رئيس «الصداقة للمكفوفين» يروي مسيرته لـ«الوطن».. حسين الحليبي: تجربتي ابنة هذا الوطن.. وبمثابرتي أكملت دراستي الجامعية – الوطن
حمدي عبدالعزيز
الملك ربتَ على كتفي أمام وجهاء المنامة.. وأنا محظوظ بدعم القيادة
.
فقدت البصر في السنة الثانية خلال دراستي في جامعة عين شمس بمصر
.
كنت أول حالة فقدان بصر بين المبتعثين والظلام زادني إصراراً على التعلم
.
حوار «طه حسين.. هل يتكرر في الخليج؟» أعادني للبعثة الدراسية في القاهرة
.
فقدت البصر في السنة الثانية خلال دراستي في جامعة عين شمس بمصر
.
كنت أول حالة فقدان بصر بين المبتعثين والظلام زادني إصراراً على التعلم
.حوار «طه حسين.. هل يتكرر في الخليج؟» أعادني للبعثة الدراسية في القاهرة
قال رئيس جمعية الصداقة للمكفوفين حسين الحليبي، أنه لا يفضل لقب «طه حسين الخليج» لأنه ربما يكون هناك من يستحقون اللقب أكثر منه، فضلاً عن أن تجربته التي تجاوزت الأربعة عقود ببضعة أعوام تركزت في ميدان التطوع رغم تقاطعها مع الأدب والشعر والكتابة، لذلك يحب أن يلقب بـ «حسين الحليبي البحرين والخليج».وأكد أنه محظوظ بدعم القيادة الحكيمة التي شجعته، متذكراً أن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم ربت على كتفه ومنحه الكلمات الطيبة أمام وجهاء المنامة قائلاً جلالته: «هذا من رجال الهمم»، مضيفاً أنه محظوظ أيضاً بجيله الذي سانده أثناء الدراسة الجامعية عندما فقد بصره، وبأسرته التي تدعمه، وبالزملاء ورموز المجتمع والشركاء الذين ساعدوه على كتابة قصة نجاح خليجية وعربية في جمعية الصداقة للمكفوفين وتمكينها من أداء رسالتها.وأضاف الحليبي أنه لم يتوقف عن العطاء للحظة واحدة منذ عام 1981، وساهم في تخريج أجيال من الطلاب تبوؤا مواقع كثيرة، ولا زالت بينه وبينهم الكثير من الذكريات الطيبة، كما عمل على تعزيز ريادة جمعية الصداقة للمكفوفين من خلال مشروعاتها الرائدة خليجياً وعربياً.وأشار إلى أن الجمعية تعمل على تحقيق المزيد من الدمج الاجتماعي للمكفوفين في المستقبل، من خلال دعم مشاركاتهم في الأنشطة الاجتماعية والتطوعية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في توفير فرص عمل بديلة وجديدة لذوي الإعاقة البصرية.وذهبت «الوطن» مع «حسين الحليبي البحرين» في رحلة ممتعة عبر الزمن، لمعرفة سر لقب «طه حسين الخليج»، وأبرز محطاته الأسرية والمهنية والتطوعية والشعرية، إضافة إلى حكايات ثرية عن الإنسان والزمان والمكان، تكشف عن جمال وثراء وريادة تجربته التطوعية والوطنية.. فإلى نص الحوار:هل تحب لقب «طه حسين الخليج»؟ لا. لأنه ربما يكون هناك الأجدر مني، وتجربتي ابنة هذا الوطن والمجتمع، وتركزت في ميدان التطوع، رغم تقاطعها كثيراً مع الشعر والكتابة.ومن أين تود أن نبدأ الحكاية؟ تبدأ خلال الدراسة الابتدائية مع أقراني المبصرين حيث كنت مبصراً كالبقية، وفي السنة الخامسة الابتدائية بدأت بالشعور بضعف بسيط في السمع لم أتأثر به كثيراً، وفي أواخر المرحلة الإعدادية شعرت أيضاً بضعف بسيط في النظر واستعنت عليه بنظارة طبية، وواصلت تعليمي حتى أنهيت المرحلة الثانوية العامة، القسم الأدبي عام 1974.ومتى فقدت البصر؟ فقدته في السنة الثانية من دراستي في جامعة عين شمس بمصر، وكنت حصلت على بعثة من وزارة التربية والتعليم لدراسة اللغة العربية. كنت من المبصرين حينها وأعاني بعض الصعوبات في النظر مع النظارة الطبية، وفي أواخر السنة الجامعية الثانية بدأ التراجع الشديد في النظر، وبناءً على نصيحة من قبل الملحق الثقافي بسفارة البحرين في القاهرة عبدالله الشملان، بتعليق الدراسة والتوجه للبحرين لاستكمال العلاج عدت إلى البحرين قبل الامتحان بأسبوعين فقط، وتم إرسالي إلى ألمانيا للعلاج، ولكن شاءت الأقدار أن أنضم إلى الأحباء من ذوي الإعاقة البصرية.هل كانت العودة للدراسة في القاهرة سهلة في ظل الظروف الجديدة؟ طلبتُ من وزارة التربية والتعليم إعادتي إلى القاهرة لاستئناف الدراسة، وفي البداية كان هناك تحفظ من الوزارة لأنني أول حالة فقدان بصر بين الطلبة المبتعثين، وهذه مسؤولية كبيرة، وقابلت الشاعر الكبير علي عبدالله خليفة في مكتبة دار الغد في المنامة، فاتصل بالصحفي الكبير علي سيار وأخبره بالموضوع وطلب أن يجري معي مقابلة، وبالفعل تمت المقابلة ونشرها في مجلة «صدى الأسبوع» تحت عنوان: «طه حسين: هل يتكرر في الخليج؟».ثم جاءني اتصال مباشرة من الوزارة، قالوا لي فيه إن وزير التربية والتعليم الراحل الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة رحمه الله، وافق على عودتي لاستئناف الدراسة على أن أتعهد بأن أتحمل مسؤولية نفسي لأنني سأذهب بلا مرافق إلى هناك.بصراحة: هل أثر البصر على مستواك الدراسي ورغبتك في التعلم؟ أبداً!. فقد قام زملائي معي بالواجب وكان معي د. مهدي الشويخ وجمال الصياد والمهندس جليل شبيب الذين شجعوني وساعدوني، ولا أخفيك كانت الدراسة صعبة، ولكنني طلبت زميلاً راسباً لأنه يذاكر مواد قليلة، وكان يساعدني في قراءة المحاضرات والتوصيل للكلية.وزادني الظلام إصراراً على التعلم؛ فقد منحني قوةً وإصراراً لتأكيد الذات وذلك من جانبين شغفي بالعلم والإصرار، وقد انطلقت بين الطلبة بعد أن كنت مبصراً وتحولت إلى كفيف بروح كبيرة منحني الله إياها وإصرار أكثر، مما كان بكثير تأكيداً لأهمية العلم وتحديت الصعاب وأنهيت دراستي بالحصول على درجة ليسانس الآداب في اللغة العربية بتقدير عام جيد مرتفع.ما هي أول فكرة طرأت في ذهنك بعد النجاح في الجامعة؟ بعد التخرج من الجامعة والحصول على درجة الليسانس كنت أرغب في العودة مرة أخرى لمواصلة الماجستير بمزيد من الأمل والثقة بعد النجاح الأول، وقد تقدمت إلى وزارة التربية والتعليم بهذا الطلب وحظيت بالموافقة المبدئية ثم الاعتذار، وظل الأمل معلقاً حتى حصلت على فرصة لدراسة دبلوم دراسات عليا في التربية بجامعة البحرين.ما هي هواياتك؟ وهل تغيرت قبل وبعد الإعاقة البصرية؟ كنت مولع بالقراءة وما زلت، ووقتذاك كنت أذهب إلى المكتبات وأكتب البحوث ومنها «قضية الخلود عند جلجامش» الذي نال إعجاباً كبيرة من الدكتورة بالكلية، و»قضية الانتماء في الشعر»، و»شخصية عنترة بن شداد» وناقشت فيه قضايا الحب والحرية والإنسانية.وهل طلبتك الوظيفة بعد الجامعة أم تأخرت؟!بعد شهرين فقط، التحقت بسلك التدريس بمعهد النور للخليج العربي للمكفوفين «المعهد السعودي البحريني للمكفوفين حالياً» عام 1980، وعملت معلماً للغة العربية وأحياناً تضاف إليه التربية الإسلامية لمدة 14 عاماً، ثم عينت مدرس أول بالمعهد لمدة 20 عاماً حتى تقاعدت في عام 2013.ما هي ذكرياتك مع طلبة المعهد التي ما تزال محفورة في وجدانك؟ أتذكر أن مبدأي كان «أنسنة التعليم»، كنت أحب طلابي وكانوا قريبين من عمري وهم طلاب من البحرين والسعودية ودول الخليج العربي والأردن والسودان والصومال.وكنت أدرسهم في أجواء من التشويق، فلم أكن أعتمد على الكتاب المدرسي فقط، بل أزودهم بمعلومات ثقافية، لذلك كانت كل تقارير الموجهين عني بتقدير امتياز.هل استغرق الزواج وقتاً طويلاً بعد الوظيفة؟ حصلت على قسيمة أرض من المغفور له، صاحب العظمة الأمير الراحل عيسى بن سلمان، وبنيت بيتي، وفكرت في الزواج، والحمد لله تزوجت عام 1983 من إنسانة مثقفة ومخلصة، ورزقني الله بثلاثة أولاد وبنتين، ربيناهم وعلمناهم وتخرجوا جميعاً من الجامعة.وأولادي لم ينخرطوا مثلي في ميدان التطوع، ولكنهم متفهمين وأجد منهم كل الدعم والمساندة، فأنا محظوظ بهم مثل والدتهم.لكل مبادرة رائدة فصول من العمل والنجاح.. نود منك أن تسرد أبرز فصول جمعية الصداقة للمكفوفين؟ بعد وجودي في المعهد بشهور كان عام 1981 هو السنة الدولية للمعاقين وبالتعاون مع المكفوفين والمبصرين من المدرسين والطلبة تمكنا من الحصول على موافقة لتأسيس الجمعية عام 1981، وبدأنا بلا مقر ولا ميزانية فقط الإرادة والرغبة، وظلت الجمعية في المحرق 10 أعوام، وكنا نلتقي في المعهد كمقر أول وبعدها انتقلنا من مقر إلى آخر حتى تمكنا من استئجار مقر وإيجاد سيارة للجمعية.وبمنحة من المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل حصلنا على قسيمة أرض لبناء الجمعية بمساهمة وتبرع من أهل الخير، وتوسع بعد ذلك ليتناسب مع الطموحات والأهداف التي كبرت في نفوس أعضائها.وكانت أول خطوة هي فك طوق العزلة عن المكفوفين ومنحهم الثقة في أنفسهم وتشجيعهم على التعلم والعطاء، ونجحنا نجاحاً كبيراً.ثم بدأنا ننفذ أنشطة اجتماعية وثقافية ورياضية واجتماعية حسب احتياجاتهم. فأنشأنا مركز الصداقة للأطفال المكفوفين «بدأت باسم روضة الصداقة للمكفوفين» منذ 33 عاماً وكانت مشروعاً رائداً عربياً للجمعية، وما زال، وخرجت أجيالاً متميزة واحتلوا مناصب ومواقع متميزة.وافتتحت الروضة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم قرينة جلالة الملك المعظم، كما دعمتنا سموها بعد ذلك في ملتقيين خليجيين، شارك في كل ملتقى 80 كفيفاً خليجياً، وعلى مدار أسبوع كامل كانوا يشاركون في أنشطة اجتماعية وثقافية ورياضية.ثم أطلقت الجمعية مشروعاً رائداً عربياً هو «رحلات النور»، حيث قام أول رئيس للجمعية الشيخ أحمد بن سلمان آل خليفة، ورئيس تحرير أخبار الخليج أحمد كمال الدين، وبروين كازروني بتشكيل لجنة يرأسها الشيخ عيسى بن راشد، وأرسلت الجمعية 27 حالة للعلاج في ألمانيا بعضهم استرجع بصره وبعضهم حافظ على البقية منه.ومن مشروعاتنا أيضاً «الرحلات الإيمانية» حيث أطلقنا 18 رحلة عمرة للمكفوفين ومرافقيهم، في كل رحلة 30 40 كفيفاً.كما نظمت الجمعية معسكرين للمرأة الخليجية الكفيفة برعاية الرئيسة الفخرية سمو الشيخة زين بنت خالد آل خليفة، وركز المعسكران على دعم المهارات الحياتية للمرأة الكفيفة. وجزيل الشكر والامتنان لسمو الشيخة زين بنت خالد على الدعم اللامحدود الذي تقدمه سموها للجمعية لمساندة ذوي الإعاقة البصرية وتمكين الجمعية من تحقيق أهدافها والارتقاء بنشاطاتها.ونفخر برئاسة سموها الفخرية للجمعية، كما نفخر بالعضوية الفخرية لرموز مجتمعية مثل: الشيخة مرام بنت عيسى آل خليفة، ود. مصطفى السيد، وسبيكة الفضالة، ومريم العريض، وصديق المدرسة رؤوف الصالح.كما نظمت الجمعية أسبوع الكفيف البحريني، ويشمل أنشطة متنوعة تعزز مهارات الكفيف وتعزز دمجه الاجتماعي برعاية بروين كازروني.وما هي نظرتكم للمستقبل فيما يتعلق بالأنشطة والبرامج؟ تواصل الصداقة للمكفوفين تطوير مشاريعها وخصوصاً حصول المكفوفين على الأجهزة الذكية التي تيسر أعمالهم وحياتهم، ونطمح إلى البحث عن مهن ووظائف جديدة وبديلة بما يعزز توظيف المكفوفين عن طريق الذكاء الاصطناعي، كما نعمل على تعزيز المشاركات الاجتماعية والدولية لأعضاء الجمعية.ماذا تمثل لك جمعية الصداقة للمكفوفين؟ الجمعية جزء من حياتي، وانتمائي لها أثمر عضوية مؤسسات كثيرة داخل وخارج البحرين، ومنها الاتحاد العربي للمكفوفين، الذي فزت بعضوية مجلس إدارته لثلاث دورات وتوليت مسؤولية لجنة الإعلام، وأصدرت أول مجلة له في البحرين «إشراقة»، كما صدر أول كتاب للاتحاد في المملكة برعاية الديوان الملكي، الذي دعمنا أيضاً عند استضافة اجتماعات الاتحاد في البحرين.هل تتذكر أول محطة لك في رحلتك مع الشعر؟ بدأت التجربة الشعرية بشكل متواضع مع بداية فقدان بصري، ولم أكن أعرف بحور الشعر والأوزان والقوافي وقتها، ثم تطورت تجربتي بالقراءة والممارسة وأصبح لي الكثير من القصائد التي تم تلحينها وغناؤها من طلاب المعهد السعودي البحريني للمكفوفين.وكيف تطورت تجربتك الشعرية بمرور الوقت؟ شاركت في عدة مناسبات سواء كانت وطنية أو دينية أو إنسانية خاصة بالمعاقين والتطوع، والحمد لله حزت على المركز الأول في الوطن العربي بالحصول على جائزة حاكم الشارقة في قصيدة «إلى الخلد يا زايد». وكان ذلك حافز لي لأن أقدر من قيادة خليجية وعلى المستوى العربي، فهو تكريم للبحرين ولجمعية الصداقة للمكفوفين ولأحبتي من ذوي الإعاقة وأخيراً تكريم لي.وما هي أحدث قصائدك؟ قصيدة ألقيتها في مؤتمر المؤسسة الوطنية لخدمات المعوقين برئاسة الشيخ دعيج بن خليفة آل خليفة، بمناسبة اليوم العالمي للمعاقين، ديسمبر 2024 بعنوان «العوق نبض إلهام»، وفيها أقول:جئنا وآمال الأحبة تبسممن «أرمد» رمق المعالي يلهم.من منبع غيداق للعلم ارتوىعذب الزلال ونعم فيض يحلميمضي بميدان الإرادة جلمداًما إنفك عن قهر المحال الضيغم.وأحدث قصائدك الوطنية؟جينا بالمحبة اليوم نرسم للوطن بسمةعلى ثغر المسا لاحت تحيي للأمل عزمهمن نبض الوفا يبقى عشقنه للوطن ذمةتناشدنا لجل عينه نمضي بشوق وبهمةلجل عين الوطن تبسم إرادتناما هي أبرز التكريمات التي حصلت عليها طوال مسيرتك؟ حصلت على وسام الكفاءة من الدرجة الثانية من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم تقديراً لجهودي في خدمة ذوي الإعاقة، كما نلت العديد من الأوسمة من ول مجلس التعاون الخليجي، والمركز الأول في الشعر لذوي الإعاقة من حاكم الشارقة الشيخ د. سلطان القاسمي، كما كرمت في عيد العلم مرتين، وحصلت على شهادات تكريم وتقدير تحتاج إلى صندوق كبير!.هل أنت راضٍ عن دور الإعلام في خدمة ذوي الإعاقة؟ نعم. لقد أسهم الإعلام وفي مقدمتهم «الوطن» في خدمة ذوي الإعاقة وإبراز إبداعاتهم ونجاحاتهم وتغيير نظرة المجتمع إليهم، ونحتاج إلى المزيد من الدعم خصوصاً في مجالي التوظيف والزواج وتأسيس أسرة.أخيراً.. تحية حب وتقدير إلى من توجهها؟ أوجهها إلى والدتي رحمها الله التي تحملت الكثير من الأعباء والعناء واستطاعت أن تصنع مني بما وفقني الله إليه ولوالدي، ولجميع زملائي في جامعة عين شمس وجامعة البحرين، الذين كانوا سنداً لي، ولأحبائي في المعهد السعودي البحريني وجمعية الصداقة للمكفوفين، وأخيراً ما حظيت به من وطني العزيز من محبة وتقدير وتشجيع، فكلهم جميعاً يستحقون مني أسمى معاني الثناء والعرفان.