اخر الاخبار

لماذا يستخدم ترمب جوانتانامو ضد المهاجرين؟

أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب احتجاز عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين في خليج جوانتانامو جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة، وسط انتقادات للرئيس بالتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين كـ “إرهابيين أجانب”.

ووقع ترمب، الأربعاء، مذكرة تأمر وزير الدفاع ووزيرة الأمن الداخلي بتوسيع “مركز عمليات المهاجرين”، وهي منشأة اعتقال داخل القاعدة البحرية الأميركية في جوانتانامو، لكي تصبح قادرة على استيعاب نحو 30 ألف مهاجر غير شرعي، ينوي ترمب نقلهم من الولايات المتحدة واحتجازهم مؤقتاً بالمنشأة، حتى ترحيلهم.

وتشدد إدارة ترمب على أن المهاجرين غير الشرعيين سيتم احتجازهم في منشأة منفصلة عن المعتقل الرئيسي بالقاعدة العسكرية في جوانتانامو، الذي يأوي السجناء الأجانب الذين أدينوا بجرائم الإرهاب في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

غير أن ذلك لم يمنع مشرعين ومنظمات غير حكومية من إدانة القرار باعتباره استخداماً “غير مبرر” لمعتقل جوانتانامو الذي أنشأته واشنطن كأداة للحرب على الإرهاب، ضد المهاجرين غير الشرعيين.

وطالب النائب الديمقراطي ورئيس تكتل الناطقين بالاسبانية في الكونجرس، أدريانو إسبايات في بيان “إدارة ترمب بالتراجع عن الخطة”، قائلاً إن “الخطوة تعرض المحتجزين لخطر الانتهاكات، كما أنها “ستفرض تكاليف غير ضرورية على دافعي الضرائب”. 

وأضاف أن “الشعب الأميركي لن يقبل بسياسة تعامل طالبي اللجوء كإرهابيين أجانب”. 

لماذا يريد ترمب اعتقال المهاجرين في جوانتانامو؟ 

بحسب الخبير الأميركي في العلوم السياسية الدكتور ويلمر ليون، فإن قرار ترمب يُخفي وراءه عراقيل لوجستية تواجه خطة “الترحيل الجماعي” التي وعد بتنفيذها خلال ولايته الثانية.

وأوضح ليون لـ”الشرق”، أنه في ظل رفض عدد من الدول استقبال المهاجرين غير الشرعيين، الذين تريد إدارة ترمب ترحيلهم، لا تستطيع وكالة الهجرة والجمارك رفع أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين تعتقلهم يومياً؛ بسبب الطاقة الاستيعابية المحدودة لمراكز الاعتقال التي تديرها.

وتدير وكالة الهجرة والجمارك الأميركية حوالي 41 ألفاً و500 سرير في 200 سجن، ومركز احتجاز بتكلفة تبلغ 57 ألفاً و378 دولاراً سنوياً لكل سرير، وفقاً لوثائق الميزانية العامة. 

وصرّح توم هومان، المدير السابق بالوكالة لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، الذي عيّنه ترمب “قيصر الحدود”، بأن الإدارة الجديدة تعطي الأولوية أيضاً لترحيل 1.4 مليون مهاجر ممن صدرت بحقهم أوامر ترحيل بعد فشلهم في التأهل للحصول على وضع قانوني في الولايات المتحدة.

وتُظهر أحدث بيانات وكالة الهجرة أن “ما يقرب من نصف هؤلاء المهاجرين غير مؤهلين للترحيل، إذ حصل بعضهم على إعفاء أو تأجيل من الوكالة؛ لأن بلدانهم الأصلية ترفض استقبالهم، أو لأنهم قد يواجهون الاضطهاد عند إعادتهم”. 

واعتبر الخبير في العلوم السياسية ويلمر ليون، أن منشأة الاعتقال في جونتانامو “توفر حلاً فعالاً بالنسبة لترمب من أجل اعتقال المهاجرين غير الشرعيين الذين ترفض بلدانهم الأصلية استعادتهم، فيما سيسمح لوكالة الهجرة باعتقال عدد أكبر من المهاجرين غير الشرعيين”.

وقال ليون، إن اختيار منشأة جونتانامو ذات السمعة السيئة لاعتقال المهاجرين، هي أيضاً استراتيجية “تخويف وترهيب” من قبل ترمب للمهاجرين غير الشرعيين، خصوصاً من البلدان التي لا تتعاون مع واشنطن في عمليات الترحيل، هذا عدا عن كونها رسالة سياسية فعالة بالنسبة لقاعدته الانتخابية.

وأضاف:” تُبين هذه الاستراتيجية أن المهاجرين غير الشرعيين خصوصاً المدانين بجرائم عنف، يشكلون خطراً على الأميركيين، وأن الرئيس يتعامل معهم بحزم، من أجل ضمان سلامة الأميركيين”.

هل استخدام الجيش ضروري؟

ويظهر قرار ترمب اعتقال المهاجرين غير الشرعيين في قاعدة جوانتانامو العسكرية اعتماده المتزايد على الجيش ووزارة الدفاع في تنفيذ الوعد الذي قطعه خلال الحملة الانتخابية بالقيام بأكبر عملية ترحيل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة.

وكان ترمب نشر 1600 جندي على الحدود الأميركية للمساعدة في وقف تدفق المهاجرين خلال الأسبوع الأول الذي قضاه في البيت الأبيض، فيما تستعد وزارة الدفاع لإصدار أوامر بنقل 1000 جندي إضافي إلى الحدود، وإرسال نحو 500 من مشاة البحرية إلى خليج جوانتانامو، حيث سيتم احتجاز بعض المهاجرين المحتجزين.

الخبير الاستراتيجي الجمهوري مارك أليرت قال لـ”الشرق”، إن “ترمب تعهد خلال حملته الانتخابية باستخدام الجيش الأميركي في عمليات الترحيل، وحصل على تفويض من الشعب الأميركي الذي انتخبه للقيام بذلك”.

وفسر أليرت هذا القرار بأنه “وسيلة ذكية لاستخدام الموارد المتاحة بالفعل من أجل تنفيذ خطته دون الحاجة إلى إنفاق مزيد من الأموال من أجل بناء منشآت اعتقال مدنية داخل الولايات المتحدة، أو صرف أموال إضافية لتوظيف عناصر من وكلاء تأمين الحدود”.

واعتبر أن “هذه الخطوة تعكس أيضاً تحولاً في توجه إدارة ترمب نحو إقحام الجيش في سياسة أميركا أولاً، عبر إعطاء الأولوية للسياسات الداخلية على حساب الخارجية، فالقواعد العسكرية التي كانت مخصصة في السابق لاحتجاز الإرهابيين والمقاتلين الأجانب، أصبحت الآن تُستخدم لأغراض الترحيل، ما يعكس أن الجيش أصبحت تشمله أيضاً سياسة أميركا أولاً”.

وبحسب مركز الهجرة الأميركي، يعيش حوالي 11 مليون مهاجر غير موثق في الولايات المتحدة حتى عام 2022، ما يمثل حوالي 3.3% من إجمالي عدد السكان في البلاد، كما تم إطلاق سراح 2.3 مليون مهاجر آخر قابل للترحيل إلى الولايات المتحدة بين يناير 2023 وأبريل 2024، إذ تقدر تكلفة ترحيل كل هؤلاء المهاجرين على الأقل بـ315 مليار دولار.

ووفق المركز، فإن هذه النفقات تتوزع بين 89.3 مليار دولار لإجراء عدد كافٍ من الاعتقالات، و 167.8 مليار دولار لاحتجاز المهاجرين بشكل جماعي، و 34.1 مليار دولار على المعالجة القانونية، بالإضافة إلى 24.1 مليار دولار على عمليات الترحيل.

هل سيحصل المعتقلون على حقوقهم؟

رأت إرينا تسوكيرمان، وهي محامية أميركية متخصصة في قضايا الهجرة والأمن القومي، أن احتجاز المهاجرين في جونتانامو، لا يوفر فقط أعباء مالية لإدارة ترمب، بل أيضاً يسهل عليه التحديات القانونية.

وقالت في حديثها لـ”الشرق”، إن “احتجاز المهاجرين في جوانتانامو قد يساعد الإدارة على تجنب بعض الضغوط السياسية والقانونية المرتبطة باحتجاز أعداد كبيرة من المهاجرين داخل الولايات المتحدة”.

وأوضحت تسوكيرمان أن “خليج جوانتانامو يقع خارج الأراضي الأميركية، ما يعني أن المحتجزين هناك قد لا يتمتعون بنفس الحقوق القانونية والحماية التي يتمتع بها المحتجزون داخل الولايات المتحدة، ما قد يحد من قدرتهم على الطعن في احتجازهم أمام المحاكم الأميركية”.

وتستأجر الولايات المتحدة خليج جوانتانامو الذي يضم القاعدة العسكرية ومنشآت الاعتقال، من كوبا بموجب معاهدة يعود تاريخها إلى عام 1903.

وأوضحت تسوكيرمان أن “المحكمة العليا قد حكمت في قضية Boumediene v. Bush عام 2008، بأن المحتجزين في جوانتانامو لديهم الحق في الطعن في احتجازهم أمام المحاكم الأميركية، لكن هذا الحكم كان يتعلق بالمقاتلين الأعداء وليس بالمهاجرين، لذا من غير الواضح ما إذا كان سيُطبق على المرحّلين”.

ولفتت إلى أنه في حال “جادلت الإدارة بأن هؤلاء المهاجرين يتم احتجازهم فقط كجزء من إجراءات الترحيل، فقد تحاول تقييد حقوقهم القانونية مقارنةً بالمحتجزين الذين يواجهون اتهامات جنائية”.

كما أوضحت أنه “إذا تم احتجازهم إلى أجل غير مسمى، فقد يدعي المهاجرون انتهاك بند الإجراءات القانونية الواجبة في التعديل الخامس من الدستور الأميركي”.

واعتبرت المحامية الأميركية أن الدعاوى القضائية ضد احتجاز المهاجرين في جونتنامو “أمر لا مفر منه”، قائلةً إنه “من المرجح أن ترفع منظمات الحقوق المدنية، وجماعات الدفاع عن حقوق المهاجرين، والمنظمات الدولية دعاوى قضائية لمنع عمليات النقل الجماعي، بداعي أن ذلك ينتهك الدستور الأميركي من حيث الإجراءات القانونية الواجبة، والمساواة في الحماية”.

كما ينتهك القانون الدولي (بشأن معاملة المهاجرين والالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان)، وينتهك أيضاً قوانين الهجرة الأميركية الحالية، التي تسمح عادةً باحتجاز المهاجرين على الأراضي الأميركية مع منحهم حق الوصول إلى محامي الدفاع، وفقاً لتسوكيرمان.

هل هذه هي المرة الأولى؟

ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة منشآت قاعدة جوانتانامو لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين، إذ تم استخدام “مركز عمليات المهاجرين” بالقاعدة العسكرية لاحتجاز منشأة طالبي اللجوء واللاجئين لعقود.

وفي عام 1994، استأنف الرئيس بيل كلينتون استخدام القاعدة الذي بدأته الإدارة السابقة لمعالجة طلبات اللاجئين الهايتيين، وأمر لاحقاً باحتجاز طالبي اللجوء الكوبيين الذين تم اعتراضهم في البحر داخل القاعدة، وبحلول أواخر العام نفسه، بلغ عدد المهاجرين المحتجزين في المنشأة 45 ألف شخص، وفقاً لتقرير حكومي.

