إلى منع العديد من النساء الضحايا من طلب المساعدة.
وقد أطلق ناشطون حملة، استمرت 16 يوماً في نوفمبر 2024، لتسليط الضوء على هذه القضايا. وجمعت المبادرة مسؤولين حكوميين وممثلين من حول العالم وناشطين محليين في بغداد. ورغم نجاحها في لفت الانتباه إلى معاناة النساء العراقيات، إلا أنها أظهرت ثغرات مستمرة على كل من مستوى السياسات وكذا سيادة القانون.
التحديات التشريعية في البرلمان
ظلت الجهود لمعالجة العنف المنزلي عبر التشريعات متقطعة في أفضل الأحوال. اذ يفتقر العراق إلى قانون وطني شامل يجرّم العنف المنزلي، باستثناء إقليم كردستان الذي أقر مثل هذا التشريع في عام 2011.
القوانين المقترحة، مثل قانون مناهضة العنف الأسري الذي طال انتظاره، لا تزال عالقة في البرلمان. ويعزو الناشطون التأخيرات إلى الأجندات السياسية المتضاربة، المقاومة الاجتماعية، والنقاط المثيرة للجدل مثل إنشاء ملاجئ للناجيات. ويرى بعض النواب أن هذه الإجراءات قد تقوض تماسك الأسرة.
الأمر الأصعب الذي يثير القلق هو الجهود التشريعية التي تسير باتجاه تراجع حقوق المرأة وليس العكس، إذ أثارت تعديلات قانون الأحوال الشخصية في العراق، بما في ذلك اقتراحات خفض سن الزواج القانوني إلى 9 سنوات، غضب جماعات حقوق الإنسان التي تحذر من زيادة زواج الأطفال والاستغلال.
سيادة القانون: عقبات في التنفيذ
حتى في حالة وجود القوانين، يظل التنفيذ تحدياً كبيراً. ويشير المدافعون عن حقوق المرأة إلى أن الأعراف الثقافية وضعف المؤسسات تعرقل تعرقل حماية قانونية للنساء الضحايا. ويعد ضمان العدالة أمراً صعباً بشكل خاص للنساء المهمشات، اللواتي غالباً ما يواجهن مصاعب مالية وتهديدات بالانتقام.
وتشير فاطمة الحلفي، العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان، إلى قضايا منهجية في القضاء. وتقول: “صعب أن تضمن النساء الإبلاغ عن إساءة أو اعتداء، وأن تضمن المشتكية الأمان في الوقت نفسه، فلكي ترى المشتكيات قضاياهن تصل إلى حل مقبول، لا يتطلب الأمر أطراً قانونية فقط، لكن أيضاً آليات قوية للتنفيذ والحماية”.
الحلول وجهود المناصرة
رغم هذه التحديات، يواصل الناشطون ومنظمات المجتمع المدني الدفع باتجاه الإصلاح. ويطالبون بقانون وطني للعنف الأسري، وعقوبات أشد على الجناة، وزيادة التمويل للملاجئ وخدمات الدعم.
كما تُعتبر برامج التدريب لأفراد الشرطة والقضاء أساسية لضمان التعامل الحساس والفعال مع القضايا.
وتُعد حملات التثقيف التي تستهدف الشباب استراتيجية رئيسية أخرى. ويعتقد المدافعون أن تغيير المواقف المجتمعية تجاه حقوق المرأة يجب أن يبدأ مع الجيل القادم. وتشدد نبراس المعموري، رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات، على دور الإعلام والقادة المجتمعيين في تفكيك الصور النمطية المؤذية وتعزيز ثقافة الاحترام.
الاهتمام الدولي والتأثير المحلي
كان دور المنظمات الدولية أساسياً في تعزيز أصوات النساء العراقيات. ومع ذلك، يؤكد الناشطون أن التغيير الحقيقي يتطلب جهوداً محلية مستدامة ومساءلة حكومية.
تقول شميران موركل، أمينة سر جمعية المرأة العراقية: “بينما يعد الوعي العالمي ضرورياً، يجب أن تكون الحلول متجذرة في المجتمع العراقي. بدون إصلاحات قانونية وتغيير ثقافي، ستستمر ظواهر العنف والتمييز”.