إعدامات بريف حمص والإدارة الجديدة تنفي صلتها وتعد بالمحاسبة
شنت جماعات مسلحة مداهمات على عدة قرى في ريف حمص الغربي بسوريا، خلال الأيام الماضية، وسط اتهامات من الأهالي بارتكاب المسلحين عمليات قتل واعتقال بدوافع “طائفية وسياسية”، فيما أدانت الإدارة السورية الجديدة الهجمات، وتعهدت بمحاسبة المتورطين، مؤكدة عدم صلتها بمن وصفتها بأنها “عصابة” نفذت هذه الأعمال.
وذكر عدد من الأهالي أن هجمات المسلحين استهدفت بشكل خاص أشخاصاً تتهمهم بأنهم كانوا ضمن قوات نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وذلك في قرى فاحل وشينة ومريمين والقبو وخربة الحمام والغزيلة وخربة التين والمجيدل وجبورين وقنية العاصي وتسنين.
وتزامنت الحوادث مع عمليات تمشيط شنها “الأمن العام” التابع للإدارة السورية الجديدة في مدينة حمص وأريافها، بحثاً عمن تصفهم بـ”فلول نظام الأسد” أو رافضي تسليم أسلحتهم.
وأدانت الإدارة السورية الجديدة الهجمات، وأعلنت أنها اعتقلت بعض المشتبه بهم في ارتكابها، مؤكدة أنه لا علاقة لها بمن وصفتها بأنها “عصابة” نفذت هذه الأعمال، كما اعتبرت إدارة “الأمن العام” أن ما حدث في هذه القرى ناتج عن “تصرفات فردية أو مجموعات تدعي انتماءها لقوات الأمن”، ووعدت الأهالي بملاحقة مرتكبي الانتهاكات ومحاسبتهم.
فاحل.. “الأكثر تضرراً”
وقال ناشط حقوقي في بلدة فاحل، شمال غرب حمص، لـ”الشرق”، إن المسلحين قتلوا 16 شخصاً بعد تعذيبهم بطرق وحشية، ورمي جثثهم في الأحراش الزراعية، بينهم مدنيون ومهندسون وعمال وعسكريون.
وتقع بلدة فاحل، في الريف الشمالي الغربي لمحافظة حمص، وتبعد 45 كيلومتراً عن مركز المدينة، وتقطنها غالبية من الطائفة العلوية، ويقدر عدد سكانها بنحو 17 ألف نسمة، وتعتبر ذات طبيعة جبلية.
وأوضح الناشط الحقوقي أن الجماعات المسلحة اعتقلت 58 شخصاً من أبناء القرية، إضافة إلى عمليات “نهب وسرقة وعبث بالممتلكات”، نافياً وقوع أي اشتباك بين أهالي البلدة والعناصر المسلحة، واعتبر أن “البلدة مسالمة، ولا يوجد فيها أي مظاهر للعنف”.
وأضاف أن “سكان البلدة رفضوا استغلال الفاجعة، مع تأكيدهم على أهمية قطع الطريق على الفتن، والحفاظ على علاقات طبيعية وأخوية مع كل القرى المجاورة، بعد تلقيهم وعوداً رسمية بمحاسبة المتسببين”.
ولفت إلى أن “الكثير من الأهالي دفعوا أموالاً أو مصوغات ذهبية للمسلحين مقابل إطلاق سراح أبنائهم، قائلاً إن أحد المحررين خرج مقابل 14 عبوة زيت زيتون”.
وحكى أحد أهالي القرية وقائع قتل نجله بعد إنزاله من حافلة عند مفرق قرية، قائلاً: “صعد شخصان مسلحان إلى الحافلة، وسألا هل يوجد علويون، فأجاب شابان أحدهما ابني أنهما من العلويين، فطلب منهما المسلحان النزول من السيارة”. وتابع: “صبيحة اليوم التالي، وجدنا جثة ابني وصديقه في مكان يبعد بنحو 100 متر عن مكان اختفائهما”، وتساءل: “ما ذنب ابني الوحيد أن يُغدر به من شخص وإطلاق الرصاص على جبينه من المسافة صفر؟”.
