قصة الوادي الصغير 17 | جريدة الرؤية العمانية
حمد الناصري
أخذ غلام الباشق يُهادن ابن الحارة الخامسة ويُصالحه، ودعاهُ ليكون أحد المُؤسسين في المشروع الكبير ” تحالف الوادي الصغير” وتلكأ أبو صالح في بادئ الامر واعتذر وتعلّل ببعض أفكار يلتزم بها ، وقال :
ـ أتمنى .. أنْ لا يكون تحالف الوادي الجديد عِبْئًا زائداً على مُحددات اخبار عمان المُستقبلية.
وأردف الباشق مُحاوراً إبن الحارة الخامسة :
ـ أرجوا ألا أكون مُخطئاً وأنْ لا تكون النّظرة مُختلفة عن نظرة ذلك الاتفاق أو “وثيقة الشرقيين”. ولا أخفيك سِرًا فأنا مُقتنع إلى حدّ كبير، بأنّ مَحاور اخبار عمان المُستقبلية التي تضمّنت أولويّاتها “الانسان والمُجتمع” تأتي من ضمن الاحتياجات الاهم ثم الأخرى تُباعاً.
ونحن في التحالف الجديد” تحالف وادي الاعراب” نخشى أنْ تقع القريتين القديمتين في قبضة الغُرباء الشرقيين.. وقد تسألني لماذا .؟ فأقول لك ، لكيْ لا يُشَوّه تاريخهما العريق، فقد قرأت لأحد أهم الكُتّاب الشرقيين يقول ، أنّ تاريخ الاعراب سيئ النظرة ، وسيئ السُمعة ، أقاموا حضارة فوضوية ثم تدهورت ذلك لأنّ نظرتهم كلها شُؤم على تاريخ الإنسانية.؛
وأنّ قائد الشرقيين في البحر الكبير ” إسكندر آرون” وصديقته “كارينا” ولادة النساء .. قد قالا مرة، أنّ الاعراب نظرتهم للجنس البشري فيها تعصّب لجنسهم …ولذلك لا بُد من الوقوف عليها ، فهُم أي الاعراب ، يُقرون بأفكار أشبهَ بالعادات ويَتبعون أسوأ نظام حياة عرفته الإنسانية ثم تكون جزء من تقاليد أو مشاعر يُقرونها في معايش الحياة .؛
بدا على أبو صالح موجة من الهدوء، وظل صامتاً، مُهادناً، وقد تعززت في داخله الثقة بالمستشار غلام الباشق، وكأنّ الخِلاف انقشع، وتبيّن له الخطأ ورأى في كلام الباشق نظرة الصواب ، أو كأنه انتشله من سرحانٍ عميق وأيقظه ممّا غفل عنه، وتمتم… مُحدثاً نفسه ، الساحل المُهادن لا يحتاج إلى عُداونية أو قوة سلاح ورمال الساحل الطويل هادنتْ المُخلصين من الرجال.. ثم أردف هامساً إلى الباشق :
ـ أنا أصدقك القول ، فالشرقيون يتربصون بنا، ويتمنوا أنْ يُوقعوا بأمّتنا الخِلاف وينتظرون أن نقع في خُصومة بيننا ، بل هُم ألدّ الخِصام والعداوة وجدليتهم عقيمة لا أساس لها .. وأنا أنظر إلى كليهما ، بأنهما أعداءً لأمة الاعراب.؛
وبعيداً عن الاحداث المُنتظرة التي قد لا تُبشر بخير ، فالرمال والبحار قد امتلأت بقوتين شريرتين لا خير فيهما ، وأننا نعيش عَصْر التحالفات .
فالشرقيين يتحالفون مع ذوي الانوف الفطحاء وذو العيون الجاحظة وذي السحنة الرصاصية والغربيين يتحالفون مع القوة الحادية عشرة والجوار البحري ، وقد كذبوا من قَبْل هذا التحالف الشرير بقوة وتآمروا علينا، لذا فهم ليسوا بأهل ثقة وأمان والشرقيين ليسوا بأحسن حال منهم، فهم أعداء أمّتنا منذ زمنٍ بعيد ولا مَنعة للغربيين بهم ، فهم قوة كبيرة صاعدة تعزّزت بتحالفاتها الشرقية الكبيرة، ولا أحد منهم يُريد الخير لتحالف الوادي الصغير، بل يريدوا أن يصنعوا لنا تحالفاً بأيديهم وبأفكارهم الشريرة يفتعلوا الخلاف، فينهش الاعراب بعضهم بعضاً.
والسؤال الذي يُحيرني .. لماذا يهتم الغُرباء ذو الوجوه الحُمر المُكتنزة بالذين يُجاوروننا ليكونوا شُركاء في تحالف كبير يَضُم قرى الاعراب ورمالها وكثبانها وبحارها وحاراتها العشرة وساحلها الطويل والسيح المتحد والمَمر الضيق وقرية راس الجبل والقرية المُلونة وجبال هَبلان وجزيرة رَمْثة الصغيرة التي تصَلّف عليها الجوار البحري بغلظة وشِدّة وتجَبّروا بدعم من الغربيين واستكبروا بضمّها إلى حوزتهم استكباراً غليظاً وعَتو عُتواً كبيراً، جاوزت حدّ الصّلف، عُلوًا وتكبّراً وظُلماً.
وأعيد سؤالي بطريقة مُختلفة ولعلّكم ترشدون ، فإنْ تُجيبوني فأجيبوا بصدق وأمانة وبمسؤولية واعية ، هل يحتاج الاعراب إلى تحالف يشترك فيه غيرهم.؟ ثمّ ما ظنّكم بالجوار البحري كشريك أساسي في منظومة التحالف الجديد أترونهُ مُهماً ولازماً.. ؟ وبالتالي من يأتيني منكم بخبر القوم الذين كانوا حاقدين علينا ولا يزالون كارهين لوجودنا ، تلك القوة الخبيثة التي تسمّت بالقوة الحادية عشرة في عِصّ الاعراب، ألا تظنوا بأنهم ي قادم الزمن سوف يتدخلون في شؤون الاعراب حتى ولو فقدوا علاقاتهم ومنافعهم وشراكتهم مع أعتى قوة في هذا العَصْر.؟
سكت قليلاً ثم قال في نفسه ، مُلوحاً براسه تأسّفاً .. لا تحالف غير تحالف الاعراب ، تحالف يَحمل اسمهم ، تحالف الوادي الصغير.. ولا نُشرك فيه أحَداً من غيرنا.؛
وهزّ رأسه .. لقد قال الاعراب منذ زمن بعيد ” لا تدخل عصّك فيما لا يخصّك” . فلماذا يدخل الغُرباء في عِصّنا .!!
وإنْ تدخلوا في شأننا وسمحنا لهم بالتطفّل في أمورنا ، صغيرة أو كبيرة ، فلا غرابة إنْ استبدلوا بغيرنا من الاقوام ليكونوا أسياداً على أرضنا ورمالنا وبحرنا ، ولا نستبعد أن يكون أؤلئك القوم هم من القوة الحادية عشرة ليكونوا أشدّاء يتحكمون بمصائر أمة الاعراب ونكون حينها أذلاء صاغرين.؛
تحفّز رجل من أقصى الجالسين للمداخلة في الحوار، عُرف بأحمر العينين:
ـ لو سمحتم.. انصتوا لحديث أحمر العينين.. إنّ تحالف الوادي الصغير، يكفينا ولا نحتاج إلى زيادته أو شراكة أحد من غير الاعراب، وأنا اتفق مع رأي أبو صالح حكيم الحارة الخامسة، فلماذا نُطلق العَنان لأسماء سَمّوها بأنفسهم وكتبوا مواثيقها بأيديهم وشكّلوها لمنافع لهم وعرّفوها كأفكار من عند أنفسهم، ثم قالوا عنها، بأنها أفكارٌ جريئة وشُجاعة وتجربة واعية مُبدعة من الأعراب، وهم الذين صنعوها لنا، وإذا ما اختلفوا معنا وتغيرت المصالح ، يقولون عنها تحالفات الاعراب ، جاؤوا بها وابتدعوها بأنفسهم فلم يُكتب لها التوفيق لأنها أقيمت من دونهم ولذلك لم تَخلص من قولهم وأكاذيبهم إلى شيء، إنهم قوم كذّابون لا موثق لهم ولا عهد ولا أمانة.
عقّب الباشق مُستشار السيد ثابت مداخلاً:
ـ لا داعي لنبش مثل تلكم القضايا التي لا تخدم مصالحنا بين الشرقيين والغربيين، فكما يُقال في مجالس الحِكمة والرأي “إنّ تعاقب الليل والنهار لا يختلف لدى الموتى، إنْ أشرقت الشمس في محلّهم أو غَرُبت أو أضاء القمر ظُلمتهم أو لم يُضيء ليلتهم ، لا يُضيفان إليهما شيئاً .؛ وأيضاً يُقال.. حتى لو صبّ النّسِيم برداً على القبور ، لا يُعوّض ضكّة ما ضاقَ به الموتى ” وقال أحد أعراب الرمال ” الهدوء لا يُعوض بالضجيج ..”.
قاطعه أحمر العينين وهو يُغير جلسته ويزحف إلى الامام قليلاً:
ـ اتفق معك.. فكلما تعصّب الانسان لمن حوله من الاعراب ازداد مكسبه مع الغُرباء.. أهذا ما تعنيه .؟
ـ لا .. ليس ذلك يا أحمر العينين.. المكاسب التي تعنيها والتي لا تخلق أفكاراً جديدة تواكب الظروف ـ في ظني ـ خيانة للمجتمع.؛ وأزيدك قليلاً، من يأتي بمخرج للتعايش خير من الذي يُسقط بتأويلاته مصالح البلاد والعِباد.؛ فالسلام أمان والتسامح راحة واطمئنان.
والتفت إلى ابن الحارة الخامسة والجمع المُتحلق حوله من الرجال في دهشة:
ـ لا تخافوا أيها الأعراب من السلام، لا تخشوا إلا من أوجدكم لتكونوا خيراً لمجتمعكم، عُرفتم بالكرامة والعزة والفطنة ، رجال أشدّاء كالحديد، فيه بأس شديد ومنافع للناس ،وانتم أمة الخير منافعكم لقومكم الاعراب، ونحن مُطمئنون بكم وبعزمكم السليم.
ونُدرك جيداً بأنّ الشرقيين ليسوا بأحسن حالٍ من الغربيين ، ولكنهم على نقيض منهم ، يختلفون معهم شطراً ويتفقون في شيء آخر ، هكذا هي المصالح تتقلب وفق تقلبات المنافع ، والغربيين ذو أفكار فوقية، بينما الشرقيين ذو فِكْر مُستقل ونظرتهم بعيدة في مسألة الجوار البحري ونحن لا نختلف كثيرا عن رُؤيتهم، ولا عن الأهداف المُحددة ، ولِكُل مِنا مطمح وبناء لمُستقبل يخدم نفسه اولاً ثم يلتفت إلى ما يشغل غيره.؛
ومن معك اليوم لا يكون غداً معك.؛ هذه قاعدة المصالح ثوابتها تتغير بتغيّر حال المنافع.. والأريب من يستغلّها.؛ وقد تعلّمنا من فلسفة السيد ثابت، أنْ لا شيء باقٍ لا يتغيّر حتى تطلعات الانسان إلى ما هو نافع له تتغيّر ثوابتها ومُحدّداتها.؛ وتلك الأيام نُداولها بيننا كمُجريات لا تتوقّف، نسير في يُسرها مشياً وفي عُسرها ركضاً والعاقل من يكون متصالحاً مع نفسه ومع الآخرين.
قال رجل من القريتين وكان إلى جوارهما ويسمع تحاورهما:
ـ ما بال أحمر العينين يُعرض عن موقفنا، ولا يُبالي في جَمْعنا هذا، ويُصرّح عن كل شيء، على غير عادته.. هل يا تُرى به كَيْل غير يسير، ثقُل عليه وجَثم على صدره، أم به جِنّة فيَرى ما لا نَرى.. أم يُريدنا أن ندخل في مشقّة أخرى.؟ ألم يرَ القرارات الخاطئة؟ ألم يسمع تلك المعلومات غير الدقيقة والتي أوردها ثابت قائد التحالف الجديد.؟ أليس من حقّنا أن نخشى ونحذر قبل أن تُؤدي القرارات إلى غضب المجتمع.؟ فضلاً عن كونها قد تَضُر بأهدافنا.؟ ولكي يكون سَعيًا مشكوراً، يجب أن نعتمد طريقة مُثلى صحيحة يلتزم بها المُنفذون للقرارات أولاً ويلتزم السّاعين إلى تمكينها تالياً.؟
وبهدوء أعاد حديثه مرة أخرى ، وهمس إلى أحمر العينين .. إنّ الحقيقة التي نعرفها جميعاً ، أنّ الغربيين ومنذ زمن طويل وهم يُبادلوننا المنافع ويهتمون بالرمال وبالقرى والحارات والساحل الطويل والممر الضيّق ، ويُؤكدون عليها ، على عكس الشرقيين الذي يُهادنوننا ، ويستنفعون من المُهادنة بما يُعرف بالمُبادلة التعويضية ، صحيح أنّ تجارتهم تنشط وقوتهم تكبر وربما في قادم الايام ، تتمكّن قوتهم لتكون بديلة عن تجارة الغربيين.؛ والسؤال الذي أطرحه عليك.. أليس تواجد الشرقيين في بحرنا وعلى رمالنا لها أهداف وغرض ولا تختلف عن نظرة الغربيين.؛؟ وهل عرفت الآن ما هو الهدف من تواجدهم على أرضنا ورمالنا وبحارنا.؟
أردف أحمر العينين بإندهاش :
ـ ما أعرفه أنّ إبن الحارة الخامسة أريباً لا يميل إلى الشرقيين ، فكيف تبدّلت الكراهية من خطّها الأحمر إلى خط أخضر ؟
ساد صمت كبير…. قال أحمر العينين وهو ينظر إلى ابن القريتين، بعد تنهيدة، مُعقباً على الرجل من القريتين :
ـ إن أردت صراحتي فراجع نفسك وإنْ لم تفهم قولي فارجع من حيث جِئْت ، وعِشْ في حارتك هادئاً مطمئناً لا ينزعج منك أحداً.؛
قال المُستشار غلام الباشق، مُداخلاً بحذر شديد:
ـ كانت أفكارنا ونظرتنا على مِرأى أعين القوم ، ولذلك اجتمعنا بكم ولم نستثني أحدًا، ذلك لتعلموا أننا نهتم بالرأي الجَمْعي الذي يُصوّبنا إلى علاقات جامعة نهتدي بها .؛
وإنْ اختلفنا في الافكار، فالهدف واحد، ولكنّا نحتاج إلى قراءة الافكار الفاعلة وتبيين من هو الحاقد على أمة الاعراب؟ وما هي رؤية السيّد ثابت ونظرته الدقيقة وبصيرته العالية فيما أجمعنا عليه ، ليكون قائداً لـ ” تحالف الوادي الصغير “.
قال ثابت بعد حمحمة مؤكدًا كلام غلام الباشق:
ـ وأنا أزيد قليلاً، وهي ليستْ من الأسرار ويعلمها كثير منكم، فالشرقيين لديهم أفكار لا أحادية فيها، ويُدافعون عنها بقوة فالنظرة الأحادية خاطئة.؛ ويعتبرون تحالف الاعراب الجديد في عدالة وحق وصواب .. وفيه توسيع لشراكة فاعلة وتحالفات كبرى يتطلّع إليها عصرنا هذا .؛ وهم ـ أي الشرقيين ـ يُقدّرون دورنا الإيجابي في المُحافظة على علاقاتنا في منظومة الاعراب المُتكاملة وصَون بحر الاعراب الكبير ومخاوفنا على مكانة الممر الضيق والتمسّك بالجبال والرمال والكثبان من أي اعتداء .. ويُؤكدون بأنّ الممرات الصغيرة والكبيرة ، تجارية أو عابرة لا وصاية عليها من أحد الشركاء أو الغُرباء .؛
عدّل يحيى الشرّاني أمين الوثائق السرية للتحالف الجديد من جلسته وأقام ظهره مُنتصباً وعقّب بلغة العارف الفهيم:
ـ ونحن نؤكد جميعاً بأنّ السيّد ثابت قائداً لتحالف الوادي الصغير ، وكانت توجيهاته حصناً حصيناً ، وبأمرٍ منه وحكمة ، قد أبلغت الشرقيين ، بتأكيد رفضنا التام بقيام الغربيين مُنفردين بالتصرف في المَعابر المائية أو خَلق منظومة جديدة أو إحْياء مَمرات صَغيرة أو إلحاقها بمَمرات كبيرة ، وإيقاف توسيعها .؛ وهذه الخيارات المُؤقتة قد تكون بديلة عمّا فرّطنا فيه من اختيار وقد يُضعف موقفنا في المُستقبل ، كذلك نرفض توسيعها بداعٍ أو بغير داعٍ ، وسواء أكان التوسّع غربي أو شرقي ، وأبدينا لهم أسباباً خطيرة ، وأطْلعناهم على مخاوفنا ، وكان من أهم تلك المخاوف ، الابتعاد عن أي تهديد يأتي من الجوار البحري أو من القوة الحادية عشرة… والسبب الاخطر هو عدم تضارب مصالح القوتين في بحرنا ورمالنا ، فنحن لا نسمح لكلا القوتين الشرقية والغربية من القيام بأنشطة أخرى على ارضنا ورمالنا وبحرنا وساحلنا الطويل وتوقيف عداوة النشاطات البحرية ، وعدم جرّنا إلى نزاعات قومية.
شرع السيد ثابت قائد تحالف الوادي الصغير بالحديث بلغة ذكية ، وحرص على اقناع المُجتمعين بإسلوب مؤثر:
ـ كما تعلمون ايها الرجال، أنّ القرصنة البحرية والتهديدات البحرية في تصاعد ، وبلاد الجوار البحري تقف مُتشاطئة مَعنا على نفس البحار ونخشى أنْ يتعرّض بحرنا إلى تهديداتهم ،وقد اخترنا القوة الشرقية ـ كما أسلفت ولأسباب تعلمونها ونُخبركم عنها ، بالشرح والتفصيل وقد ركّزنا عليها في اجتماعاتنا لأسباب كثيرة، منها أمانكم على أرضكم وبحركم وقد رأينا ـ أيضاً ـ عدم الخوض في التفاصيل لعامة الناس ، وقد كلّفنا الأمر إلى رجال كفؤ اختصّوا بتمحيص المخاطر وحرصنا على سلامة البحر الكبير والرمال الذهبية ، وبعد تشاور مع رجال أكفاء ، لم نجد خياراً أفضل من القوة البحرية الشرقية ، وذلك ما توافق عليه الرجال ، فالمخاوف تتزايد في البحر وتتعاظم من القوتين الكبيرتين ولا شكّ فقد خلقت القوة الغربية الاكبر في بحر الاعراب بتكوين تحالف لا إدارة لنا فيه ولا رأي ولا فِعل نقوم به غير الاسم.؛
سكت بُرهة ثم أردف.. نحن عازمون على إبعاد أؤلئك الرّعاع الذين يُوقدون نار الفتنة، ويُفسدون وحدتنا بتأجيجها، وإنّا نراهُم قوم صَلف يمتهنون التآمر ويمكرون بنا ويجب أن نمكر بهم كما يمكرون بنا .. فمنذ عقود من السنين ، لم نرَ منهم نفعاً غير الفتنة والخصام بين الرمال والساحل وبين الساحل والوادي وبين الوادي والقريتين.. يُفرقوننا تارة ويجمعون تارة أخرى وفق منافع لهم، وما يصلح لهم ، لتبقى قوتهم في سيطرة كاملة على بحر الاعراب ورماله.
استأذن يحيى الشراني أمين الوثائق السرية السيد ثابت بالمداخلة ، فقال :
ـ إنّا نتفق مع رؤية الشرقيين حول ما يُعرف بالنظرة الآحادية التي تديرها القوة الغربية لتمكين حلفائها في التسلط والامتداد الصّلف .. ونظرة الشرقيين إلى الرمال والبحار وإلى قوميتنا المُتوافقة في القيم والتسامح واللغة المشتركة مُختلفة ودون تسلط او نظرة فوقية.. وقد كشف لنا الشرقيين ما أخفاهُ الغربيين عنّا .. خزائن لا تنضب في البحر والجبال والرمال والكثبان والقريتين ، وفي الساحل الطويل والممر الضيق. ، وضَمنوا لنا كِتمانها بشرط أنْ نتحالف معهم، ونبتعد عن الغربيين المُتعجرفين الذين كانوا يُخفونها لعقود من الزمن وسِنين طِوال، ولا يزالون يتشدّقون بأنهم أمّة فاعلة للسلام.؛ قال ابو صالح وهو ينظر إلى يحيى الشراني بعينين مليئتين بالتردد:
ـ طالما هذا هو توجهكم الجديد، وترون مُستقبلكم على أرضكم ورمالكم وبحركم وفق ما كشفه لكم الشرقيين من خزائن وموجودات هائلة وأنهم تعاهدوا معكم بكتمانها نظير تحالفكم معهم.. فهل تظنون أنّ الشرقيين بأحسن حالٍ من الغربيين ولا منافع لهم في أرض الأعراب ولا أهداف في بحاركم.؟ أليسوا هم الآن يتعاملوا معكم على أساس النظرة الواحدة الآحادية.. أليست هذه منافع ومصالح يترقّبونها على طبق الرمال الذهبية.؟
ـ لا .. لا نقول ذلك مُطلقاً ، لكن الشرقيين بلا نظرة فوقية ، وهم يُؤكدون بأنّ تحالف الأعراب يجمع الاعراب لوحدهم دون إشراك أحدٌ من غير بُقعتهم .؛ أما الغربيين يُلزموننا بإشراك الجوار البحري والقوة الحادية عشرة في التحالف الجديد.
ـ هل لديكم المنعة والقوة لردع القوة الغربية أو قوة الجوار البحري او الذين يشاطئون بحر الاعراب وعلى رأسهم قرية البحر وراس الجبل والقرية المُلونة والممر الضيّق وجزيرة رَمْثة وهُبلان..؟ وعلى مرّ التاريخ البحري لم يُضيف الشرقيين شيئاً ولم يفعلوا أمراً لا سراً ولا علنًا بل كانوا على توافق لا يلحقوا بالأعراب ضرر ظاهر.؛
والسؤال الذي أطرحه عليكم وفي غاية الاهمية . هل ستنفعكم القوة الشرقية في هذا الشأن ،وإنْ لم يُخيبني الظن ، أنّ علاقات الاعراب مع الجوار مُستمرة وفي خُدوركم ما تشعرون به من ضرر ، والحال هو الحال لم يتغيّر ولم يتبدّل ، فُتور غامض وأمكنة باقية لم يمسسها الاعراب ، وغيم الجوار البحري فوقها خادرٌ ومُلازم لا ينفكّ عنها.؛ وكما قال الاوّلين ” كُلما قَدِم الشيء ثبتْ.”؛
عقب أحمر العينين .. :
ـ كما يبدو لي وللمستمعين.. أنّ منافع مشروع الشرق الكبير هيَ بقَدْر إقامة “تحالف الوادي الصغير” يستأثر به الشرقيين وهُم لا يرون الجوار البحري كشريك لأنّ الجوار ضِد مشروع الشرق الكبير.. واتفق مع ابن الحارة الخامسة بأنه لا ينبغي لشركاء جُدد في تحالف الوادي .. أياً كانوا جوار بحري أو قوة حادية عشرة ..؟ وهذا التحالف ” تحالف الوادي الصغير” يمتدّ من البحر الكبير شرقاً إلى بحر المرجان غرباً.
قال السيد ثابت بضيق :
ـ لا يسعني إلا أن أبلغتكم، بما اتفقنا عليه لصالح تحالف الوادي الصغير .. اتفقنا مع الشرقيين ذو العيون الزرقاء على بعض مواد أو سَمّيها كما شئت.. نقاط مثلاً، وكان من أهمّها .. بقاء سيح المالح المُتحد كشريك فاعل ومُؤسس بالاسم نفسه في التحالف الجديد .
مدّ عينيه في عين ابو صالح وتركها مشدودة في عين أحمر العينين.. نحن يا رجال الحارة الخامسة مُدركين لتخوفكم، وهذه أمانة حَملنا أمانتها بصدق وإخلاص في قيادة التحالف .. ولكنّا ارتأينا التغيير لكون نظرة الغربيين لا تروق لنا ، فنحن أعراب ولنا كلمة في بحرنا وعلى أرضنا ، وعلينا واجباً حماية مُقَدّرات رمالنا الذهبية وكنوز أحياء الكثبان، والمُحافظة على مكنونات جبالنا وثروة سهولها ، ونرفض كل التحالفات والمُخططات التي تدعمها أفكار الغربيين، ويُناكفون عنها بقوة ويدعمونها ويُؤيدون قيامها لمنافع لهم، ذلك من أجل إفشال مشروع الشرق الكبير.. وقد حُمّلنا أمانة المسؤولية وكُرّمنا بها من قبل الاعراب جميعاً ، وكما تعلمون أني لا أشرع في شيء إلا وقد أخذت الجانب الاهم منه ، سلامة وأمن أمة الاعراب ومنافع مجتمع الرمال ، ومن هذا المنطلق تعاهد معنا الشرقيين ، فحماية ودعم تحالف الاعراب ضماناً لبقاء مشروع الشرق الكبير في الرمال الذهبية.
قال ابو صالح، وقد حرَن بعينيه في عين مُحدثه ثابت قائد تحالف الاعراب الجديد وأبقاهما مشدودتين :
ـ وهل قُمتم بتبادل الافكار مع مُحسن الشيخ والتشاور مع عامر النجدي ورجال من عائلة سُعود الاعور.؟ وهل حملتم مقترحكم هذا على رجال البحر بالتجربة والحِكمة، واقصد هنا ، رجال قرى البحر العميق ،والممر الضيّق وخاصة قريتا البحر العالقة والقرية المُلونة والحارات المُحاذية لليمّ العالي وأطرافها.؟
شمس النهار تسقط عمودية على امتداد بحر الأعراب الكبير وتواصل امتدادها إلى بحر المرجان ويظهر الساحل الطويل مُتعرج يميل إلى إنحناءات مسطحة..
يتبع 18