التعاون العربي التركي: نهاية للمشروع الصهيوني وتحول في التحالفات السياسية
اخبار تركيا
قال الصحفي والكاتب المصري عامر عبد المنعم إن تعاون الدول العربية مع تركيا يضع نهاية للمشروع السياسي الصهيوني، الذي تم الترويج له خلال العقد الماضي، وهو العداء لكل ما هو إسلامي والحرب على الهوية الراسخة منذ ظهور الإسلام.
وأكد عبد المنعم في مقال بموقع الجزيرة نت أن هذا المشروع ثبت فشله، لأنه وافد غريب على المجتمعات المسلمة، وقد أوصل هذا المشروع الدول التي تبنته إلى التبعية للإسرائيليين في النهاية.
ولفت إلى أن العودة إلى الثوابت الإسلامية في تأسيس التحالفات وإدارة الصراعات لم يعد وجهة نظر، وإنما واقع لا يمكن تجاهله، فالشعوب اليوم لم تعد تقبل الانسلاخ من عقائدها وأخلاقها وثوابتها الحضارية.
وأوضح أن احترام الهوية هو الطريق الوحيد لترشيد الغلو والقضاء على الإرهاب، الذي يضخمه البعض ويستدعيه لصناعة صراعات سياسية، لاستنزاف دولنا حكاما ومحكومين إلى الأبد.
وفيما يلي نص المقال:
التحديات التي تنتظر العالم العربي مع قدوم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تقتضي تغيير تحالفات العرب القديمة، وبناء تحالف جديد مع تركيا، فالقادم يحتاج كيانات كبيرة متماسكة، ولن تستطيع كل دولة منفردة الصمود أمام العواصف، التي رأينا مقدماتها في غزة، حيث انهار النظام الدولي بسبب الفيتو الأمريكي، وفشل العالم في وقف إبادة الفلسطينيين، وعجز عن التصدي لمجرمي الحرب الإسرائيليين الذين خرجوا عن السيطرة.
إذا كان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته بايدن قد شارك نتنياهو في كل جرائمه حتى اليوم الأخير من رئاسته وفضح الهزيمة الاستراتيجية للعرب؛ فإن ترامب قبل أن يدخل البيت الأبيض عبر عن تجاهله للنظام الدولي، حيث أعلن عن نيته ضم كندا وغرينلاند وقناة بنما للولايات المتحدة، وهذا يعني أننا سنرى نظاما دوليا فوضويا، وإعادة رسم الخرائط بالقوة، وهدم ما كان مستقرا منذ الحرب العالمية الثانية.
الخطر الذي يعيشه العالمان العربي والإسلامي منذ بداية طوفان الأقصى هو الجنون الإسرائيلي حيث يقود الكيان الصهيوني مجموعات من غلاة المتطرفين الذين يجاهرون بأطماعهم التوسعية في كل الاتجاهات لإقامة ما يسمى “إسرائيل الكبرى” وسيزداد طموحهم مع قدوم ترامب الذي صرح بأن مساحة “إسرائيل” الحالية صغيرة” وأنه يؤيد توسيعها!
بعد فترة من التردد في تقبل التغيير في سوريا حدث تحسن تدريجي في الموقف العربي، فقد ظهر الارتباك منذ البداية في قمة العقبة الشهر الماضي، التي تبنت المطلب الأمريكي الأوروبي بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي يدعو للتفاوض بين المعارضة السورية وبشار الأسد! ولكن تحسن الموقف في اجتماع الرياض بشأن سوريا أول أمس، حيث كانت القرارات إيجابية، تدعو لتقديم الدعم والنصح والمشورة بما يحترم استقلال سوريا وسيادتها، وشددوا على أن مستقبل سوريا هو شأن السوريين، مؤكدين وقوفهم إلى جانب خيارات الشعب السوري، واحترام إرادته.
طالب وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن ولبنان وتركيا الأطراف الدولية برفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على سوريا، وأشادوا بالخطوات الإيجابية التي قامت بها الإدارة السورية الجديدة في مجال الحفاظ على مؤسسات الدولة، واتخاذ نهج الحوار مع الأطراف السورية، والتزامها بمكافحة الإرهاب، وإعلانها بدء عملية سياسية تضم مختلف مكونات الشعب السوري، بما يكفل تحقيق استقرار سوريا وصيانة وحدة أراضيها، وألا تكون مصدر تهديد لأمن واستقرار دول المنطقة.
وهي توصيات جيدة تقطع الطريق على التدخلات الغربية التي تريد التدخل في الشأن السوري وإفساد الفترة الانتقالية.
نتمنى أن تكون المواقف المعلنة من الدول العربية هذه المرة لا تختلف عما يقال للأمريكيين والأوروبيين في الغرف المغلقة، وأن لا يتكرر الخطأ الذي ارتكبه البعض في التعامل مع غزة منذ بداية العدوان، عندما أسروا لنتنياهو وبايدن بأنهم يكرهون حماس، وأنهم موافقون على التعاون مع الإسرائيليين لإدارة غزة، مما أوصل الفلسطينيين إلى الوضع المأساوي الذي نشاهده اليوم.
بناء على ما تم إعلانه في اجتماع الرياض فإن سوريا قربت بين العرب وتركيا؛ فالإدارة السورية الجديدة تعاملت بحكمة في تقديم نفسها، وأظهرت حنكة في تهدئة المخاوف، خاصة التأكيد على عدم تصدير الثورة، والتزامها بمحاربة الإرهاب، رغم محاولات التشويش والتشكيك بناء على الخلفيات السابقة، التي كانت ة بظروف لم تعد موجودة الآن.
طوال القرن الماضي كانت السياسة الغربية تعمل على بث الكراهية بين العرب والأتراك لإضعاف الطرفين، لأن في اتحادهما قوة للعالمين العربي والإسلامي، ونجح المكر في عزل تركيا عن العرب ثم في تقسيم العرب إلى دويلات، وإثارة الصراعات بين الدول العربية وتحريض بعضها على بعض، حتى كان آخر فصول الانقسام قبل طوفان الأقصى التطبيع الصهيوني وتأسيس “تحالف أبراهام” حيث كانت علاقات بعض الدول العربية بإسرائيل أقوى من العلاقات العربية العربية.
آفاق التعاون بين العرب والأتراك كبيرة، فالتحالف السياسي على أساس الهوية والعقيدة المشتركة والانتماء لحضارة واحدة سيعيد للعالم الإسلامي قوته في فترة التحولات، فالأخطار لن ترحم الدول المختبئة خلف حدودها، فالرئيس الأمريكي الجديد الذي يلتهم دولا حليفة ولا يتورع عن استخدام القوة للتوسع لن يرحم من يتحرك بشكل منفرد، وسنرى تكرار التجربة في كل مكان حيث ستجد الدول القوية الأبواب مفتوحة لالتهام الدول الأضعف منها.
تركيا اليوم دولة قوية ومؤثرة ولها شأن في حركة التغيير في محيطها، ولا يمكن تجاهلها، وقد استطاع أردوغان أن يحمي استقلاله بتصنيع الأسلحة الحديثة التي تحسم الحروب، مثل الطائرات الشبحية ومنظومات الدفاع الجوي والمسيرات التي نجحت في حسم معارك ضد دول غربية كبرى (فرنسا في ليبيا وروسيا في إدلب وروسيا وفرنسا في حرب أرمينيا مع أذربيجان) وقد استفادت الكثير من الدول العربية والإفريقية من السلاح التركي المتطور، خاصة مع رفض الدول الغربية بيع الأسلحة المتقدمة لتظل إسرائيل أقوى من العرب والمسلمين مجتمعين.
من أهم نتائج طوفان الأقصى توجيه ضربة للعلو الصهيوني، ومنع تنصيب “إسرائيل ” زعيمة للمنطقة من خلال السيطرة على الدول العربية بالممر الاقتصادي، الذي يربط الهند بأوربا عبر الكيان الصهيوني وقبرص واليونان، أما الآن فإن تحرير سوريا يفتح طريقا جديدا لنقل الغاز والنفط الخليجي إلى أوربا عبر الأراضي العربية إلى تركيا، مع الإبقاء على قناة السويس كشريان حيوي للنقل البحري بعد أن كانت مهددة بالمشروع الإسرائيلي بالخروج من حركة التجارة العالمية.
تعاون الدول العربية مع تركيا يضع نهاية للمشروع السياسي الصهيوني، الذي تم الترويج له خلال العقد الماضي، وهو العداء لكل ما هو إسلامي والحرب على الهوية الراسخة منذ ظهور الإسلام، وهو المشروع الذي ثبت فشله، لأنه وافد غريب على المجتمعات المسلمة، وقد أوصل هذا المشروع الدول التي تبنته إلى التبعية للإسرائيليين في النهاية.
العودة إلى الثوابت الإسلامية في تأسيس التحالفات وإدارة الصراعات لم يعد وجهة نظر، وإنما واقع لا يمكن تجاهله، فالشعوب اليوم لم تعد تقبل الانسلاخ من عقائدها وأخلاقها وثوابتها الحضارية، فاحترام الهوية هو الطريق الوحيد لترشيد الغلو والقضاء على الإرهاب، الذي يضخمه البعض ويستدعيه لصناعة صراعات سياسية، لاستنزاف دولنا حكاما ومحكومين إلى الأبد.