وكشف مصدر عن “عقد اجتماع بين نائب محافظ حمص وعدد من سكان قرى فاحل وشينة والقبو، مع وعود بالإفراج عن 18 شخصاً لا يزالون قيد الاحتجاز”.
مريمين.. “نهب واختطاف”
وشهدت قرية مريمين التي يقطنها سكان من الطائفتين العلوية والمرشدية، “انتهاكات أقل” مقارنةً بما وقع في قرية فاحل، وفق السكان، الذين أكدوا وقوع حالات اختطاف مع اعتداء على الممتلكات وسرقة.
وقالت ناشطة إعلامية من قرية مريمين لـ”الشرق” إن “مجموعات مسلحة يطلق عليها اسم أبو سياف وأبو خالد وأبو سفيان، اقتحمت القرية، الخميس 23 يناير الجاري، من الجهة الجنوبية، وأطلقت الرصاص من الرشاشات الخفيفة والمتوسطة (دوشكا)، بهدف إرهاب الأهالي”.
وأضافت أن “بعض عناصر المجموعات المقتحمة اعتدت بالضرب المبرح على الأهالي، مع تفتيش المنازل وسرقتها، والعبث بصور لرموز من الطائفة المرشدية”.
والطائفة المرشدية في سوريا هي مذهب ديني منشق عن العلوية، تعود جذورها إلى النصف الأول من القرن العشرين، ويعيش أبناؤها حالياً في قرى وبلدات متفرقة في محافظتي اللاذقية وحمص ودمشق وريفها ومنطقة سهل الغاب.
وأشارت الناشطة إلى أن “اقتحام العناصر المسلحة لقرية مريمين أسفر عن حالة قتل واحدة”.
ونوهت إلى أن “عدد المنتسبين للجيش والشرطة في القرية محدود، وغالبية أبنائها من المثقفين والحاصلين على شهادات عليا، وأكثر من نصفهم معارضون سابقون لنظام الأسد”.
وذكر شاب آخر من أبناء قرية مريمين، رفض الكشف عن اسمه، في حديث لـ”الشرق”، أن “غالبية المجموعات التي دخلت إلى القرية ملثمة، ونفذت عمليات إهانة وإذلال وتعذيب للأهالي ومن بينهم كبار سن”، لافتاً في الوقت نفسه إلى “وجود مجموعات محدودة منضبطة أبدوا مستوى عالياً من الأخلاق والاحترام”.
وأوضح أن المسحلين اقتادوا عدداً من شباب القرية إلى ساحة الحارة الشمالية، وأهانوهم وضربوهم وعذبوهم بطريقة وحشية، لافتاً إلى حدوث حالات “نهب وسرقة للممتلكات والمصوغات الذهبية”.
وأشار إلى أن “محافظ حمص زار القرية ونفى معرفته بالمجموعات المقتحمة، كما وعد بملاحقتهم والقبض عليهم وإنزال أقصى العقوبات بحقهم، وأكد رفضه لأي انتهاك يمس بالرموز والمقدسات الدينية”.
“نعرات طائفية”
من جانبه، تحدث رئيس المجلس الإسلامي العلوي، وإمام جامع علي بن أبي طالب في حي وادي الذهب بحمص، الشيخ محي الدين سلوم، لـ”الشرق”، عن “حالات قتل واعتقال خلال عمليات تمشيط في ريف حمص”.
وقال سلوم إن الوقائع بدأت في قرية شينة بالريف الغربي لحمص، حين قتل المسلحون شخصين واحتجزوا 8 آخرون، فضلاً عن قتل 3 في قرية خربة الحمام، و5 في قرية الغزيلة، و2 في قرية خربة التين، وإصابة آخر لرفضه تقليد صوت الكلب (عواء)، مع “وفاة طفلة دون خمسة أعوام بعد نوبة بكاء أدت إلى توقف قلبها، نتيجة ضرب والدها أمامها بشكل مبرح”.
وتابع سلوم: “المسلحون دمروا مقاماً دينياً في قرية المجيدل بقصد إثارة النعرات الطائفية، وقتلوا شخصاً في قرية القبو”.
ووصف سلوم ما حدث في بلدة فاحل بأنه “مجزرة”، قائلاً إن الجماعات المسلحة اعتقلت 23 تمت تصفية 16 منهم، واحتجاز 7 آخرين معظمهم أجرى تسوية لوضعه مع الإدارة السورية الجديدة”.
وأضاف رئيس المجلس الإسلامي العلوي “نتج عن عمليات تمشيط في قرى جبورين وقنية العاصي وتسنين تصفية 8 أشخاص بعمليات انتقامية من أشخاص غير محسوبين على الهيئة (تحرير الشام)”.
وذكر أن “الدخول إلى مريمين، والاعتداء على المقدسات والرموز الدينية كان سبباً لاندلاع احتجاجات غاضبة، مما دفع محافظ حمص لزيارة المنطقة لتهدئة النفوس، والإعلان عن تشكيل لجنة لمتابعة التطورات وتكليف مدير العلاقات العامة في المحافظة ونائب المحافظ لزيارة أهالي الضحايا وتقديم التعزية لهم، والاستماع لمطالب الأهالي”.
ولفت سلوم إلى أنه “مع دخول عناصر الهيئة (تحرير الشام) إلى حمص كان خطابهم عقلانياً وموزوناً، لكن كان هناك عدم دراية أو سيطرة على بعض الأشخاص، وهو ما أدى لحصول حالات تهدف إلى ضرب استقرار محافظة حمص، وإثارة النعرات الطائفية”.
وأوضح سلوم أنه “تلقي وعوداً من المسؤولين بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات ومنع تكرارها، والتأكيد على مبدأ السلام والتعايش بين جميع المكونات في المحافظة”.
وعود بالمحاسبة
وخلال الأسبوع الجاري، انعقدت عدة اجتماعات بين الأهالي وممثلي الإدارة السورية الجديدة في بعض قرى حمص.
وكشفت مصادر أهلية حضرت اجتماعاً في قرية فاحل أنه “تم الاتفاق على وقف عمليات التمشيط، والاكتفاء بملاحقة المطلوبين المتورطين بالدم بعد الرجوع لمختار المنطقة أو الحي، مع إلغاء مراكز التسوية التي أساء بعض أفرادها للأهالي”.
ولفتت المصادر إلى اجتماع آخر في قرية خربة الحمام أكد خلاله ممثلو الإدارة الجديدة على “محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي حصلت بحق الأهالي، وضمان عدم تكرارها، وضرورة التعاون بين جميع الأهالي لضمان السلم الأهلي، مع إطلاق سراح 16 شخصاً من المعتقلين”.
وأشارت المصادر إلى أن المشاركين في الاجتماعات أقروا بأن “الفاعلين لا ينتمون إلى الهيئة بشكل قطعي، لكنهم أشخاص تصرفوا بشكل فردي وستتم محاسبتهم”.
وأكد مدير العلاقات العامة في محافظة حمص حمزة قبلان، في تصريحات سابقة لـ”الشرق”، أن “قوات الأمن العام شنت حملات أمنية، هدفها استهداف العناصر الخارجة عن القانون في ريف حمص، واستمرت لعدة ساعات، مع تمشيط المنطقة وتوقيف عدد من الشخصيات المشتبه بها، ضمن لوائح محددة”.
وأضاف قبلان: “فوجئنا بعد انتهاء الحملة الأمنية ببعض الانتهاكات التي حصلت، ما دفع إلى استنفار قواتنا الأمنية لمتابعة ما حدث”، وأعرب عن “أسفه لقيام مجموعات إجرامية بالدخول خلف الحملة، والعثور على جثامين لبعض الأهالي”.
وشدد قبلان على أن “التحقيقات جارية، مع إلقاء القبض على أي مجموعة متورطة أو تدور حولها شكوك بارتكاب انتهاكات في المنطقة”.
يشار إلى أن وزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال السورية نفذت عدداً من حملات التمشيط شملت غالبية أحياء وأرياف محافظة حمص، مع اعتقال أكثر من 800 شخص، تم الإفراج حتى الآن عن 365 منهم، بعد ثبوت عدم تورطهم بأي انتهاكات أو جرائم.
وذكرت وسائل إعلام مقربة من الإدارة السورية الجديدة أن الحملات أفضت إلى اعتقال مسؤول سابق في سجن صيدنايا وعناصر مسلحة مرتبطة بالنظام السابق مع ضبط كميات من الأسلحة والذخائر.