اخبار تركيا

التجربة السورية.. هل يمكن الجمع بين المبادئ الإسلامية والديمقراطية؟ (كاتب تركي)

اخبار تركيا

تناول مقال تحليلي للكاتب والصحفي التركي طه قلينتش، الجدل القائم حول شكل النظام السياسي المناسب لسوريا في المرحلة الجديدة، مشيرا إلى وجود تساؤلات حول ما إذا كان النظام المنشود يجب أن يكونإسلاميًا أم ديمقراطيًا.

وقال الكاتب التركي في مقاله بصحيفة يني شفق إنه “في الأسابيع الأخيرة، وفي جميع النقاشات التي أجريتها حول التطورات الأخيرة في سوريا، لا بد أن يطرح هذا السؤال: “ما هو نظام الحكم الذي سيتم تطبيقه؟ هل هو حكم إسلامي أم ديمقراطي؟”.

وأضاف قلينتش: عند التعمق في نقاش هذا السؤال مع المحاورين، يتبين لي أنهم يرفضون الديمقراطية جملة وتفصيلاً بسبب ارتباطها “بالغرب”، وفي الوقت نفسه ليسوا متأكدين تمامًا مما يقصدونه بـ”النظام الإسلامي” فتصورهم عنه يقتصر على أمانٍ وتطلعات مبهمة، فمثلاً تبقى إجاباتهم عن الأسئلة التالية غامضة ونظرية بحتة: “ما هي صفات النظام الإسلامي؟”، “هل الانتخابات عملية تتعارض مع الإسلام؟”، “إذا استبعدنا الانتخابات، فكيف سيتم اختيار رئيس الدولة وأعضاء الجهاز الإداري؟”، “كيف سيتم تغيير الحاكم في النظام الإسلامي وما هي الآلية التي ستُتبع ؟”، “هل يجب أن يركز النظام الإسلامي على عدم ارتكاب أي خطيئة في الأراضي التي يحكمها؟ وهل هذا ممكن أصلا؟”، “كيف يتعامل النظام الإسلامي مع أولئك الذين لا يرغبون في عيش حياة إسلامية في ظل النظام الإسلامي؟” وهكذا تتوالى الأسئلة على هذا المنوال.

وجاء في المقال:

من المعروف أن الديمقراطية، التي تُقدَّم على أنها “أفضل أسلوب للحكم توصل إليه الإنسان عبر التاريخ”، جلبت معها العديد من المشاكل الجسيمة المعروفة. إن الانتقادات الموجهة للديمقراطية اليوم على مستوى العالم، وتزايد الاهتمام بالحكومات “الغير ديمقراطية”، يعود إلى تأثير هذه المشاكل بشكل كبير. أما الانتقادات الإسلامية الموجهة للديمقراطية، فهي تركز بشكل رئيسي على “الحكم بالقوانين البشرية بدلاً من القوانين الإلهية” و”تحويل الإنسان إلى المرجعية الوحيدة في اتخاذ القرارات”. فهل من الممكن أن يصل مسؤولون مسلمون إلى السلطة من خلال انتخابات شفافة ومتوافقة مع المعايير الحديثة، وأن يطبقوا جميع “المبادئ الإسلامية” بشكل كامل في حكومتهم؟ رغم الصعوبات العملية العديدة، إلا أنه ممكن من الناحية النظرية.

لنأخذ سوريا كمثال. يبدو أن الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع والتي تسعى لإعادة بناء بلد مدمر على جميع الأصعدة، تبنت أربع مبادئ أساسية، التعليقات بين قوسين هي لي شخصيًا.

1ـ إنشاء نظام قضائي عادل

(وبذلك يشعر جميع أفراد المجتمع بالأمان، وهم على يقين أنهم لن يتعرضوا لأي ظلم في أي موقف.)

2ـ تحقيق الأمن والاستقرار

(تضمن الدولة الحفاظ على الأمن والسلام في جميع جوانب حياة المواطنين اليومية، من حماية سلامتهم الجسدية وحتى حرية تنقلهم. وستُعاقب انتهاكات الأمن والسلام بشكل رادع، ولن يتم التسامح مع أي تجاوزات.)

3ـ التشجيع على الخير والحد من الشر

(يقع على عاتق الدولة بالدرجة الأولى مسؤولية حماية صحة المواطنين الجسدية والنفسية والعقلية. وعلى الدولة أن تتخذ جميع التدابير السياسية والاجتماعية اللازمة لتحقيق ذلك. ويجب تشجيع المجتمع على فعل الخير، والعمل على منع الشر. ولكن يجب أن يتم ذلك بطرق تربوية وتوعوية في كافة المجالات، وليس عن طريق فرض القوانين القمعية. وبذلك ستتشكل بيئة إسلامية و”قواعد سلوكية اجتماعية” تنتشر تدريجيا وبشكل طبيعي. وبهذه الطريقة حتى أولئك الذين لا يفضلون الالتزام بالتعاليم الإسلامية، سيجدون أنفسهم يتأثرون بهذه البيئة ويتكيفون معها.

4ـ توزيع الثروة بشكل عادل

(إن توزيع الموارد الاقتصادية بشكل عادل بين أفراد المجتمع وضمان الحد الأدنى من الرفاهية من أهم واجبات الدولة. ويُعد نظام الزكاة في الإسلام هي أحد أهم الوسائل لتحقيق هذا التوزيع العادل.)

وعند النظر بدقة في المصادر، يتضح بسهولة أن ما يطلبه الإسلام من المؤسسات السياسية وأي نظام حكم يتمحور حول هذه المبادئ الأربعة الأساسية، ويمكن إضافة بعض الأمور الفرعية إليها. وبناءً على ذلك، فإن أي إدارة تنجح في تحقيق هذه الأهداف يمكن وصفها بأنها “إدارة إسلامية”. أما شكل النظام وتسميته ومؤسساته فهي تفاصيل يمكن أن تختلف وفقًا للعرف والعادات السائدة في كل زمان ومكان، طالما أنها لا تتعارض مع مبادئ الإسلام. وفي المقابل فإن أي نظام لا يحقق هذه الأهداف لا يمكن اعتباره إسلاميًا، بغض النظر عن اسمه، سواء كان يسمى “جمهورية إسلامية” أو “إمارة إسلامية” أو “خلافة” وغيرها.

إن التجربة السورية، التي يتابعها العالم بأسره، وتسترعي اهتمام المسلمين في تركيا أيضًا، تعد نموذجا قيّما يمكن أن يسهم في إثراء الأدب السياسي الإسلامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *