اخر الاخبار

هل ينهي حلّ “حراس الدين” وجود “القاعدة” في سوريا

بعد نحو ست سنوات من الضغط المحلي والدولي، أعلن “حراس الدين” فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا عن حل نفسه، في 28 من كانون الثاني الحالي، وهو ما كتب نهاية علنية لأحد أبرز فروع “القاعدة” عالميًا، لكن ذلك يطرح سؤالًا بشأن مستقبل وجود “القاعدة” في سوريا.

الظهور العلني لـ”القاعدة” في سوريا بدأ بعد الخلاف بين “جبهة النصرة” و”دولة العراق الإسلامية”، إذ أعلنت “النصرة” في نيسان 2013 بيعتها لـ”القاعدة” الذي يعتبر التنظيم الأم لـ”النصرة” و”الدولة الإسلامية”.

بدأ ظهور تنظيم “القاعدة” في سوريا أواخر العام 2011، حين بدأ عناصره بدخولها تحت شعار “نصرة أهل الشام”.

لا يعني نهاية “القاعدة” في سوريا

الباحث المتخصص بدراسة الحركات الإسلامية وتحولات “السلفية الجهادية” الدكتور عزام القصير، أكد أن حل “حراس الدين” جيد لأن ارتباطاته الخارجية كانت ستستمر في خلق مشكلات وتحديات في المستقبل.

لكن يجب أن يبقى في الأذهان أنه “لم يكن لديه في أي وقت قوة كافية تجعل منه تهديدًا جديًا للأمن والاستقرار” نتيجة سيطرة “هيئة تحرير الشام” على التنظيم ومعرفة تحركاته وانتشاره.

الذي تغير اليوم، وفق عزام القصير، هو أن “حراس الدين” لم يعد يخدم أي هدف، بل بات وجوده عبئًا على قيادة الإدارة الحالية المنشغلة بملفات كبيرة، مثل تعزيز التواصل والتنسيق مع الأطراف الخارجية، وتقديم تطمينات بقدرتها على ضبط الوضع في سوريا ما بعد الأسد، وأن سوريا لن تصبح قاعدة انطلاق لعمليات قد تهدد السلم الدولي.

بينما قدم سابقًا وجود تنظيم “حراس الدين” خدمة غير مباشرة لـ”تحرير الشام” عبر تصدير صورة للخارج كطرف أقل تطرفًا من غيرها وكضامن لعدم توسع تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”، واليوم، “انتفت تلك الحاجة”، وفق تعبير القصير.

الخبير في الجماعات “الجهادية” حسن أبو هنية قال ل، إن إعلان “حراس الدين” حل نفسه لا يعني نهاية “القاعدة” في سوريا، والقرار جاء انسجامًا مع مركز قيادة التنظيم في خراسان (أفغانستان وباكستان).

وأوضح حسن أبو هنية أن مشروع “القاعدة” في سوريا سيستمر، وهناك سؤال، هل “الحراس” سيتموضع أمنيًا في سوريا أم أنه سيندمج مع الإدارة الجديدة.

وحول طريقة استمرار  مشروع “القاعدة”، رجح أبو هنية تموضع عناصرها أمنيًا وبقاء التنظيم في حالة خمول، مشيرًا إلى أن التنظيم في بيان الحل طالب بعدم ترك السلاح وهو ما يخلق إشكالية عند القيادة الجديدة.

“الحراس” لم يتخلَّ عن رؤيته بالحفاظ على أهدافه، لكن “مع تبدل الأوضاع بالتأكيد سيراجع النهج بانتظار ما ستسفر عنه الحالة، وسوريا لا تزال لديها عمل كبير وهي غير مستقرة على الصعيد الأمني والعسكري (الاستقرار هش)، بحسب تعبير أبو هنية.

وستكون “الحالة الجهادية” في سوريا أشبه بحركة “طالبان” في أفغانستان، أي أن “القاعدة” ستكون موجودة لكن ليس ككيان رسمي “بل غير مرئي، موجود كمشروع”، وفق أبو هنية.

مقاتلان يحملان راية تنظيم "حراس الدين" في ريف إدلب (مؤسسة شام الرباط)

مقاتلان يحملان راية تنظيم “حراس الدين” في ريف إدلب (مؤسسة شام الرباط)

ماذا جاء في بيان الحل

قال “حراس الدين” في بيان حله، “نظرًا لهذه التطورات على الساحة الشامية، وبقرار أميري من القيادة العامة لتنظيم قاعدة الجهاد، نعلن لأمتنا المسلمة ولأهل السنة في الشام حل تنظيم حراس الدين فرع تنظيم قاعدة الجهاد في سوريا”.

وأرجع التنظيم سبب حله للتطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا بسقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، إثر عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها “إدارة العمليات العسكرية” في 27 من تشرين الثاني 2024.

وتضمن بيان حل “حراس الدين” “نصائح” ووعودًا نابعة من أدبيات التنظيم التي استمدها من التنظيم الأم، خاصة فيما يتعلق بالمعارك المستقبلية.

و”نصح وجهاء الشام” ومن يتصدرون المشهد اليوم بـ”إقامة الدين وتحكيم الشريعة” وإبقاء السلاح بيد “أهل السنة في الشام، من أجل أن تبقى أمة تحمل السلاح فلا يستعبدها طاغية، ولا يطمع فيها محتل”.

وقال التنظيم، “ننصح أهل السنة في الشام بعدم ترك السلاح وتجهيز أنفسهم للمراحل القادمة التي أخبرنا بها نبينا محمد، فأرض الشام أرض الملاحم الكبرى، ومقبرة للطغاة والمستعمرين، وفسطاط للمسلمين في قتالهم لليهود ومن يلونهم من أعداء الدين”.

وأكد التنظيم أنه سيبقى جاهزًا “لأي نداء نصرة واستغاثة في أي بقعة من ديار المسلمين (…) وسنبقى محافظين على ثوابتنا الشرعية دون تغيير أو تبديل أو تمييع، فإقامة الدين ونصرة المظلومين والحفاظ على دماء المسلمين هي من أولى ثوابتنا التي ندين الله بها”.

حسن نية

قرار حل “الحراس” جاء كـ”حسن نية” تجاه القيادة الجديدة في سوريا، وفق حسن أبو هنية، “لنزع أي مبررات لقتال (الحراس)، لأن الاشتراطات الأمريكية على (تحرير الشام) قاسية بما يخص محاربة تنظيم (الدولة) و(القاعدة)، وبالتالي هي تريد على الأقل أن تعطي فرصة لـ(تحرير الشام)”.

وكل ذلك مرهون بشكل وطبيعة النظام السياسي في سوريا وستعاد الاصطفافات بشكل أو بآخر، وفق أبو هنية.

منذ تأسيسه في سوريا عام 2018، لم يكن “حراس الدين” يملك أرضًا أو منطقة محددة، ويستخدم إلى حد كبير الأسلحة الخفيفة مثل بنادق “AK-47” وقذائف الهاون والقذائف الصاروخية في غاراته على مواقع النظام السوري.

انحسار نفوذ التنظيم كان بسبب تضييق “هيئة تحرير الشام” على قادته وعناصره خاصة بعد اتفاق “موسكو” في 5 من آذار 2020، إذ منعت “تحرير الشام” تنفيذ أي عمل عسكري إلا ضمن “غرفة عمليات الفتح المبين” (كانت تضم عددًا من الفصائل إلى جانب تحرير الشام).

وأفشلت “تحرير الشام”، في حزيران 2020، محاولة لـ”حراس الدين” وجماعات “جهادية” أخرى تتبع معظمها فكر “القاعدة” لتنظيم نفسها ضمن غرفة عمليات أطلق عليها “فاثبتوا”.

ضغط آخر تعرض له التنظيم من التحالف الدولي، إذ راقبت طائراته تحركات قادته ونفذت عدة ضربات جوية اغتالت فيها عددًا من القادة.

أبرز القادة الذين قتلوا بضربات جوية خالد العاروري الملقب “أبو القسام الأردني” (المسؤول العسكري سابقًا) و”أبو عبد الرحمن المكي” و”أبو محمد السوداني” (شرعيان لهما وزن بين عناصر التنظيم)، كما قتل عدد من قادة “القاعدة” بضربات التحالف أبرزهم “أبو فراس السوري” عام 2016 و”أبو الخير المصري” عام 2017، وذلك قبل تأسيس “الحراس”.

وخلال معارك “ردع العدوان” التي أفضت لسقوط النظام لم يظهر أي إشارات لمشاركة التنظيم في المعارك.

اقرأ أيضًا: خلال خمسة أشهر.. سبعة استهدافات تقتل 11 “جهاديًا” في إدلب

“درة تاج القاعدة”

أوضح أبو هنية أن وجود “القاعدة” في سوريا هو ضمن إنشاء مشروع “القاعدة” في بلاد الشام لتحقيق مرتكزها الأساسي “التصدي للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل (الصليبيين واليهود)”، وهو اللبنة الأساسية التي بنى عليها زعيم ومؤسس التنظيم أسامة بن لادن، أي “الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين”.

ووصف أبو هنية أهمية سوريا بالنسبة لـ”القاعدة” بأنها “درة التاج لمواجهة إسرائيل”، وفق فكر التنظيم، منوهًا إلى أن حل “حراس الدين” ليس نهائيًا، ومع تبدل الأوضاع قد يعود ويعلن عن نفسه ووجوده بشكل أو آخر أو يلتحق بتنظيم “الدولة الإسلامية”.