في العام الماضي، نشر مشروع المساعدة الدولية للاجئين (IRAP) تقريراً اتهم فيه “مركز عمليات المهاجرين” في جوانتانامو ، باحتجاز مهاجرين فارين من هايتي وكوبا ودول كاريبية أخرى طوال تاريخه.

وأشار التقرير إلى أن العديد من هؤلاء اللاجئين يتم اعتراضهم في البحر من قبل خفر السواحل الأميركي، ثم “يتم احتجازهم إلى أجل غير مسمى في ظروف شبيهة بالسجن دون أي وصول إلى العالم الخارجي”، وغالباً “بدون أي شفافية أو مساءلة تذكر”.

وجاء في التقرير “يُجبر هؤلاء اللاجئون على تحمل هذا الوضع حتى توافق دولة ثالثة على قبولهم لإعادة التوطين، حتى لو كان لديهم أفراد من عائلاتهم يعيشون في الولايات المتحدة”، مضيفاً أن “هذه العملية يمكن أن تستغرق سنوات”.

ما الفرق بين الماضي الحاضر؟

قال الخبير في العلوم السياسية الدكتور ويلمر ليون إن “هناك فرقاً جوهرياً بين الاستخدام السابق والحالي لجوانتنامو، يتمثل في أن سياسة ترمب تستهدف بشكل انتقائي مهاجرين معينين يتم تهجيرهم من داخل الولايات المتحدة إلى المعسكر لأغراض الاحتجاز، وليس استجابةً لحالات تدفق هجرة جماعية”.

وأضاف أن “عدد المحتجزين من المهاجرين في جوانتانامو، بلغ ما يصل إلى 45 ألف مهاجر في التسعينيات، كان ذلك نتيجة موجات الهجرة الجماعية إلى الولايات المتحدة”، مشيراً إلى أنه حتى في تلك الفترة أدى “احتجاز المهاجرين الهايتيين والكوبيين خلال التسعينيات بمركز عمليات المهاجرين إلى انتقادات واسعة، خاصة فيما يتعلق بالحقوق القانونية، لكن العديد منهم تمت إعادة توطينهم أو إعادتهم إلى أوطانهم، أما سياسة ترمب فهي لم تحدد بعد مدة زمنية لترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية وينقصها الكثير من التفاصيل”.

ولفت ليون إلى أن “السياسات في التسعينيات كانت متأثرة بالدبلوماسية المرتبطة بالحرب الباردة، إذ حصل المهاجرون الكوبيون على معاملة خاصة بموجب سياسة (القدم الجافة، القدم المبتلة)”، التي كانت تمنح أي مواطن كوبي يصل إلى الأراضي الأميركية حق البقاء في الولايات المتحدة سواء كان يحمل تأشيرة أم لا، ما دام قد وطئت قدمه الأراضي الأميركية.

وأضاف أن احتجاز الكوبيين في جوانتانامو كان “وسيلة للتحكم في التدفق الكبير للمهاجرين الراغبين من الاستفادة من تلك السياسة”، خصوصاً وأن سياسة “القدم الجافة، القدم المبتلة” كانت تقضي برفض دخول أي كوبي تقوم السلطات الأميركية بالتقاطه من المياه.

أما  الاستخدام الحالي، بحسب الدكتور ويلمر ليون، فيأتي “في سياق حديث يشمل تشديد أمن الحدود، وزيادة عمليات الترحيل، والعلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية، ما قد يؤثر على العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي سيتم ترحيل المرحّلين إليها”.

وخلص إلى أنه “رغم أن احتجاز المهاجرين في جوانتنامو كان مثيراً للجدل في التسعينيات، إلا أن تلك الخطوة كانت تُعتبر حلاً مؤقتاً للتعامل مع الهجرة الجماعية. أما الآن، فتثير هذه الخطوة تحديات قانونية، ومخاوف حقوقية، واهتماماً دولياً متزايداً، نظراً للسياق الأوسع لتطبيق قوانين الهجرة الصارمة وسجل جوانتانامو السيء عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، كمنشأة احتجاز مثيرة للجدل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *