قانون شامل أم مجزئ.. الجمهوريون يبحثون مسارات دفع أجندة ترمب
يسعى الجمهوريون في مجلس النواب الأميركي إلى دمج كافة أولوياتهم، بما يشمل أمن الحدود، والطاقة، والسياسة الضريبية، في مشروع قانون واحد ضخم، بينما يفضل الجمهوريون في مجلس الشيوخ تقسيم “الأجندة” إلى مشروعين كبيرين، أحدهما يتناول الحدود والطاقة أولاً، والآخر يشمل السياسة الضريبية.
ويحاول الجمهوريون تضييق الخلافات داخل الحزب بشأن كيفية تمرير “أجندة” الرئيس المنتخب دونالد ترمب، بينما يعكس هذا الانقسام مخاوف البعض من أن الحزمة الشاملة قد تواجه عقبات سياسية وقانونية، في حين يرى آخرون أن تجزئة التشريعات قد تؤدي إلى تأخير تحقيق الأهداف الكبرى للأجندة.
وفي تحول لافت عن موقفه السابق، عدّل ترمب من خططه التشريعية لتمويل أجندته، فبعدما كان يدعو إلى تمرير “مشروع قانون كبير” لتمويل أولوياته، أبدى استعداداً للنظر في بدائل بعد مواجهة معارضة من داخل حزبه الجمهوري.
الخطة التي طرحها ترمب تشمل تمديد التخفيضات الضريبية، التي أقرت خلال ولايته الأولى، وزيادة التمويل لوكالات أمن الحدود والهجرة، وإجراء إصلاحات واسعة في سياسات الهجرة، بالإضافة إلى رفع سقف الدين أو إلغائه بالكامل، رغم غموض التفاصيل المتعلقة بكيفية تحقيق ذلك.
وقال ستيف سكاليز، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، الثلاثاء، إن تفاصيل الخطة لا تزال قيد المراجعة، لكن الأهداف الرئيسية واضحة. وأضاف للصحافيين: “هدفنا تمرير مشاريع قوانين تعالج أولوياتنا التشريعية بسرعة وكفاءة.”
ومن المتوقع أن يلتقي السيناتور الجمهوري مع ترمب، في وقت لاحق الأربعاء، بهدف مناقشة استراتيجية تشريعية محورية تتعلق باستخدام أداة المصالحة لتمرير أجندته.
ويهدف اللقاء إلى تحديد ما إذا كان من الأفضل دمج حزمة القوانين المتعلقة بالطاقة، والضرائب، وتمويل الحدود في مشروع قانون واحد شامل، أو تقسيمها إلى مشروعين منفصلين.
وفي ظل الأغلبية الضئيلة التي حصل عليها الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ عقب انتخابات 2024، أصبحت أداة المصالحة التشريعية الخيار الأساسي لتمرير مشاريع ترمب الكبرى.
وتُعد المصالحة آلية تشريعية تتيح تمرير القوانين بأغلبية بسيطة داخل مجلس الشيوخ، مما يلغي قدرة الديمقراطيين على استخدام “الفليبسستر” Filibuster لتعطيل التشريعات.
و”المصالحة التشريعية” هي إجراء تم إقراره بموجب قانون الموازنة لعام 1974، بهدف تبسيط عملية إقرار القوانين التي تؤثر على الميزانية الفيدرالية، مثل الضرائب والإنفاق وسقف الديون.
وتتيح هذه الأداة للأغلبية الحاكمة تمرير مشاريع قوانين بأغلبية بسيطة (50 صوتاً بالإضافة إلى صوت نائب الرئيس في حالة التعادل) في مجلس الشيوخ، متجاوزة عتبة الـ60 صوتاً المطلوبة عادةً لتجنب تعطيل Filibuster.
السياقات التاريخية لاستخدام المصالحة
رغم أن المصالحة أُنشئت كـ”أداة فنية” لضبط الموازنة، فإنها أصبحت وسيلة لتمرير تشريعات المثيرة للجدل دون الحاجة إلى توافق بين الحزبين. كما حدث في الثمانينيات، حينما استُخدمت لتمرير التخفيضات الضريبية الكبرى، التي اقترحها الرئيس رونالد ريجان.
وفي عام 2010، لجأ الديمقراطيون إلى المصالحة لتمرير أجزاء حيوية من قانون الرعاية الصحية “أوباما كير”، بعد فقدانهم الأغلبية المؤهلة في مجلس الشيوخ.
وفي ولاية ترمب الأولى عام 2017، استغل الجمهوريون “المصالحة” لإقرار قانون ترمب الخاص بالتخفيضات الضريبية والوظائف.
واستعان الديمقراطيون بهذه الأداة لتمرير قانون خفض التضخم Inflation Reduction Act، وهو حزمة تشريعية ضخمة ركزت على قضايا رئيسية مثل الاستثمار في الطاقة النظيفة، وخفض كلفة الأدوية الموصوفة، وتقليص العجز الفيدرالي.
ونظراً لعدم حصول الديمقراطيين على 60 صوتاً في مجلس الشيوخ لتجاوز Filibuster، استخدموا “المصالحة” لتجنب الحاجة إلى دعم جمهوري واسع. ومُرر القانون بأغلبية بسيطة (50 صوتاً ديمقراطياً بالإضافة إلى صوت نائبة الرئيس كامالا هاريس لكسر التعادل).
أبرز العوائق
ورغم قوة أداة المصالحة التشريعية في تسريع إقرار القوانين بأغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ، فإنها تأتي مع عوائق صارمة تحد من فعاليتها. أبرز هذه العوائق هو “قاعدة بيرد”، التي تفرض أن تكون جميع البنود المدرجة ذات تأثير مباشر على الميزانية الفيدرالية، مما يعني أن البنود ذات الطابع السياسي أو الاجتماعي غير المرتبطة بالضرائب أو الإنفاق يمكن أن تُحذف من مشروع القانون.
يُضاف إلى ذلك التحديات السياسية، حيث يتطلب تمرير مشاريع المصالحة إجماعاً شبه كامل داخل الحزب الحاكم، وهو أمر صعب في ظل الانقسامات الداخلية.
كما أن القوانين التي تمر عبر المصالحة غالباً ما تفتقر إلى الدعم الحزبي المشترك، مما يجعلها عرضة للإلغاء أو التعديل عند تغير ميزان القوى في الكونجرس.
كما أن مشاريع القوانين في الكونجرس تخضع لمراجعة دقيقة من قبل خبراء تشريعيين، بمن فيهم Senate Parliamentarian، وهو مسؤول غير حزبي ومستقل يقدم استشارات بشأن تفسير قواعد وإجراءات مجلس الشيوخ.
ويتمثل دوره في تحديد ما إذا كانت بنود مشروع القانون تلتزم بالمعايير المحددة، مثل تأثيرها المباشر على الموازنة في حالة قوانين المصالحة. ورغم أن المشرعين يملكون خيار تجاوز أحكام البرلماني، إلا أن ذلك يُعد خطوة نادرة وغير مستحبة.
وأكد زعيم الأغلبية الجديد في مجلس الشيوخ، جون ثون، أن الجمهوريين يجب أن يحترموا أحكام البرلماني لضمان سير العملية التشريعية بشكل صحيح.
الخلاف الجمهوري بين قانون واحد أو اثنين
يرى ترمب ورئيس مجلس النواب مايك جونسون، أن تمرير مشروع قانون شامل سيكون أكثر فاعلية، حيث يمكن دمج جميع الأولويات – مثل توسيع التخفيضات الضريبية، وتمويل أمن الحدود، وإصلاح الهجرة – في تصويت واحد.
ويقول جونسون إن “مشروع القانون الكبير” سيوفر فرصة لحسم القضايا بسرعة وبشكل حاسم.
ومع ذلك، يعارض بعض الجمهوريين هذه الفكرة، محذرين من أن دمج جميع الأولويات في حزمة واحدة قد يؤدي إلى تعطيل المشروع بالكامل إذا لم يتمكنوا من تأمين الإجماع اللازم.
اجتماعات مكثفة لتحديد الأولويات
وعلى مدار الأسبوع الجاري، يعقد الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ اجتماعات في “الكابيتول هيل” لتحديد الأولويات التي سيتم تضمينها في الصيغة النهائية للتشريعات.
وتشمل النقاشات مقترحات، مثل تقليص الإنفاق الفيدرالي عبر الوكالات الحكومية، وسط تسريبات تشير إلى إمكانية إلغاء وزارة التعليم بالكامل، وهي خطوة دعا إليها ترمب في حملته الانتخابية لنقل الإشراف على المدارس إلى السلطات المحلية.
وأعرب النائب جريج ميرفي، الجمهوري عن ولاية نورث كارولينا، عن دعمه لهذه الخطوة قائلاً: “لا نحتاج إلى حكومة مركزية تفرض سياساتها على الولايات بشأن كيفية تعليم أطفالها”. كما أيد ميرفي مقترحات لخفض التمويل الفيدرالي المخصص لبرامج التنوع والشمول والطاقة الخضراء.
في المقابل، يتعهد الديمقراطيون بمواجهة هذه التحركات، محذّرين من تأثيرها على ملايين الأميركيين الذين يعتمدون على البرامج الفيدرالية.
وأعربت النائبة الديمقراطية، تيري سيويل، عن قلقها من أن تؤدي هذه التخفيضات إلى تقليص برامج مثل “ميديكير” والضمان الاجتماعي وبرامج المساعدات الغذائية SNAP.
غير أن رئيس مجلس النواب أكد، الثلاثاء، أن التخفيضات في الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية لن تكون جزءً من الحزمة التشريعية التي يجري العمل عليها.
الديمقراطيون للجمهوريين: حظاً سعيداً
ينظر الديمقراطيون من الجانب الآخر للمشهد بشيء من “الشماتة”، كما تصفها صحيفة “بوليتيكو”. فالتحديات التي تواجه الجمهوريين الآن، بما في ذلك الأغلبية الضئيلة في الكونجرس وتعقيدات المصالحة التشريعية، ليست بعيدة عن التجربة التي خاضها الديمقراطيون بأنفسهم قبل 4 سنوات.
في بداية رئاسة جو بايدن، عانى الديمقراطيون من مشكلات مشابهة أثناء محاولة تمرير أجندتهم الطموحة. في النهاية، اضطروا إلى تقسيم خطتهم إلى مشروعين رئيسيين: الأول لحزمة مساعدات اقتصادية مرتبطة بالجائحة، والثاني لحزمة إنفاق اجتماعي كبيرة. تلك المداولات التشريعية استغرقت العامين الأولين من رئاسة بايدن، ما أدى إلى تباطؤ تنفيذ بعض الأولويات.
ويشكك الديمقراطيون في قدرة الجمهوريين على تنفيذ خططهم بنجاح. النائب الديمقراطي جيم ماكجفرن توقع أن “يواصل الجمهوريون الفشل الذي كانوا عليه في الكونجرس السابق”. واصفاً بعض القضايا التي يناقشونها بأنها “تتجاوز حدود المعقول”.
أما النائب الديمقراطي، جيمي جوميز، اختصر موقفه حول الجدل الجمهوري بقوله “حظاً سعيداً. يجب عليهم أولاً أن يحددوا استراتيجيتهم. يبدو أن ترمب يتأثر بآراء آخر شخص يتحدث معه، وهو ما يفسر التردد بين مشروع قانون واحد أو قانونين. هذه الفوضى تعرقل أي مفاوضات وتؤخر تحديد ما يمكن تضمينه في الحزمة التشريعية.”