تنظيم “القاعدة” حتى مع الحل لن يختفي، لأن جوهر مشروعه يتمحور في بلاد الشام من أجل القضية الفلسطينية في النهاية، لذلك هو رهن بالتحولات والديناميكيات الداخلية والإقليمية والدولية.

مقاتلون في تنظيم "حراس الدين" شمال غربي سوريا- 19 من كانون الثاني 2020 (مؤسسة شام الرباط)مقاتلون في تنظيم "حراس الدين" شمال غربي سوريا- 19 من كانون الثاني 2020 (مؤسسة شام الرباط)

مقاتلون في تنظيم “حراس الدين” شمال غربي سوريا- 19 كانون الثاني 2020 (مؤسسة شام الرباط)

استراتيجية “القاعدة”

بعد ثورات “الربيع العربي” اتبعت “القاعدة” استراتيجية بناء كيانات “جهادية” محلية تتبع لها، وظهر ذلك بمشروع “أنصار الشريعة” الذي تعتبر “جبهة النصرة” جزءًا منه، للاندماج بالقضايا المحلية (جهاد محلي) لكن دون إهمال القضايا العالمية (جهاد عالمي)، وفق أبو هنية.

أيضًا شددت “القاعدة” على البعدين المحلي والعالمي وفق توجيهات وضعها زعيمها السابق أيمن الظواهري عام 2014، وكانت تحافظ على نسق مواجهة العدو البعيد أولًا وهو الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، مع الاهتمام بالشأن المحلي.

لكن الديناميكيات المحلية كانت تتغلب، وأصبحت القاعدة تعمل في منطق “بين بين”، أي هي تمثل المدرسة الوسطى للجماعات الجهادية، بحسب تقسيم أبو هنية وهي:

  • المدرسة الوطنية المحلية، تندمج في البنية المحلية وعلى أساس التزام بالدولة القومية والحدود الوطنية، تمثلها “حركة طالبان” بشكل رئيس ثم “هيئة تحرير الشام”، وتعود لأصول الحركات الجهادية التي بدأت أصلًا كحركات محلية.
  • المدرسة الوسطى (بين بين) تعمل على الصعيدين المحلي والعالمي، وقد يكون المحلي منحصرًا على الحدود الوطنية، ويمكن أن يكون لبعض الفروع نشاط محلي وعالمي كفرع “القاعدة” في اليمن.
  • مدرسة تدمج المحلي والعالمي، ويمثل هذه المدرسة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وأشار أبو هنية إلى أن تنظيم “الدولة” سيبدأ إعادة هيكلته في سوريا، ومحاولة استقطاب المقاتلين سواء من عناصر “تحرير الشام” الغاضبين من خطوات الإدارة الجديدة أو “القاعدة” وبالتالي سينشأ فرع محلي قوي أيضًا لتنظيم الدولة داخل سوريا.

ومنذ القضاء على آخر معاقل سيطرة التنظيم في المدن والقرى السورية في آذار 2019 (قرية الباغوز شرقي دير الزور)، توجهت خلايا التنظيم إلى البادية السورية، وأصبحت نقطة انطلاق هذه الخلايا لش هجمات ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) أو النظام السابق، كون مناطق سيطرتهما هي التي تحاذي البادية السورية.

وبعد سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، أصبحت مناطق سيطرة الإدارة الجديدة تحاذي البادية، ما يمكن أن يمهد لتلقي عناصرها هجمات من التنظيم، خاصة مع تاريخ العداء بين تنظيم “الدولة” وباقي الفصائل التي انضوت في وزارة الدفاع مؤخرًا.

واتهم تنظيم “الدولة” في آب 2023، “هيئة تحرير الشام” بقتل زعيم التنظيم الرابع “أبو الحسين الحسيني القرشي” في اشتباكات بإدلب ثم تسليم جثته للمخابرات التركية، واعتقال المتحدث باسم التنظيم “أبو عمر المهاجر”.

وهدد تنظيم “الدولة” حكومة دمشق المؤقتة  في إصدار مرئي نشر، في 24 من كانون الثاني الحالي، في حال طبقت قوانين وميثاق الأمم المتحدة في السلم والحرب.

واعتبر التنظيم، في إصداره، الفصائل العسكرية المشاركة في عملية “ردع العدوان” التي أسقطت نظام الأسد “بيادق” بيد تركيا والدول الأخرى وأنها “تنفذ حربًا بالوكالة”، بين “البيادق التركية والأذرع الإيرانية”، لتحصيل مكتسبات أفضل على طاولات التفاوض، كأستانة مثلًا، التي “ترسم سوريا المستقبل، سوريا المستقبل الحرة التي تسعى الصحوات إليها”.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *